Quantcast
Channel: أقلام تربوية –توجيه بريس|tawjihpress
Viewing all 156 articles
Browse latest View live

الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال

$
0
0

جواد مبروكي
طبيب ومحلل نفساني

كثيراً ما ألاحظ أن الطفل في مجتمعنا المغربي يخوض يومياً حروباً مع أمه بالخصوص (الأب غائب في عش المقهى) حول فروضه المنزلية؛ فبعد خروجه من سجن المدرسة التي عبأته ببرامج “أينْشْتايْنِيَّة” وأخضعته لأوامر عسكرية يجد نفسه داخل “ثكنة المنزل” و”الجنرال الأم” في انتظاره تصرخ: “يالله خودْ الغوتي دْيالكْ وْاَرى لِي نْشوفْ دفتر الواجبات”؛ وحينما تعاين لائحة الواجبات يتضح لها أن الحرب ستكون ساخنة.

ولما ينهي الطفل ساعة الراحة تحضر الأم: “يالله طْفي التلفزيون وْبْدي تْحْفظ”، فيشرع في التوسل إليها: “هِوَحْدْ شْوِيَّ نْكْمّْلْ الرسوم”، لكن “الجنرال” يرفض الطلب، ليشرع السجين الصغير في البكاء والأم تصرخ: “وْالله مَغَدِ تْنْعْسْ حتى تْكْمّْلْ كل الفروض”.

هذه مأساة الطفل المغربي في جل أيام الأسبوع، وحينما يحل يوما السبت والأحد ليستريح يجد الجنرال وقد جهز له برنامج التعذيب المكثف: مراجعة دروس الأسبوع و”السّْوايْعْ”، وهي أبشع طريقة لتعذيب الطفل.

والأخطر من ذلك هو أن “عدوى الفروض المنزلية” تصيب الأطفال حتى في مراحل رياض الحضانة.. أشعر بألم عظيم لما أرى أقسام الروض تشبه “سجون المدرسة”، حيث يتلقى طفل في الخامسة من عمره تعذيب الجلوس على الطاولة، ويجب عليه الصمت والانتباه لقائدته المربية وهي تُروضه كما نروض الحيوانات! ..هذه طريقة بشعة مُعنِفة لنفسية الطفل، وتحوله من طفل إنساني إلى طفل آلي يكره المدرسة.

كما أن أساليب التعليم المدرسي وحروب الواجبات المنزلية تغرس في الطفل كراهية المعرفة. وهذا من أسباب ابتعاد المغربي عن ثقافة “الكتاب”.. ترى الطفل (حتى الكبير) يصاب بأزمة قلبية إذا ما اُهديَّ له كتاب في عيد ميلاده مثلاً!

هذه الأساليب تقتل محبة الاكتشاف والمعرفة والتحليل لدى الأجيال الصاعدة، وهي من أسباب الانغلاق الفكري، كما أنها تجعل الطفل لا يرى سوى اتجاها واحدا (عملية الترويض)، وتُحضره للتعصب والتطرف وربما حتى الإرهاب؛ لأن جل الإرهابيين القياديين لهم مستوى دراسي عال جداً.

1- دور روض الحضانة: الرفع من معنويات الطفل وتعليمه كيف يعيش داخل المجموعة باحترام من خلال اللعب وتعلم ربط الحوار مع الأطفال ومع الكبار (المعلمة والمساعدة والمديرة….)، وتحضيره للدخول إلى عالم المدرسة بعد تجربة إيجابية، وتمكينه من اكتشاف قدراته الفنية والإبداعية عبر ممارسة الرسم والألعاب والغناء والموسيقى والتمثيل والرياضة، ما يتيح له فرصة اكتشاف كل العوالم المحيطة به. وبمعنى آخر كل برامج التعليم بالروض تتم من خلال “اللعب” فقط، لكي يرغب الطفل فيها وترسخ في ذهنه القواعد الأساسية لحياة المدرسة.

إن تقييد الطفل في الروض إلى طاولة العذاب ومحاولة تعليمه تركيب الجمل والقيام بالواجبات المنزلية هو تجاهل لحاجياته في هذا السن، بقدر ما هو تعذيب وإجرام في حق طفولته.

2- دور المدرسة: ليس تمكن الطفل من الحصول على 10/30 أو تحويل التلميذ إلى كومبيوتر نملأه بأقصى كم من المعلومات ونعذبه بالواجبات المنزلية؛ بل زرع حب المعرفة في وجدانه وتحفيزه على الانفتاح الفكري وخلق الفرص ليطور حاسة الملاحظة والتحليل والنقد لديه، وزرع بذور الثقة والإيمان بأن قدراته هائلة. وبهذا الشكل تنجح المدرسة في تحقيق هدفها الأسمى: “تكوين مواطن صالح له حس قوي لانتمائه إلى مجتمعه”.

مع الأسف أرى أساليب التعليم بعيدة عن احتياجات الطفل، وتبقى مجرد طرق لـ”الترويض” الفكري والتعذيب، متجاهلة نفسية ومشاعر الطفل، بحيث يبقى الهدف الوحيد هو الحصول على أحسن النقاط وليس التحصيل المعرفي السليم.

3- دور المنزل: يتمثل في استقبال الطفل بعد يوم من الفراق مع أمه وطمأنته وتشجيعه على ما اكتشفه في روضه أو مدرسته من خلال الرعاية واللعب والتسلية، حتى يمتلئ بحنان أمه الذي افتقده خلال يومه المدرسي. وهكذا نزيد في متعة وحب الطفل لـروضه أو مدرسته، بحيث يستعد للذهاب إليها في الصباح وهو في غاية الاطمئنان؛ لأنه يعلم عند رجوعه إلى البيت سيجد أمه في انتظاره وليس “الجنرال الأم”.. ومتعة هذا اللقاء ستحبب له بلا شك الروض والمدرسة.

للعلم فقط فإن كثيرا من الدول المتقدمة تمنع الواجبات المنزلية خلال مرحلة الروض والتعليم الابتدائي، وتمنع الامتحانات والنقاط والمقارنة.. كما أن الدروس تكون على شكل أبحاث تتم بكل مرح.

لقد حان الأوان لنعيد النظر في مختلف أساليب التعليم السائدة في مجتمعنا، ومعرفة دقيقة لشخصية الطفل واحتياجاته. كما أن على الآباء أن يختاروا رياض الحضانة التي لا تستعمل برامج “التعذيب” وينسجوا علاقة المتعة مع أطفالهم ويزرعوا فيهم حب المعرفة.

لنحرر جميعاً مدارسنا وبيوتنا من حروب الفروض المنزلية والأساليب القمعية.

التدوينة الواجبات المدرسية عند التلميذ المغربي .. المنزل ثكنة والأم جنرال ظهرت أولاً على توجيه بريس.


المدخل إلى إدارة تربوية حديثة ـ حميد بن خيبش

$
0
0

في عالم متغير و شديد التعقيد كالذي نعيشه،تواجه الإدارة التربوية مواقف ومتطلبات تستدعي الاهتمام بالمجهود العلمي و النظريات المحددة لممارسة إدارية فعالة.كما تفرض إلمام الإداري بمهارات القيادة التربوية، وتنويع الأساليب القيادية تبعا للمواقف التي يواجهها.
تبني نظرية أو نمط إداري، واكتساب مهارات متجددة ركنان أساسيان للتصور الذي يعتمده الدكتور فتحي أبو ناصر في كتابه ( مدخل إلى الإدارة التربوية)* للتجاوب بشكل مستمر مع المتغيرات التي تؤثر على سير العمل داخل المؤسسة،وتملك أسلوب علمي يضبط المواقف الإدارية.
لا يقترح المؤلف نموذجا فعالا بقدر ما يوسع دائرة الاختيار يعرض نماذج لنظريات وأنماط الإدارة التربوية ومهارات القيادة.ذلك لأن الهاجس الذي يشغله في المقام الأول هو ترسيخ القناعة بجدوى النظرية كإطار مرجعي يوجه الممارسة الإدارة، ويفك الارتباط مع الصورة النمطية و الرديئة لجهاز خدماتي منساق خلف التعليمات الواجب اتباعها،بغض النظر عن ملاءمتها للإطار الاجتماعي الذي يعمل به.
يعرض المؤلف للسياق التاريخي الذي تبلور ضمنه الاهتمام بالنظرية في الإدارة التربوية،كما بسرد أهم المحطات التي شهدت ميلاد فكر جديد في هذا المجال،وفي مقدمتها :
أ ـ المؤتمر القومي لأساتذة الإدارة التعليمية في نيويورك عام1947،والذي شكل منعطفا هاما للتفكير في الظاهرة الإدارية .
ب ـ البرنامج التعاوني في الإدارة التعليمية برعاية مؤسسة ” كلوج” و الذي تضمن منذ سنة 1946 تقديم منح للجامعات لتطوير الإدارة التعليمية، وقدم بحوثا في هذا الشأن.
ج ـ إنشاء مجلس الجامعات للإدارات التعليمية سنة 1945،و الذي اشرف على برنامج شامل للبحث التربوي،كما اهتم برعاية حلقات دراسية حول تطور نظرية الإدارة التعليمية.
ولم تخل مرحلة التشكل النظري لنمط الإدارة التربوية الحديث من بروز الصوت المعارض،إلا أن المؤلف يعدد جملة أسباب لهذا الموقف أهمها : عامل الخوف من صعوبة فهم النظرية و بالتالي إساءة استخدامها،وغياب لغة مهنية مشتركة بين الفاعلين تحقق التفاهم الواضح،بالإضافة إلى النزوع المستمر لإقناع العاملين بتأييد مجرى الأفكار بدل اختبارها على أرض الواقع.
ونظرا للتداخل الحاصل بين نظريات الإدارة التربوية ونظريات القيادة،فإن المؤلف أفرد حيزا مهما من الكتاب لتسليط الضوء على المجموعات الرئيسية الثلاث التي صاغت ضمن مسار تاريخي يمتد من أواخر الأربعينات حتى اليوم ما يُصطلح عليه بفلسفة الإدارة.فالنظريات التقليدية،وفي مقدمتها نظرية “الرجل العظيم “ونظرية “السمات”،اهتمت بشكل أساسي بالصفات الخلقية الموروثة،و السمات لواضحة و المحددة التي تؤهل الفرد للقيادة.و الحديث هنا عن الوراثة يعني بكل تأكيد أن لا مجال لاكتساب مؤهلات الإداري /القائد،وهو التصور الذي سعت النظريات السلوكية لتجاوزه عبر التركيز على ما يفعله القائد،وعلى سلوكه مع الأفراد لتحديد مدى نجاحه.
تهتم نظرية (x) بالإطار الفلسفي الذي يستند إليه المدير في كل تصرف إداري.وأنه متى كان هذا الإطار واضحا متماسكا فإن سلوك الأفراد سيتحقق كاستجابة لسلوك الإدارة.غير أن الأمر لا يخلو من نزعة تحكمية في السلوك التنظيمي دفعت (ماك غريغر)إلى صياغة نظريته (Y) التي تؤمن بمبدأ التكامل بين خلق الظروف التنظيمية ومساعدة العاملين على تحقيق أهدافهم الشخصية.فنجاح المؤسسة رهين بالمواءمة بين حاجات الفرد العليا وأهداف الإدارة.
أما نظرية الأبعاد ونظرية الاحتمالات فتقران بصعوبة التوصل إلى سلوك إداري نموذجي يستجيب للمواقف المتغيرة، مما يحتم الاهتمام بتوفير أساليب قيادية وبدائل واحتمالات سلوكية، تتيح للقائد مواجهة المواقف ضمن إطار فلسفي واضح المعالم .
وتنتصب النظرية الموقفية كخيار ثالث يتجاوز بعض ما قررته النظريات السلوكية،بحيث تتحدد معالم هذه النظرية بتركيزها على المتغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية وما ينبغي أن يقابلها على نحو متناسب من تغيير داخل المؤسسة.فلا يوجد نمط قيادي فعال في كل المواقف،بل يجب أن تنبثق الاستراتيجيات الإدارية من التفاعل الحاصل بين عوامل ثلاث هي: نوع القائد،ونوع الجماعة،وطبيعة الموقف.
تعدد النظريات أفرز لاحقا تعددا في الأنماط الإدارية،إلا أن حركة العالم النامي في خضم التحولات العالمية المتسارعة تكشف عن هيمنة تصورين يحكمان السلوك الإداري.يعبر أحدهما عن وقوف مأساوي أمام تيار العولمة الهادر،بينما يستجيب الآخر لمطلب المواكبة الجادة و الفاعلة.
يسود التصور الأول نمطان إداريان تقليديان : الإدارة بالأساليب،و هو نمط يُغلب الشكل على المضمون، ويفضل حصر الممارسة الإدارية في جانبها الخدماتي الذي يحقق أهداف الإدارة العليا دون الالتفات لمطالب المؤسسة التعليمية.ونمط الإدارة بالأهداف الذي يُعنى بتقسيم وتفتيت الأهداف الاستراتيجية إلى مهام بسيطة على نحو تراتبي يُحدث خللا وانفصاما في الرؤية.
أما التصور الثاني فيرتفع فوق الاستجابة لإصلاح هيكلي قصير الأمد صوب تغيير ثقافي يجعل من الكيان المدرسي وحدة أساسية في صنع القرار و التخطيط المستقبلي،وذلك عبر نمطين إداريين: الإدارة بالرؤية،و التي ترفع من مستوى الاتصال،وتحرص على الاستفادة من الإمكانات الذاتية للعاملين،و استثارة طاقاتهم الكامنة،و نمط الإدارة المرئية الذي يحرص على التخفيف من حدة التشويش المؤسسي،واستبعاد المعيقات عبر التكامل المثمر بين أربعة عناصر أساسية وهي: التخطيط،و التنفيذ،والمتابعة،و التطهير .كما يهتم بالقضاء على صور هدر الوسائل و الأنشطة عبر إدخال قيمة السرعة في ثقافة التعليم و التدبير المؤسسي .
ولأن الشق النظري لا يمكنه أن يحقق الضبط العلمي للموقف الإداري،فإن استكمال الفاعلية المطلوبة يقتضي تحديد جملة من المهارات الإدارية التي ينبغي أن يتصف بها القادة التربويون،ضمن مخطط يحرص المؤلف من خلاله على بلوغ مستوى من الاختيار العلمي الدقيق للإداريين،وتحقيق الانسجام بين القدرات الفردية و المهام الوظيفية.
يعدد المؤلف سبع مهارات أساسية ترفع من المستوى التنظيمي داخل المؤسسة،وتسهم في خلق إدارة نموذجية،و هي : مهارات الاتصال،وإدارة الوقت،وإدارة الاجتماعات،وإدارة التغيير،وإدارة ضغوط العمل،وإدارة الأزمات،ثم إدارة الصف.وتحت كل مهارة يستعرض أهم الخطوات والمعيقات،وكذا سبل التجاوز و الأجرأة على مستوى بيئة العمل.بيد أن كم المعطيات الذي يستدعيه المؤلف لتحديد السمات و المهارات يوحي للقارئ بتصور لا يقف عند حدود الكفاءة الإدارية المطلوبة للإسهام في تغيير جوهري للمنظومة التربوية،بل يطمح لبلوغ مستوى القائد التربوي الملهم،ذي البصيرة التي تتغيا تحريك العاملين لتحقيق رؤية مستقبلية أرحب مما يتيحه الواقع.وهو طموح مشروع و لا شك،إلا أنه يتجاوز بكثير سقف الإصلاح الذي تسمح به إكراهات عديدة لا يتسع المجال لإثارتها.
من ضمن ما يُعاب على المؤلف هو كثرة الاستطرادات و الإقحام المخل بالمنهجية التي اختطها وأعلن عنها في مقدمة الكتاب.ففي الحديث عن السمات حاول المؤلف جاهدا استلهام بعض سمات القائد التربوي من كتابات فقهاء و مفكرين مسلمين على نحو متسرع وغير منهجي،فجاء استشهاده بشروط القيادة للأمة من كتابات الماوردي و الجويني وأبي نصر الفارابي مربكا للقارئ،وكاشفا عن تسرع غير مفهوم،واجتزاء للنصوص من سياقها الخاص.يورد مثلا في معرض حصره لقائمة السمات التي ينبغي أن يتمتع بها رجل الإدارة كلاما لابن الأزرق عن الفرق بين الجود و السخاء و الإيثار معللا ذلك بقوله ” وإيثار القائد التربوي يجعل منه متميزا عند التعامل مع الفئات المختلفة داخل وخارج المؤسسة التربوية،وتلزمه عند التعامل مع الفئات الأقل حظا من المجتمع” ص55 ،وذلك في خلط غير مستساغ بين السمات لخاصة برجل الإدارة الحديثة ،و أخلاق المروءة التي تتسع لكل أفراد المجتمع !
يحتفظ الكتاب بوجاهته في الدعوة لبناء نظري يوجه الممارسة الإدارية،والتأكيد على أهمية البعد النظري في إعداد وتدريب القادة التربويين وتطوير ممارسة إدارية ذكية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) د.فتحي محمد أبو ناصر : مدخل إلى الإدارة التربوية.دار المسيرة.عمان 2007

التدوينة المدخل إلى إدارة تربوية حديثة ـ حميد بن خيبش ظهرت أولاً على توجيه بريس.

“الدرس الفلسفي”بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب : رؤية نقدية ـ اسماعيل فائز

$
0
0

يطرح “تدريس الفلسفة” مجموعة من الإشكالات التي تبتدئ – ربما – بالتساؤل عن إمكانية تدريس التفلسف ( كاختيار بيداغوجي رسمي) أو “تدريس ما لا يمكن تدريسه” بعبارة جاك دريدا. وتمر بمساءلة الشروط المؤسساتية والبيداغوجية والديداكيتية لهذا التدريس، كي يكون مثمرا ومجديا، ولا تنتهي مع إثارة قضايا السياق السياسي والسوسيو- ثقافي الذي يتم في إطاره هذا التدريس.
وإذا كان مدرس الفلسفة يروم مساعدة المتعلم على “تعلم التفلسف” (أي التفكير الفلسفي العقلاني والنقدي المتشبع بقيم الحرية والاختلاف…) فإنه من باب أولى أن يضع ممارسته الفصلية على محك النقد. لتبين أهم العوائق/ الأعطاب التي تعترض هذه السيرورة، ويقترح البدائل/الحلول الممكنة، مستحضرا الجدلية القائمة بين الجانب النظري والشق التطبيقي من الممارسة الفصلية.
في هذا السياق تأتي هذه الورقة/المساهمة – المتواضعة – لا لتقدم حلولا ناجزة، بل بشكل أساس لتفتح الباب مشرعا على جملة من الأسئلة والهموم التي تؤرق بال كل غيور على “الدرس الفلسفي بالمغرب” (خاصة بالثانوي التأهيلي).
وبغية تسليط الضوء على هذا الأمر سنتطرق لمحاور ثلاثة:
أولا: عوائق “تدريس التفلسف” بالثانوي التأهيلي
ثانيا: ملامح من التجربة الفصلية
ثالثا: نحو اجتراح بدائل/حلول ممكنة.

المحور الأول: عوائق “تدريس التفلسف” بالثانوي التأهيلي
لا نفشي سرا إن قلنا إن “الدرس الفلسفي” بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب (والتعليم الجامعي أيضا) يواجه ثلة من التحديات التي تحول دون نجاعته، وتقف عائقا أمام ترسيخ الفكر الفلسفي العقلاني والنقدي في المجتمع المغربي. وبالنظر لصعوبة جرد كل الأعطاب – في هذا المقال المتواضع – فإننا سنشير إلى أبرزها فقط.
1- العوائق السوسيوثقافية:
– التمثلاث الاجتماعية السلبية حول المدرسة عموما (أزمة ثقة المجتمع في المدرسة)، وحول الفلسفة خصوصا. إن التلميذ المغربي يأتي إلى درس الفلسفة وهو محمل بالعديد من الأراء والأحكام المسبقة حول الفلسفة، والتي تسمها وتسم مدرسها بسمات سلبية (“مادة الحمقى” “مادة صعبة وكلها عقد” “مادة عقيمة لا تفيدنا في حياتنا” “تؤدي إلى الشرك والإلحاد”… والكلام لعينة من التلاميذ ). وتشكل مثل هذه التمثلات حاجزا سيكولوجيا يمنع المتعلم من الإقبال على درس الفلسفة بحماس وشغف.
– انتشار ظواهر الشعوذة والسحر والإقبال على شراء واستعمال التمائم، وزيارة الأضرحة والمواسم طلبا للعون والاستشفاء…في المجتمع المغربي. ولا شك أن بروز تفكير عقلاني رهين بإعادة النظر والقطع مع الممارسات الخرافية التي لا يقبلها لا العقل والدين، لتهيئة تربة خصبة للتفكير الفلسفي. وفي ظل وجود مثل هذه الظواهر يصعب “دفع المتعلم” إلى إعمال العقل بشكل نقدي.
– يتطلب “الدرس الفلسفي” الانفتاح على حقول معرفية عدة كالعلوم الطبيعية والإنسانية والآداب…لاستيعاب مجموعة من الإشكالات التي يصادفها المتعلم في برنامج المادة. أي أن الأمر يتطلب من المتعلم (والمدرس(ة) طبعا) امتلاك رصيد معرفي منفتح وغني…وأمام أزمة القراءة التي يشهدها مجتمعنا يظل هذا الأمر بعيدا عن المنال، ويسهم في غربة “الدرس الفلسفي”.
– ثقافة الرأي الواحد: تعودنا على الإنصات للرأي الواحد باعتباره “الرأي الأصوب” (رأي الاب داخل الأسرة – رأي المدرس داخل الفصل – رأي “الفقيه الرسمي” في الشأن الديني- رأي الزعيم داخل الحزب – رأي الحاكم “الأوحد” في تدبير الشأن العام…). ولأن التلميذ استدمج ثقافة الفكر الأحادي فإن التعرف على رؤى متعددة، وتصورات “متضاربة” في مادة الفلسفة يعكس بالنسبة له ضعف وعقم الفلسفة كأسئلة بدون أجوبة، لا غناها وانفتاحها على الاختلاف والنقاش العقلاني …الخ.

2- العوائق السياسية :
ويبرز في التعامل “التكتيكي” لا “الاستراتيجي” من طرف الدولة مع “تدريس مادة الفلسفة”. فلمواجهة التيار اليساري والإيديولوجية الماركسية سعت الدولة إلى محاصرة الفلسفة داخل الجامعة (إغلاق معهد السوسيولوجيا، حذف شعبة الفلسفة من كليات الآداب الجديدة – إنشاء شعب الدراسات الإسلامية …) وحين لاحظت صعود تيارات الإسلام السياسي ( التي تنازع النظام شرعية الحكم) “استنجدت بتدريس الفلسفة” بهدف ” تلجيم المد الأصولي” من جهة، واحتواء الخطاب الفلسفي (المشاغب) من جهة أخرى. و يبرز هذا التعامل “التكتيكي” كذلك في إهمال البحث العلمي عامة، وفي مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة.

3- عوائق بيداغوجية – ديداكتيكية :
– اختيار المقاربة بالكفايات : تقر الاختيارات الرسمية بضرورة اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل ل”تعليم التفلسف” (وفق البيداغوجيا الكانطية التي لا تلغي البيداغوجيا الهيغلية كليا). بيد أن هذا الاختيار ، وإن كانت له مبرراته القوية وإيجابياته التي لا يمكن إنكارها، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نغض الطرف عن محدوديته، والتي تكمن أساسا في تغليب الجانب المنهجي التقني (الخطوات المنهجية المجزأة في الكتابة الفلسفية، وهو أمر تكرسه الأطر المرجعية المحينة 2014 الخاصة بالتقويم في مادة الفلسفة ) على حساب الروح الفلسفية (روح التأمل والشك والأشكلة والمفهمة والحجاج والتفكيك والنقد…). ويمكن – ربما – تفهم هذا الأمر إن نحن استحضرنا المرجعية الاقتصادية للمقاربة بالكفايات.
“إن الدرس الفلسفي يخسر كثيرا حينما يتحول إلى مختبر للتمهير، حيث تصبح المهارات غايات في ذاتها، وفي ذلك غربة حقيقية للدرس الفلسفي، لأنه من جهة يبتعد عن خدمة ملكة الفكر […]ومن جهة أخرى يصبح أسير مهارات عابرة وبالتالي أسير تعلم المحو” .
فلا غرو إن كنا نصادف نماذج من كتابات التلاميذ قد تراعي الجانب المنهجي – خطوة بخطوة – لكنها تتسم بالنمطية وغياب الإبداع… وتفتقد للروح الفلسفية، ومما يزيد الطينة بلة انتشار والإقبال على “استهلاك” المؤلفات التجارية في مادة الفلسفة التي تدعي تقديم الوصفات الجاهزة للمتعلم لكتابة إنشاء فلسفي مدرسي.
– مشاكل التأليف المدرسي: فالمتفحص للكتب المدرسية في مادة الفلسفة سيجد بها الكثير من العيوب المرتبطة بسوء الترجمة أحيانا، والاختيار غير الموفق للنصوص، وتقديم عروض وملخصات تكرس سلبية التلميذ، وتضعف فيه روح البحث عن حلول للإشكالات الفلسفية. دون أن ننسى اعتماد العرض التقليدي – في هذه الكتب – مما يقوض عملية الأشكلة…الخ
– مشكلة الضعف اللغوي للمتعلم: يقول هايدغر “إن اللغة مسكن الوجود”، ونعرف حاليا الارتباط الوثيق بين الفكر واللغة، بحيث يستحيل تصور أحدهما دون الآخر. وبالنظر إلى الضعف اللغوي للمتعلم فإنه من الصعب تعليم/ تعلم الكتابة الفلسفية في غياب امتلاك رصين للغة العربية الفصحى . فقد تجد بعض التلاميذ الذين يستوعبون المضامين الفلسفية، ويتعاملون معها بفكر نقدي، غير أن عدم تمكنهم من اللغة يشوه كتاباتهم، ويفقد أفكارهم قيمتها.
– إن الاكتظاظ الذي تعرفه الفصول الدراسية، وعدم تلاؤم الغلاف الزمني المخصص للمادة مع حجم المقررات الدراسية (خاصة بالنسبة للثانية من سلك البكالوريا، وبالأخص شعبتي الآداب والعلوم) يدفع بالمدرس، في الكثير من الأحيان، إلى تعليم الفلسفة لا التفلسف. أي إلى نقل معارف فلسفية للمتعلم الذي يحفظها ليستظهرها لحظة التقويم، وسرعان ما يتخلص منها عند “التحرر من قيود الامتحان”. إذ يتم الإنشغال بمسألة الفشل والنجاح والجانب المعرفي على حساب “هاجس” التفلسف.
علاوة على ذلك يحول الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية دون إعطاء التمارين الفلسفية العناية التي تليق بها، ودون التمرن على الكتابة الفلسفية داخل الفصل، ويفرض على المدرس تقليص مساحة الحوار. بل ويتحول النص الفلسفي المفعم بالحياة إلى نص عادي. هذا فضلا عن تعامل بعض المدرسين مع النصوص الفلسفية باعتبارها غايات في حد ذاتها لا وسائل لتعلم التفلسف، مما يجعل النص الفلسفي عائقا أمام التفلسف لا دعامة له.
– مدرس الفلسفة “داعية إيديولوجيا ” : إن تحويل الدرس الفلسفي إلى مسرح للدعاية الايديولوجية (أي اختزال الفلسفة في فلسفة واحدة) يفرغه من مضمونه الفلسفي والنقدي. وأكثر ما يمكن أن ينتجه مثل هذا الدرس مريدون وأتباع لا قدرة لهم على التفلسف والإبداع. ويصير المدرس “شيخا” ينطق بالحقيقة المطلقة. ويتعمق الانغلاق المعرفي لدى المدرس، وعدم مواكبة التطورات المعرفية المتلاحقة. وغني عن البيان أن هذا الأمر يصيب الفلسفة في مقتل، ويفقد “الدرس الفلسفي” قيمته المضافة، و التي تكمن في التربية على قيم الحرية والإبداع وقبول الاختلاف والحوار…الخ.
– لا تفوتنا أيضا الإشارة إلى المشاكل التي يعانيها درس الفلسفة بالجامعة المغربية، والتي تنعكس سلبا على التكوين الأساس للطلبة/ الأساتذة (مستقبلا). إلى جانب ضعف التكوين البيداغوجي بالمدارس العليا للأساتذة سابقا/المراكز الجهوية للتربية والتكوين حاليا, وكذا ضعف التكوين المستمر، والتكوين الذاتي…كل هذا يلقي بظلاله، ولا شك، على تعليم/تعلم “التفلسف” بالتعليم الثانوي التأهيلي، ويكرس أزمة “الدرس الفلسفي” بالمدرسة المغربية.
المحور الثاني : ملامح من التجربة الفصلية
كشفت لي تجربة التدريس – القصيرة والمتواضعة- أن “الدرس الفلسفي” يظل بناء غير مكتمل يحتاج من المدرس(ة) إخضاعه “لمطرقة” النقد. و ينبغي للمدرس (ة) أن يملك من التواضع ما يجعله يستفيد من ملاحظات هيأة التأطير التربوي، و من زملائه وتلاميذه أيضا. كما ينبغي العمل دوما على تنقيح هذا الدرس وإغنائه (من هنا تبرز أهمية التكوين الذاتي).
ولأن” الدرس الفلسفي ” ينبغي أن ينفتح على قضايا المجتمع، وهموم المتعلمين والمتعلمات، ومن هنا تبدى لي أهمية تشجيع التلاميذ على القراءة (قراءة كتب وتلخيصها)، وإنجاز عروض تفتح “الدرس الفلسفي” على محيطه، وعلى هموم المتعلمين، كي لا يظل حبيس جدران الفصل. وكذا استثمار الوسائط السمعية البصرية، كلما أتيحت الفرصة، في إنجاز الدروس، وإخراجها من الرتابة (مع حث التلاميذ على مشاهدة الأشرطة السينمائية والأفلام الوثائقية ذات البعد الفلسفي ).
لقد تبين لي أيضا أن سلبية التمثلات الاجتماعية حول الفلسفة لا تمنع من قدرة “الدرس الفلسفي” على التأثير فيها، والأخذ بيد المتعلم لبلورة منظور إيجابي حول الفكر الفلسفي (ولم لا مواصلة مسار اكتشاف الفلسفة في التعليم العالي). ولا يستطيع المدرس(ة) مساعدة المتعلم(ة) في تحقيق الأمر ما لم يكن “الدرس الفلسفي” فضاء للحوار وقبول الاختلاف، واحترام آراء التلاميذ. فمادة الفلسفة هي “ذلك المتنفس الفكري الجميل” و”مادة تساعد على تنمية الفكر” “وفضاء فسيح للنقاش وتبادل الآراء”.(وهذه العبارات شهادات حرفية لبعض التلاميذ). وهذا مما يثلج الصدر، ويبعث على الأمل والتفاؤل بإمكانية غرس بذور الثقافة الفلسفية داخل مجتمعنا.
ثالثا: نحو اجتراح بدائل/ حلول ممكنة:
لا يمكن “للدرس الفلسفي” بالمغرب أن يسهم في تكريس فكر عقلاني ونقدي، وأن يستنبت داخل المجتمع قيم الحداثة والتسامح والقبول بالاختلاف والتعايش والحوار…الخ بمعزل عن السياق السوسيوثقافي والسياسي عموما. ولا يمكن تصور درس فلسفي ناجع وذي جدوى في ظل منظومة تعليمية معطوبة. لذلك فاجتراح حلول لتجاوز العراقيل السالفة الذكر لا يمكن أن يكتمل بدون امتلاك الدولة إرادة سياسية لبناء مدرسة حداثية تكرس الفكر العقلاني، بعيدا عن النزعة العقلانية الأحادية والتقنوية التي تلغي الجوانب العاطفية والوجدانية وعنصر المخيال/ الأسطورة (بالمعنى الانثروبولوجي المعاصر).
ينبغي أن نعي أيضا أن ازدهار الفكر الفلسفي لا يمكن أن يتم إلا في إطار مجتمع حر، ونظام ديمقراطي، وفي إطار دولة الحق والقانون. إذ المجتمعات المستبدة لا يمكن أن تسمح للإنسان/المواطن بأن يتنسم عبق الفكر الحر. وستظل دروس الفلسفة حول الحق والعدالة والواجب والحرية والسعادة…جوفاء، مالم يكن التلميذ المغربي قادرا على تلمس هذه المفاهيم في مؤسسات الدولة، وفضاءات المجتمع.
لا يفوتنا أيضا أن نشير إلى أن انتعاش “الدرس الفلسفي” مقترن (بشكل تفاعلي) بكسب رهان بناء المجتمع الحداثي المتقدم (على أن الحداثة ليست وصفة جاهزة تستورد، وليس للتقدم نموذج واحد أوحد يقترض من الآخر). وهو رهان لا يمكن اكتسابه إلا بالتأسيس لثورة ثقافية، تجعل القراءة سلوكا يوميا للتلاميذ والمواطنين (إنشاء وفتح المكتبات المدرسية والرقمية ، وإنشاء ودعم المقاهي الأدبية…).
ومن المطلوب أيضا التفكير في تدريس الفلسفة للأطفال. إذ لا يعقل أن يطلب من “الدرس الفلسفي” أن يغير أو يزعزع “قناعات”/تمثلات عمرت لسنين، واستقرت في الوعي واللاوعي. وسيكون وضع مدرس الفلسفة أشبه بمحنة سيزيف . ولعل تجربة الفيلسوف الأمريكي ماثيو ليبمان Mathew Lipman في تدريس الفلسفة للأطفال (الإعتماد على القصص الهادفة في مشروعه البيداغوجي) وظهور” تيار الفلسفة للأطفال” ما يشجع على النفكير في الأمر، وخوض التجربة. (ألا يمتلك الطفل روح “الشغب الفكري” والسؤال التي سرعان ما يتم وأدها من طرف الأسرة والمدرسة؟ )
ومن حيث البعد البيداغوجي- الديداكتيكي فإنه من الضروري أيضا إعادة النظر باستمرار في المناهج التربوية، والبرامج والمقررات الدراسية لمسايرة التطورات المعرفية، وملامسة هموم وحاجات التلاميذ، وتحقيقا للانسجام في شخصية المتعلم. كما أنه من المهم فتح نقاش حول استبعاد الفكر الإسلامي من دروس الفلسفة، إذ ترك هذا الفكر عرضة لاستغلال “الإسلام السياسي”.
من المهام المستعجلة أيضا العمل على التخفيف من كثافة البرامج والمقررات (إذ العبرة ليست بالكم) ، وملاءمتها مع الغلاف الزمني المخصص للمادة، حتى لا يصير هاجس المؤسسة والمدرس والتلاميذ إتمام المقررات بغض النظر عن الكيف. وكذا إعادة النظر في طرق التقويم (حتى يأخذ بعدا تركيبيا مما يسمح بالقطع مع ظواهر الغش والاعتماد على الحفظ).
وعلى عاتق “مدرس الفلسفة” تقع مهمة التشبت بالتكوين الذاتي، والعمل على ربط الفلسفة بالواقع والحياة اليومية، وإعادة النظر في المقولات الجاهزة التي قد تسيء “للدرس الفلسفي”، من قبيل الفكرة القائلة بأن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة . كما أن نسج علاقات إنسانية وتواصلية بين المدرس والمتعلم قد يذيب الكثير من الجليد، ويسهل عملية التعليم/التعلم.
وبالنظر لكوننا نعيش “عصر الصورة”، فإنه لا يمكن إنكار أهمية الوسائط البصرية والسمعية في “الدرس الفلسفي” ، وإن كانت عوائق الاكتظاظ، وعدم توفر قاعات الدروس على تلك الوسائط، تمنع في الكثير من الأحيان تفعيل هذه الخطوة.
ومن المهم ألا يتم حصر وتنميط الكتابة الفلسفية في شكل المقال الفلسفي. إذ يمكن التفكير في الانفتاح على أشكال إبداعية أخرى من الكتابة الفلسفية ( الرسائل – المحاورات – القصائد الفلسفية – الشذرات …) .

على سبيل الختم :
لا ينبغي إذن أن يتم حصر مشاكل “الدرس الفلسفي” في الجانب البيداغوجي- الديداكتيكي فقط، ويتم تناسي أن الدرس الفلسفي يتم داخل إطار مؤسساتي تتحكم فيه اعتبارات سياسية واقتصادية وتاريخية واجتماعية. وما لم ننظر إلى الأمر وفق مقاربات متعددة فسنظل عاجزين عن إدراك عوائق “تدريس التفلسف”، ولن تكون الحلول التي نقترحها ذات جدوى.
في الختام تجدر الإشارة أيضا إلى ضرورة الحذر وأخذ مسافة نقدية من كل المحاولات الرامية إلى تنميط “الدرس الفلسفي بالثانوي”، وجعله درسا “حرفيا ” أو “ممهننا” عاديا، بعيدا عن روح “التفلسف”. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال التخلي عن الخطاب البيداغوجي- الديداكتيكي، بقدر ما يعني حضوره بالشكل الذي يتوافق وجوهر الفلسفة القائم على التفكير النقدي البناء.
وعلينا أن نعي أن الحاجة إلى “تدريس التفلسف” – باعتبار الحق في التفلسف حقا عموميا- حاجة مجتمعية لا مجرد ترف فكري، إن نحن أردنا الانخراط في المجتمعات الديمقراطية.
الهوامش :
– لمزيد من الاستيضاح يراجع “مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب” ل “عز الدين الخطابي” (خاصة الفصل الثاني بيداغوجية الفلسفة، من التأسيس إلى الاختلاف”. منشورات عالم التربية ط1، 2002.
وانظر (ي) أيضا عبد القادر المذنب، “الفلسفة، فكر وبيداغوجيا”، دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2000.
2 – انظر (ي)” المامون الحسين، التمثلات الجتماعية كعائق أمام درس الفلسفة”. http://falsfatyi.marocprof.net/post/91574.
3 – انظر (ي) الدرس الفلسفي بالمغرب، حوار مع د كمال عبد اللطيف. http://www.aljabriabed.net/n54_05kamal.htm
4 – انظر(ي) محمد أعراب، “الفلسفة والتدريس بالكفايات بالتعليم الثانوي التأهيلي”. خاصة الفصل المعنون ب “مطالب الجودة ومشروعية خطاب الكفايات”.http://www.mominoun.com/articles/%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%87%D9%8A%D9%84%D9%8A-1938
5 – عزيز لزرق ،” الدرس الفلسفي بالثانوي” http://www.aljabriabed.net/n48_09lazrak.htm
6-انظر(ي) مثلا الملاحظات النقدية التي سجلها د ناصر السوسي حول الكتاب المدرسي “في رحاب الفلسفة http://www.anfasse.org/2010-12-30-16-04-13/2010-12-05-17-19-19/4301—–l—r—————-.
7- عبد الرحمان اليعقوبي “إشكالية الضعف اللغوي عند التلميذ في التعليم التأهيلي”. http://www.tarbawiyat.net/news8607.html
8 – انظر(ي) الحسين حريش، “درس الفلسفة بالمغرب…كل شيء إلا الفلسفة” http://www.hespress.com/opinions/16757.html
9 – أشار الدكتور عبد السلام ديرار في مقال رائع إلى أهم المزالق التي تهدد درس الفلسفة. انظر(ي) http://www.anfasse.org/2010-12-30-16-04-13/2010-12-05-17-19-19/4886-2012-11-15-21-07-19
10- مصطفى بلحمر، ” الطفل والفلسفة:هل هناك فلسفة قاصرة ؟” http://tafalsouf.com/PagePhiloMineureMus.htm
11 – انظر(ي) جمال هشام، ” برامج الدرس الفلسفي في التعليم الثانوي التأهيلي “مسألة اللاتوازن بين الكم والكيف” http://www.aljabriabed.net/n54_10hicham.htm
12- الفلسفة درسا وتهديد المزالق.عبد السلام ديرار(م م)
13 -انظر (ي) شوقي المصطفى، “المجاز والحجاج في درس الفلسفة بين الكلمة والصورة” دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، ط 1، 2005. (صص93-102).
14- مصطفى بلحمر ، “الطفل والفلسفة:هل هناك فلسفة قاصرة ؟”. (م م).

التدوينة “الدرس الفلسفي” بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب : رؤية نقدية ـ اسماعيل فائز ظهرت أولاً على توجيه بريس.

في بيداغوجيا المدنيّة ـ عبدالله عطيّة

$
0
0

Quand on commence à penser que toutes les opinions ont la même valeur , il n’ya plus d’erreur ni de vérité.
Octavio Paz

في المفهوم:
التّربية المدنيّة مادّة قيم بدرجة أولى، التّسمية في حدّ ذاتها تُغني عن كلّ تشكيك في ماهيّتها من ناحية، وتؤكّد هذه الحقيقة البيّنة من ناحية ثانية. ولعلّ الانتقال في مستوى التّسمية من “التربية الوطنيّة” إلى “التربية المدنيّة” له أكثر من دلالة، هي استجابة طبيعيّة مجتمعيًّا لمرور الدّولة من طور البناء إلى طور ما بعد البناء ،أو لِنَقُل من طور بقاء الكيان السياسيّ إلى طور حسن البقاء التنشيئيّ لهذا الكيان .أعني كيف يستشعر النّشء معنى الوطنيّة حين يمارسها أفقيّا وعموديّا، الممارسة العموديّة تأخذ شكل “التعرّف على: – الهياكل الإداريّة التي يتعامل معها وتراتيب عملها / ودور المؤسّسات العموميّة وكيفيّة تنظيمها/ والعلاقات القائمة بين المؤسّسات الوطنيّة والمؤسّسات العالميّة..” ثمّ “المشاركة في نشاط المؤسّسات والمنظّمات الجهويّة والوطنيّة / والاقتناع بضرورة صيانة المكاسب الوطنيّة والإنسانيّة (1)”..هي أهداف عامّة بطبيعة الحال ضَبَطَها المقرّر الدراسيّ للمادّة وتحكمها فلسفة سياسيّة جوهرها “أنّه في كلّ بلدان العالم يُدرَّسُ الأطفالُ أنّ بلادهم هي الأحسن”(2)..أمّا الممارسة الأفقيّة فهي ذات أهميّة قصوى، هي ممارسة تنبع أوّلاً من وعْي حادّ ودقيق بالتلازم بين الحقّ والواجب…ذلك أنّ ثنائيّة الحقّ والواجب تختزل تقريبا مُجمل مضامين مدارات المادّة في مختلف المستويات التعليميّة. فطالما أنّ “المدنيّة هي مجموع الصّفات الوديعة والرّقيقة التي يحملها الإنسان أثناء تصرّفه وفي علاقاته بالآخرين” (3) فليس بالإمكان الحديث عن ممارسة أفقيّة سليمة وإيجابيّة حين لا يكون الفرد “مواطنا”…ولا يكون الفرد مواطنا في دولته إن لم يكن “واعيا بحقوقه وقائما بواجباته”.

في أُسس المدنيّة:
إنّ قيم المادّة تنشيئيّة أساسا، والمدرسة فضاء للكِبَر، أمّا مستويات التنشئة المنشودة فهي ثلاث تشترك جميعها في إنتاج:
– الوعي بالفرديّة.
– الوعي بالوطنيّة.
– الوعي بالإنسانيّة.
القيمة ومنها القيم، هي الأهميّة المناسبة التي يخصّ بها فرد فكرةً أو توجّهًا ما أو سلوكًا معيّنًا على ضوء تصوّر مخصوص…ومُدرّسُ التّربية المدنيّة هو بدرجة أولى “مدرّسُ قيم ومبادئ”، فالأدبيّات التّربويّة والبيداغوجيّة حديثا تنزع نحو التأكيد على أنّ الدّيمقراطيّة مثلا ،كمفهوم حاملٍ لعديد القيم ،لا معنى له كمادّة دراسيّة إن لم يكن مصحوبا بتصرّف ديمقراطيّ يتجلّى ممارسةً أثناء أنشطة التعلّم والتّعليم. فكفاية المدرّس المهنيّة لا تتحدّد حصْريّا بما هو ديداكتيكيّ وتقنيّ، أي بدرجة وعيه بما يدرّس وكيف يدرّس – وإن كان ذلك مطلوبا بطبيعة الحال – بل إنّ الأساس الآخر لهذه الكفاية إيتيقيّ وأخلاقيّ…إنّه تمثُّلٌ للتّرابط الوثيق بين المفاهيم التّالية: المعرفة le savoir والأنْسَنَة l’humanisme والنّجاعة l’efficacité و النّجاح la réussite …أمّا عن المعرفة فهي دون أدنى شكّ تمثُّلُ ما به يكون المتعلّم “واعيا ومقتنعا ومدركا ومستعدّا…” فالأهداف المعرفيّة لا تتحقّق إلاّ استنادا إلى مضامين تُلامِس جوانب حياتيّة ومعيشة، وتفتح أُفُقَ المتعلّم عمّا يختلج بداخله وعمّا يحدث في مختلف دوائر انتمائه…أمّا عن الأنْسَنَةِ فهي موصولة بالمستوى العلائقيّ أي بما هو إنسانيٌّ في المتعلّم- الإنسان، فالمدرسة تنقل المتعلّم من مجال حَميميّ تحتكم العلاقات فيه إلى العواطف والمشاعر (أي العائلة) إلى فضاءات ينظّمها القانون (المدرسة ،المجتمع) من خلال الانفتاح على مفاهيم تبدو شكلانيّة (الدّور، المكانة، الوظيفة، القانون، الدّولة، الحريّة ،المسؤوليّة….)وعلى هذا الأساس فاشتغال المدرّس وتلاميذه على مثل هذه المفاهيم لا ينبغي أن يكون اشتغالا تقنيّا جافّا وخاليا من كلّ معنى إنسانيّ…فحين يباشرون مقولة المواطنة مثلاً شرْحًا وتحليلا وتعمّقا، يُنتظر أن لا يُختزل منطق التعلّمات في منطق المعارف، أي أن تكون غاية الممارسة البيداغوجيّة مجرّد حفظ معارف وترديدها للاستظهار بها عند الضّرورة التقييميّة، والمطلوب حينئذ هو استحضار ما يلي: أنّ التّربية المدنيّة –وسائر المواد الدّراسيّة في الواقع- تستدعي الوعي بأنّ التّعليم/التّعلّم موقفٌ إنسانيّ ومدنيّ أوّلُ مقوّماته استهداف شخصيّة المتعلّم بما هو إنسان…فالأنْسَنَةُ موصولة بالبُعد المتّصل بالممارسات أي بآليّات التّبليغ وبكيفيّاته، وموقع المتعلّم فيها لأنّ هذا الأخير للأسف الشّديد مازال “موضوع إعلام وليس ذاتَ تواصل” على حدّ عبارة ميشيل فوكو l’élève est objet d’une information mais jamais un sujet d’une communication .
إنّ الأساس الإيبستيمولوجيّ للاشتغال على المفاهيم والقيم الواردة في برامج المادّة يتمثّل في كيفيّة إكساب المعارف المتّصلة بها المعنى، أي أن يكون لها امتداد عمليّ في حياة المتعلّم: كيف يقدر المتعلّم ،في تواصل مع هذه المفاهيم ومع مدرّسه ،على تحويل هذه القيم والمعارف إلى ممارسات ، فالتّربية المدنيّة ،وهي التي تُتيح للمتعلّم الانفتاح على عديد القيم، تنشُد تعديل عديد التصوّرات ما قبل العلميّة لديه وإعانته على بناء مفاهيم جديدة يكون ناجعا في بنائها وواعيا بمضامينها وحقولها المعرفيّة.

في أبعاد المدنيّة:
إنّ المنظومة المفاهيميّة والقيميّة التي تستند إليها المادّة لها في تقديرنا أربعة أبعاد: بُعْد تحسيسيّ تنشيئيّ وبُعْد معياريّ وبُعْد معرفيّ وبُعْد إجرائيّ.
– البُعْد التحسيسيّ التنشيئيّ: التّحسيس والتّوعية مُكوِّنان أساسيّان للحياة المدنيّة والأخلاقيّة، هُما يَسْمحان بمراجعة المتعلّم للأحاسيس والمشاعر الأوّليّة التي تَسْكُنه، يسمح له هذا البُعد باكتساب مشاعر متجدّدة تتّصل بذاته في جانبيها الفرديّ والجمعيّ من حيث خصوصيّاتها وميزاتها وجوهرها.
أمّا عن الكفايات المناسبة لهذا البُعد فهي عديدة نذكر منها: *أن يُقَدِّر المتعلّمُ ذاتَه وفرديّتَه بحيث يجنّبها كلّ سوء وكلّ سلوكيّات لاَسَوِيّة، *أن يُراقب اندفاعيّته وفَيض مشاعره – بحكم مرحلته العمريّة- فيوظّفها إيجابيّا في النّفع الخاصّ والعامّ. *أن يستحضر وجدانيّا الآخر فيُنْجِدُه ويتضامن معه ويُعينه.
إنّ هذه الثّقافة التّحسيسيّة تُبنَى انطلاقا من وضعيّات متنوّعة من محيط المتعلّم ،ومن محامل بيداغوجيّة تستميله وتشدّه إليها فيتفاعل معها بما يمكّنه من تصويب اتّجاهاته ومواقفه.
– البُعْد المعياريّ (ثقافة القانون والحقّ ): إنّ ثقافة الحقّ والواجب والقانون التي توجّه السّلوكيّات داخل القسم وفي المؤسّسة التّربويّة وفي المجتمع تجعل المتعلّم يدرك كيف أنّ القيم المشتركة في مجتمع ديمقراطيّ تحكمها قواعد ومعايير مشتركة ،فالحياة الجماعيّة منظَّمة بالقانون، والمجتمع ذلك “الكائن الأعظم” على حدّ تعبير دوركهايم لا يستقيم وجوده دون الوازع أي القانون ،القانون كقواعد ومؤسّسات وآليّات رقابة ومحاسبة…
إنّ الكفايات المتّصلة بهذا البُعد عديدة نذكر منها على وجه التّخصيص ما يلي: *اقتناع المتعلّم باستحقاقات العيش المشترك المتمثّلة في منظومة القواعد والضوابط القانونيّة ،*إدراك معنى احترام هذه القواعد القانونيّة بل وحتميّة احترامها، فهي بقدر ما تَسْمَحُ وتَضْمَنُ فإنّها كذلك تَمْنَعُ وتُعاقب…
– البُعْد المعرفيّ (ثقافة الحُكْم) :المعرفة غاية ووسيلة، هي غاية الفعل التّربويّ وهي إحدى رسائل المدرسة ،ولكنّها مع ذلك هي وسيلة هامّة لإنضاج المواقف وللمُحاجّة والمساءلة النّقديّة الواعية…فالقيم والمفاهيم المدرّسَة تظلّ حول المتعلّم ما لم تبعث فيه الحيرة المعرفيّة ولم تُدرّبه على اتّخاذ مسافة نقديّة منها، النّقدُ إجراءٌ واعٍ ومسؤول يَنِمُّ عن قدرة المتعلّم على أن يمارس سلطته …إجرائيّا يتّخذ هذا السّلوك عدّة أشكال نذكر منها طرح السّؤال والتّعليق والدّحض والدّعم متى كان ذلك ضروريّا.
إنّ الكفايات المستهدفة من هذا البُعد تتعلّق أساسا بمدى قدرة المتعلّم على *التّفاعل مع محتويات ما يَدْرُسُ، أي بمدى أهليّته لبناء موقف مُستنِد إلى حُجج منطقيّة تناسب مستواه وتُثري تحصيله العلميّ بعيدا عن كلّ استيعاب أعمَى أو رفضٍ أصَمّ، * الارتقاء ذاتيّا من وضع اللاّمبالاة إلى موقف واعٍ يُسنِد خياراته فكرًا وسلوكًا ،ويَحمله على الإبداع و يَقِيهِ شَرَّ التّسطيح الفكريّ والوجدانيّ والاستسلام إلى المجهود الأدنى…إنّ جوهر هذه الكفاية يتمثّل في تحويل الفكرة إلى موقف.
– البُعد الإجرائيّ (ثقافة الالتزام): التّربية المدنيّة هي تربية على القيم المدنيّة، ومنظومةُ مقرّراتها المفاهيميّة تُحاجِج كلّ تصوّر خاطئ أو ممارسة منحرفة عن ذلك، وعلى هذا الأساس فإنّ ما يتعيّن استحضاره والاشتغال عليه هو المتعلّم ذاته: المتعلّم فاعلا في محيطه المدرسيّ والعائليّ والمجتمعيّ. تتّخذ هذه الفاعليّة عدّة أشكال لعلّ أهمّها أن ينخرط المتعلّم في الشأن الخاصّ والعامّ انخراطا واعيا ومسؤولا…بل أن تتوفّر له كلّ عوامل الانخراط وأن تَضمن له كلُّ الأطراف هذا الالتزام المواطنيّ فَتُثَمِّنَ مساهماته وتُصوّب عثراته .
أمّا عن الكفايات المتعلّقة بهذا البُعد الهامّ فنذكر منها ما يلي: *أن يُجسِّم المتعلّم تمثُّله لفكرة القانون والنّظام الدّاخلي لمدرسته *أن تتولّد لديه قناعة بأنّ المحيط المدرسيّ هو بنفس أهميّة ومكانة محيطه الأسريّ لديه فيُخرج هذه القناعة من مستوى الاعْتِمَالِ الوجْدانيّ إلى مستوى الإجراء والتّنفيذ ويكون ذلك بالحفاظ على مكوّناته وأشيائه *أن ينخرط داخل فضائه المدرسيّ في مشاريع خاصّة وجمعيّة بدافعِ الوعي المواطنيّ والبيئيّ…

في ضمانات بيداغوجيا المدنيّة:
إنّ بيداغوجيا المدنيّة la pédagogie du civisme)) دقيقةٌ وحسّاسةٌ، ولا نبالغ حين نُقرّ بأنّ السّلوك والعلاقة القائمة على الممارسة أهمُّ بكثير من المعرفة المحضة، فعناوين التّربية المدنيّة والمفاهيم المتّصلة بها بقدْر ما تؤثّث المتعلّمَ بشروط المواطنة الفاعلة من خلال المعرفيّ le cognitif باعتباره أفكارا تنتظر التّجسيم ،فإنّ السّلوك والممارسة والانخراط الطّوعي فرديًّا أو جماعيًّا، من خلال المواقف أو الأفعال، تَظَلّ كلُّها من أهمّ متطلّبات تدريس التّربية المدنيّة…فالمدنيّة علاقة، هي علاقة ناتجة عن وعْي، والوعْيُ له امتدادٌ في مَتْنٍ معرفيّ استساغه المتعلّمون وساهموا في إنتاجه وبنائه، وهذا الوعْي يستحيل على المدى الحينيّ العاجل أو الآجل ممارسة مواطنيّة مسؤولة.
إنّ تطوير بيداغوجيا مدنيّة في مقاربة القيم والمفاهيم الواردة في مقرّرات المادّة متأكّد، فليس مُمكنًا الحديثُ عن التّربية على المدنيّة والمواطنة دون إحالة مشروطة على إيتيقا وأخلاقيّات معيّنة…فالمدرّس الموكول له ذلك ،باعتباره رسولَ هذه المنظومة القيميّة، مَدعُوٌّ إلى أن يستحضر في كلّ مرّة المتعلّمَ ذاتًا وكيانًا وإنسانًا: أن يُربّي المدرّسُ يعني ذلك أن يتعامل مع المتعلّم باعتباره غاية في حدّ ذاته وليس مجرّد وسيلة…فالتّكوين المدنيّ بِناءٌ يَتمّ من خلال شبَكة من العلاقات المتفاعلة ،ولعلّ أهمّ علاقة هي التي تَصِلُ المعلّمَ بالمتعلّمِ والمتعلّمَ بالمعلّمِ …و إنّ القيم التي يستهدفها هذا التّكوين تميّز الأفراد المتعلّمين باعتبارهم مواطنين ينتمون إلى وطن وإلى عالم وإلى ثقافة وحضارة.

الإحالات:
(1) البرامج الرّسميّة للتّربية المدنيّة، وزارة التّربية والتّكوين ، تونس.
(2) التّربية والنّظام الاجتماعيّ، برتراند رسل، ترجمة سمير عبده، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت ص133.
(3) معجم علم الاجتماع.

عبدالله عطيّة ( متفقّد أوّل للمدارس الإعداديّة والمعاهد)

التدوينة في بيداغوجيا المدنيّة ـ عبدالله عطيّة ظهرت أولاً على توجيه بريس.

التّقييم التّكوينيّ في خدمة التعلّم ـ عبدالله عطيّة

$
0
0

“لا يمكن إصلاح ما لم يقع تقييمه”، فالتّقييم سابق لعمليّة كلّ إصلاح ،والأسبق من كليهما هو التكوين، فالمدرّس يكوّن ويقوّم ويُصلح…هي عمليّات بيداغوجيّة مترابطة ومتداخلة في نفس الوقت. ويظلّ التقويم بأنواعه المتعدّدة إجراءً يحتاجه المتعلّم والمدرسة والمنظومة بل والمدرّس. فالكلّ مَعْنِيٌّ به ومُستفيد منه…
ـ في الحَقل الدّلالي لفِعْل التّقييم:
بيداغوجيًّا نتحدّث عن ممارسة تقييميّة بمجرّد أن تتكوّن لدى المدرّس فكرة قد تكون عامّة أو دقيقة حول كفايات المتعلّمين أو تحصيلهم المعرفي. ففي الوضعيّة البيداغوجيّة يتعيّن أن تكون إجرائيات التقييم موضوعيّة وعلميّة بعيدة كلّ البعد عن الذاتيّة والحدْسيّة… لذلك يكون من المتأكّد أن يستند التقييم إلى أدوات تقنيّة ومعايير موضوعيّة مستقلّة – قدر الإمكان- عن ذات المقيّم ،وفي هذا السياق تظلّ الممارسة التقييميّة ذات وظيفة تعديليّة وعلاجيّة وتكوينيّة ،فالتقييم يبدو بَحثا عن مواضع التّمَفْصُل بين خصائص المتعلّمين المعنيين بالتقييم من ناحية وبين خصائص نظام التقييم المعتمَد من ناحية أخرى…ففي إطار التقييم التشخيصيّ يكون الاشتغال على ما يتوفّر لدى المتعلّمين من رصيد معرفيّ ومهاري يلائم الخطّة التقييميّة المحكومة بانتظارات أنساق التعلّم والتعليم…مثلما يَنصَبّ فِعْلُ التقييم في بُعْدِهِ الجزائيّ  والإشهاديّ على التحقّق من مدى تماثل خصائص المقوَّمين مع ضوابط التقييم خاصّة أثناء القبول أو الارتقاء أو الرّسوب أو الرّفت…أمّا ما يخصّ التقويم التّكوينيّ – مدار اشتغالنا- فإنّ التعديل المصاحب له يهدف بدرجة أولى إلى التحقّق من مدى مطابقة شروط التنظيم البيداغوجيّ لنظام التكوين لخصوصيّات المتعلّمين ولاحتياجاتهم الذّاتيّة… وبصورة أدقّ إنّ هدف التقييم التكوينيّ لا يتمثّل فقط في الوقوف على مطابقة تحصيل المتعلّمين لمقتضيات النظام التقييميّ، وإنّما التأكّد أيضا من أنّ ميكانيزمات النّظام التقييمي ذاته وكيفيّة انتظامه وتوظيفه تستجيب هي بدورها للفروقات بين المقوَّمين ولاختلاف كفاياتهم وتنوّعها.

  شَكْلُ التّعديل      التوقيت   وظيفة التقييم     القـــرار
ضمان استجابة خصوصيّات المتعلّمين لأنظمة التكوين  إثر مرحلة التكوين ختاميّة- تحصيليّة

جزائية – إشهادية

القبول- التّوجيه -الجزاء الوسيط أو النهائيّ
ضمان استجابة وسائط التكوين لخصوصيّات المتعلّمين  أثناء مرحلة التكوين       تكوينيّة  ملاءمة الأنشطة لواقع المتعلّمين

ـ تعريف التّقويم التّكوينيّ :
إنّ مصطلح التّقويم التكوينيّ نجد له امتدادا في أعمال سكريفنScriven   في ستّينات القرن الماضي حول الوسائل المعتمدة في التدريس( المحامل البيداغوجية، الكتب ،الطرق والمقاربات…) ،وباختصار شديد نعرض التعاريف التالية:
Scrivenـ  “التّقويم التّكوينيّ هو مُجمل الإجراءات التي تسمح بالضبط المتتابع لمسار تعليميّ وتحديد التمشّيات العلاجيّة والتعديليّة الأكثر نجاعة للاقتراب من الأهداف المرسومة”.
ـ Bloom “يتمثّل التّقويم التكوينيّ في مُجمل الإجراءات المعتمدة من قبل المدرّس لموضعة تدرّج المتعلّم على ضوء الأهداف المرسومة بغرض تشخيص صعوباته وإنجاده بالاقتراحات البيداغوجيّة المناسبة”.
ـ Allal.L ” التّقويم التّكوينيّ يعني الحصول على المعطيات التي تهمّ تطوّر تحصيل المتعلّم، والعقبات التي تعترضه خلال عمليّة التعلّم بُغية إمداده بالعلاج الضروري”.
إنّ الهدف المركزيّ للتقويم التّكوينيّ يستند إذن إلى المطلب البيداغوجيّ التالي: إنّ  أخطاء المتعلّم ليست خطيئة أو حالة غير تربويّة يترتّب عنها عقاب أو حُكم قيميّ يُصنِّف المتعلّمين تصنيفا تراتبيّا مُهِينًا لبعضهم، وإنّما تستحيل هذه الأخطاء مَوْضِعَ تشخيص لمعوّقات التعلّم ومؤشّرا إلى ضرورة إعادة تنظيم العمليّات البيداغوجيّة قصد تعديل مسار التعلّم والتّعليم (حصول التغذية الرّاجعة للمدرّس).
ـ التّقويم التّكوينيّ الحِينِيّ والتقويم التكوينيّ المستمرّ والمُدْمَج:
إنّ الدّراسات المهتمّة بالتّقويم في بُعده التّكوينيّ انتهت إلى ضبط نوعين له: وهما التقويم التكوينيّ الحينيّ / الموضعيّ Ponctuelle، والتقويم التّكوينيّ المستمرّ والمدمَج  continue et intégrée .فما هي خصائص كلّ منهما؟
(أ‌)    التّقويم التّكوينيّ الحينيّ:
أثناء الممارسة التقييميّة الحينيّة الموضعيّة تكون المدّة المخصّصة لتقييم وحدة تكوينيّة مقسّمة إلى عديد المقاطع المتتالية:
–    توقيت أوّل يخصّص لعرض مُهمّة التعلّم على كافّة المتعلّمين ويُسمّى ذلك زمن التعليم والتعلّم.temps d’enseignement/apprentissage
–    توقيت ثان للتّقييم ،ويحرص المدرّس خلاله على الوقوف على مكتسبات كلّ متعلّم باعتماد روائز واختبارات دقيقة.
–    توقيت ثالث للتقييم يُنجَز حين لا يحقّق الفعل البيداغوجيّ النتائج المنتظرة منه ،ويَلجأ أثناءه إلى أنشطة علاجيّة ملائمة ومناسبة لدرجات التّحصيل ولاحتياجات كلّ متعلّم… عَوْدٌ على بدء، فالمدرّس يقترح نشاطا جديدا للتّعليم والتعّلم يتبعه تقييم جديد وعلاج آخر للاحتياجات.
إنّ التقييم يَحضُر خلال هذه المقاطع بصفة حينيّة ودقيقة إثر كلّ وحدة تعلّم في شكل مراقبة بما يسمح برصد المكتسَب من ناحية واقتراح العلاج البيداغوجيّ النّاجع من ناحية ثانية.

أنشطة التّعليم والتعلّم        تقويمتكويني                                  التحقّق من بلوغ الأهداف       أنشطة علاجيّة

يمثّل هذا النّوع من التقييم التكوينيّ أهمّ ممارسة بيداغوجيّة مُنجزة لدى أغلب المدرّسين، فهو يتخلّل عمليّة التعليم/التعلّم ويهتمّ إلى حدّ ما بالقيس الموضوعيّ الدقيق لمستويات المتعلّمين ولعلاج ما يحتاج منها إلى العلاج…غير أنّ ذلك لا يمنع اعتبار هذا الصّنف من التقييم دون ما تحتاجه اليوم الممارسة البيداغوجية النّاجعة…فعديد المهتمّين بالشأن البيداغوجيّ يرُكّزون على تغاضي التقويم التكويني الحينيّ عن التشخيص الحقيقيّ للعوامل التي تقف وراء صعوبات التعلّم والحائلة دون الأداء المطلوب. ذلك أنّ المدرّس يقيّم باعتماد وسائل موحّدة standardisés des moyens   لا تراعي استراتيجيّات كلّ متعلّم ولا أسلوبه المعرفيّ الخاصّ به ولا حساسيّته نحو وضعيّة تعلّميّة معيّنة..
(ب)التقييم التّكوينيّ المستمرّ والمُدمَج:
يُعتبر التقييم التكوينيّ ضمن هذا الصّنف تجاوزا للنّوع الأوّل وتطويرا له، فهو ليس زيادة أو فائضا surplus وليس مُحَايَثَة زمنية ومكانيّة juxtaposition مُضافة إلى نشاط التّعليم والتعلّم، بل هو من صميم فِعل التعليم والتعلّم، هو يتخلّل مساراته ويستمرّ باستمرارها وتواصلها. فالتقييم التّكوينيّ يُنجَز طيلة كلّ مقطع تعلّميّ من خلال الملاحظة اليقظة للمتعلّمين، والمدرّس حينها يكون منشغلا بصعوبات التعلّم ،متوقّفا عند أسبابها قدر اهتمامه بتمشّياته البيداغوجيّة المخطّط لها سلفا.. فهو يتابع بانتباه:
–    سلوكيّات المتعلّمين طيلة مسارات تعلّمهم.
–    تفاعلات المتعلّمين في علاقتهم ببعضهم البعض وفي علاقتهم بمدرّسهم.
–    تفاعل المتعلّمين مع سندات التعلّم المقدّمة لهم ، ومع ما يبادرون باقتراحه.
–    مستوى مرافقته لهم بتوفير مناخ آمن يضمن لهم المشاركة والسّؤال والاستفسار.
إنّ ممارسة تقييميّة بهذه الصّورة أي أنّها تُدمج الترسانة الديداكتيكيّة وتفاعلات المتعلّمين وتدخّلات المدرّس تكوينا وتعديلا وتشخيصا وعلاجًا، تمثّل في الواقع النّوعيّة المثلى للتقييم التّكوينيّ، وَوِفْقَ هذا التصوّر أيضا لا معنى لفصل التقويم عن الممارسة البيداغوجيّة أعني عن أداء المدرّس فكلاهما يمثّل كُلاًّ، فالتقييم التّكوينيّ بُعْدٌ من أبعاد التعلّم ،لا ينفصل عنه ولا يتجاهله بل هو مُدْمج فيه.                                         يقول ميريوMeirieu (L’évaluation formative n’est pas une opération supplémentaire ,elle est une dimension de l’apprentissage en permettant l’ajustement de la démarche à l’objectif ,elle est au cœur de l’acte d’apprendre, y apporte une dynamique et en garantit l’efficacité).

التّقييم تكوينيٌّ لأنّ وظيفته هي بالأساس تكوينيّة، أي أنّه أداة للتقييم وهو يَحْمِلُ إلى المتعلّم وإلى المنظومة إفادات ضروريّة كي تتناسب أنشطة التعلّم مع حاجات عديد المكوّنات وأوّلها المتعلّمون.
*المدرّس مُكوّنًا ومُنشّطا:
كي يكون التقييم التكوينيّ في خدمة التعلّم ينبغي أن يجد المتعلّم فيه جديدا واختلافا عن التمشّيات المعتمدة تقليديا أثناء التعليم، ولعلّ الأسلوب التنشيطيّ يمثل أحد المداخل الوظيفية لذلك، فإذا كانت الطريقة التعليميّة المتوخّاة لا تفي بالحاجة  لامتلاك المعرفة المبرمجة ولبلوغ الأهداف المرسومة لها فإنّ المدرّس المنشّط يمكنه استمالة تلاميذه وترغيبهم في أن يكونوا فاعلين حين التّكوين العلاجيّ قدر فاعليّتهم حين التعلّم المألوف. فكيف يكون ذلك ؟
إنّ وظيفة المدرّس المنشّط متأكّدة على ضوء المقاربات التجديدية وخاصّة في حصّة التقويم التكوينيّ المدرجة في برامج مختلف مستويات المادّة، وعلى هذا الأساس فإنّ تأثيث الحصّة يتطلّب مهارات تضمن نجاحها وتحقّق أهدافها:

  خطاطة الإنتاج خطاطة التدخّل والتّيسير   خطاطة التّعديل
 

المدرّس يسمح بالحركة.

يمكّن المتعلّمين من تحديد الأهداف.

يستثمر منتوجهم ويعدّله ويثمّنه.

يحرص على أن يكون إنتاج المتن جماعيّا.

يتدخّل لتحديد الحاجات.

يتخيّر الوسائط والسّندات الضروريّة.

يوزّع الأنشطة ويراقب عمليّة إنجازها.

يدير الحوار وينظّم التدخّلات.

يذلّل ما عسُر ويثري عند الحاجة.

يُشرك أكبر عدد من التلاميذ.

 

يوفّر الأمان ويُحسن الإصغاء.

ينسّب المواقف والآراء.

يعدّل التمشّيات والمنتوج.

يُحسن إدارة الخلاف والصّراع.

إنّ علاقة التّكوين بالتعلّم وثيقة، فحين يكون التّعليم يكون التّكوين، مثلما أنّ التّكوين تأثيث للتعلّم وسبيل إليه، فكلّ ممارسة تقييمية تنبني في الواقع على رهان شديد التفاؤل محوره المتعلّم مُنطلَقًا ومُنتهًى:
–    فكُلُّ متعلّم ،بحكم كونه متعلّما، يرغب في التعلّم ويسعى إليه ويحتاج إلى من يساعده عليه.
–    وكُلُّ متعلّم أيضا ينتظر تبديد شكوكه التي تنازعه وإزالة عثراته التي تُعيق نجاحه.
–    وكُلُّ متعلّم يحتاج إلى مَن يعدّل له مساراته ويرسم له أقوم المسالك للفسحة في أحوال المعارف.
ولكن ما كُلُّ ما يرغب فيه المتعلّم يُدركه لأنّ العمل المدرسيّ مازال للأسف الشديد يميل نحو تفضيل الأنشطة المغلقة والمهيكلة والتقليدية التي يطلبها التقييم الكلاسيكيّ الذي يُفرز مدرّسين يُفضّلون الكفايات القابلة للعزل والتّرقيم على حساب الكفايات ذات المستوى العالي (التّفكير، التّحليل ،الاستنتاج، الحجاج، النقد…).

عبدالله عطيّة (متفقد أوّل للمدارس الإعداديّة والمعاهد)
                                    ملتقى وطني حول التقييم التكوينيّ
                                    توزر ، 24 و25 أكتوبر 2016
المراجـــع:
-التّقييم: مجالاته وأنواعه، وقائع الملتقى الثاني عشر ،صفاقس 5 / 6 فيفري 1998. منشورات التفقديّة العامّة للتّربية ،تونس.
-Mourad Bahloul . Pour une anthropologie de l’apprentissage : Etude sur le rapport sujet-savoir ; MED ALI EDITIONS ; Sfax 2001.
– Pierre Giolitto; Enseigner l’éducation civique à l’école ; ed :HACHETTE Education ;1993.
Pierre Mahieu ; Travailler en équipe ; Education HACHETTE ;1992.-

التدوينة التّقييم التّكوينيّ في خدمة التعلّم ـ عبدالله عطيّة ظهرت أولاً على توجيه بريس.

أساليب كشف التعثر الدراسي : بحث في الأسباب ، واستراتيجية المعالجة ـ جمال بوليفة

$
0
0

سنعالج في هذا الموضوع ، مشكل التعثر الدراسي ، انطلاقا من بعض الدراسات و المقاربات التي عالجت الموضوع ، حسب نوعية العوامل ، التي تفسر الظاهرة ،من بينها : دراسات تقارب الظاهرة على ضوء العوامل الفردية ، وما يرتبط بها من خصائص ، وصفات تميز المتعلم(ة) ، وقدراته العقلية (كالذكاء ،التذكر ، المقارنة ، التحليل ، الحكم …)،و الخصائص الوجدانية ، الانفعالية . فقد يتعرض المتعلم(ة) لمصاعب متعددة ، عند مجابهة المواقف التعليمية – التعلمية ، مما يؤذي إلى تأخره ، كما ركزت بعض الدراسات على المعطى الاقتصادي ، و الوضع السوسيوثقافي ، حيث كشفت ، عن علاقته بتعثر ، أو فشل فئة من التلاميذ ،و اهتم بعضها الآخر بتأثير القيم على نتائج التحصيل الدراسي ، أي المعايير القيمية التي تحكم سلوك المتعلم(ة)، وتحدد تصوره عن ذاته وعن الآخرين .
كما انصب اهتمام الباحثين ، حول بحث الدور الذي تلعبه اللغة في الحياة الدراسية للتلميذ (ة) ، واعتبروها متغيرا هاما ، يمكن أن يؤثر سلبا ، و إيجابا على المسار الدراسي لديه . فبتعبير “بير بورديو” و” باسرون” :”إن المدرسة تساهم في تدعيم الأفضلية الاجتماعية الممنوحة لأبناء الفئات المحظوظة، و هذه مسألة يمكن ردها في كون جذور الإرث المدرسي ترجع إلى إرث الأوساط الاجتماعية الراقية “.
فالمدرسة كي تحقق هدفها الوظيفي ، نجدها تفرض معايير ثقافية ، ولسانية، تربطها روابط عضوية بالمقومات الثقافية ، واللغوية السائدة داخل الفئات الاجتماعية الميسورة ، المختلفة و البعيدة كل البعد عن الفئات الاجتماعية المحرومة . كما أن المدرسة أيضا منتجة للتعثر الدراسي ، إذ أن المناخ الاجتماعي داخل الفصل الدراسي يحظى بأهمية كبيرة ، خصوصا في عملية التعليم و التعلم ، وتأثير بعض عناصره في أداء المتعلمين ، و ما يسود بين التلاميذ من علاقات ، و كذا الطابع الهيكلي ، التنظيمي الجامد للمدرسة ، و الذي يميز الحياة المدرسية من قبيل المقررات ، الأوامر ، النواهي ، التوجيهات …، و كذلك الخاصية الفصولية و التعاقبية ، حيث تبنى المقررات على أساس التعاقب و التتالي ، يضاف إلى ذلك الطابع الجمعي للتدريس حيث يتم تجميع أعداد من التلاميذ في قسم واحد.
عامل مهم آخر قد يتم إهماله أو تجاوزه ، من طرف البعض و هو على درجة كبيرة من الأهمية أيضا، و هو “الآثر البيجمالوني”،حين يتعلق الأمر بالنظرة المسبقة و الحكم القبلي ، الذي يبديه، ويتمثله المدرس على مجموع التلاميذ ، أنهم غير قابلين للاستعداد و استدماج و تعبئة مجموعة من الموارد،و استحالة تعليمهم و بالتالي يعلن عن فشلهم ، مبدئيا و بدون أدنى تحفظ أو تقييم حقيقي لمستواهم، مما ينتج عن ذلك نتائج كارثية رغم المحاولات التي قد يبدلها مستقبلا .

و هناك تصورات أخرى للتقييم ، تقودنا إلى تبني مفهوم آخر للتعثر الدراسي ، قد تجد أسسها في التقييم التكويني ، بمعنى أن التعثر الدراسي ظاهرة مرحلية.
و من تلك التصورات أيضا نجد الأطروحات ، التي حاولت البحث عن صيغ تربوية ملائمة لدعم مجهود التلميذ (ة) ، و تعزيزه ، و تغطية مواطن ضعفه …

فالدعم التربوي في مواجهة ظاهرة الفشل أو التعثر الدراسي ، يكتسي أهمية كبرى ، في كونه يعالج إشكالية كبرى تؤرق كافة العاملين بالأنظمة التربوية. يتحقق ذلك بالقيام بعملية تشخيص دقيق لمستوى القدرات المعرفية و الوجدانية و الحس–حركية ، و هذا الأمر لا يتأتى إلا بالاعتماد على وسائل دقيقة و على درجة كبيرة من الأهمية تتلخص في : القيام بتقويم تشخيصي في بداية السنة الدراسية أو في بداية الحصة ، والقيام بعملية التقويم التكويني خلال تقديم الوضعيات(الوسطية) و بناء المفاهيم ، ثم في النهاية تقويم مدى تحقق الأهداف و استدماج الموارد و تطبيقها و قابليتها للاستبقاء ، من أجل إعطاء التعلمات معنى ، وجعلها قابلة للتطبيق في وضعيات حياتية جديدة ، وبالتالي تحقيق الكفايات الأساسية .

و في اعتقادنا ، لو كان موضوع التعثر الدراسي و الدعم التربوي ، الموضوع الوحيد لعلم التدريس برمته ، لكان كافيا ، ولا ستغني به عن جميع المواضيع الأخرى ، لأنه يصيب نشاط المدرسين في عمقه النوعي .
فما هي إذن أسباب التعثر الدراسي ؟ ثم كيف يمكن الكشف عنها ؟ و ماهي الأساليب المعتمدة في ذلك ؟ ثم كيف ، يمكن التعامل معها من خلال أساليب الدعم التربوي ، أو برامج العلاج ؟

هذه ، إذن أهم الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في هذه الدراسة، حسب المحاور التالية :
المحور الأول: الأسباب و العوامل المؤثرة في التعثر الدراسي
المحور الثاني: تشخيص عوامل و أسباب التعثر الدراسي.

مدخل :
ليس الفشل الدراسي مجرد حدث شخصي يهم التلميذ الفاشل وحده ، بل إنه مؤشر على وجود خلل ما ، قد يكون في التلميذ ذاته ، وقد يكون في المدرسة نفسها بطرقها و أساليبها التربوية و مناهجها ، وقد يكون في المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه التلميذ ، و من تم تعددت الاطروحات و المقاربات التي تطرقت لمشكل الفشل الدراسي .

عندما نتأمل مجمل المفاهيم و التعاريف المتعلقة بظاهرة التعثر و الفشل الدراسي فإننا نلاحظ تسميات متعددة لوصف الظاهرة،مثل :التأخر الدراسي ، التخلف الدراسي ، اللاتكيف الدراسي .. ، ويعرفه عبدا لكريم غريب : “بأنه هو الفارق السلبي بين الأهداف” المتوخاة من الفعل “التعليمي” والنتائج المحققة فعليا، ويتجلى في مجال عقلي\معرفي أو وجداني أو حسي حركي. وترجع أسبابه إلى معطيات متفاعلة مثل مواصفات التلميذ أو عوامل المحيط أو سيرورة ونتائج الفعل “التعليمي”، ويتطلب هذا الفارق إجراءات تصحيحية لتقليصه بأساليب قد تكون بيداغوجية أو غير بيداغوجية.[1]

ينبغي التمييز بين الفشل والتعثر الدراسي (أو ما يسمى بصعوبات التعلم خاصة النوع البسيط منها)، على أساس أن التعثر الدراسي حالة مؤقتة تكاد تكون عادية تصيب معظم التلاميذ إن لم تقل كلهم، وتعني أنه أثناء التحصيل يجد التلميذ صعوبة في فهم واستيعاب مسألة أو فكرة لسبب من الأسباب ولكن بمجهود إضافي أو تدخل المدرس في إطار حصص الدعم أو المراجعة يتدارك التلميذ المسألة، لكن التعثر قد يتحول إلى رسوب إذا لم يتدارك الأمر في الوقت المناسب.

تتعدد الأطروحات إذن و المشكل واحد ، ومن تم تتعدد الوصفات العلاجية و الاستراتيجيات المقترحة لتجاوز الفشل الدراسي او اتقائه ، و يجد هذا التعدد تفسيره في الامتداد الزمني الذي طرح من خلاله مشكل التعثر الدراسي ، فهناك عوامل ساعدت على طرح هذا المشكل بحدة ، رغم قدم وجوده كظاهرة ، كما يجد هذا التعدد تفسيره في الفضاءات التي طرح فيها هذا المشكل ، إذ قد يختلف من مجتمع الى اخر ، و من نظام تربوي الى اخر ، على اعتبار ان لكل مجتمع غايات و مبادئ توجه سياسته التربوية ، و التي على ضوئها تتحدد المواقف من مسالة النجاح او الفشل الدراسي ، و اخيرا فان ذلك التعدد يجد تفسيره على ضوء الاطروحات المختلفة التي قدمت حلولا لظاهرة الفشل الدراسي ، بإقصاء الضعيف و الابقاء على المتفوق ، اعتمادا على مبدا ’’البقاء للأصلح‘‘ و منها من عزل التلميذ عن محيط القسم ، و اخضاعه لوصفة علاجية خاصة،ومنها من حاكم المدرسة ككل باعتبارها مؤسسة اجتماعية تخدم مصالح الاقلية ، و تنبني على منطق الانتقاء والانتخاب،فدعا الى تغيير جدري في وظيفتها و دورها . و من تلك الاطروحات ايضا ، من حاول البحث عن صيغ تربوية ملائمة لدعم مجهود التلميذ و تعزيزه ، و تغطية مواطن ضعفه..

فهناك أطفال يتمتعون بذكاء عادي و لا يشتكون من أية إعاقات و مع هذا يعانون من مشكلات تعلمية تجعلهم يعانون في التحصيل الدراسي من صعوبات واضحة في اكتساب و استخدام مهارات الاستماع و الكلام أو الكتابة أو التهجئة ، أو أداء العمليات الحسابية الاساسية

عندما نريد الكشف التعثر الدراسي ، فإنه من اللازم اللجوء إلى عملية التقييم ، باعتبارها جملة من الاجراءات التي نقوم بها بواسطة اساليب و ادوات تمكن من الكشف عن موطن التعثر الدراسي لدى المتعلمين ، ذلك أنه يصعب أن نضع أنشطة للدعم و التصحيح ، إذا لم نقم بمجموعة من الاجراءات تتعلق بعملية التقييم .

لذلك فإن عملية الكشف هي جملة الاجراءات المنهجية و العملية الهادفة إلى تحديد طبيعة التعثر الدراسي و كثافته ، و قياس مدى اتساعه ، و الكشف عن تجلياته.
كما أنه يمكن تقسيم صعوبات التعلم إلى ثلاثة مستويات : البسيط، المتوسط، الشديد ،تقترح بخصوص الدعم التربوي أن يتم التعامل مع أفراد هذه الفئة كل حسب مستوى الصعوبة.
وبشكل عام فإن مختلف التصنيفات التي من المفروض ان يطلع عليها المدرسون والتي تدرس هذه المشكلة، وكل من سينخرط في حطة الدعم، عادة ما تصنف إلى ثلاث عوامل : ذاتية، وخارجية تؤثر في إداء التلميذ وأخرى تعود للمدرسة والنظام التعليمي، وهذا ما سيتم التطرق اليه في الفقرات المخصصة لاستعراض بعض الدراسات التب عالجت مشكلة التعثر الدراسي.

ان عملية تصحيح التعثر، هي كل الاجراءات الموالية لعمليتي التقييم والتشخيص، والتي تستهدف دعم التلاميذ من اجل تصحيح تعثرهم ومن أجل تقليص الفارق بين مستوى تعلم التلاميذ الفعلي والاهداف المنشودة.

فالدعم التربوي في مواجهة ظاهرة الفشل والتعثر الدراسي وبناء استراتيجية تمكن من بلوغ الاهداف المتوخاة أي من الانتقال من مستوى التطور الى مستوى التنفيذ ارتكاز على جملة من الاجراءات العملية التي تنتقي بعناية بالغة وتتجلى في اختيار المحتويات التي تقدم للفئة المتعثرة والطرائق والاساليب التعليمية التي تكون متمحورة حول التلميذ واختيار الوسائل التعليمية والمعينات ووضعيات تنفيذ بيداغوجيا التقييم والدعم والعناصر في تنفيذ عمليات التقييم والدعم والمكان التي تنجز فيه عمليات الدعم

هذه هي الإشكاليات التي سننطلق منها في هذه الدراسة، بعد التطرف لتحديد المفاهيم والتعاريف المتعلقة بظاهرة الفشل والتعثر الدراسي وبحث الأسباب والعوامل المساهمة في هذه الظاهرة.

إن الدراسات التي أنجزت في هذا الشأن كثيرة ومتشعبة، وانتشارها في جميع الأنظمة التعليمية وخطورة ما تسببه من آثار سلبية سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي مثل التكرار والتسرب الدراسي ..
والحقيقة أن هذا الموضوع يكتسي أهمية كبرى في الأنظمة التعليمية ويشكل أعظم هاجس يؤرق كافة العاملين بها .. ،كما تكمن أهميته في كونه يصيب العملية التعليمية التعلمية والمناهج الدراسية في عمقها التربوي وبعدها الكيفي.
و في اعتقادنا، لو كان موضوع الفشل والتعثر الدراسي والدعم التربوي الموضوع الوحيد لعلم التدريس برمته، لكان كافيا ولا ستغنى به عن جميع المواضيع الأخرى لأنه يصيب نشاط المدرسين في عمقه النوعي.

الفصل الأول : التعثر الدراسي ، مقاربات لتفسير المشكل
إن مختلف التصنيفات التي من المفروض أن يطلع عليها المدرسون وكل من سينخرط في خطة الدعم، عادة ما تصنف إلى ثلاث عوامل:
· ذاتية مرتبطة بالتلميذ: بنيته الجسمية، النفسية، النفور من المدرسة، التغيب، الحلم بالسفر إلى الخارج
· خارجية: تؤثر في أداءه من الخارج كالمحيط الاجتماعي والحالة المادية للعائلة، وعدم جاذبية المقررات، والمقاربات البيداغوجية، وجاذبية المدرسة دون التقليل من أهمية وخطورة العوامل الأخرى، كتكدس الفصول وظروف العمل في العالم القروي…

وفي الفقرات التالية سنتعرض لبعض الدراسات التي تم على ضوءها تشخيص التعثر الدراسي والعوامل المساهمة فيه، وقد ميزنا فيها بين:
الدراسات التي تقارب الظاهرة على ضوء العوامل الفردية (المبحث الأول) ثم السوسيو-اقتصادية والثقافية( المبحث الثاني) ثم العوامل التربوية والبيداغوجية (المبحث الثالث)،

المبحث الأول: مقاربة التعثر الدراسي على ضوء العوامل الفردية
المقصود بالعوامل الفردية: مجموع الخصائص والصفات التي تميز التلميذ كفرد، وتشمل كل ما يتعلق بالقدرات العقلية كالتخلف العقلي للتلميذ (المطلب الأول) وخصائصه الوجدانية ومميزاته العضوي (المطلب الثاني)

المطلب الأول: التعثر الدراسي والتخلف العقلي
” التخلف العقلي هو عدم اكتمال أو قصور في مستوى الارتقاء العام للوضع العقلي” [2] كما يعني مستوى الإدراك العقلي العام دون المتوسط، ينشأ أثناء الارتقاء ويصبحه خلل في جانب أو أكثر من الجوانب التالية: النضج، التعلم، التوافق الإجتماعي.
ويفيد أيضا: ” نقصا أو عدم اكتمال النمو العقلي وانحطاطا واضحا في الذكاء، وفي الأداء العقلي الوظيفي العام، يجعل الشخص عاجزا عن التعلم والتوافق مع البيئة أو الحياة دون إشراف ورعاية وحماية.”[3]
فحسب هذه التعاريف، يتجلى إذن التخلف العقلي في انخفاض مستوى الذكاء العام، وعدم القدرة على التكيف مع المحيط المدرسي والإجتماعي وأخيرا العجز عن التعلم في حين أظهرت بعض البحوث التي تتطرق لعلاقة التخلف العقلي بالقدرة أو القابلية للتعلم أن:
75% من الأطفال المتخلفين عقليا يمكن تعليمهم
25% من الأطفال المتخلفين عقليا يمكن تدريبهم فقط
تشكل نسبة 5% غير القابلين منهم للتدريب أو التعلم.[4]

يبدو أن تفسير الظاهرة بإرجاعها إلى التخلف العقلي، من حيث هو قصور في الأداء العقلي العام، يؤدي إلى معالجة الظاهرة على أنها حالة باتولوجية، والاعتقاد بالتالي في عدم امكانية تجاوزها.
فالعمليات التي لها علاقة مباشرة بالتحصيل الدراسي والتي لها بعد معرفي، عقلي (paramètre cognitif) أي جميع أشكال النشاط الفكري لدى الإنسان وخاصة العمليات العقلية من حفظ وفهم وتحليل وتركيب وتقويم تستلزم دراستها حتى يتم تشخيص وفهم التعثر الدراسي كالتذكر الذي يتجلى في استرجاع الصور الذهنية والبصرية والسمعية. والتفكير للشعور بالمشكلة والبحث عن الفروض المناسبة، وترجيحها كلها وأخيرا التخيل، كإبداع وإنشاء علاقات جديدة منبثقة عن الخبرات السابقة وهي عملية عقلية تستعين بالتذكر في استرجاع الصور العقلية المختلفة لتأليف تنظيمات جديدة تصل الفرد بماضيه وتمتد به إلى حاضره، تتطلع إلى مستقبلة لمد دعائم قوية للابداع الفني والابتكار العقلي

المطلب الثاني: الذكاء والتعثر الدراسي

يعتبر الذكاء قدرة عامة تشترك في جميع العمليات العقلية تبدأ بالادراك الحسي وتنتهي بالتفكير المجرد، وفهم واكتشاف العلاقات المعنوية.
إن الانطلاق من متغير الذكاء لفهم وتفسير التعثر الدراسي يقوم على افتراض ضمني مفاده ان التلميذ المتعثر دراسيا هو ذاك الذي يتوفر على مستوى من الذكاء أذنى من المتوسط، مما يعني أن انخفاض ذكاء التلميذ هو سبب تعثره أو فشله.
لقد درجت التربية الحديثة على مراعاة القدرات اللغوية، و الرياضية و الموسيقية، أي كل ما يستطيع الفرد أداءه في اللحظة الراهنة من أعمال عقلية، والتي قد توجد بتدريب أو بدون تدريب، على معرفة مستوى ذكاء الأطفال وطبيعة قدراتهم وذلك بمراعاة الفروق الفردية وتوجيه التلاميذ في مسارهم التعليمي بما يساير قدراتهم العقلية ومستويات ذكائهم، وتحليل أسباب التأخر الدراسي ومحاولة تبين المؤثرات المختلفة المتصلة به والعمل على علاجها.

فنجاح الفرد في تحصيله الدراسي وتفوقه المهني، بصفة عامة، يعتمد على نسبة ذكائه ومستوى قدراته، لذلك تبنى الميول على القدرات العقلية، وتقوى هذه الميول بمدى استعداد الفرد لتحقيق مأربا من المآرب. فالاستعدادات هي أيضا قدرات أو مهارات كامنة في مجال معين، يحقق الفرد بفضلها مستوى معين من الكفاية.

إن الاختلاف حاصل بين الباحثين في تعريفهم للذكاء، وتحديدهم لخصائصه ومظاهره، ومستوياته وعملياته … كالتركيز على البعد النظري (التجريد مثلا) والتركيز على البعد العلمي (مثل قدرة الفرد على تطبيق ما يتعلمه)، واختزال الذكاء في بعد واحد يؤدي إلى انعكاسات على بحث الذكاء بالتعلم المدرسي. كما أن هناك صعوبات ترتبط بالأداة المعتمدة للكشف عما إذا كان ذكاء التلميذ مرتفعا أم منخفضا.

خلاصة القول، إذا كان للذكاء مسؤولية في التعثر الدراسي، فإن حدود هذه المسؤولية وطبيعتها غير واضحة بما فيه الكفاية، كما أن القدرة التفسيرية لهذا المتغير لا يمكنها أن تغطي جميع حالات التعثر الدراسي.
ومن هنا ضرورة الرجوع في فهم هذه الظاهرة إلى متغيرات أخرى مثل الخصائص الوجدانية للتلميذ.

المطلب الثالث التعثر الدراسي و الخصائص الوجدانية

ان التعثر الدراسي قد ينتج مثلا عن اضطرابات انفعالية تبدو في قلق التلميذ وعدم استقرار حالته النفسية أو فقدان الثقة في النفس و الاجساس بمشاعر النقص والتي ترجع لطبيعة نمو الفرد والعالم الخارجي فيتاثر وجدان الفرد بمستوى دكائه واستعداداته العقلية فأثر الوجدان يظهر في مواقفه وميوله بالنسبة لمادة دون مما يساهم في التعثر
مثل هذه الاضطرابات الانفعالية تعرض التلميذ لمصاعب متعددة عند مابهة المواقف التعليمية التعلمية مما يؤدي الى تأخره الدراسي[5]
فالاتحهات النفسية والاستعدادات التي تعد الفرد وتهيئه وتثير عنده الدافع للاستحابة لها دور أساسي في التربية لهذا فالثعثر قدقد يكون ناتج في بعض الحالات عن الاتجهات السلبية عن موضوعات معينة وهي ليست سلوكا فطريا
اذ عادة ما يميل التلميذ الى الأنشطة الدراسية التي سبق له أن تفوق فيها أو التي يعتقد إمكانية تفوقه فيها اذ يرى بلوم bloom في هذا السياق أيضا ” أن تشكل ادراك التلميذ لنجاحه أو فشله في مهام التعلم الدراسيواستحسان أو عدم استحسان المدرسين لعمله وكذلك الأباء و الأقران يثير لديه مواقف إيجابية أو سلية تجاه المدرسة و التعلم الدراسي
إن حوافز التلميذ على التعلم تقوم بدور إيجابي في تعلمه إذا كانت قوية وتقوم بدور سلبي إذا كانت ضعيفة إن أي نشاط تعليمي تعلمي في غياب التحفيز أو عامل الدافعية فان مآل ذلك النشاط لن يتوصل مطلقا الى نتيجة المرجوة منه وهذا ماكشفت عنه دراسة H.J HERMANS إذ بينت طموح التلميذ في أن يكون متفوقا دراسيا أمام الآخرين وأمام نفسه قد يشكل حافزا قويا على التعلم motivation de prestation وهذا الحافز يشير إلى ميل داخلي دائم لدى التلميذ يدفعه لأن يحقق مستوى من الانجاز حدده بنفسه.

فالمتعلم كائن معرفي، عاطفي، سوسيولوجي حركي لا يمكن أن نقزمه، ونختزل وجوده وكينونته في عقله الذي يختزل المعلومات في الذاكرة، التي ما تنفك تنسى لأنها لم تكن مصحوبة بانفعالات وجدانية، وحوافز تعليمية، وتفاعلات وحوارات بين شخصية يسودها الاحترام المتبادل، وقبول الاختلاف في الرأي” غذ أن ” شخصية الفرد يتمفصل فيها ما هو وجداني مع ما هو ذهني أو عقلي أو حسحركي، وتكون هيمنة أحد هذه المكونات الثلاثة وفق الوضعية التي يواجهها الفرد”[6].

هكذا يبدوا واضحا أن للحوافز على التعلم من حيث هي عامل من العوامل الوجدانية تأثير قوي على التحصيل الدراسي للتلميذ. و يمكننا أن نستنتج أن التعثر الدراسي قد يحدث نتيجة ضعف أو غياب الحوافز على التعلم.

المبحث الثالث: مقاربة التعثر الدراسي على ضوء العوامل السوسيو ثقافية
ركز البعض على المعطى الاقتصادي محاولا كشف علاقته بتعثر أو فشل فئة من التلاميذ (المطلب الأول )، بالإضافة إلى المعطى الثقافي الذي سنتطرق إليه في المطلب الثاني، واهتم بعضها الأخر بتأثير القيم على نتائج التحصيل الدراسي، أو بإبراز الدور السلبي لأسلوب استعمال اللغة (المطلب الثالث).

المطلب الأول: المعطى السوسيو- اقتصادي
من أبرز البحوث التي اهتمت بذلك نجد دراسات [7]P. Bourdieu Passerons التي أكدت أن التعثر أو الفشل الدراسي ينتج عن تفاعل عوامل عديدة من أكثرها حسما الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للأسرة، فالأسر غير المحظوظة ذات الإمكانيات المادية الجد محدودة لا يمكنها أن توفر لأطفالها حدا أدنى من الشروط الضرورية- مادية- تسمح لهم بالمتابعة العادية لدراستهم.
ومن جهة أخرى فالتفاعلات بين الذكور و الإناث في ما يتعلق بالصعوبات الدراسية والمستوى السوسيو-اقتصادي ليست بالبسيطة, وهكذا يصرح المجلس الأعلى للتربية[8] بكندا على سبيل المثال أن ” في حال تكافؤ الأصل الاجتماعي تحقق الإناث نجاحا أفضل نسبيا من الذكور على كافة المستويات التعليمية، وتتجلى هذه الظاهرة بصفة خاصة عندما ينحدر التلاميذ من وسط سوسيو- اقتصادي مهمش”.
يجمع كافة الباحثين في مجال علم النفس الاجتماعي على أن درجة تأثر نموذج الشخصية الذي يحتد به الطفل داخل أسرته يختلف تبعا لاختلاف المستوى الاقتصادي والاجتماعي لهذه الأخيرة. إن التنشئة الاجتماعية للطفل تتأثر بدرجة كبرى بالمستوى الاقتصادي و الاجتماعي للأسرة

المطلب الثاني: المعطى الثقافي[9]
بتعبير بورديو و باسرون “إن المدرسة تساهم في تدعيم الأفضلية الاجتماعية الممنوحة لأبناء الفئات المحظوظة.

وهذه المسالة يمكن تلمسها في كون جذور الارث المدرسي ترجع الى ارث الاوساط الاجتماعية الراقية”، فلكي تحقق المدرسة هدفها الوظيفي ،نجدها تفرض معايير ثقافية و لسانية تربطها روابط عضوية بالمقومات الثقافية و اللغوية السائدة داخل الفئات الاجتماعية الميسورة و البعيدة كل البعد عن المكونات الثقافية و اللغوية للفئات الاجتماعية المحرومة ، وعليه ، فإذا كان السبب الرئيسي في التوافق الدراسي لابناء الفئات الاولى يكمن في الاستمرار ية الواضحة بين ثقافتهم الاسروية و ثقافتهم المدرسية ، فإن الفشل الدراسي لابناء الفئات الثانية يرجع الى نوع من اللا ستمرارية بين هاتين الثقافتين ، إذ ان توافقهم يشترط تعلم طرق جديدة في التفكير و الكلام و الجلوس ايضا.

كيف تساهم المدرسة في انتاج تلاميذ متعثرين او فاشلين دراسيا؟
سؤال اجاب عنه” Establet et Boudlet” من خلال بحثهما للوظيفة الايديولوجية التي تؤديها المؤسسة المدرسة في المجتمع الفرنسي ، وتنبني الاطروحة النظرية على اساس افتراض مفاده ان الخطاب الايديولوجي للمدرسة يدعي ان وظيفة المؤسسة هي توحيد المجتمع ، بينما تؤدي وظيفة اخرى مغايرة تتمثل في تقسيم المجتمع و هكذا بحكم وظيفتها تعمل على استغلال التفاوتات عالى استغلال التفاوتات بين التلاميذ، و حين تدعي أن تقدم نفس التعليم ،فهي في الواقع ، تدعم التفاوت الاجتماعي و “تصنع الفشل الدراسي “ووحدهم أطفال الفئات الاجتماعية المحظوظة ، والذين يشكلون الاقلية ، استاطعوا ، في غالبيتهم العظمى ، أن يقطعوا مسارهم الدراسي الابتدائي بطريقة عادية، و على العكس من ذلك ،فإن الدراسة الابتدائية لغالبية أطفال الطبقات الاجتماعية بالتعثر.
فهي تحرص بواسطة اليات عملها الداخلية على ان يتبع اطفال الطبقات الاجتماعية المختلفة مسارات دراسية مطابقة لانتماء اتهم الاجتماعية . فالوظيفة الاجتماعية للمؤسسة المدرسية في المجتمع الراسمالي محكومة منذ البداية بالتقسيم الاجتماعي للعمل ، و بمتطلبات سوق العمل الاجتماعي من أطر و قياديين و عمال يدويين .و هذا مايفسر كون المدرسة الابتدائية تكون 20% من المفكرين و 80% من الافراد القليلي الخبرة .

المطلب الثالث :المعطى القيمي[10]

أي المعايير القيمية التي تحكم سلوك التلميذ ، و تحدد تصوره عن ذاته و عن الاخرين ، قد تشكل سببا من اسباب تعثر او تفوق التلميذ دراسيا . فإذا كانت مماثلة لمعايير النمذج القيمي الذي تتبناه المدرسة ، فإنها تسهل على التلميذ و التكيف مع متطلبات التعلم المدرسي ، اما إذا كانت مخالفة لذلك النموذج فإنها تعمل كسبب من اسباب اللا تكيف مع هذا التعلم.
إن القيم التي تسود اوساط الطبقات الاجتماعية الشعبية هي قيم الصحبة و التعاون و القوة الجسدية . و هذه القيم تتعارض مع قيم الثقافة المدرسية ، و التي اساسها التنافس والفردانية . لذا يجد اطفال الاوساط الاجتماعية الفقيرة انفسهم غرباء إزاء هذه القيم ، وغير قادرين بالتالي على التكيف معها ، مما يتسبب في تعثرهم الدراسي .

المطلب الرابع :المعطى اللغوي
لقد انصب اهتمام الباحثين حول الدور الذي يمكن ان تلعبه اللغة في الحياة الدراسية للتلميذ ،و اعتبروها متغيرا هاما يمكن ان يؤثر سلبا او ايجابا على المسار الدراسي ، و المبدا العام الذي ينطلق منه الباحثون يتلخص في ان هناك اختلافات بين الاسلوب الذي تتحدث به الفئات الاجتماعية الفقيرة اللغة ، و الاسلوب الذي تعتمده المدرسة ـوهو ذاته اسلوب الطبقات الاجتماعية المهيمنة او الفءات المثقفة منهاـو تشكل هذه الاختلافات عوائق صعبة امام اطفال الفئات الاجتماعية الفقيرة و غير المثقفة ، مما يتسبب في تعثرهم و فشلهم الدراسي .
في نفس السياق العام ، قام “كمال بكداش”بدراسة ميدانية لمشكل التداخل اللغوي بين العامية و الفصحى و علاقة ذلك بالتعليم ، فاشار الى ان الطفل ـالتلميذـيجد نفسه على عتبة ثنائية لغوية بين التعبير بالعامية و الكتابة بالفصحى ، فتشكل هذه الازدواجية عائقا امام تعلمه للغة نظرا للاختلاف بين العامي و الفصيح [11].
و من اهم الدراسات التي تناولت العلاقة بين اللغة و التعثر الدراسي دراسة B,Bernstein فقد اكد هذا الباحث على ان طريقة او اسلوب استعمال اللغة يعتبر من اهم مسببات التعثر الدراسي . و اكد على وجود نمطين للتنشئة الاجتماعية داخل المجتمع ، و احد تعتمده الطبقة العاملة ، والاخر تعتمده الطبقات المهيمنة . و حسب رايه اهم مظاهر هذا الختلاف ، الطريقة او الاسلوب الذي تستخدم به اللغة ، فالاوساط المثقفة تستعمل نظاما من الرموز اكثر تنويعا و تمايزا مع نظام الرموز الذي تستخدمه الطبقات الشعبية . و بما ان المدرسة تعتمد في التعليم لغة الطبقات المهيمنة فإن اطفال الطبقات الشعبية يجدون صعوبات بسبب هذا النقص اللغوي ، في مسايرة الدراسة مما يؤدي الى التعثر و الفشل الدراسي .

المبحث الرابع: التعثر الدراسي على ضوء العوامل التربوية ـالديداكتيكية
تتحدث نايفة قطامي عن اهمية المناخ الاجتاعي داخل الفصل ـحجرة الدرس ـ في عملية التعلم و تأثير بعض عناصره في أداءالمتعلمين ، و ما يسود بين التلاميذ من علاقات ودية أو عدوانية، و نوع التنظيم داخل الصف ، و سيادة جو التنافس الشديد، و التباين في أعمار التلاميذ ن و طول المقررات ، و العطل السنويةو غياب التلاميذ….

المطلب الاول :الطابع الهيكلي ـ التنظيمي للمدرسة
ما ان يلج الطفل المدرسة إلا وتتغير الامور و يتبدل العالم من حوله و تبدا المشاكل و التعقيدات ، فيبدأ التلميذ في فقدان التلقائية و الحرية التي كانت تميز حياته السابقة ت اي حياته قبل التحاقه بالمدرسة ـ فيدخل في دوامة الالزام و الخوف و ربما الهلع ، اما م هذا الطابع الهيكلي ـ التنظيمي و الجامد الذي يميز الحياة الدراسية : المقررات ، الاوامر و النواهي ، التوجيهات ، الانتظام في صفوف ، الجلوس بهدوء و الامتناع عن الكلام (و ربما عن الحركة ) لفترات طويلة و الانتباه إلى ما يقوله المدرس و ما يفعله و الالتزام بالوقت و انتظار الجرس ، و إنجاز التمارين و الواجبات و الانخراط في منافسة شرسة مع الزملاء للحصول على النقاط العالية و المراتب الاولى ، و الاعداد للامتحانات و تجنب إهانة السقوط و البحث عن عزة النجاح … فيدخل بالتالي في إطار يحدث له نوعا من الصدمة النفسية ـ الثقافية ، تجعله يتعلم بنوع من الضغط و الإكراه بدلا من الرغبة التلقائية و الإقبال اللغوي على التحصيل و الثتقيف الذاتي ، فتصير المعادلة السائدة في إطار هذا الطابع الهيكلي للتعليم ، هي : “في المدرسة لا يمكن لأي واحد ان يتعلم أي شيء مع أي كان و في أي وقت يشاء و بأي طريقة تحلو له ” فلا بد لمن يريد أن يتعلم ، أن تتوفر فيه الشروط (السن و مكان الازدياد…) و أن يتعلم محتويات مقررة في المنهاج الرسمي العام و المشترك بين جميع المؤسسات و أن يتعلم مع مجموعة من التلاميذ المصنفين بناء على اللوائح التنظيمية المعمول بها ، و في أوقات محددة في استعمالات الزمن و بالطرق التي تفرضها التقاليد التدريسية السائدة في مدرسته و بين مدرسيه ، فلا يمكن للفرد أن يتعلم إلا في إطار ÷ذا النظام التعليمي المهيكل و الصارم من طرف الراشدين ، و فقط عندما تكون الاهداف محددة و بحضور مدرس مهيأ للقيام بالتعليم في إطار مواد و حصص و توزيع زمن مبيت سلفا .

المطلب الثاني : الطابع الفصولي ـ التتابعي
الخاصية الثانية التي تميز الانظمة المدرسية بشكل عام، هي الخاصية الفصولية و التعاقبية . و مؤداها أن المققررات الدراسية تبنى على اساس التعاقب و التتالي اي على اساس ان المادة الواحدة من المقرر تقسم و تجزأ إلى مجموعة من الدروس و الوحدات و داخل كل درس أو كل وحدة دراسية هناك مواضيع تكون عبارة عن حلقات متسلسلىة يؤدي الواحد منها إلى الاخر بالضرورة . فمثلا في الحساب لا يمكننا أن نتعلم القسمة قبل تعلم الضرب و لا يمكن أن نفهم و نتعلم الضرب قبل تعلم عمليات الجمع والطرح، كما لا يمكن اكتساب هذه العمليات دون اكتساب مفاهيم العدد و الزائد و الناقص… و هذا المثال ينطبق مبدئيا على اللغة و على بقية المواد الاخرى العلمية منها أو التقنية أو الادبية و نتيجة لهذه الطبيعة التعاقبية و المتمثلة في ارتباط المواضيع داخل الدرس الواحد و بنائها بشكل متسلسل ، لا يكون امام التلاميذ من خيار سوى النجاح ، فليس أمامه من حل اخر . ذلك أن فشلهفي اكتساب الوحدة الاولى ، ينتج عنه بالضرورة فشل في اكتساب الوحدة الثانية ، ما دامت هذه الوحدة مبنية على السابقة و لا يمكن فهمها و تحصيلها ما دمنا لم نحصل بشكل ملائم الوحدة الاولى و هكذا . فإذا لم يستوعب التلميذ في مثالنا السابق، عمليات الجمع و الطرح فسيصعب عليه استيعاب الضرب و سيصعب عليه تعلم الوحدة التالية و هي القسمة. و هكذا فإن ما يحدث من تعثر بسبب الطبيعة الفصولية و التعاقبية للمواد الدراسية ، قد يؤدي إلى تاصل “ميكانيزم الفشل” لدى التلاميذ المتعثرين ، و القاعدة تقول : “إن الفشل يولد الفشل “. كما بينت العديد من الدراسات أن ” النجاح يولد النجاح”، و لو كان النجاح كاذبا أو جزئيا و صغيرا فإنه في حد ذاته محفز على التقدم و التفوق ، في حين أنه و بمجرد ما يبدأ الفشل في الظهور كسمة في سلوك الطفل ، إلا و تنتج عنه مشاعر الخوف و القلق الذي قد يؤدي إلى تسرب ميكانيزم الفشل و الشعور بالعجز و فقدان الثقة في النفس .

المطلب الثالث:الطابع الجمعي للتدريس
النظام التعليمي السائد حاليا في جميع الاقطار ، هو النظام الذي يغلب عليه اسلوب التعليم الجمعي .والذي يقضي تجميع اعداد من التلاميذ في قسم واحد بناء على معايير معينة ، حيث يستفيدون بشكل جماعي من نفس المنهاج و في نفس الوقت من نفس التعليم.

و لكن و أمام انتشار التعليم و دمقرطته و السعي نحو الاقتصاد (اقتصاد في الوقت و الجهد) ة ازدياد الالحاح على تعميم التعليم و الذي لم يبقى حكرا على فئة اجتماعية على أخرى و خاصة على فئة النخبة و التي كان بإمكانها توفير معلمين خصوصيين لأطفالها و توفير الظروف الملائمة لتعليمهم … و أمام كل ذلك تضاعفت اعداد التلاميذ الطالبين للتعليم ، فأصبح من المستحيل اليوم، اللجوء إلى التعليم الفردي كما كان يمارس في الماضي . لقد اصبح المدرس اليوم يجد نفسه و في اطار التعليم الجمعي ، امام 30 او ربما 40 تلميذا او اكثر ، فكيف يواجههم و باي اسلوب سيتعامل مع خصوصياتهم و فروقهم الفردية ، فكيف سيكون تعليمه في هذه الحالة ؟ إن المدرس في هذه الحالة يتعامل كل هؤلاء و يوجه خطابه إليهم في نفس الوقت و بشكل جماعي ، يفعل ذلك كما لو كان أمام تلميذ افتراضي واحد . على اننا نلاحظ أن أفضل المدرسين و أكثرهم التزاما ، يجاهد في أن يتموضع خطابه و نشاطه التعليمي بشكل عام ، في الوسط، بحيث يسير بإيقاع و سرعة من يفترض أنهم متوسطون ، بناء على كون معظم التلاميذ و انطلاقا من التوزيع الطبيعي للبشر (أي التوزيع الذي يتخذ شكل الجرس )، يوجدون في الوسط . و لكن هذا الموقف الشائع كثيرا ما يكون على حساب الطرفين، أي على حساب الضعاف و الأقوياء على حد سواء .

[1] عبد الكريم غريب : المنهل التربوي، معجم موسوعي في المفاهيم السيكولوجية والديداكتيكية – منشورات عالم التربية، النجاح الجديدة، الدار البيضاء 2004
[2] جمعة سيد يوسف : سيكولوجية اللغة والمرض العقلي، ص.184
[3] خليل ميخائيل عوض، م. س. ص. 284 وانظر أيضا : عبدالعزيز الفقي : التأخر الدراسي ص. 84
[4] م. س. ص.286.
[5] خليل ميخائيل معوض مرجع سابق ص 270
[6] عبدالكريم غريب : علم النفس المعاصر – المدار والتيارات، منشورات عالم المعرفة مطبعة النجاح الجديد بالدار البيضاء 2012
[7] J.C.PASSE RON, P.BOURDIEU, la reproduction, p 36.35.
[8] Conseil supérieur de l’éducation, pour une meilleure réussite des garçons et des filles, synthèse, P.1.2002.
[9] د.الغالي احرشاو –الطفل بين الاسرة و المدرسة –الفصل الرابع ،صراع القيم
[10] ع.اللطيف الفاربي – محمد ايت موحى :بيداغوجيا التقييم والدعم –اساليب كشف تعثر التلاميذ –سلسلة علوم التربية -6-
[11] كمال بكداش : التعبير الشفهي و التعبير الكتابي ،مجلة الفكر العربي ،العددان 8-9،السنة 1979 ،بيروت

التدوينة أساليب كشف التعثر الدراسي : بحث في الأسباب ، واستراتيجية المعالجة ـ جمال بوليفة ظهرت أولاً على توجيه بريس.

المدرسة و مهام البناء الديمقراطيّ ـ عبدالله عطيّة

$
0
0

توطئــــــــــــــــــــــــــــــــــــة:
يقتضي منطق الاهتمام بالعلاقة بين النّظم التربويّة وموادها التعليميّة وبين البناء المؤسسيّ الديمقراطيّ الانطلاق من استشكال طبيعة هذه العلاقة ومشروعيتها، فلئن كان من البديهيّ- أي في مستوى المتصوّر العام- اعتبار غائيّة الفعل التربويّ تمرير المعارف ودحر الجهل وتوفير الكوادر التي يحتاجها المجتمع في شتّى مناحي الحياة ،فإن مثل هكذا تصوّرا غدا لا معنى له في خضمّ التحوّلات التي ترافق الوجود البشريّ وتخصيصا ما كان منها موصولا بالقيم وطرائق السّلوك والعلاقة بالآخر المحلّي والعالمي. وعليه فإن المؤسّسة التربويّة اليوم و في ظلّ الثورة المعلوماتية وتنوّع تكنولوجيات الاتّصال الحديثة والمتجدّدة تبدو فضاء ينشد فيه المتعلم صورة للمربّي لا يصادفها إلا نادرا ،وفضاء يبحث فيه المربّي عن متعلّم لا يكون غريبا عنه فلا يعثر عليه .المتعلم لم يعد – كما كان طويلا – منتوجا مدرسيّا خالصا والمدرّس كذلك ما عاد المحتكر الوحيد للعلم والمعرفة، بل إنّ حاجات أجيال المتعلمين اليوم مشدودة إلى ما هو كونيّ مشترك لا مجال لإنكاره أو تجاهله يتمثل في حقّها في أن تساهم في صياغة مواطنة وطنيّة وعالمية تتأسّس على منظومة حقوقية يكون الإنسان وسيلتها وغايتها. فلقد أضحى من المتأكد وجود علاقة وثيقة بين حقوق الانسان من جهة ، وبين التنمية بأبعادها المتنوّعة من جهة ثانية .ذلك أن حقوق الانسان كلّ مركب لا يحتمل التجزئة ،وهي تستدعي التعامل معها في شموليتها: السياسية والتربويّة والمدنيّة والاقتصاديّة والثقافيّة وأيضا الحقوق الجماعية باعتبارها آخر أجيال هذه الحقوق ،ونعني بها الحقّ في الأمن والسّلم والتضامن وفي البيئة السليمة.
التلازم وثيق إذن بين التربية على المواطنة وبين أسس الدّيمقراطية أعني بين الحقل المعرفيّ والبيداغوجي(المدرسيّ-التربوي) وبين الحقل السّياسيّ والمدنيّ (نظم الحكم) فكيف تتجلّى هذه العلاقة ؟ وما هي مرتكزاتها؟
الإطار الاستراتيجيّ للتربية على الديمقراطيّة:
إنّ الضمانة الأساسيّة لتحقيق مواطنة ديمقراطية في المؤسّسة التربويّة وفي خارجها أيضا على المدى المنظور والبعيد هي المعرفة، “فالعلم قوة” والرّهان على المؤسسة التربوية متأكد والمدرسة أضحت اليوم مجال تنافس بين الأمم والشعوب ، فلقد” ذاعت في أقطار الأرض كلّها وفي الأقطار المتحضّرة فيها بنوع خاصّ حقوق الإنسان ومنها الحرية والعدل والمساواة …فالخير أن نتدبّر الخير بأنفسنا وأن نسعى إليه طائعين قبل أن ندفع إليه كارهين” (1) وبهذا التصوّر”الحسينيّ” الاستباقي لعلاقة التربية بحقوق الإنسان وبالممارسة الديمقراطيّة يتضح أنّ التربية على المواطنة إنما هي تربية على القيم، وأنه يمكن اعتبارها أحد أسس جوهر رسالتها.
إنّ دور المدرسة حاضرا ومستقبلا لن يكون في كلّ الأحوال دورها الذي اعتادت أن تؤديه على مرّ الأجيال، فهي مدعوّة إلى التفاعل مع التحوّلات العميقة التي تطرأ على تركيبة المجتمعات وعلى بنية المعرفة وأساليب العمل ووسائل الإنتاج.صحيح أنّ الجهود المجتمعيّة والسياسيّة كانت منصبّة بدرجة أولى على إعادة البناء ولملمة جراح عقود المرحلة الاستعمارية المباشرة في مستوى مؤسسي وهيكلي (العمل على نشر نواتات المعرفة والتثقيف الصحّي وإحداث مواطن الشغل…) بحيث أن المهمّة الرئيسية للنظام التربويّ حينها تمثّلت في محاربة الأميّة وتحقيق نسب تمدرس معقولة .إلا أن التعلّم للمعرفة اليوم لا معنى له إذا لم يرتبط بالتعلّم للعمل، وبالوعي باستحقاقات العيش مع الآخرين، وبهذا المعنى غدت المعرفة ليست غاية في حدّ ذاتها وإنما هي وسيلة لبناء الإنسان في أبعاده المختلفة. إنّ النظم التربويّة تجد نفسها اليوم أمام تحدّ هيكليّ في تقديرنا وهي، متى أخذته بعين الاعتبار وسعت إلى توفير شتىّ مستلزمات تجاوزه وضمانات تذليله أمكن حينها الحديث عن مقاربة عقلانية للفعل التربوي، يتمثّل هذا التحدّي في مدى وعي استرتيجيّي الشأن التربوي بالأبعاد التالية للوظيفة التربويّة والتعليميّة للمدرسة:
_” أن يقوم التعلم على الشمول، أي أن يتحاشى نزعة تفتيت المعارف وتجزئتها إلى تخصّصات تنحو إلى استقلال المواد التعليمية عن بعضها البعض بل وأحيانا تغفل عمّا بين دروس المادة التعليمية الواحدة من ترابط، ولهذا يكون من المفيد جدّا الاستفادة من المدد الذي توفره المواد التعليمية المختلفة وتوظيف المكتسبات المتأتّية من جميع التعلّمات والتنسيق بينها.
_ أن يقوم التعلّم على النفع فيستجيب لحاجات المتعلمين ومتطلّبات الحياة المهنيّة والاجتماعيّة، ولهذا ينبغي أن ينتقي المدرّس من المعارف والمحتويات ما يناسب قدرات المتعلّم ويلائم رغباته ،ويتجنّب المسائل التي لاتنفع في الحياة المهنية والاجتماعيّة.
_ أن يقوم التعلّم على الفعل فيجعل من المتعلّم فاعلا يقدر على تملّك المعرفة ذاتيّا ، ويكتسب المهارات فرديّا وجماعيّا من أجل إيجاد الحلول لما يعترضه من صعوبات ومشكلات في حياته اليوميّة.”(2)
إنّ تصوّرا استراتيجيا كهذا من شأنه أن ينأى بكل ممارسة تعليمية عن الارتجال والضبابيّة ويرسم للمربيّ وللمتعلّم أيضا” خارطة طريق ” تحدّد التمشّيات البيداغوجيّة المتأكّدة ومجمل العمليّات والأنشطة والتقنيات المتفاعلة التي تقوم عليها عمليّات التعلّم.فمبدأ فاعليّة المتعلم يبدو مشغلا تعليميّا، وهو كذلك فعلا ، وهو ينطوي على عديد القيم المدنية التي تستهدف الجانب الموقفيّ والنقديّ والسّلوكيّ في شخصيّة المتعلم باعتباره مواطنا نذكر من هذه القيم المترتبة عن تفعيل هذا المبدإ:
*المبادرةl’initiative) (، وتعني ان يتوصّل المتعلّم الى اقتراح أنشطة ومشاريع وأفكار تنبع من تصوّراته وتعبّر عن مواقفه.
*الحريّةla liberté) ) ، حين تتاح للمتعلّم فرص اختيار ما يلائم قدراته وكفاياته ويهتدي إلى تقديم منتوجه الخاصّ في مناخ من الأمان التربويّ بعيدا عن كل تسلّط أو خوف،”فالخوف هو العدوّ الأكبر للإنسان” على حدّ تعبير غاندي.
*تحمّل المسؤولية( la responsabilisation)، بمعنى إقدار المتعلّم على بناء معارفه بنفسه والمشاركة في إنجاز مراحلها وعلى إعادة تنظيم مقارباته وتعديلها على ضوء الأخطاء التي تعتبر من صميم تمشيات التعلّم.
*التعاون(la coopération) ، من خلال التركيز على المواقف والاستعدادات فيدرك المتعلّم أن وجاهة الأداء الفردي لا تجد معناها خارج سياق التفعيل الجماعيّ، فضلا على أنّ التواصل مع الآخر من مقوّمات العيش المشترك.
*التواصل(la communication) ، وهو المظهر الأوّلي للتفاعل البشريّ الذي يعرّفه “شارل كولي” بكونه”الآلية التي بواسطتها تنشأ العلاقات الإنسانية وتتطوّر” .إنه ليس مجرّد نشاط شفويّ أو حركيّ بل هو فعل اجتماعي(action sociale) يكشف عن مكانة صاحبه الاجتماعية ويموضعه.فهو مدخل هامّ لمعرفة شخصية الفرد ومؤشر على مدى نضجه وموضوعيّته.
يبدو الارتباط دقيقا إذن بين فلسفة النظم التربوية وبين التربية على المواطنة والبناء الديمقراطيّ. فالنظام التربويّ لا ينبغي النظر إليه باعتباره مجرّد ميكانيزم أو إطار شكليّ وإنما هو في حقيقة الأمر بناء اجتماعي وإنساني يشبع حاجات مواطنيّ المستقبل ويحدّد ملامحهم، وعلى هذا الأساس فإن علاقة الفاعلين- المربين والمتعلمين- بهذا البناء هي وجه من وجوه علاقة الشعب بنظامه السياسيّ وبحاكميه.
إن التربية على المواطنة في الفضاء المدرسيّ إعداد للناشئة لتدبّر استحقاقات العيش معا (le vivre ensemble) وإسهام في إنتاج وعي يكرّس قيم الحريّة والإنصاف والمشاركة والمساواة بحيث ينمو لدى مواطنيّ الغد إدراك بالتلازم بين الحريّة والمسؤولية، وبين الحقّ والواجب…
الديمقراطية مفهوم سحريّ دون شك، أنتجه الفكر البشريّ خلال مراحل طويلة وإن كان ذلك بمسمّيات ومضامين متباينة أحيانا. هي مناخ وتدابير وضمانات لممارسة السلطة باعتبار هذه الأخيرة- أي السلطة – “مفهوما يختزل ثلاثة مرتكزات: أوّلها أنه لا سلطة بلا موارد، وثانيها أنه لا سلطة بلا قدرة على استخدام هذه الموارد، وآخرها أنه لا سلطة بلا تدبير استراتيجيّ”(3).
( أ ) موارد السّلطة مختلفة وهي ماديّة ولكنّها بالأساس معنويّة أعني مضامين وبرامج ومعارف، غير أنّ معظم هذه المحتويات المعرفية تتّسم بهيمنة المنحى الكميّ الموسوعيّ بما يجعل من الصّعوبة بمكان التمييز بين ما هو ضروريّ وجوهريّ وبين ما هو ثانويّ وعرضيّ. فضلا عن أنّ هذه البرامج التعليميّة غالبا ما تكون مصبغة بالتلوين الإيديولوجيّ السلطويّ.
(ب) القدرة على استخدام الموارد تختلف من منظومة تربويّة إلى أخرى،سواء من زاوية تسيير المؤسّسة التربويّة حيث أدّت عديد الممارسات القائمة على مركزية القرار إلى ظهور سلوكيّات رتيبة وتقاليد تركن إلى تنفيذ التعليمات دون مبادرة ذاتيّة فانتفى بذلك الاجتهاد وتعطّل التجديد، أو من زاوية التمشيات البيداغوجيّة المغيّبة لكلّ تحليل وتعليل ومساءلة نقدية متبصّرة في مقابل سيطرة نسق يشجّع على الحفظ والاسترجاع والتطبيق الآليّ للقواعد.
(ج) التدبير الاستراتيجيّ :السّلطة يمكن أن تكون سياسيّة كما يمكنها أن تكون كذلك معرفية تعليميّة والعلاقة بين السّلطتين وثيقة وليست بالضرورة منسجمة .هي علاقة بين الماكرو macro) (le والميكرو(le micro) أي بين المؤسّسة السياسيّة وبين المؤسّسة التربوية،وإن كلّ رهان ديمقراطيّ يظلّ محكوما بإرادة سياسيّة ذات بعد استرتيجي جوهره بناء الإنسان المواطن .
إن المواطنة في أبسط معانيها لا تعدو أن تكون الكيفيّة التي يتصوّر بها الفرد انتسابه إلى تجمّع اجتماعيّ-سياسيّ. فالمواطن هو الفرد المنخرط في قواعد المدنيّة ،وفي كلّ ما يتيح له التمتّع بحقوقه والقيام بواجباته، والفرد لا يولد مواطنا وإنما ينشأ على قيم المواطنة والمبادئ الديمقراطية عبر عمليّة التنشئة الاجتماعية التي تمثل المؤسسة التربوية أحد فضاءاتها.”لأنه كلما أنتجت المدرسة فشلا فإنها تكون بذلك لا تربيّ على المواطنة” على حدّ تعبير أحد خبراء الشأن التربوي(فيليب بيرينو). “ chaque fois qu’elle fabrique de l’échec, l’école n’éduque pas à la citoyenneté »
لماذا التربية على حقوق الإنسان في النّظم التربويّة ؟
عدة أسباب تحتّم تنزيل هذا المبحث الحقوقيّ في البرامج الدراسيّة منها على سبيل الذكر لا الحصر:
– نسبة الأميّة المرتفعة بمفهومها الحديث المتمثّل في الجهل باستثمار الوسائل التكنولوجية والتي تصل في بعضها إلى أكثر من نصف السّكان.
– هيمنة النماذج التقليديّة وعادات السّلوك المتعارضة مع حقوق الإنسان في الحياة اليوميّة للكثير من الأسر والجماعات.
– استمرار البنى والعلاقات التقليديّة سواء داخل الأسرة أو المجتمع.(4)
– تحدّيات العولمة ذات الوجوه المتعدّدة وخصوصا ما كان متّصلا بالمعرفة والثورة الاتّصالية والمعلوماتيّة وكذلك بالمسألة الحقوقية التي أضحت سبيلا للإملاءات الاستعماريّة وتغيير أنظمة الحكم.
إن الديمقراطية ضرورة مجتمعيّة، وهي ليست حقنة يحقن بها المجتمع فيصبح سريعا ديمقراطيّا، مثلما أنها ليست عمليّة فوقيّة مسقطة على الشعوب سواء من الخارج أو من الدّاخل، هي “ليست عملية استزراعية. فالديمقراطية لا تُنقَل والبناء الديمقراطيّ لا يُستورَد. فالديمقراطية مُمارسةٌ مَحلّيةٌ وتَخلّقٌ ذاتيٌّ “(5) فأن تكون الديمقراطية ممارسة محلّية يعني أن التصوّر التربويّ والبيداغوجيّ ينبغي أن ينزع نحو التأكيد على أنّه ليس من المتيسّر بناء مجال ديمقراطيّ (مدرسيّ أو سياسيّ) بمجرّد إدراج مدارات اهتمام دراسيّة تتطرّق إلى هذا المشغل، وإنمّا الأهمّ من كلّ ذلك أن يَصْحَبَ هذا التعلّم والتعليم تصرّفٌ ديمقراطيٌّ وسلوكٌ رشيدٌ يَصل التربية على الديمقراطية بالتزام شخصيّ من جانب الفاعلين من ناحية الأداء والتواصل ، وبهذه الكيفية تكون الممارسة التربويّة مساعدة للأجيال المتعلّمة على فهم قواعد اللّعب الجماعيّ بمختلف ضغوطاته ومقتضياته ومناسباته وفُرصه من خلال سلوكات ديمقراطيّة مرافقة لها في الحوار والتفكير والمساءلة والنقد وإبداء الرأي والمشاركة.
إنّ مقولة المواطنة كمفهوم مركّب تُحيل على عدة عناوين منها أنها :
– قيم ومبادىء ومضامين ذات أبعاد قانونية وإداريّة وسياسيّة واجتماعية.
– وهي كذلك سلوك وممارسة تستند إلى قيم الحرّية والمسؤولية والحقّ والواجب في الفضاءات المتعدّدة (المجتمع والعائلة والمدرسة..) ولهذا الاعتبار فإنّ الارتباط وثيق بين الثقافة المؤسّسيّة السائدة في المجتمع وبين طبيعة النظام السياسيّ القائم في ذلك المجتمع.
التربية المدرسيّة والثقافة المدنيّة:
التربية المدرسيّة محتويات معرفيّة متنّوعة وطرائق في التّواصل وتبليغ المعارف، وهي أيضا تنشئة للأجيال على القيم الوطنية والإنسانية المشتركة.هذه التربية تستهدف إعداد الناشئة لحياة فاعلة تجعل انخراطها فيها ايجابيّا ومنسجما مع ما توفّر لديها من التّحصيل العلميّ والعمليّ والسلوكيّ.
غير أنّ عديد التقييمات الداخليّة المنجَزة للأنظمة التربويّة ( ذات الصّلة بمبحثنا) تنتهي إلى استنتاجات لا تسهّل عمليّة البناء الدّيقراطيّ المنشود منها:
” – غلبة البعد المعرفيّ والنظريّ على التعلّمات.
– غياب شبه كلّي للتدرّب على مناهج العمل.
– طغيان المنحى الكمّي والتراكميّ على البرامج.
– صرامة البرامج وعدم قابليتها للاجتهاد والتّطويع من قبل المدرّس.
– تواضع قدرات التّلاميذ على البحث عن المعلومة والتحليل والتأليف. – ضعف التلاميذ في التعبير الكتابيّ في اللّغتين العربيّة والفرنسيّة (6) “
إنّ مثل هذه الاستنتاجات الدّقيقة تجرّنا إلى القول أنّ تأهيل النّظم التربويّة ضرورةٌ تحتّمها التحوّلات السريعة والمتسارعة في الاقتصاد والمعرفة والمجتمع ، والمتمثّلة في بروز أنماط جديدة في أساليب التعلّم والتفكير والعمل والإنتاج والترفيه. فمجتمعاتنا اليوم تواجه “صدمة المستقبل” بل لنقل بتواضع ” صدمة الحاضر” لأن ما عليه أحوالها التربويّة والحقوقيّة يدفع إلى الاعتقاد أنّ ما لم يُنجز أكثرُ بكثير ممّا قد يكون أُنجز.
“الإنسانية إنشاء تربويّ ” مثلما عرّفها الفيلسوف كانط ، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي ينتج رموزه الثقافية “وأنّ عالم الرّموز الثقافية يمثّل مركز الثّقل في تركيبة الإنسان ومجتمعه…فهي جوهر الإنسان وأهمّ ما تنطوي عليه ذاته”(7) ولهذا الاعتبار فإنّ النظم التربوية هي المسؤولة بدرجة أولى على إنتاج إمّا مواطنة مسؤولة أو قطيع تابع ومستعبد تمارس عليه شتى أشكال التسلّط.
إن من مؤشّرات السّلطوية في النّظم التربويّة” قلّة أهميّة الإقناع والمكافأة، والتركيز على العقاب الجسديّ… وإضعاف قدرة الفرد على الابتكار والتّجديد والتعلّم الذاتيّ ..والتّشجيع على الاتّكاليّة والانتظار بدل التفرّد والحضور وإثبات الذات…وإهمال حاجات المتعلّمين واهتماماتهم وتجاهل الفروق الفرديّة بينهم” (8).فإذا كان مناخ المدرسة بمثل هذه الصّورة المغيّبة لكل مبادرة وتصرّف إراديّ فلا غرابة أن تنشأ الأجيال مسكونة بهاجس الشكّ والحذر والسلبيّة، فيفتُر اهتمامها بالشأن العام ّوتتعمّق الهوّة بينها وبين امكانية الانتظام والتنظّم سواء كان مدنيّا أو سياسيّا. وعديدة هي الدراسات والبحوث التي ترصد عزوف الشباب خاصّة عن كلّ إمكانيّة فعلٍ سياسيّ رغم الإحساس الداخليّ الدفين بالحاجة إليه ،إلا أنها تبقى تتصيّد الظرف للتعبير عنه في شكل تحرّكات احتجاجيّة غير مؤطّرة ومنظمّة.
ومن هنا تتأكّد حاجة الشّبيبة المدرسيّة إلى الثقافة السّياسيّة والمدنيّة وضرورة إدراجها في البرامج الدراسيّة بحيث تصبح من المسائل المألوفة والمؤثّرة في المواقف والقناعات والسلوكيات. لقد “تربّت” أجيال كثيرة على اعتبار الاشتغال في المجال السّياسيّ والمدنيّ هو من اهتمامات الكهول، وأن الحديث عن الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والتّوزيع العادل للثّروات والتضامن مع قضايا الشّعوب والأقليّات المضطهدة هي موضوعات تخصّ تنظيمات دون غيرها، بل حتى هذه التنظيمات (الأحزاب والمنظمات) مطالبة بعدم تخطّي حدود معينة مضبوطة سلفا من قبل السلطة.إن المسائل الحقوقيّة في مؤسّساتنا التربويّة مازالت لم تحظ بالعناية المطلوبة ومازال تجاهلها من جانب ذوي القرار السياسيّ يبرّر بأنها من “الشواغل الترفيّة والكماليّة “، وإن الشّعوب محتاجة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية (إحداث مواطن الشغل وتوفير أساسيّات العيش مثل الغذاء والصحة والتعليم…).
إنّ هكذا دعاوى لا تحجب عنّا رغبة سياسيّة في حصْر مطالب الناشئة في غذاء الفم والبطن، وهي بذلك لا فرق بينها وبين السّوائم، بينما تؤكد التجارب الحديثة والمعاصرة (الثورات العربية المتعاقبة مثلا..) أنّ ديمقراطية مجتمع ما هي محكّ ديمقراطيّة نظامه السياسي وإنّ ديمقراطيّة نظامه السّياسيّ هي ضمانة ديمقراطيّة مجتمعه، وهكذا” فإن الدّيمقراطية ليست تعبيرا عن حقيقة بنائيّة ومؤسّسيّة فقط ، ولكنّها أيضا مجموعة قيم واتجاهات ومشاعر تشجّع على الممارسة الديمقراطيّة الفاعلة من جانب الحكّام والمحكومين “(9).
وفي هذا السّياق يكون مضمون الثقافة السياسيّة الديمقراطيّة متمثّلا في” الشعور بالاقتدار السياسيّ والاستعداد للمشاركة السياسيّة والتسامح الفكريّ المتبادل وتوفّر روح المبادرة واللاّشخصانية والثقة السياسيّة المتبادلة بين المواطن والنظام السياسيّ ” (10)
نكاد نجزم أنه كيفما تكن مضامين أنظمتنا التربوية ومحتوياتها تكن ملامح الأجيال المتخرّجة من مؤسّساتنا التربويّة. فلا غرابة أن تؤكّد الدّراسات السّوسيولوجيّة الحديثة على خطورة النّظم التربويّة في إعادة انتاج منظومة الاستبداد والسّلطوية وتكفي الإشارة الى مساهمات “بيير بورديو وكلود باسرونPierre Bourdieu/Claude Passeron ” في هذا الصّدد .

البناء الديمقراطيّ في المؤسّسة التربويّة كيف يكون؟
لا شكّ أنّ المدرسة مجال من مجالات التّربية والتثقيف، وهي ليست بمعزل عن باقي فضاءات المحيط المجتمعيّ، غير أنّ طبيعة الأدوار الموكولة إليها ونوعيّة حرفائها يجعلانها محلّ توظيف قد يعيق تحقّق رسالتها . فهي المؤتمنة على تنفيذ السّياسة التربويّة للسّلطة الحاكمة، لهذا فإنّ انتظارات المجموعة الوطنيّة من مردودها مشروعة، فالرّهانات كبيرة والكلفة الماديّة والمعنويّة باهضة. غير أنّ الحاجة اليوم تدعو إلى إعادة النّظر في وظائف المدرسة على ضوء التحوّلات المعرفيّة والقيميّة المستجدّة على المستوى الكونيّ. ويكون ذلك بالارتقاء بوظائفها التربويّة والتعليميّة والتأهيليّة إلى المساهمة الفاعلة في الاعتراف بالمتعلّمين كذوات لها حقوق وعليها واجبات .إنّ الأنشطة التعليميّة ينبغي أن تهتمّ لا فقط بإبستيمولوجيا الموادّ المدرّسة بل أيضا بسيكولوجيّة المتعلّمين وشواغلهم واحتياجاتهم بحيث يتمّ التخلّي عن التّواصل العموديّ الذي حكم ولا زال يحكم العلاقات التربويّة ، فليس المهمّ في كلّ الأحوال التحصيل المعرفيّ الذي يكتسبه المتعلّم وإنّما الأهمّ طريقة تحصيله وسياقاته وكيفيّاته.
في التربية على المواطنة:
يمكن الوقوف عند جملة من المتغيّرات نعتبرها متأكّدة لمباشرة اشكاليّة التربية على المواطنة سواء في الفضاء المدرسيّ أو الفضاء المجتمعيّ العامّ:
(أ)تغييرات سوسيو-سياسيّة: ضرورة تثبيت تنزيل سنّ الرّشد إلى ثمان عشرة سنة كعلامة على نضج ليس سيكولوجيًا فحسب ولكن ايضا سياسيّا . فالتّلميذ ليس مجرّد مشروع مواطن يتمّ إعداده من قبل الكهول، وإنّما هو مواطن حقوقه في نفس درجة واجباته. وبذلك يتمّ التخلّص من منطق الوصاية الذي يحكم علاقة المعلّم بالمتعلّم إلى تفعيل عقد تربويّ ومدنيّ يراعي حاجات كلّ طرف.
(ب) تغييرات مؤسّساتيّة: ويكون ذلك بالتخلّي عن المركزيّة المفرطة في تسيير النظام التربويّ ، وفتح المجال أمام المعنيين المباشرين بإنجازه واستنباط الحلول الملائمة لمشاكلهم، فتتحرّر المبادرة وتضعف ميكانيزمات الرّقابة ويتحسّن مردود المؤسّسة التربويّة.( بعث مجالس المؤسّسات مثلا..) فإجراء كهذا يضمن مناخا سليما من التواصل الأفقي بين مكوّنات المؤسّسة، ويتيح للجميع المشاركة في تدبير الشأن التربويّ مباشرة ودون مراتبية بيروقراطيّة سلطويّة.
(ج) تغييرات بيداغوجيّة: إنّ البحوث التربويّة في علمي البيداغوجيا والتعلّميّة (البيداغوجيا الفارقيّة، الصّراعات المعرفيّة ، بيداغوجيا الكفايات…) تنتظر من التمشّيات البيداغوجيّة المطلوبة أن لا تحصر مجال اهتمامها في تعليم مبادىء الديمقراطيّة والمواطنة وإنما أيضا بالوعي بضرورة التصرّف الديمقراطيّ في التعلّمات. فالكفاية المهنيّة للمدرّسين تقنيّة وديداكتيكيّة بطبيعة الحال ، و هي كذلك إيتيقيّة أخلاقيّة تصل تربية النّاشئة على قيم المواطنة بانخراط شخصيّ من لدنهم.
(د) تغييرات ثقافيّة وعلائقيّة: فالأولياء شركاء المدرسة، والشراكة بين الأسرة والمؤسّسة التربويّة في التربية على الديمقراطيّة متأكّدة . الأسرة باعتبارها البيئة الأولى المنشّئة للمتعلّمين والمدرسة من حيث كونها البيئة الثانية التي تكمّل تأدية هذا الدّور. لذا فإنّ تجسيم الأهداف التربويّة الوطنيّة يتمّ بمجهود مشترك وفي تفاعل إيجابيّ مع الأولياء والمحيط أي مع ما اصطلح عليه بالحوض البيداغوجيّ.
(ه) تغييرات سياسيّة وهيكليّة: وتحديدا في علاقة الدّولة بالمواطن، “فالدّولة مربّية المربّين” بتعبير المفكّر” عبداللّه العروي” و” لكي يصبح المرء مواطنا واعيا بكينونة مواطنته يحتاج إلى ” مؤسّسة المؤسّسات” أي الدّولة، بتعبير “أندريه هوريو”.ففي كنفها نتعلّم أوّليّات الانتماء إلى الجماعة السّياسيّة والمدنيّة…فالدّولة المشروعة (légitime)هي القادرة وحدها على استنبات قيم المواطنة، والإحساس بالجماعة، والاقتناع بالعيش المشترك”(11) فالقانون يحدّد ضوابط العيش المشترك وقواعده ، والديمقراطيّة نظام قيم وشكل من أشكال التنظّم السياسيّ وأسلوب في إدارة المجتمع، غير أنّ هذه الثقافة السياسيّة والحقوقيّة لا معنى لها لدى الشبيبة إن لم تكن مؤسّسة الدولة ،من خلال أجهزتها وعبر دواليبها المتعدّدة ،الأحرص على تجسيمها والالتزام بها ” فشرعيّة الدّولة تتأسّس بالضرورة على عنصري الرّضى والقبول الطّوعي، والاستعداد الواعي والإراديّ للمساهمة والمشاركة في مؤسّساتها…” وإلاّ ستستمرّ ” في المخيال الجماعيّl’imaginaire collectif كيانا قهريّا ليس إلاّ “(12)

ضمانات البناء الديمقراطيّ في المجال التربويّ:
نورد بعض هذه الضمانات وهي باختزال شديد:
– اقتناع جميع الأطراف المعنيّة بالتربية على الدّيمقراطيّة بأنّ الأنظمة التّربويّة قادرة على تأهيل برامج تعليميّة تمكّن الأجيال المتعلّمة من وعي أفضل بواقعها، يحصّنها من التّسطيح الفكري ويقيها الانخرط العفويّ في السّائد ويكسبها حسّا نقديّا وسلوكا مدنيّا مسؤولا .
– اقتناع الطبقة السياسيّة الحاكمة بأنّ دور المعرفة في زمن العولمة والتحدّيات المتسارعة هو تحرير المؤسّسة التربويّة ، وبالتالي المجتمع، من منطق النّجاعة والمردوديّة (نسب النجاح المرتفعة والمضخّمة في الامتحانات الوطنيّة..) والذي لا يعترف في الجودة إلاّ بوجهها الكمّي، وذلك بتفعيل تعاقد اجتماعيّ ومدنيّ يعترف بحقوق الأفراد/المواطنين في الكرامة والحرّية.” فالوعي هو الوسيلة إلى التحرّر وبالتّالي لضمان الحقوق: الوعي أوّلا بأنّ للإنسان حقوقا لأنّه إنسان، ثانيا أنّه يجب أن يكون حرّا ويتساوى في الحقوق مع الآخرين ، ثالثا بأنّ الحقوق التي صيغت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي ضمنتها الشرائع والمواثيق هي حقوق الإنسان وليست حقوقا للإنسان “(13) .

الإحـالات:
(1) طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، دار الكتاب اللّبنانيّ 1982، ص(156). (2) برامج التّربية المدنيّة بالمرحلة الثانويّة، الإدارة العامّة للبرامج والتكوين المستمرّ، تونس، سبتمبر 2008 ص(4).
(3) د.خليل أحمد خليل، المفاهيم الأساسيّة في علم الاجتماع، دار الحداثة للطّباعة والنشر والتوزيع، لبنان، الطبعة الأولى 1984.
(4) دليل المدرّس في التّربية على حقوق الإنسان، منشورات المعهد العربيّ لحقوق الإنسان، تونس 2001 ص(12).
(5) الاقتباس عن مجلّة الوحدة، المجلس القوميّ للثقافة العربيّة، السنة الرّابعة، العدد 45 حزيران يونيو 1988 ص(5).
(6) الإصلاح التّربويّ الجديد ، وزارة التّربية ،الجمهوريّة التونسيّة،جوان 2002 ص(48).
(7) د.محمود الذوّادي ،التخلّف الآخر:عولمة أزمة الهويّات الثقافيّة في الوطن العربيّ والعالم الثالث،الأطلسيّة للنشر،ط (1) ،جانفي 2002 ص(14).
(8) د. يزيد عيسى السّورطيّ ،السّلطويّة في التربية العربيّة ،سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب ،الكويت،العدد362 ،أبريل2009،ص.ص(16-19).
(9) د. عبدالسّلام علي نوير، الاتجاهات المعاصرة في دراسة الثقافة السياسيّة، عالم الفكر،العدد الأوّل،المجلّد(40) يوليو-سبتمبر 2011ص(23).
(10) نفس المصدر، عن كمال المنوفي، ص(25).
(11) د. محمد مالكي، هل انحسر الانتماء الوطنيّ والقوميّ لصالح الانتماء الدّينيّ؟ تأمّلات في ترتيب أولويّات الانتماء.مجلّة شؤون عربيّة ،الأمانة العامّة لجامعة الدّول العربيّة، العدد128 ، شتاء2006 ص(53).
(12) نفس المصدر ،ص (58).
(13) د.عبدالرّحمان التليلي، الحقّ كإقصاء للعنف،عالم الفكر ،العدد (4) أبريل-يونيو 2003 ص(82).

التدوينة المدرسة و مهام البناء الديمقراطيّ ـ عبدالله عطيّة ظهرت أولاً على توجيه بريس.

المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة ـ عبدالله عطيّة

$
0
0

التربية مشغل مجتمعيّ حسّاس ودقيق ،وحساسيته مردّها انتظارات المجموعة الوطنيّة منه في كلّ قطر، ولذلك فالاستثمار في المعرفة اليوم رهانٌ تتنافس من أجله الأمم والشعوب ،ويُباهي بإنجازاته بعضُها البعضَ، فضلا على أنّ مقياس رقيّ المجتمعات أضحى تربويّا ومعرفيّا. فالتربية مدرسيّة مثلما هو معلوم ،والمدرسة هي المؤسّسة المُناط بعهدتها وظائف ثلاث :الوظيفة التربويّة والوظيفة التعليميّة والوظيفة التأهيليّة ،أمّا عن الوظيفة الأولى فتتمثل في “تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة والسّلوك القويم وروح المسؤوليّة والمبادرة ،وهي تضطلع على هذا الأساس :
– بتنمية الحسّ المدنيّ لدى الناشئة وتربيتهم على قيم المواطنة…
– بتنمية شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها الخلقيّة والوجدانيّة والعقليّة والبدنيّة..
– بتنشئة التلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا..”
أمّا الوظيفة التعليميّة للمدرسة فتظلّ من أدقّ الوظائف التي تعمل من أجلها، وتتمثل بالخصوص في “ضمان تعليم جيّد للجميع يتيح اكتساب ثقافة عامّة ومعارف نظريّة وعمليّة ،ويمكّن من تنمية مواهب المتعلّمين وتطوير قدراتهم على التعلّم الذاتيّ والانخراط في مجتمع المعرفة…” ولعلّ الوظيفة الثالثة للمدرسة هي بنفس أهمّية الوظيفتين الأٌوليين ،فهي “تسعى إلى تنمية مهارات وكفايات لدى خرّجيها حسب سنّ التلميذ والمرحلة التعليميّة، وتتولّى مؤسّسات التكوين المهنيّ والتعليم العالي تطوير هذه الكفايات والمهارات لاحقا…” (1) وفي انسجام كلّيّ مع هذا المدخل النّظري الذي حدّد وظائف المدرسة في النظام التربويّ التونسيّ قدّم تقرير اليونسكو المسمّى “التعليم ذلك الكنز المكنون” الذي تمّ اعتماده سنة 1995 تصوّره لدور المؤسّسة التربويّة في القرن الحادي والعشرين مستندا إلى أربعة مبادئ أساسيّة:
– التعلّم للمعرفة.
– التعلّم للعمل.
– التعلّم للعيش مع الآخرين ، – التعلّم ليكون المرء.

فالتعلّم للمعرفة يمثّل المدخل الرئيسيّ لباقي التعلّمات ،المعرفة من حيث كونها جديدا تؤثِّث به المدرسة المتعلّمين وتفتح به عقولهم وبصائرهم على منجزات الفكر البشريّ، وتصلهم بجذورهم الحضاريّة والثقافيّة ،وتجنّبهم الكثير من “التوتّرات” التي تسبّبها مرحلتهم العمريّة الحرجة من ناحية، وتحدّيات العولمة بمختلف عناوينها: القيميّة والتقنيّة والعلميّة والاقتصاديّة والبيئيّة من ناحية ثانية… فالنُظُم التربويّة اليوم قَدَرُها أن تواكب التحوّلات العميقة التي تطرأ في كلّ لحظة وحين على تركيبة المجتمعات وبنية المعرفة وأساليب العمل ووسائل الإنتاج ،والمؤسّسة التربويّة ،في مجتمعاتنا النامية ،كي تنهض بوظيفتها على الوجه المطلوب مطالبة بأن تعزف عن التقليد ،وتنشد في المقابل التجديد والاشتغال على القضايا التي تشغل بال الناشئة سواء في مستوى دوائر حياتهم الخاصّة أو في مستوى أعمّ ،أي باعتبارهم مواطنين سيجدون أنفسهم أمام عديد التحدّيات الدوليّة نذكر من بينها التفاوت بين الدول في الممارسة الديمقراطيّة وفي التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ،إضافة إلى الفقر والنزاعات بمختلف أنواعها الإثنيّة والاجتماعيّة والسياسيّة ،وكذلك التدهور البيئيّ و إمكانيّة نفاذ الموارد الطبيعيّة وبخاصّة المياه.
غير أنّ التعلّم l’apprentissage يختلف كما هو معلوم عن التّعليم l’enseignement فإذا كان هذا الأخير، أي التّعليم ، يُنسَب إلى المعلّم في جهده وفي مقارباته البيداغوجية وسنداته التعليميّة ، فإنّ التعلّم منسوب بدرجة أولى إلى المتعلّم في محوريّته وفي مدى تفاعله مع مجمل المناشط التربويّة المخصّصة له. وعلى هذا الأساس فإنّ المتعلّم يستوعب من خلال عمليّة التفاعل مع المعلّم خبرات متعدّدة وقيما ونماذج سلوكيّة يسير على منوالها ، وبفعل هذا التّحصيل العلميّ بمستوييه النّظريّ والعمليّ تكون المؤسّسة التربويّة قد لعبت دورها ووفّرت للمجموعة الوطنيّة ما تحتاجه من الأطر والكوادر العلميّة والفنّية. فالتّعليم – كما عرّفه الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا – هو أقوى سلاح نستطيع من خلاله تغيير العالم ! فهل أنتجت المدرسة وعْيا لدى النّاشئة بأهميّة الموارد الطبيعيّة ؟ وهل تضمّنت برامجها الدراسيّة ومناهجها التعليميّة مدارات اهتمام ذاتَ صلة بالماء تحديدا وبكيفيّة التعامل المتبصّر مع هذه الثروة الاستراتيجية؟
اهتمامنا بطبيعة الحال مركّز على التجربة التربويّة التونسيّة في هذا الموضوع ، سواء في مستوى البرامج الدراسيّة أو المحامل البيداغوجيّة ،بحيث يجدر التنويه في هذا السياق إلى أنّ الاشتغال على هذا المبحث الحيويّ يندرج ضمن مدارات اهتمام أعمّ وأشمل ،وهي موزّعة على الدرجات التعليميّة المختلفة بدءا بالمرحلة الأساسيّة ومرورا بالمرحلة الإعداديّة وانتهاء بالمرحلة الثانويّة.
الماء هو الحياة، فليس بمقدور كائن على وجه البسيطة الاستغناء عنه، وهو إلى جانب الهواء والتراب والنبات، كلّها عناصر تمثّل بيئة الإنسان ومحيطه الذي يعيش فيه. فالبيئة بهذا المعنى هي “كلّ شيء يحيط بالإنسان ” وهي أيضا ” مجموع العوامل الطبيعيّة والبيولوجيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة التي تتجاور في توازن ،وتؤثّر بشكل مباشر أو غير مباشر في الإنسان والكائنات الأخرى” (2) ،ولا غرو حينئذ أن يحظى الماء باهتمام الكثير من المنظمات والحكومات ومختلف الأطراف في المجتمع الدوليّ ، فتعقد له الندوات والاجتماعات والدورات التكوينيّة والتوعويّة ،وتكون الشريحة الشبابيّة التلمذيّة والطالبيّة في طليعة الفئات المستهدفة بالتحسيس بأهمّية المياه وبضرورة ترشيد استهلاكه والتحكّم فيه.
إنّ ندرة المياه تمثّل لدى العديد من البلدان كارثة طبيعيّة حقيقيّة، والندرة لها وجهان: الوجه الأوّل مرتبط بالعوامل المناخيّة التي تتميّز بضعف التساقطات وبعدم انتظام نزول الأمطار بين الفصول والسنوات والجهات، والوجه الثاني وهو الأخطر إذ يتحمّل الإنسان مسؤوليّته سواء من خلال الاستغلال العشوائيّ وغير المحكم للمياه ،أو بعدم الحفاظ على الموائد المائيّة بسبب ربطها بقنوات التطهير وإلقاء الفضلات في مصادرها وفي منابعها ومجاريها ،وهو ما يتسبّب في تلويثها وفي الإضرار بصحّة الإنسان والإخلال بالبيئة ،وهذه الظاهرة منتشرة للأسف الشديد في العديد من المناطق ولا سيما في المدن الكبرى. و”تشير تقارير البنك الدوليّ حول أزمة المياه إلى أنّ 80% من أمراض مواطني العالم الثالث تسبّبها المياه الملوّثة ،وأنّ 10 ملايين شخص يموتون سنويّا للسبب نفسه ، وأنّ هناك مليار شخص في الدول النامية يعانون من نقص مياه الشرب النقيّة ،كما أنّ 80 دولة في العالم نسبة 40% من سكانها مهدّدة بنقص المياه ” (3) .
هذه الوضعيّة المحرجة والمخيفة تستدعي بالفعل توعية وتحسيسا مستمرّين من جانب المعنيين بهذا الشأن الحيويّ ،فالإنسان وسيلة التنمية وهو غايتها ،فليس بالإمكان تحقيق تنمية مستدامة ما لم تحرص الحكومات والمنظمات من خلال برامجها ونظمها التربويّة على تحسين نوعيّة حياة ساكنيها في جوانبها الاقتصاديّة والماديّة والحقوقيّة. فالتنمية المستدامة تعني قدرة المجتمعات على توفير حاجات الأجيال الحاليّة دونما إلحاق الضرر بحاجات الأجيال القادمة، فهي تنشد تحقيق:
– العدالة الزمنيّة بين الأجيال (الحاليّة والمستقبليّة).
– العدالة المكانيّة بين الشعوب والقارّات.
– العدالة البيولوجيّة بين الكائنات.
الماء في البرامج التعليميّة التونسيّة:
لا نجانب الصّواب حين نقرّ بأنّ حضور الماء كمشغل تربويّ في المقرّرات الرّسميّة لتونس حضور معتبر، هو من بين المدارات المعرفيّة التي تكاد تغطّي مختلف المستويات الدراسيّة من ناحية ،ومختلف المواد المدرّسة من ناحية ثانية ،فالماء كوحدة معرفيّة وبيداغوجيّة يمثّل مبحثا أفقيّا عابرا لأغلب المواد :فهو قارّ في عائلة العلوم (الإيقاظ العلمي وعلوم الحياة والأرض) وفي عائلة الاجتماعيّات ( الجغرافيا والتربية المدنيّة والإسلاميّة) وفي عائلة اللّغات (العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية) ، وهو أيضا حاضر في عديد الدرجات الدراسيّة (المرحلة الأساسيّة والمرحلة الإعداديّة والمرحلة الثانويّة) ، وهذه أمثلة لبعض العناوين :
– الدرجة الثانية من التعليم الأساسيّ: حماية المحيط، دور الإنسان في حماية المحيط(مقاومة تلوّث الماء والهواء والتربة).
– الدرجة الثالثة من التعليم الأساسيّ: وحدة التنشئة الاجتماعيّة، مادّة التربية الإسلاميّة( المحافظة على الثروة البيئيّة ،الماء).
– المستوى: السادسة أساسي، العنوان: لنحفظ هذه الثروة / الماء.
Sauver la nature : comment éviter le gaspillage de l’eau ?
الخدمات العموميّة: مثال التهيئة والتطهير( فوائد تصريف مياه الأمطار في قنوات معدّة للغرض، فوائد معالجة المياه المستعملة بمحطّات التطهير..)
– المستوى: الثامنة أساسيّ، وحدة التربية الإسلاميّة (مبحث :ولا تَبغ الفساد في الأرض ،الثروات الطبيعيّة، الماء في التشريع الإسلامي)
– المستوى: التّاسعة أساسي ،ضمن وحدة الجغرافيا (التنمية الفلاحيّة بتونس، المنظومة المائيّة في تونس)
ضمن وحدة التربية المدنيّة (مسؤوليّة المواطن تجاه المحيط الطبيعيّ :تبنّي مواقف وسلوكيّات بيئيّة إيجابيّة، ترشيد استهلاك الموارد الطبيعيّة والثروات، إنشاء الجمعيّات والأحزاب البيئيّة، إصدار التشريعات والمجلاّت القانونيّة مثل مجلّة المياه ومجلّة الغابات..)
– المستوى :الأولى ثانويّ، مادّة الجغرافيا ،المدار المعرفيّ :(الإنسان يستثمر الموارد الطبيعيّة، الموارد المائيّة وتوزّعها الجغرافيّ ، تعبئة المياه ،رهانات الماء..)
الإنسان والأوساط الطبيعيّة ( الفيضانات ،التصحّر).
– المستوى: الثالثة ثانويّ ، مادّة التربية المدنيّة، المدار المعرفيّ: التدهور البيئيّ( انعكاساته على مختلف مجالات الحياة الإنسانية) ..
إنّ هذه العناوين الدراسيّة المهتمّة بالماء باعتباره أصل الحياة “وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ” الأنبياء،30 هي فيض من غيض، فالمقصد العلميّ ثابت دون أدنى شكّ من وراء الاهتمام بهذا المبحث الحيويّ، ولكنّ البعد التنشيئيّ والتوعويّ خاصّة بالنّسبة للأجيال الصغرى ليس غائبا عنها ،بل إنّ التّحسيس بالأخطار التي تهدّد محيط الإنسان الطبيعيّ ومنها تخصيصا ندرة المياه أو تلويثها هي جوهر الأهداف الوجدانيّة والسّلوكيّة التي يتعيّن على المدرّس التركيز عليها والتنبيه إلى اليقظة إزاءها.
نحو مقاربات بيداغوجيّة تجديديّة:
المدرسة فضاء للعلم والحياة ،فإذا كان ارتياد المدارس فِعْلا محدودا في الزمان والمكان فإنّ التعلّم l’apprentissage نشاط يرافق الإنسان مدى حياته، ومن هذا المنطلق فإنّ الحاجة تستدعي إعادة النظر في وظيفة المدرسة وفي مهمّة المعلّم، فنحن العرب، اليوم، لسنا على وعي بأهميّة التعلّم الذاتيّ وبالتعلّم مدى الحياة، فمازالت الصّورة التقليديّة للمدرسة تحكم تعامل أجيالنا مع العلوم والمعارف، فالمدرسة في نظر الكثير شهادات ووظيفة ،والمعلّم هو مصدر المعرفة الوحيد بدون منازع ومنافس!.. فمثل هكذا تصوّر غدا بلا معنى في عصر يتضاعف فيه حجم المعارف كلّ عقد من الزّمن، وعلى هذا الأساس فإنّ السؤال الملحّ اليوم هو كيف يكون الفصل بين التعلّم والمدرسة؟ أعني كيف يصبح التعلّم حاجة يوميّة ومشروعا حياتيّا ؟
إنّ المعلّم مطالب بأن يعلّم تلاميذه كيف “يتخلّون “عنه، بمعنى أن يقتنع أوّلا بأنّه أحد مصادر المعرفة وليس كلّها. فمقارباته البيداغوجيّة والمنهجيّة يفترض أن تتأسّس على “تطوير قدرات التلاميذ الفكريّة واستقلاليتهم ،فضلا عن إكسابهم كفايات وجيهة ومتينة ومستديمة وأدوات التكوين المستمرّ والتعلّم مدى الحياة”(4).ولعلّ أهمّ الرّهانات التي لا مفرّ للمدرسة من الاستجابة إليها هو رهان التفاعل مع المحيط، ولا يتسنّى ذلك مالم يستحضر المعلّم طبيعة دوره التنشيئيّة المتمثلة في إعداد الناشئة التي تتعلّم كيف تتعلّم ،وكيف تعمل ،وكيف تعيش مع الآخرين ،وكيف تحافظ على موارد محيطها الحيويّة وأوّلها الماء.
أيّة محامل بيداغوجيّة مناسبة ؟:
المحامل البيداغوجيّة مُثيرات تعليميّة متعدّدة الأنواع ، وهي جزء من تقنيّات التعليم والتعلّم، تسمّى أيضا التكنولوجيا التربويّة على نحو مماثل للتّعريف التالي الذي تعتمده منظّمة اليونسكو “فهي طريقة منهجيّة ونظاميّة لتصميم العمليّة التعليميّة – التعلّميّة بكاملها وتنفيذها وتقويمها استنادا إلى أهداف محدّدة وباستخدام مصادر بشريّة وغيرها من أجل إكساب التربية المزيد من الفاعليّة”.
فالمحامل البيداغوجيّة وسائل تعليميّة مُعينة على التعلّم، إذ أنّ الممارسة البيداغوجيّة المبنيّة على خبرات المعلّم الحسّية وعلى الاحتكاك بوضعيّات ذات دلالة بالنسبة للمتعلّم هي التي تنتج ما يسمّيه البيداغوجيوّن الصراع المعرفيّ لدى التلميذ حين يعي التناقض بين معارفه القبليّة وأفكاره الأوّليّة ،وبين ما وفّرته له المحامل من جديد معرفيّ وحسّي، فهي مُعينة على الفهم والتفكير والنقد وبناء الموقف ، مثلما أنّها مساعدة على تجلية الغموض وإزالة اللّبس عن جوانب علميّة يريد المدرّس الكشف عنها وتمريرها إلى المتعلّمين، فقيمة العمل التربويّ لا تتمثّل فقط في المحتوى الذي يدرّس، وإنّما في الكيفيّة التي بها يدرّس، وفي سندات التعلّم المعتمدة في ذلك.
تتنوّع الوسائل التعليميّة المتاحة للمعلّم والمعينة له على إنتاج حسّ بيئيّ لدى المتعلّمين يدركون من خلاله معنى الحاجة إلى الحفاظ على الماء وترشيد استهلاكه وحفظه من كلّ أسباب التلّوث والتلف، ونورد في هذا السياق على سبيل الذكر لا الحصر عديد السّندات التعليميّة الوظيفيّة ،أي التي تساهم في تحفيز التلاميذ وشدّ انتباههم وحملهم على الاقتناع بالمتن المعرفيّ للدّرس ولتحقيق أهدافه الوجدانيّة والسلوكيّة:
– الصّورة: فربّ صورة خير من ألف مقال، فالتوجيهات التربويّة المعاصرة تؤكّد على أهميّة الصورة في عمليّة التعلّم والتعليم، وتستحسن أن تتوفّر فيها جملة من الخصائص(البساطة ووضوح المقاصد، المناسَبة لتصوّرات التلاميذ، وضوح الألوان وتناسقها، وضوح العناوين المرافقة ..)
– الرّسوم البيانيّة: فما يدفع إلى الاهتمام بها هو عقلنة الممارسة التربويّة و تنويعها كمّا وكيفا، ممّا يكسب المتعلّمين كفايات متجدّدة وقدرات على فكّ الرّموز والإحصائيّات و تجعلهم يساهمون في بناء المعرفة ذاتيّا .
– الخرائط: فهي تمثيل لسطح الأرض ولأجزاء معيّنة منها، مثلما أنّها تقدّم الكثير من المعطيات (المساحات والحدود والسواحل والصحاري والأودية والبحار..)،فهي تنقل المتعلّمين من مجال عيشهم الضيّق إلى مجال أرحب فتتّسع دائرة معارفهم وتتكوّن لديهم رؤية أشمل عن محيطهم الكونيّ.
– الرّحلات والزيارات الميدانيّة: هي تجنّب المعلّم وتلاميذه رتابة الممارسة البيداغوجيّة في القسم ،وتتيح للتلاميذ الانفتاح على محيطهم وبيئتهم فيدركون الصّلة بين ما يدرسونه على مقاعد الدراسة وبين ما يجري في الحياة الخارجيّة القريبة منهم .
– التسجيلات السّمعيّة البصريّة: سواء المأخوذة من القنوات الفضائيّة ذات التخصّص العلميّ أو ممّا توفّره التكنولوجيّات الحديثة من مادّة علميّة ذات علاقة بمبحث المياه والتصحّر والتلوّث..
إنّ أهمّية الوسائل التعليميّة في الممارسة البيداغوجيّة متأكّدة، وهي لا تكمن في مجرّد حضورها في دروس المعلّم وإنّما في ما تحقّقه هذه الوسائل من أهداف معرفيّة ووجدانيّة و سلوكيّة محدّدة ضمن نظام متكامل ورؤية شاملة يضعها المعلّم لتحقيق أهداف حصصه ،فهي” مولّدة للمعلومة ومثيرة للأحاسيس وفاعلة في السّلوك” على حدّ تعريف فاخر عاقل.
نحو عقليّة تربويّة جديدة:
إنّه ليس بمقدور المعلّم اليوم أن يضطلع بدوره التربويّ التوعويّ في مجال التنشئة الاجتماعيّة وفي التربية على المواطنة البيئيّة وفي تغيير سلوكيّات المتعلّمين لترشيد استهلاك الماء والحفاظ عليه وتجنيبه كلّ مصادر التلوّث مالم يعدّل هو أيضا مسارات تواصله معهم، ويكتسب جملة من الكفايات الأساسيّة ويتسلّح بعقليّة تربويّة متجدّدة قوامها:
-الانتقال من مجرّد التطبيق الصّارم للمنهجيّات المرسومة إلى بناء تمشّيات تعلّيميّة توجّهها وضعيّات تعلّميّة مستوحاة من محيط المتعلّمين.
– اعتبار التدريس أنشطة ترتكز على مبادرات فرديّة من المعلّم والمتعلّمين تسمح لهم بالانفتاح على القضايا الحيويّة التي تشغل جيل التلاميذ وتهدّد عالمهم وبيئتهم.
– التعامل مع التوجيهات البيداغوجيّة والوثائق المنهجيّة تعاملا نقديّا يضمن للمعلّم قدرا من الاستقلاليّة وحريّة الحركة والفعل .
– اعتبار التدريس نشاطا ذهنيّا يتطلّب تكوين عقول مفكّرة موصولة بمحيطها البشريّ والطبيعيّ، وليس حشوا لأدمغة بمعارف تتبخّر بمجرّد استهلاكها.
– اعتبار التدريس أيضا نشاطا معرفيّا يتنافى والرّتابة والتّكرار الآلي، وينزع في مقابل ذلك إلى الجمع بين مرونة الفكر والقدرة على التكيّف وحسّ المبادرة، والميل إلى البحث عن الحلول المبتكرة والأداء المتقن.
هذه العناوين المقترحة لمطلب العقليّة التربويّة المنشودة لدى المدرّس هي أسس الاحتراف التربويّ، فالاحتراف le professionnalisme يعني أن لا يُؤخَذ التدريس على أنّه عمل تقنيّ جافّ منفصل عن إطاره وظروفه المختلفة (تلاميذ، فضاء، بيئة…) بل وجب النظر إليه من خلال قدرة المعلّم على بناء مشروعه البيداغوجيّ وإنجازه انطلاقا من خصوصيّات الواقع المدرسيّ والمجتمعيّ ،والاحتراف يعني أيضا حسن التخطيط وسلامة ،التقييم و تشخيص الصّعوبات وتعديل التعلّمات بما يخلق الرّغبة في التعلّم لدى التلاميذ ويسمح لهم بالتفاعل الإيجابي مع المدرّس ودرسه، مثلما يمكّنهم من التفاعل الواعي والرّشيد مع محيطهم ،واستبانة طبيعة التحدّيات التي تواجه الإنسانيّة عامّة وأخطرها على الإطلاق ندرة المياه وتعدّد مصادر تلوّثها .
هكذا إذن يسهم المعلّم في إعداد الناشئة للعيش في مجتمع متوازن وسليم وفي اكتساب سلوكيّات متبصّرة بأهميّة الموارد الطبيعيّة في حياة الإنسان، ذلك أنّ الوعي البيئيّ سبيل إلى المواطنة المسؤولة التي تنهض على السّلوك الإيجابيّ نحو المحيط الطبيعيّ بمختلف مكوّناته ومنها المياه أساسا.
الهوامش و المراجع:
1 القانون التوجيهيّ عدد 80 – 2002 بتاريخ 23 جويلية 2002 للتربية والتعليم المدرسيّ، وزارة التربية والتكوين، الجمهوريّة التونسية.
2 د. داود عبدالرزاق الباز، مفاهيم أساسيّة في القانون العامّ لحماية البيئة ،مجلّة عالم الفكر، المجلّد32، يناير مارس 2004، المجلس الوطنيّ للثقافة والفنون والآداب ،الكويت.
3 مبارك أحمد مبارك ،ندرة المياه : مشكلة دوليّة تتفاقم، السياسة الدوليّة عدد 163، جانفي 2006 ص 78.
4 الإصلاح التربويّ الجديد ،الخطّة التنفيذيّة لمدرسة الغد، وزارة التربية ،تونس جوان 2002 ،ص 26.
5 منشورات التفقديّة العامّة للتربية ،الجمهوريّة التونسيّة (إدارة البحوث والدراسات).

التدوينة المعلّم ومهام التربية على المواطنة البيئيّة ـ عبدالله عطيّة ظهرت أولاً على توجيه بريس.


هل مادة الاجتماعيات مادة مملة؟ ـ د. عبد اللطيف الركيك

$
0
0

يسود الاعتقاد في تمثلات المتعلمين والمدرسين أيضا بأن مادة الاجتماعيات ترادف الملل والنفور أثناء تقديم تعلماتها، وأن هذا ما يفسر تبرّم المتعلمين وعدم اهتمامهم بالمشاركة في بناء تعلماتها. بيد أن تجربتنا المتواضعة ما فتئت تثبت بطلان هذه التمثلات والأحكام المسبقة، وهو ما سنعرض له في هذه المقالة القصيرة.
إن الخلل الملحوظ في تدريس المادة لا يكمن في طبيعة المادة نفسها، بقدر ما هو موجود في طرائق تدريسها في الأقسام. فعلى مدى عقود وقع تكريس طرق معينة في تدريس المادة من خلال أسلوب إلقائي جامد وفاتر ويفتقد إلى الحيوية. فكان من الطبيعي أن يتسرب الملل إلى المتعلم والمدرس على حد سواء، ويترسخ النفور والصد وعدم الاهتمام.
والواقع أن مادة الاجتماعيات تعد من أفضل المواد المدرّسة في مدارسنا، إن لم نقل الأفضل على الإطلاق لعدة اعتبارات منها أنها مادة جامعة تستوعب مجموعة من العلوم الاجتماعية. فرغم أنها تتألف من مكونين هما: التاريخ والجغرافيا، فإن تعلماتها ومحتواها المعرفي والمنهجي والمهاري يمتد ليتداخل مع علوم أخرى مثل علم الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم الإحصاء…إلخ.
كما أن مضامين ومهارات المادة تتسم بالتميز والإثارة والجاذبية، وتعد هامة في التكوين الثقافي والمعرفي للمتعلم والتكوين الذاتي المستمر للمدرس كذلك. ولذلك، فإن مفتاح تغيير واقع تدريس المادة يتمثل أساسا في تغيير طرائق التدريس وأساليب التواصل واعتماد طرائق نشطة ومحفزة تقوم على إشراك المتعلم في بناء التعلمات وجعله في قلب العملية التعليمية التعلمية.
يضاف إلى ذلك ضرورة تقريب تعلمات المادة من حياه المتعلم ومعيشه عبر الانفتاح على البيئة القريبة والوسط الخارجي ومراعاة الانشغالات الثقافية والقيمية للمتعلم، فلا يبقى التاريخ كمجرد استذكار مكرور لأحداث من الماضي البعيد لا يقوم بينها وبين حياة المتعلم أي رابط، بل تقديمه للمتعلم باعتباره جزء من حياته وأداة منهجية تعينه على فهم الماضي وتفسير الحاضر واستشراف المستقبل، وتزوده بمهارات عرضية تفيده في تعلماته في المواد الأخرى، وفي الحياة بوجه عام، وفي حياته الشخصية بوجه خاص من خلال بناء شخصية متوازنة ومنفتحة ومسؤولة وتمتلك حس النقد والمسائلة.
نفس الشيئ ينطبق على مكون الجغرافيا، إذ لا يجب تقديم تعلماتها في صيغتها العالمة باعتبارها معارف علمية للحفظ والاسترجاع الآلي بعيدة تماما عن واقع المتعلم، بقدرما يجب تقريبها إلى انشغالات المتعلم باعتبارها في الأصل مادة تنفتح على المحيط وحاملة لقيم تربوية وبيئية ووجدانية ومجالية. ذلك أن محتويات المادة تشمل تعلمات الوسط الجغرافي الذي يعيش فيه المتعلم.
وعلى سبيل الاستنتاج، يمكن الاستخلاص بأن التصورات النمطية السلبية التي تشكلت عن مادة الاجتماعيات مردها بالأساس إلى طريقة الإلقاء التي سادت ردحا من الزمن في مدارسنا، وكان لها وقع الكارثة على المادة، فهي في نظرنا العامل الأساس المسؤول عن الجمود والفتور الذي باتت تتوارثه الأجيال وهي بصدد التعامل مع تعلمات المادة أثناء بناء الوضعيات التعليمية التعلمية.
تدريس مادة الاجتماعيات بحاجة اليوم إلى مراجعة شاملة على ضوء الأفكار النقدية المطروحة سواء على مستوى المناهج أو المقررات أو الطرق البيداغوجية.

التدوينة هل مادة الاجتماعيات مادة مملة؟ ـ د. عبد اللطيف الركيك ظهرت أولاً على توجيه بريس.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الثالثة|التوجيه التربوي إشكالات ورهانات

$
0
0

من رسائل التوجيه إرساء نظام تعليمي وتكويني ناجع ومنصف، غير أن إعمال مبدأي النجاعة والإنصاف معادلة بمجهولات عدة، وموازنتها الصعبة مرهونة بخلق الانسجام والتناغم بين القرارات الفردية والإكراهات الجماعية. وهكذا فالتعاطي معها مفتوح على المتغيرات التالية: أفراد بمشاريع شخصية أو بدونها، أدوار فاعلي التوجيه، تدبير تدفقات التلاميذ والطلبة والمتدربين في بنيات وأسلاك وشعب وتخصصات منظومة التربية والتكوين وتدفقات مخرجات هذه الأخيرة نحو النسيج الإنتاجي، تأثيرات سيرورات الأنساق المنظمة والهرمية المتعين عليها الإرشاد والتوجيه المدرسي والمهني (25). وينجم عن تفاعل كل هذه العناصر إشكالات تنعكس على المردوديتين الداخلية والخارجية للنظام التعليمي والتكويني، وتطرح معالجتها وتجاوزها رهانات يتحتم كسبها. وسنكتفي بهذا الصدد بالتطرق لإشكالات الاصطفاء والهدر والمجتمعات الفردانية ورهانات بناء الشخصية وتعميم خدمات التوجيه بالمؤسسات التعليمية والتكوينية وإشراك الفاعلين.

1 ـ إشكالات
أ) – التوجيه والاصطفاء والنخبوية
مما لا شك فيه أن مدخلات أنظمة التعليم والتكوين شهدت تحسنا كميا في السنوات الأخيرة جراء الإصلاحات المندرجة ضمن “الدمقرطة” وتكافؤ الفرص…، غير أن التحليل الكيفي لأداء هذه الأنظمة يكشف عن تفاوتات في التمدرس والنتائج من جهة لأخرى وفي الإدماج المهني والاجتماعي للمخرجات. ولا يمكن عزو تفييئ الساكنة المدرسية إلى مستويات تعليمية وتكوينية متباينة لعوامل خارج- مدرسية فقط، بل مسؤولية أنظمة التربية والتكوين ثابتة في الاصطفاء المدرسي والمهني والاجتماعي(26)، وللتوجيه دور في ذلك.
لقد أدى تطور هيكلة التمدرس والتكوين إلى تكريس شروط للتوجيه تحول دون الاستجابة لرغبات الساكنة المدرسية والطلابية، إذ تبقى هيمنة ثنائية القطب بأسلاك التعليم (آداب ـ علوم) من العوامل الرئيسية المتحكمة في التوجيه، وبالتالي فالعمل بالتوجيه-الارتقاء عوض التوجيه-اصطفاء مؤجل في الوقت الراهن(27)، مع ما يترتب عن ذلك من انحصار، إذ لا يتوج اختيار تخصص ضمن أنظمة تعليمية وتكوينية جامعية بثنائية القطب هذه وخاصة الأدبي منها إلا بالحصول على دبلوم يعزز حامله صفوف حملة الشواهد المعطلين.
والأفراد معنيون، خلال تمدرسهم، باختيار شعب، غير أن جميع المسالك لا تعد بنفس الآفاق، فلازال التفوق في العلوم المجردة والتجريبية جسرا للعبور للعديد من الدراسات والتكوينات والمهن الواعدة ضمنها مسارات نخبوية (الأقسام التحضيرية للمدارس العليا،…)؛ بينما ولوج تخصصات أخرى محفوف بالتعثرات مما ينزع مبدأ التكافؤ عن التوجيه(28)، وبالتالي تحقيق الانتقال من التوجيه-نخبة إلى التوجيه-عامة غير وارد في ظل بنيات منظومات التربية والتكوين القائمة حاليا.

ب) – التوجيه والهدر والتسرب
يعد الهدر والتسرب المدرسيين من معيقات تطور الأنظمة التعليمية والتكوينية بالنظر لما يشكلانه من إتلاف لميزانيات الدول والأسر ومن ضياع لقدرات وكفاءات كان من الممكن أن تساهم في تنمية المجتمعات، وبالنظر كذلك لما لهما من انعكاسات نفسية واجتماعية وخيمة على ضحاياهما(29). ونسبهما من المؤشرات التي تعكس مدى الفعالية والنجاعة الداخليتين لمنظومات التربية والتكوين. وظاهرتا الهدر والتسرب إن كانتا ملازمتين للعديد من أنظمة التعليم في العالم، فإن حجمهما وأبعادهما في النظام التعليمي المغربي مقلقة(30)؛ إذ، رغم تأكيد مواثيق ومخططات وبرامج الإصلاح على تحسين المردودية الداخلية لمنظومة التربية والتكوين بالتنصيص على سبيل المثال على بلوغ 90 % من التلاميذ المسجلين بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي برسم الموسم الدراسي 1999-2000 مستوى السنة الختامية من هذا السلك سنة 2005، ووصول 80 % منهم نهاية التعليم الثانوي الإعدادي سنة 2008(31)، فلم تعرف نسب الهدر والتسرب انخفاضا محسوسا خلال السنوات السبع الأولى لعشرية التعليم حيث ناهزت، في المتوسط، نسبتا تكرار المتمدرسات والمتمدرسين للمستويات الدراسية بالتعليم الابتدائي وبالسلك الثانوي الإعدادي برسم السنة الدراسية 2005-2006، على التوالي، 13 % و 19 %(32)، وتفاقمت نسبة التسرب في السنة النهائية من سلك البكالوريا برسم نفس الموسم الدراسي لتناهز 32 %(33).
وباعتماد التوجيه؛ مقاربة ماكرو-سوسيو-اقتصادية يهيمن عليها التحليل الاقتصادي المنشغل بتصريف تدفقات الساكنة المدرسية في البنيات التربوية والتكوينية القائمة، وتجاهل ماهيته الأخرى التي تتمثل في المقاربة الميكرو- سوسيو- اقتصادية الممتحة من علم النفس التجريبي وعلم النفس الفارقي موظفة أدوات القياس والتقويم الموضوعية والإعلام المدرسي والمهني الوجيه والمضبوط من أجل إبراز مؤهلات واهتمامات الأفراد ومن ثمة مساعدتهم على بناء مشاريعهم الشخصية؛ فإنه من الوارد أن يندرج(التوجيه) ضمن العوامل الفاعلة في ظاهرتي الهدر والتسرب. ووثيقة إصلاح النظام التعليمي المغربي الأخيرة إن تغيت القطع مع نسب النجاح المحددة مسبقا كشرط للانتقال من سلك تربوي إلى أخر، ودعت إلى الاستناد فقط إلى الاستحقاق في التدرج التربوي والتعليمي للمتعلمين والمتعلمات على قاعدة التقويم المضبوط لمؤهلاتهم وتحديد اختياراتهم التربوية والمهنية(34)، فالطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي والتعليم العالي ومراكز ومعاهد التكوين ماانفكت تتحكم في عملية التوجيه بكافة العتبات حيث تحدد الخريطة المدرسية، المجسدة للإرادة السوسيو-سياسية للدولة، على سبيل الذكر، نسبة التوجيه بالمستوى الختامي للسلك الإعدادي من التعليم الثانوي في 47 % من مجموع تلاميذ وتلميذات هذا المستوى(35) مما يجعل 53 % منهم عرضة للهدر والتسرب أو يلجون الحياة العملية بمكتسبات متواضعة.
والحالة هذه، فالتعاطي مع مسألة الهدر والتسرب من زاوية التوجيه أي التوفيق بين المقاربتين الماكرو-سوسيو-اقتصادية والميكرو-سوسيو-اقتصادية للتوجيه مطروح إلى حين الإجابة على إشكالية تدبير التناقض بين غايتين تتقاطعان باستمرار: من جهة غاية تصريف التدفقات التي تروم توزيع المتمدرسين والمتمدرسات على مختلف الشعب الدراسية والتخصصات التكوينية المتوفرة، ومن جهة أخرى غاية المشروع الشخصي التي تعنى بتسليح الفرد بموارد تمكنه من التأسيس، تدريجيا، لاختياراته الدراسية والمهنية وفق كفاءاته وانتظاراته(36).

ج) – التوجيه والمجتمعات “الفردانية”
يقصد بالمجتمعات “الفردانية” ائتلافات اجتماعية وثقافية حيث الفرد خضع لتنشئة قوامها السعي للأداء المنعكس عليه إيجابا وتحقيق ذاته وتحمل مسؤوليته ومسؤولية أسرته الصغيرة؛ أي الاستقلال بحياته بالتمام عبر تحقيق ذاته كهوية فردية مستقلة. بالمقابل، يسعي الفرد في المجتمعات الجمعية للامتثال لمرجعيات معيارية ويستبطن قيم جماعته ويلتزم بترجمتها مساهما في تنمية المجتمع الذي ينتمي إليه(37). وتنجم عن البنيات الفكرية والهوياتية للمجتمعات الفردانية تصورات للحياة يترتب عنها إشكال عام للتوجيه متمثل في تساؤل الفرد عن المتعين عليه صنعه بحياته، عكس إشكال التوجيه في التنظيمات الجمعية حيث تساؤل الشخص عن الواجب فعله لفائدة تنظيمه(38).
وتتولد عن الإشكال العام الآنف الإشارة إليه إشكالات فرعية مسايقة لتنظيم سوق العمل، ونمو الشغل الهش وتعميم التمدرس. ففي سياق النسق المهني للعمل يتساءل الفرد، في البدء عن التعلمات، ولاحقا عن الأنشطة المهنية التي تناسبه؛ وفي ظل هيمنة النهج التيلوري (taylorisme)(a) والفوردي (fordisme)(b) على تقسيم العمل يتساءل الشاب عن كيفية إيجاد وضعية العمل التي يندمج فيها؛ وفي إطار البنية التقنية للعمل يتساءل عن كيفية استثمار حصيلة مختلف التجارب لصياغة مشاريعه الشخصية والمهنية؛ كما يتساءل الفرد، من زاوية العولمة وهشاشة الشغل والتوجس والارتياب، عن كيفية مواجهة التحولات المتعددة التي ميزت مسار وجوده؛ وفي سياق فتح التعليم في وجه العموم، يتساءل المتعلم عن الدراسات والتكوينات التي يتعين عليه اختيارها، آخذا في الحسبان نتائجه الدراسية ومستحضرا انتظاراته الشخصية والعائلية المتعلقة باندماجه المستقبلي الاجتماعي والمهني(39).

2 ـ رهانات
تتعدد وتتباين رهانات التربية والتكوين بتعدد وتباين الأنظمة التربوية والتكوينية، فمن هذه الأخيرة ما يسعى إلى تحقيق مستوى مرض لمكتسبات المتعلمين، ومنها ما يطمح إلى الحد من الفوارق في مكتسبات التلاميذ وتحسين نسب تدفقاتهم بين المستويات والأسلاك التعليمية تجسيدا للأهداف المسطرة، ومنها ما يراهن على الرفع من الموارد المخصصة للتعليم للحصول على النتائج المتوخاة. غير أنه، في سياق العولمة والوتيرة المتسارعة للتجديدات والاختراعات التكنولوجية، فحمولة الرهان الرئيسي المشترك لكافة المنظومات التعليمية والتكوينية غدت أكثر شمولية مما سلف لتتسع للتنمية المستدامة بما يكفل مراكمة الثروات وتوزيعها العادل وإنتاج المعرفة والخبرة وتكوين الكفاءات المواطنة وتمتيع الفرد بالاستقلالية والتعلم طيلة الحياة، أي جعله يكسب معارف وينمي كفايات مما يصنع منه مواطنا متعلما، متبصرا، مسؤولا، نشيطا وقادرا على ترجمة مهاراته الفكرية في الخلق والتحليل والتقويم إلى أفعال تتيح تفتحه واستثمار كامل طاقاته وتنمية شخصيته ومن ثمة تسلحه بمؤهلات الاندماج الحقيقي في محيطه وبإمكانات المساهمة في التنمية، بكل أبعادها، لصالح المجتمع الذي يعيش فيه(40). وباعتبار التوجيه التربوي والمهني مكونا وظيفيا لسيرورة التربية والتكوين، فرهاناته المتولدة عن القضايا الواردة آنفا متعددة، إلا أننا سنكتفي بهذا الصدد بتناول رهاني تحقيق الذات، وترسيخ التوجيه بالمدرسة.

أ) – تحقيق الذات
مما لا شك فيه أن الأفراد متفاوتون في رأسمالهم الهوياتي بأبعاده الاقتصادية والثقافية والمدرسية والاجتماعية؛ ويقصد به الرصيد الرمزي حينما يدرك وفق أنماط الإدراك، ومبادئ الرؤية والتقسيم، وخطاطة التصنيف، والأنساق التصنيفية، والنظم المعرفية، التي تشكل، على الأقل جزئيا، امتزاجا لبنيات موضوعية ضمن حقل معني، أي إدماج بنية توزيع الرأسمال في مجال معين(41). ومن مؤشرات ذلك تباين قدراتهم على مواجهة مشاكل التوجيه الضاغطة والتي تكمن في التنمية والتقعيد والنقل والاستثمار الصائب للكفاءات في الأنشطة الدراسية والمهنية مع ما يقتضيه ذلك من التكيف والاستباق على المدى القصير أو المتوسط، وفي الاستراتيجيات التي ترمي إلى التعاطي مع مختلف التحولات المؤثرة في مسارات الحياة، وفي استشراف الفرد لمستقبله الشخصي والمهني. أمام هذه التحديات، وفي سياق اجتماعي تتلاشى فيه المعالم، يصبحون(أي الأفراد)، وخاصة ذوي الرساميل المتواضعة منهم، غير واثقين من تقرير مصائرهم لاسيما الدراسية والمهنية منها.
ويتولد عن اللبس الآنف الإشارة استفهام يلازم الفرد في تنشئته الاجتماعية والمتمثل في الاختيارات الدراسية والمهنية المتعين تنفيذها في تمفصل مع الأنشطة الشغلية وبارتباط مع المناحي الأخرى للحياة. فالمتعلم ينشغل بتنمية واستثمار كفاءاته ويتساءل عن معنى هذا الاستثمار بالنظر إلى الحياة التي يتمنى أن يحياها، والشاب يفكر في مستقبله المهني ويتساءل عما سيصنعه بحياته، والعامل بالقطاع الهامشي حيث هشاشة الشغل يتساءل عن تداعيات تسريحه وانتقاله لوظائف مثيلة على مجالات حياته الأخرى الشخصية والعائلية…؛ وبالتالي فلكل أولويات ورهانات: الاستثمار الدراسي أم العائلي أو الالتزام المهني؟ تحقيق الذات في مشروع شخصي أو جماعي؟ غير أنه يبقى من رهانات التوجيه، بالنسبة للفرد حاليا، البناء المتواصل للذات(42).

ب) – ترسيخ التوجيه بالمدرسة
ظل التوجيه، إلى غاية نهاية العقد السادس من القرن الماضي، وظيفة خارجية عن جل أنظمة التربية والتكوين، وكانت خدماته تقدم لشريحة من الشباب خريجي الأسلاك التعليمية الدنيا بهدف إدماجهم مهنيا، ولم يتبنى كمكون للعملية التربوية يساعد على النضج وتنمية الملكات وييسر الاختيارات الدراسية والمهنية إلا بعد برهان الدراسات والأبحاث على أنه سيرورة تلازم الفرد في تنشئته. وهكذا سعت النظم التعليمية إلى إرسائه تدريجيا ضمن بنياتها منتهجة مقاربات مختلفة منها التربية على الاختيار والمدرسة الموجهة…
تم اعتماد التربية على الاختيار في إطار الإصلاحات التعليمية الرامية إلى الدمقرطة والتي سمحت للتوجيه بطابعيه المدرسي والمهني أن يصبح جزءا أساسيا من أنظمة التربية والتكوين. ولقد اقتحمت المناهج الدراسية حيث أقرت مادة دراسية تصرف في مستويات التعليم الثانوي وتمتح من النسق المفاهيمي الأمريكي للتربية المهنية؛ وهذه الأخيرة “تعد جهدا تشاركيا بين النظام التعليمي ومجموع المجتمع والذي يهدف إلى إصلاح التربية والتكوين بمساعدة الأشخاص بالأساس عبر أنشطة مدرسية تكرس ربط المدرسة بالعمل والمهارات العامة للتشغيل الضرورية للتنمية المهنية”(43). وتستمد التربية على الاختيار ترجمتها العملية على أرض الواقع من منهجية تنشيط تنمية الشخصية والميولات التربوية والمهنية لدى الفرد؛ حيث، من منظور خضوع الشخص للنمو طيلة الحياة، فهو مدعو للقيام باختيارات بما فيها تلك التي تهم مجالي التربية والمهن، وهذه الاختيارات الوثيقة الصلة بتنشئته الفردية والجماعية تعتبر مشاكل يتعين حلها مما يقتضي منه بناء مشروعه الشخصي التربوي والمهني مجتازا مراحل الاستكشاف والتبلور والتخصيص والتنفيذ ومنجزا مهام كل مرحلة. بمعنى اكتساب الفرد للفكر الإبداعي بالمرحلة الأولى لاسيما تحليله لتجاربه وترجمتها إلى كفايات، وتنمية مهاراته اللازمة لاستكشاف بيئته مع التركيز على معطيات محيطه الاقتصادي في إعداد مشروعه؛ وتسلحه بالفكر التصنيفي حيث استجلاء المرحلة الاستكشافية بإعادة ترتيب المعلومات التي تم جمعها، وتنظيم التصورات، وبدء العمل المفاهيمي باستشفاف بعض ملامح الخيارات الكبرى، وتحديد مدى تطابقها والاهتمامات والقيم والمؤهلات؛ وتمكنه من الفكر التقييمي بما يتيح التأشير على مشروعه مستحضرا الرغبة وقابلية الإنجاز والسيناريوهات البديلة والاندماج؛ وامتلاكه للفكر الإجرائي المتمحور على تفعيل القرار وتوقع المعيقات الممكنة والتخطيط الاستراتيجي(44).
ولقد كانت في البداية دروس التربية على الاختيار مصدر أمل للتعاطي مع أسئلة التوجيه حيث دعمت بالوسائل الديداكتيكية الجيدة ولقيت استحسان التلاميذ، لكن إناطة تصريفها لمدرسين غير مكونين أفرغها تدريجيا من محتواها، مما جعل المتعلمين يتذمرون ويطالبون بالاحتكاك بالواقع عبر عقد لقاءات مع المهنيين وتنظيم زيارات للمقاولات والقيام بالتداريب الميدانية… وبالتالي تم التخلي عنها وحذفها من المنهاج الدراسي(45).
وبفعل قصور التربية على الاختيار في المساهمة في تحقيق غايات التوجيه، أبدع مفهوم المدرسة الموجهة وطور إلى مقاربة تعالج سيرورة الاختيار الدراسي والمهني من زاوية السعي إلى تكريس التوجيه مكونا رئيسيا في المخطط التربوي للمؤسسة التعليمية معنيا بمواكبة إنجاز المشاريع المفردنة التربوية والتكوينية والمهنية، وبمراجعة الأدوار الراسخة لمختلف الفاعلين المفترضين في الشأن التربوي. ومن هذا المنطلق فتأمين المسار الدراسي والتكويني والمهني للمتعلمين يتعين أن يكتسي طابع الانشغال المؤسساتي الحقيقي والمترجم في توجهات أنظمة التعليم والتكوين والمحين عبر الآليات والبنيات والوسائل التي تكيفها المدرسة وأعمار زبنائها. فالتلميذ هو المسؤول عن نهجه الخاص تمنح له الفرصة لإقامة الروابط بين هويته الذاتية وكنه رغباته في الفعل وتوضع رهن إشارته المعلومات الوجيهة التي يحتاجها. وجميع العاملين بالمؤسسة التعليمية مدعوون للالتزام برؤية المدرسة الموجهة والمساهمة بشكل ملموس في تجسيدها على أرض الواقع من خلال: تعبئة الإدارة للطاقم الإداري وهيئة التدريس بهدف تصور المخطط التربوي من زاوية المدرسة الموجهة وكذا اتخاذ السبل الكفيلة بتعزيز النجاح؛ وقدرة مهنيي التوجيه باعتبارهم خبراء سيرورة الاختيار الدراسي والمهني على لعب دور المساندة والتنشيط لدى المدرسين بهدف مساعدتهم على فهم واقع مسار الميولات والاهتمامات الدراسية والمهنية للشباب؛ وتصريف المدرسين، الموسومة مهامهم التربوية بالانشغال بتنمية التربية المهنية، لتعليم موجه، بمعنى تعليم يسمح بالربط بين المادة المدرسة وفرص التشغيل المتاحة في سوق العمل، ويتيح كذلك اكتساب المهارات والسلوكات المطلوبة في عالم الشغل؛ ويقتضي الأمر دمج آباء وأولياء الساكنة المدرسية في العملية ومشاركتهم حسب طاقاتهم؛ وكذلك المجموعات السوسيو اقتصادية للوسط المدرسي معنية بالإشراك في مساعي توجيه الشباب(46).
لكن تبني العديد من النظم التعليمية والتكوينية لهذه المقاربة لأزيد من عقدين كشف عن استمرار مشاكل التوجيه، من قبيل غياب الروابط بين التعليم المدرسي والحياة اليومية، وافتقاد الشباب لحقائق سوق العمل ومختلف المهن والوظائف، وارتباكهم أمام قرارات التوجيه(47).
وعليه، فرغم ما أبانت عنه الدراسات والأبحاث من خضوع توجيه الفرد، وبشكل متفاوت، لتأثيرات عدة فاعلين حيث رجحان مكانة الآباء والأولياء لكونهم محاوريه بامتياز ويشاركون في كل مراحل اختياراته الدراسية والمهنية؛ تليهم الأطقم التربوية لاسيما وأنها تملك العناصر المفتاح لكفاءات المتعلمين والمتمثلة في تقويم مكتسباتهم؛ يأتي من بعدهم أخصائيو التوجيه بفعل امتلاكهم للمعلومات حول أنظمة التعليم والتكوين وعالم الشغل وتوظيفهم لأدوات وتقنيات القياس النفسي لإبراز جانبيات التلاميذ، ولعالم المهن وقع على اختيارات الشاب حيث من شأن احتكاكه بالمهنيين ومعايشته الواقع الميداني للنسيج الإنتاجي تعديل تمثلاته إزاء شروط العمل والأجر والوضع بما يضفي الموضوعية على نمط حياته المنتظرة(48)؛ وبالرغم من سعي العديد من المقاربات الموجهة إناطة مختلف فاعلي التوجيه بمسؤوليات ومهام إرساء وأجرأة أنظمة ناجعة للتوجيه، فإن كسب رهان ترسيخ التوجيه بالمدرسة لم يتحقق بعد(49).

 يتبع……………………………………الحلقة الرابعة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(a) التيلورية هي النظام العلمي للعمل لمؤسسه الأمريكي فريديريك تيلور وهو يرمي إلى تحسين شروط الشغل تنظيما وأجرا بهدف تحقيق
المردودية لقصوى.
(b) الفوردية نظام لتنظيم وتنمية المقاولة أسسه الأمريكي هنري فورد وهو يكمن في جميع الإجراءات الصريحة والضمنية التي يتم من خلالها
تسعير الأجور بارتباط مع الأرباح المتأتية من الإنتاجية.
(25) Jean-Frédéric Vergnies, s’informer au mieux pour s’orienter, revue françaises des sciences
sociales n° 109 (janvier-mars 2010), p3.
(26) Noëlle Bisseret, 1974, les inégaux ou la sélection universitaire, P.U.F, Paris. p205.
(27) Benkeroume Mohmed, 1996, cours d’orientation scolaire et professionnelle, COPE, Rabat, p3.
(28) Séverine Landrier et Nadia Nakhili, comment l’orientation contribue aux inégalités de parcours
scolaires en France, revue française de sciences sociales n°109 (janvier-mars 2010), p26.
(29) UNESCO, 1998, occasions perdues, quand l’école faillit à sa mission, Paris, p27.
(30) MENESFCRS, pour un nouveau souffle de la réforme, présentation du programme «NAJAH
2009-2012», rapport de synthèse, 3ème draft du 12-06-2008, Rabat, p21.
(31) اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يناير 2000، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص 17.
(32) MENESFCRS, rapport de synthèse du Programme d’Urgence 2009 – 2012, Rabat, p27.
(33) MEN, recueil statistique de l’éducation 2012 – 2013, Rabat, p157.
(34) اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يناير 2000، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص 44.
(35) Georges Solaux, les défis de l’orientation dans le monde, revue internationale d’éducation –
Sèvres, n°38 (Avril 2005), p23.
(36) Idem, p19.
(37) Danièle Péto, individualisme et lien social paradoxe ou opportunités d’imagination nouvelle? La
lecture libre du livre de François Desingly, l’individualisme est un humanisme,
www.cesep.be/ETUDES, p2.
(38) Jean Guichard, pour une approche copernicienne de l’orientation à l’école, rapport présenté au
Haut Conseil Français de l’Education, novembre 2006, p8.
(39) Idem, p13.
(40) Conférence des Ministres de l’Education des Pays ayant le Français en Partage (CONFEMEN),
2011, la qualité de l’éducation un enjeu pour tous: constats et perspectives, document de
réflexion et d’orientation, p21.
(41) Pierre Bordieu, 1994, raisons pratiques, édition le Seuil, Paris, p161.
(42) Jean Guichard, problèmes et enjeux de l’orientation dans les sociétés industrialisées
mondialisées au début du 21ème siècle, Académie de Lille, Journée du 05 décembre 2008, p7.
(43) Office National d’Information sur les Emplois et les Professions(Onisep), pour une approche
orientante de l’école, bulletin n° 76 Juin 2004, p1.
(44) Université de Lyon 2, Faculté des Lettres et Sciences Humaines, cours de psychologie
d’orientation, p5.
(45) Office National d’Information sur les Enseignements et les Professions(Onisep), pour une
approche orientante de l’école, bulletin n°76 Juin 2004, p2.
(46) Table régionale de concertation secondaire/collégial de l’ile de Montréal, 3 février 1998, l’école
orientante du concept à la réalité, p8.
(47) Sylvaine Lefebvre, les abc de l’approche orientante, guide des intervenants du milieu de
l’éducation, p3.
(48) Pascale Prignon, quand on parle du choix d’orientation, revue cahiers pédagogiques n°2 –
novembre 1999, pp5-6.
(49) Olivier Brunel, l’éducation à l’orientation: genèse de textes et enjeux, revue questions
d’orientation n°4 – 2000, p46.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه | الحلقة الثالثة|التوجيه التربوي إشكالات ورهانات ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة الرابعة|التوجيه التربوي بنيات ومساطر

$
0
0

الحلقة الرابعة: التوجيه التربوي بنيات ومساطر
مما لا شك فيه أن تصريف مهام التوجيه بأية منظومة للتربية والتكوين يقتضي إرساء وتفعيل بنيات والعمل بمساطر تشريعية وتنظيمية، ويعكس وضع وأداء تلك الهياكل وطبيعة النصوص المؤجرئة لوظيفة التوجيه مشروعية ووزن هذا الأخير بأي نظام تربوي، لاسيما وأنه متغير فاعل في دمقرطة المدرسة وفي رسالتها التنموية الاجتماعية والاقتصادية… وتختلف الأجهزة الوظيفية الخدماتية والإدارية والتأطيرية للتوجيه ومقتضياته المسطرية باختلاف المنطلقات المؤسسة له بكل نظام تربوي وتكويني. وهكذا نجد ترجمته الوظيفية الخدماتية في بعض النظم التعليمية مصلحة خارج ـ مدرسية تهدف إلى تقديم الاستشارة للتلاميذ وأوليائهم ويستعان في ذلك بأخصائيين في التوجيه والصحة والمساعدة الاجتماعية مع تدخل أطر التوجيه في المؤسسات التعليمية للمشاركة في المجالس التي تبث في اختيارات المتعلمين الدراسية(50)؛ ونلقاها في بعضها مصلحة داخل ـ مدرسية باعتبار التوجيه مكونا لا محيد عنه للمدرسة مرتبطا بشكل وثيق بالمساعدة الشخصية، إذ يعين إطار في التوجيه بكل مؤسسة تعليمية وتناط به مهام تقديم الدعم، بتنسيق مع الطاقمين التربوي والإداري للمؤسسة والآباء، لكل تلميذ طيلة مدة دراسته سعيا لأن يحقق النتائج الجيدة الممكنة وأن يساير في الشعبة المناسبة لإمكاناته، وبالتالي إعداده لاختيار مهنته المستقبلية(51)؛ ومن النظم من يزاوج بين المصلحتين معا حيث التكامل في الأدوار والوظائف، إذ تضطلع الداخلية منهما بالمساهمة في المواكبة والتتبع الفردي للمتعلم، وتتولى الخارجية منهما الإنتاج أو النشر أو التصريف الإعلامي المدرسي والجامعي والمهني.
وبالنظر لصعوبة الوقوف على كافة بنيات ومساطر التوجيه القائمة في أنظمة التعليم والتكوين، فسنكتفي بمقاربة بعض من تلك التي تبناها النظام التعليمي المغربي في العقود الثلاث الأخيرة

1 ـ بنيات
من بنيات التوجيه المدرسي المحدثة في ثمانينيات القرن الماضي بموجب مذكرة تنظيمية في إطار لاتمركز اختصاصات وزارة التربية الوطنية مكاتب الإعلام والتوجيه والمنح المحدثة بالنيابات الإقليمية، وفوضت لها مهام خدماتية وإدارية متمثلة في السهر على تنظيم وتسيير حملتي الإعلام والتوجيه ومراقبة وضبط الملفات المدرسية والوثائق المتعلقة بالتوجيه والتسيير الإداري للمنح المدرسية(52). وسعيا لتحسين خدمات التوجيه المدرسي بالمؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية واكتساء قرارات مجالس التوجيه الموضوعية اللازمة، تم الشروع في إرساء قطاعات الاستشارة والتوجيه كمصلحة خدماتية داخل مدرسية حيث يعين بها مستشارون في التوجيه التربوي تناط بهم مهام تنظيم حملة الإعلام المدرسي والمهني لفائدة التلاميذ وأوليائهم، ودراسة واستثمار الملفات المدرسية، والقيام بإجراء الفحوص السيكولوجية المختلفة، ودراسة واستثمار نتائج عمليات التقويم التربوي والمشاركة بصفة عضو في مختلف مجالس المؤسسة(53). ولتلبية حاجيات التلاميذ من الإعلام المتعلق بمستقبلهم الدراسي والمهني بما يناسب ميولاتهم ومؤهلاتهم أحدثت بنيات خدماتية جهوية تحت اسم “خلايا إنتاج وثائق الإعلام المدرسي” أوكلت لها مهام القيام بالدراسات والبحوث والاتصالات من أجل إنتاج ونشر دعائم الإعلام المدرسي والمهني والجامعي(54). وبدواعي المساهمة في تجاوز مقاربة التكفل بتقديم الخبر الجاهز للمتعلم بمؤسسته التعليمية والانتقال إلى مقاربة تأهيله للبحث والتنقيب عن المعلومة التي تعنيه وتمتيع المتعلمين وغيرهم على السواء بخدمات الإعلام والتوجيه، تم تعميم تجربة مراكز الإعلام والتوجيه كبنية خدماتية خارج مدرسية بالنيابات الإقليمية بموجب مراسلة تنظيمية، وقد سطرت لها أهداف تطوير تدخلات أطر التوجيه المتعلقة بخدمات الإعلام والتوجيه ودعم المؤسسات التعليمية في مجالات أنشطة الإعلام والتوجيه وفي التقويم التربوي بالإضافة إلى المساهمة في تنظيم التظاهرات الإعلامية والمشاركة في إنجاز دراسات ميدانية ذات الصلة بالإعلام والتوجيه خاصة والتربية عامة(55). وبالتعليم العالي، وسعيا للاتمركز خدمات مركز الاستقبال والإعلام حول الدراسة والمهن، أحدثت ببعض الجامعات مراكز إرشاد الطالب بهدف إعلام الطلبة في مجال الدراسات العليا بالمغرب والخارج(56). وأكدت وثيقة عشرية التعليم على تعيين مستشار على صعيد كل شبكة محلية للتربية والتكوين(*) على أن يتوفر على مقر للعمل مزود بالأدوات الملائمة وتوكل إليه وظائف الإعلام الكامل والمضبوط للمتمدرسين وأوليائهم بشأن إمكانات الدراسة والشغل وتقويم المؤهلات وتعثرات التحصيل التعلمي وتقديم المشورة حول الدعم البيداغوجي ومساعدة الراغبين في بلورة مشاريعهم الشخصية الدراسية والمهنية(57)، كما نصت على تعميم مراكز الاستشارة والتوجيه مع لزوم تأطيرها وتزويدها بالشكل المناسب بالعتاد المكتبي والمعلوماتي والمعطيات وخزانات أدوات القياس والتقويم التربويين وربطها بشبكة الانترنيت(58).
أما البنيات التأطيرية للتوجيه التربوي فقد واكب إحداثها إرساء بنيات الإعلام والاستشارة الخدماتية الإقليمية والجهوية، إذ أحدثت بمقتضى نص تنظيمي مفتشيات جهوية للتوجيه عهد لها بمهام تأطير ومراقبة جميع الأطر العاملة بالتوجيه والسهر على تنفيذ التدابير المسطرة مركزيا في مجال التوجيه والقيام بالدراسات والبحوث والمساهمة في تكوين واستكمال خبرة أطر التوجيه والتنسيق بين قطاعي التعليم والتكوين المهني(59).
وجاء نص آخر يفصل في اختصاصات هذه البنيات على مستويي المؤسسات التعليمية والنيابات الإقليمية حيث الإناطة بمراقبة وتقييم أعمال المستشارين في التوجيه وتطبيق التشريعات والتدابير المتخذة في مجال التمدرس والتوجيه التربوي وتسيير المنح وتقييم الأعمال الموكولة لمكتب الإعلام المدرسي والتوجيه والمنح ومراقبة تدبير خريطة القطاعات المدرسية للتوجيه وضبط الحاجيات إلى التكوين المستمر لدى أطر التوجيه المدرسي وتنسيق العمليات المشتركة مع القطاعات الوزارية الأخرى(60). وجاءت مقتضيات المستند التنظيمي للبنيات التأطيرية للتوجيه المنبثق عن الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش، وإن حافظت بنفس المهام الواردة سلفا، بتغييرات الاستقلالية الوظيفية والوحدة والشمولية والتكامل داخل فئة تفتيش التوجيه نفسها، وبينها وبين فئات التفتيش في مختلف التخصصات والمجالات(61). فعلى صعيد المناطق التربوية للتفتيش نص منطوق المستند على تسطير برنامج العمل بما ينسجم والمشروع التربوي للمنسقية الجهوية، ويلبي حاجيات المنطقة ويحقق انتظاراتها(62)؛ وعلى مستوى المفتشية الإقليمية تساهم فئة التفتيش في مجال التوجيه التربوي، بالنظر لعضويتها في المجلس الإقليمي للتنسيق، في تخطيط وإنجاز وتقويم مشاريع العمل المشترك المتفرعة عن المخطط التربوي الإقليمي(63)؛ وعلى المستوى الجهوي تبرمج المنسقية الجهوية للتوجيه عمليات سنوية على ضوء حاجات الجهة من خدمات التوجيه والدراسات الميدانية والبحوث التربوية الرامية لمعالجة بعض الظواهر المعيقة لفعالية قطاع التربية والتكوين(التعثر والتسرب والهدر المدرسي، العنف المدرسي…) وفي انسجام مع المشروع التربوي للمنسقية المركزية للتوجيه(64)؛ وعلى المستوى المركزي تضطلع هذه الأخيرة بمسؤوليات تسطير التدابير المواكبة لحقل التوجيه التربوي والرامية لتطويره مع المساهمة في وضع وتنفيذ وتقويم مشاريع التربية والتكوين على الصعيد الوطني، وفي بناء أدوات القياس والتقويم الإشهادية، وفي إنجاز البحوث التربوية في مجال التوجيه(65) …
وحري بالإشارة إلى أنه إلى حدود منتصف عشرية التعليم لم تؤجرأ العديد من مقتضيات وثيقة الإصلاح المتعلقة بالتوجيه مما عجل بعقد المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف وآليات الاستشارة والتوجيه. وكانت هذه الأخيرة محطة لتقييم مختلف تجارب مكونات التوجيه وتشخيص اختلالاته والمتمثلة بالنسبة لبنياته إجمالا في تردي شروط الاشتغال وغياب وسائل العمل بالقطاعات المدرسية للتوجيه، وتخلف الإطار التنظيمي المؤطر لمهام مستشاري التوجيه العاملين بهذه القطاعات عن مواكبة المستجدات التربوية، وقصور في تأطيرهم التربوي الناجع والفعال…(66)؛ وفي نقص الموارد المادية والبشرية المخصصة لمراكز الإعلام والتوجيه، وغياب نصوص تنظيمية تفصل في مهام ومجالات تدخل هذه المراكز، وصعوبة الحصول على دعائم الإعلام المدرسي والمهني…(67)؛ وفي خصاص في الأطر العاملة بخلايا إنتاج وثائق الإعلام والتجهيزات المعلوماتية والمطبعية والربط بشبكة الهاتف والانترنيت، وغياب مرجعيات تشريعية وتنظيمية تحدد اختصاصات وميادين تدخل هذه الخلايا…(68)؛ وفي غياب تنصيص قرارات وزير التربية الوطنية المتعلقة بتحديد اختصاصات وتنظيم مصالح الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين على مهام الهيكل الإداري الجهوي المعني بالتوجيه…؛ وفي نقص في تدقيق المهام والاختصاصات الموكولة للجهاز المركزي للتوجيه بما يساير هيكلة المصالح المركزية… (69)
ولقد أثمرت أشغال هذه المناظرة بولادة إطار تنظيمي لمجال الاستشارة والتوجيه، وحكم تصور البنيات الواردة فيه اعتماد المقاربة التربوية بما يكفل التكامل فيما بينها ويقرب خدماتها من الفئات المستهدفة؛ وهكذا فالقطاع المدرسي للاستشارة والتوجيه يعد بنية أساسية معنية بتوفير خدمات مباشرة في ميدان الاستشارة والتوجيه للمتعلمين وأوليائهم تترجم عمليا الوظائف المعهودة إليها ببرنامج عمل سنوي يتمحور حول الإعلام المدرسي والجامعي والمهني ومعرفة المتعلم والتقويم التربوي ومجالس المؤسسة التعليمية وإنجاز الدراسات…(70)؛ ومراكز الاستشارة والتوجيه بنيات تربوية خدماتية إقليمية منفتحة على كل المعنيين، موكول لها مهام تمتيع الوافدين على المراكز بخدمات الاستشارة والتوجيه، وتأطير العمليات الجماعية للإعلام المدرسي والجامعي والمهني، وإنشاء وتدبير بنك المعطيات ذات الصلة بالإعلام المدرسي والجامعي والمهني وأدوات القياس والتقويم، والتنظيم التقني للروائز السيكو ـ تقنية، وتدبير خريطة القطاعات المدرسية للاستشارة والتوجيه، والتنسيق مع قطاعي التعليم والتكوين المهني إقليميا، والمساهمة في البحوث والدراسات وفي استكمال الخبرات لفائدة أطر التوجيه والإدارة التربوية، وإبرام الشراكات مع الفاعلين والهيئات المهتمة بحقل الاستشارة والتوجيه…(71)؛ وخلية إنتاج وثائق الإعلام بنية تربوية خدماتية جهوية مختصة في إنتاج وتوزيع الوثائق والدعائم الإعلامية ذات الصلة بالاستشارة والتوجيه منوط بها تفعيل تدابير ضبط حاجيات الفئات المستهدفة بخدمات الإعلام المدرسي والجامعي والمهني والبحث والتنقيب والتحيين للمادة الإعلامية ومد مراكز الاستشارة والتوجيه بها ونسج علاقات تواصل وتكامل مع مثيلاتها بجهات أخرى والبنيات المماثلة لها…(72)؛ ويتولى الهيكلان الإداريان المركزي والجهوي المكلفان بالتوجيه السهر، الأول وطنيا والثاني جهويا، على تنزيل سياسة وتوجهات الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين المؤطرة لمنظومة الاستشارة والتوجيه من خلال صياغة النصوص التشريعية والتنظيمية وتسطير المخططات المنظمة والمفعلة لمهام ووظائف فاعلي وبنيات ومساطر مجال الاستشارة والتوجيه، وتقويم أداء هذه المنظومة…(73)؛ أما البنيات التأطيرية فالإطار التنظيمي حافظ على تلك الواردة سلفا وعلى نفس مهامها ووظائفها.
وبعد صدور الوثيقة التنظيمية لمنظومة الاستشارة والتوجيه بخمس سنوات، عمد المسؤولون على هذه الأخيرة إلى العمل بهيكلة جديدة. واندرجت تلك الخطوة في إطار البرنامج الاستعجالي 2009-2012 لإصلاح نظام التربية والتكوين، إذ اعتبر التوجيه ضمن الإشكالات الأفقية لمنظومة التربية والتكوين، ولمواجهة مشاكله تم تبنى مشروع تحت اسم “وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه”؛ ولقد شخصت معيقاته الرئيسية في ضعف التنسيق الإجرائي بين مختلف المتدخلين، وغياب التحديد الدقيق لمهام بنياته، وصعوبات تداول المعلومات بين مختلف الفاعلين، ونقص الموارد والكفاءات المعبأة من أجل ضمان تحقيق وظائفه(74).
وأجرأة لتدابير هذا المشروع، صدرت مستندات تنظيمية لمجال التوجيه التربوي نصت على بنيات محلية وإقليمية وجهوية ومركزية سنكتفي بتناول بعضها. فعلى مستوى كل مؤسسة تعليمية ثانوية يحدث فضاء للإعلام والمساعدة على التوجيه مجهز بالعتاد المكتبي والمعلوماتي والتواصلي المناسب ويأوي جزئيا خدمات التوجيه التربوي التي يسهر ويساهم في تصريفها إطار التوجيه التربوي(75)، وعلى الصعيد الإقليمي حافظت، في الجوهر، الهياكل الخدماتية والإدارية والتأطيرية المنصوص عليها سلفا على نفس المهام والاختصاصات مع تعويض اسم مركز الاستشارة والتوجيه بالمركز الإقليمي للإعلام والمساعدة على التوجيه(76)؛ وعلى المستوى الجهوي أحدثت المراكز الجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه باختصاصات المراكز الإقليمية ومهام إنتاج وتوزيع دعائم الإعلام المدرسي والمهني(77)؛ وعلى الصعيد المركزي حافظت الهياكل الإدارية والتأطيرية بنفس المهام والاختصاصات الموكولة لها سلفا.
وجدير بالذكر أنه بالرغم من تبني مشروع “وضع نظام ناجع للإعلام والمساعدة على التوجيه” لتدابير تمت أجرأتها نظريا مركزيا وجهويا وإقليميا لاسيما المعنية منها بتعميم بناءات وتهيئات وتجهيزات فضاءات الإعلام والمساعدة على التوجيه بالمؤسسات التعليمية الثانوية والمراكز الإقليمية والجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه، فإن العديد من تلك البناءات لم ير النور؛ وبالرغم من التنصيص على رصد الموارد البشرية المؤهلة الكافية والموارد المادية والمالية اللازمة لتجويد خدمات تلك الفضاءات والمراكز(78)، فإن هذه الغاية لم تجسد على أرض الواقع؛ وبالتالي فممارسة كثير من بنيات التوجيه للوظائف المعهودة إليها، ولعبها للأدوار المنوطة بها، وتحقيق الأهداف المسطرة لها مؤجل إلى زمن آخر.

2 ـ مساطر
يقصد بمساطر التوجيه جميع النصوص المنظمة لعمليات اختيار التلاميذ للشعب الدراسية أو تخصصات التكوين المهني، والوثائق المستعملة في ذلك، وكذا مراحل الاختيار والمعايير المعتمدة في توجيههم، والأجهزة التربوية والإدارية التي تتداول في اختياراتهم. وقد اختلفت هذه النصوص في منظومة التربية والتكوين المغربية باختلاف هندسات أسلاك التعليم وأنواعه ومستويات التكوين المهني.
وهكذا فتوجيه متعلمي السنة الختامية للسلك الإعدادي المسجلين بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي كانت تتداول بشأنه لجنة إقليمية يرأسها السيد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية وبعضوية كل من رئيس المصلحة الإقليمية للتخطيط، مستشار في التوجيه، واثنين من رؤساء المؤسسات العمومية، واثنين من رؤساء مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي المرخص لها قانونيا من طرف وزارة التربية الوطنية بتلقين دراسة ثانوية عامة، وأستاذ عن كل مادة: اللغة العربية – اللغة الفرنسية – الاجتماعيات – الرياضيات – العلوم الطبيعية – الفيزياء والكيمياء(79)؛ وعلى هذه اللجنة أن تقرر وفق ما هو معمول به في التعليم العمومي وتدون نتائج مداولاتها في محاضر خاصة، وعلى التلاميذ المعنيين بهذه المداولات أن يستوفوا شروط النجاح في امتحان الالتحاق بالتعليم الثانوي ونظامية الدراسة…(80)
وكان ولوج التلاميذ للشعب التقنية والأقسام الإعدادية للغات الحية والتربية البدنية يخضع للانتقاء الأولي، والنجاح في مباراة بالنسبة للالتحاق بأقسام التخصص في الرياضة والتربية البدنية ثم قرارات مجلس التوجيه؛ فبعد تمتيع متعلمي عتبات التوجيه الذين تهمهم هذه الشعب والأقسام بمعلومات عن المؤهلات والميولات التي تتطلبها وعن آفاقها الدراسية والتكوينية والمهنية وعن مؤسسات الاستقبال والمكان الجغرافي لتواجدها وإمكانية الاستفادة من منحة دراسية، وبعد تعبئتهم لبطاقات الرغبات وبطاقات الترشيح، تبعث هذه الأخيرة للنيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية المستقبلة للتداول بشأنها من طرف لجان الاختيار الأولي التي يرأسها مفتشو التوجيه التربوي الجهويون وبعضوية المفتشين التربوييـن المختصين وممثل عن كل مؤسسة مستقبلة(81).
أما الترشيح إلى السلك الثانوي للتعليم الأصيل فكان يفتح في وجه تلاميذ مستوى السنة الختامية للسلك الثاني الأساسي الأصيل ومتعلمي مستوى السنة النهائية الأساسية من التعليم العام بناء على الرغبات بالنسبة للفئة الأولى، وتعبئة بطاقات الترشيح بالنسبة للفئة الثانية، مع اعتماد ـ كمعيارـ النتائج الدراسية لمنتسبي هذه الأخيرة في مواد التربية الإسلامية والعربية والاجتماعيات بالنسبة لولوج شعبتي الجذعين المشتركين الشرعي والأدبي الأصيل، والنتائج المحصل عليها في المواد العلمية بالنسبة للتوجيه لشعبة العلوم التجريبية الأصيلة(82). ويخضع المترشحون لهذه الشعب لانتقاء أولي تقوم به لجنة التعليم الأصيل المكونة من النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية التي توجد بمنطقة نفوذه مؤسسة التعليم الأصيل المستقبلة، مدير مؤسسة التعليم الأصيل المستقبلة، مفتش التوجيه التربوي الجهوي، رئيس مصلحة التخطيط بالنيابة المحتضنة لمؤسسة التعليم الأصيل المستقبلة، المستشار في التوجيه المشرف على القطاع الذي توجد به مؤسسة الاستقبال؛ ويعد من المنتقين موجهين إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي الأصيل التلاميذ الحاصلون على معدلات سنوية تساوي أو تفوق عتبة النجاح؛ ويعد منهم ملحقين بالسنة الأولى من التعليم الثانوي الأصيل المتعلمون الحاصلون على معدلات سنوية دون عتبة النجاح، لكن بعد أن تبث مجالس التوجيه في اختياراتهم(83).
وينظم ولوج شعبتي الجذعين المشتركين الأدبي والعلمي بثانويات الرياضيين التأهيلية نص تنظيمي سنوي يفصل في شروط الترشيح ووثائق ملف الترشيح ومكونات المباراة؛ إذ يشترط في تلميذ(ة) مستوى السنة الختامية إعدادي الراغب(ة) في اجتياز هذه الأخيرة سنا معينا عند متم شهر دجنبر من سنة اجتياز المباراة؛ وأن ألا يقل معدله في مادة التربية البدنية والرياضة عن عتبة معينة في الدورة الأولى للسنة النهائية من السلك الإعدادي؛ ومن الوثائق المطلوبة، بالإضافة إلى طلب الترشيح، نسخة من عقد ازدياد المتعلم(ة) المترشح(ة) والشهادة الطبية وبيان نتائجه الدراسية للدورة الأولى للسنة الختامية من التعليم الإعدادي؛ ويختبر المترشحون في القدرات البدنية العامة والتخصصات الرياضية(84)؛ ولا يعد التلاميذ الناجحون في هذه المباراة موجهين للشعبتين السالفتي الإشارة إلا بقرارات من مجالس التوجيه.
بينما تتحدد مسطرة التوجيه إلى التكوين المهني مستوى التأهيل بمقتضيات الدورية السنوية المشتركة بين وزارة التربية الوطنية والقطاع الحكومي المكلف بالإشراف على التكوين المهني والتي تنص على الإعلام والترشيح والاختبارات وانعقاد مجالس التوجيه وتأكيد التسجيل والتنسيق والتتبع؛ فمنوط بأطر قطاعات التكوين المهني بمعية أطر التوجيه المدرسي والأطر التربوية والإدارية للمؤسسات التعليمية القيام بحملات إعلامية وتنظيم زيارات لمؤسسات لفائدة التلاميذ المعنيين للتعريف بالتكوين المتاح لهم ولمساعدتهم على اختيار التخصصات التي يرغبون فيها؛ ويترشح المتعلمون الراغبون في الالتحاق بمؤسسات التكوين المهني عبر تعبئتهم لبطاقات الترشيح التي توضع رهن إشارتهم بالمؤسسات التعليمية أو التكوينية، وتتكلف مكاتب الإعلام والتوجيه بالنيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بموفاة معاهد ومراكز التكوين المهني بها في الآجال المحددة؛ وبعد استدعاء المترشحين باستدعاءات فردية أو جماعية عن طريق المؤسسة التعليمية التي ينتمون إليها، يجتازون مباريات مواضيعها في أغلبها عبارة عن روائز سيكو ـ تقنية، وتبعث لوائح التلاميذ الناجحين في المباريات إلى نيابات قطاع التعليم عن طريق المصالح الخارجية لقطاع التكوين المهني قصد اعتمادها في مجالس التوجيه؛ وتتداول مجالس التوجيه في رغبات المتعلمين الناجحين في مباريات ولوج مؤسسات التكوين المهني، وتوثق قرارات توجيههم في ملفاتهم المدرسية وفي بيانات نتائجهم الدراسية للدورة الأخيرة, وتوافي مكاتب الإعلام والتوجيه بالنيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية المصالح الإقليمية أو الجهوية لقطاع التكوين المهني بلوائح الموجهين إلى التكوين المهني حسب الشعب والمؤسسات المطلوبة؛ ولضمان ولوج التلاميذ الموجهين إلى التكوين المهني للمؤسسات التكوينية يتعين عليهم تأكيد تسجيلهم قبل تاريخ محدد؛ وتتولى تنسيق وتتبع وتقييم العمليات الأنفة الذكر لجن مشتركة بين المصالح الجهوية والإقليمية والمحلية لقطاعي التكوين المهني والتربية الوطنية ممثلة في المناديب الجهويين للتكوين المهني ورؤساء مؤسسات التكوين المهني والنواب الإقليميين لوزارة التربية الوطنية وأطر التوجيه التربوي…(85)
غير أن مساطر التوجيه التي لازمت النظام التعليمي المغربي إلى حدود منتصف عشرية التعليم كانت تعاني من اختلالات أهمها: لبس الغايات والأهداف ذات الصلة بالتوجيه، واعتماد مقاربة تفتقد النجاعة في حقل التوجيه حيث إيلاء الأولوية للكم على حساب الكيف، وطغيان الطابع الموسمي والإداري على الممارسات المتعلقة بالتوجيه، وإقصاء البعد التربوي من ممارسة التوجيه، والنصوص المنظمة لمساطر التوجيه لا تساير المستجدات التربوية والتعليمية، وغياب الأدوات والوسائل المساعدة على توجيه المتعلمين من روائز واستمارات…، ومعيقات عديدة تشوب مسطرة التوجيه إلى التكوين المهني(86).
ومساهمة في تجاوز الاختلالات المرصودة، والتي كانت موضوع نقاش في المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف وآليات الاستشارة التوجيه المنعقدة بالرباط بتاريخ 09 ابريل 2005، صدر مستندان تنظيميان لمجال وعمليات الاستشارة والتوجيه تضمنا مقتضيات مسطرية.
اعتبر النص الأول مجالس الأقسام البنية التربوية الملائمة للتداول في مختلف اختيارات التلاميذ الدراسية من جذوع مشتركة ومسالك؛ ونص منطوقه على استهداف متعلمي عتبات السنة الثالثة ثانوي إعدادي والجذع المشترك من التعليم الثانوي التأهيلي والسنة الأولى من سلك البكالوريا؛ ومعير توجيه التلاميذ، وبالأولوية، انطلاقا من اختياراتهم المعبر عنها في بطاقات الرغبات، ومؤهلاتهم الدراسية، واقتراحات أعضاء مجلس التوجيه، وقرارات لجن الاختيار الأولي، وموصفات الشعب والخريطة التربوية للمؤسسة المستقبلة؛ وخص الاختيار الأولي بالشعب الدراسية المحدودة المقاعد(الشعب الخاصة) والتي يتم ولوجها عبر تعبئة المتعلمين المعنيين، بالإضافة إلى بطاقات الرغبات، بطاقات الترشيح، وقبول الترشيحات من طرف لجن الانتقاء الأولي، وقرارات مجالس التوجيه(87). ويتمتع بعضوية لجن الاختيار الأولي كل من أطقم هيئة الإدارة التربوية للثانويات التأهيلية المحتضنة للشعب الخاصة، وأطر التوجيه التربوي المسند إليهم الإشراف على خدمات الاستشارة والتوجيه بهذه المؤسسات، ومنتسبي هيئة التدريس بهذه الثانويات ومنتدب عن أباء وأولياء التلاميذ؛ وتعتمد هذه اللجن في مداولات الانتقاء معايير اختيارات المتعلمين المدونة في طلبات ترشيحاتهم، ونتائجهم الدراسية وفي الاختبارات الخاصة أو الروائز في حالات إجرائها، والطاقة الاستيعابية للمؤسسة المستقبلة(88).
أما النص الثاني، وإن تغيى تدقيق الإجراءات التنظيمية لعمليات التوجيه بالتعليم الثانوي، فقد حافظ على نفس العتبات والمعايير المعتمدة في التوجيه والاختيار الأولي ولجن الانتقاء الأولي السابقة، وقارب بالتفصيل التدابير المسطرية للتوجيه إلى الجذوع المشتركة والشعب والمسالك الدراسية ذات الولوج الحر(المفتوحة)، بدء من تعبئة بطاقات الرغبات مرورا بالتحضير لمجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه وتشكيلتها، وانتهاء بانعقادها؛ حيث يأتي تضمين التلاميذ لاختياراتهم الدراسية في بطاقات الرغبات تتويجا لاستثمارهم لمختلف أنشطة الاستشارة والتوجيه المنظمة لفائدتهم طيلة السنة الدراسية سواء بفضاءات مؤسساتهم التعليمية أو بفضاءات مراكز الاستشارة والتوجيه…؛ وتضطلع إدارات الثانويات الإعدادية والتأهيلية بمسؤوليات تجميع وتصنيف بطاقات رغبات المتعلمين المعبأة مع استثمارها من طرف أطر التوجيه والتنسيق مع مكاتب الإعلام والتوجيه بالنيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بشأن الوثائق المعتمدة في مجالس التوجيه وذلك تحضيرا لهذه الأخيرة(89)؛ ويتمتع كل من رئيس المؤسسة الثانوية والحراس العامون وإطار التوجيه التربوي وكافة أساتذة القسم بعضوية مجلس التوجيه؛ وتنعقد مجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه في نهاية السنة الدراسية لتتداول وتحسم في اختيارات التلاميذ الدراسية(90)، وتعد قراراتها نهائية لا يعاد فيها النظر إلا بهدف تغيير التوجيه أو العدول عن الأخطاء الناجمة عن حساب المعدلات ونقل النقط(91).
كما دققت مقتضيات هذا النص في إجراءات التوجيه إلى الجذوع المشتركة والشعب والمسالك ذات الولوج المقنن(المحدودة المقاعد) والمتمثلة في تعبئة بطاقات الترشيح الخاصة، والعمليات التحضيرية للجان الانتقاء الأولي على مستوى المؤسسة الثانوية الأصلية والمؤسسات الثانوية المستقبلة، وانعقاد لجن الانتقاء الأولي، والإعلان عن قراراتها؛ حيث بالإضافة إلى بطاقات الرغبات يعبئ متعلمو عتبات التوجيه الراغبون في متابعة دراساتهم في التخصصات ذات المقاعد المحدودة بطاقات الترشيح الخاصة والتي تتولى إدارات الثانويات الأصلية بتجميعها مرفقة بنسخ من بيانات نتائجهم الدراسية للدورة الأولى وبعثها إلى الثانويات المستقبلة بعد مراجعة مضامينها وتصنيفها وتضمينها أراء وملاحظات أطر التوجيه بشأن اختيارات التلاميذ المعنيين على ضوء نتائج الأنشطة التقييمية والتأطيرية المنظمة لفائدة هؤلاء(92)؛ وبعد التوصل ببطاقات الترشيح الخاصة تقوم الثانويات التأهيلية المستقبلة بإجراء الاختبارات أو الروائز بالنسبة للتخصصات التي تقتضي ذلك مع تدوين نتائجها في بطاقات التلاميذ المعنيين؛ وتلتئم لجان الاختيار الأولي للتداول في اختيارات المتعلمين المعبر عنها في بطاقات ترشيحهم بعد التنسيق مع المصالح المعنية بالنيابات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بشان المطبوعات والوثائق الموازية المتعين اعتمادها(93)؛ ويتم موافاة المؤسسات الثانوية الأصلية بلوائح التلاميذ المقبولين مرفقة ببطاقات الترشيح الخاصة والتي تحوي قرارات اللجنة بالقبول أو الرفض؛ غير أن قرارات هذه الأخيرة تبقى أولية إلى أن تبث فيها نهائيا مجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه.
وبشأن إرساء إجراءات مسطرية للتوجيه بمستوى السنة الختامية من سلك البكالوريا فقد سعى مشروع “وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه” إلى تنمية التوجيه النشيط من خلال تعزيز صلاحيات مجلس القسم الخاص بالتوجيه؛ وهكذا ورد إبداء هذا الأخير، في اجتماعه لنهاية الأسدس الأول من السنة الدراسية، لرأي أولي في توجيه كل تلميذ بناء على نتائجه الدراسية واختياراته الدراسية والتكوينية لما بعد البكالوريا والمعبر عنها في بطاقة الرغبات على أن تقرر تعديلات لاحقة في توجيهه خلال دورة مجلس القسم للأسدس الثاني(94).
ولتمكين المتعلم من القيام بالاختيار الأكثر ملائمة لجانبيته، سيتم تطوير وجائه مع عالم الدراسات العليا؛كما ستدلي الجامعات بكلياتها ومعاهدها ومدارسها بملاحظاتها بالقبول أو التحفظ على تلاميذ السنة النهائية من سلك البكالوريا الذين يتقدمون بطلبات في شأن ولوج الشعب والمسالك الدراسية والتكوينية التي توفرها وذلك بناء على خلاصات دراسة ملفاتهم أو مقابلات مع الأساتذة الجامعيين(95).
لكنه وبالرغم من الأجرأة النظرية لتدابير مشروع “وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه” المتغيئة المساهمة في تفعيل التوجيه النشيط لاسيما إحداث بوابة انترنيت وطنية رسمية لنشر معلومات شاملة ومحينة ذات صلة بالتوجيه وموضبة في أشكال تسهل استثمارها من قبل التلاميذ؛ وتمكين الطلاب الجدد من عدة إعلامية عن إدماج حملة الدبلومات جميع التخصصات في سوق الشغل ولفترة ثلاثة إلى خمسة سنوات لما بعد الحصول على الدبلوم؛ وتطوير وجائه مع سوق العمل من أجل إعطاء المتعلمين رؤية أوسع حول اختياراتهم المهنية، على سبيل المثال، استفادة تلاميذ مستوى السنة النهائية من السلك الإعدادي من تداريب استكشافية بالمقاولات توازيها دروس يتولاها مهنيون؛ فإن التجسيد العملي لتلك التدابير ولإجراءات أخرى واردة سلفا على ارض الواقع اكتنفته تعثرات، وبالتالي صدور نص تنظيمي يمسطر عمليات التوجيه بمستوى السنة الختامية من سلك البكالوريا مؤجل إلى آجال لاحقة.

 يتبع………………………………الحلقة الخامسة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نص الميثاق الوطني للتربية والتكوين على إرساء شبكات للتربية والتكوين تتألف على مستوى التعليم الثانوي بين المؤسسات التعليمية ومراكز
ومعاهد التكوين المهني وعلى مستوى التعليم العالي بين الكليات والمدارس والمعاهد العليا حيث اضطلاع مؤسسات التعليم العام بالجوانب
النظرية والأكاديمية وإناطة الأخرى بالأعمال التطبيقية والأنشطة التكنولوجية.
(50) Benkeroume Mohmed, 1996, cours d’orientation scolaire et professionnelle, COPE, Rabat, p4.
(51) Idem, p5.
(52) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 48 بتاريخ 19 فبراير 1983 في شأن إحداث مكاتب الإعلام والتوجيه
والمنح، ص1.
(53) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 56 بتاريخ 20 مايو 1987 بشأن مهام المستشارين في التوجيه
التربوي بالمقاطعات المدرسية والمؤسسات الثانوية، ص1.
(54) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية الإحصاء والتقديرات المستقبلية والبرمجة، مذكرة رقم 116 بتاريخ 26 غشت 1996 بشان
إحداث خلايا إنتاج وثائق الإعلام المدرسي، ص1.

(55) وزارة التربية الوطنية، مديرية العمل التربوي، المراسلة الوزارية عدد.334/3 بتاريخ 26 مارس 1999 في شأن إحداث مراكز الإعلام
والتوجيه، ص2.
(56) وزارة التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، مديرية الشؤون الإدارية، مذكرة رقم 2000/9580 بتاريخ 30 ابريل 1999 في
شأن إحداث مراكز جهوية للإعلام، ص1.
(57) اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يناير 2000، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص45.
(58) نفس المرجع، ص45.
(59) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 191 بتاريخ 01 دجنبر 1989 في شأن إحداث مفتشيات جهوية
للتوجيه، ص1.
(60) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 167 بتاريخ 22 أكتوبر 1993 في شأن مهام مفتشيات التوجيه
والتخطيط التربوي والمفتشيات المكلفة بالتنسيق الجهوي، ص2.
(61) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 117 بتاريخ 21 شتنبر 2004 في
شأن تنظيم التفتيش في التوجيه التربوي، ص2.
(62) نفس المرجع، ص3.
(63) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 113 بتاريخ 21 شتنبر 2004 في
شأن تنظيم العمل المشترك لهيئات التفتيش، ص3.
(64) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 117 بتاريخ 21 شتنبر 2004 في
شأن تنظيم التفتيش في التوجيه التربوي، ص3.
(65) نفس المرجع، ص4.
(66) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مشروع مخطط لتطوير وظائف وآليات
الاستشارة والتوجيه 2005-2010، ص5.
(67) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مشروع مخطط لتطوير وظائف وآليات
الاستشارة والتوجيه 2005-2010، ص6.
(68) نفس المرجع، ص7.
(69) نفس المرجع، ص7.
(70) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 91 بتاريخ 19 غشت 2005 في
شأن الإطار التنظيمي لمجال الاستشارة والتوجيه، ص ص4-5.
(71) نفس المرجع، ص ص5-6.
(72) نفس المرجع، ص ص6-7.
(73) نفس المرجع، ص ص7-8.
(74) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مشروع
لبرنامج الاستعجالي 2009-2012، التقرير التركيبي، يونيو 2008، ص66.
(75) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التعليم المدرسي، مذكرة رقم 19 بتاريخ 18 فبراير 2010 في
شأن تنظيم العمل بالقطاعات المدرسية للتوجيه، ص4.
(76) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التعليم المدرسي، مذكرة رقم 17 بتاريخ 18 فبراير 2010 في
شأن الإطار التنظيمي لمجال التوجيه التربوي، ص6.
(77) نفس المرجع، ص7.
(78) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التعليم المدرسي، مذكرة رقم 18 بتاريخ 18 فبراير 2010 في
شأن المراكز الإقليمية والجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه، ص3.
(79) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 14 بتاريخ 31 يناير 1985 في شأن توجيه تلاميذ السنة الرابعة
المسجلين بالمؤسسات الحرة، ص1.
(80) نفس المرجع، ص2.
(81) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية الإحصاء والتقديرات المستقبلية والبرمجة، مذكرة رقم 22 بتاريخ 26 فبراير 1996 في
شأن الاختيار الأولي للشعب التقنية والأقسام الإعدادية للغات الحية والتربية البدنية، ص1.
(82) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية العمل التربوي، مذكرة رقم 67 بتاريخ 28 مايو 1999 في شأن الالتحاق والتوجيه إلى
التعليم الأصيل، ص1.
(83) نفس المرجع، ص2.
(84) وزارة التربية الوطنية والشباب، مذكرة رقم 60 بتاريخ 20 مايو 2003 في شأن مباراة ولوج الثانويات التأهيلية للرياضيين،
ص ص1-2.
(85) وزارة التشغيل والتكوين المهني والتنمية الاجتماعية والتضامن ووزارة التربية الوطنية، دورية مشتركة رقم 09 بتاريخ 17 يناير 2001
في شأن تحديد مسطرة التوجيه إلى التكوين المهني، ص ص1-2.
(86) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مشروع مخطط لتطوير وظائف وآليات
الاستشارة والتوجيه 2005-2010، ص8.
(87) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 91 بتاريخ 19 غشت 2005 في
شأن الإطار التنظيمي لمجال الاستشارة والتوجيه، ص11.
(88) نفس المرجع، ص12.
(89) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 90 بتاريخ 21 مايو 2007 في
شأن الإطار التنظيمي لعمليات التوجيه وإعادة التوجيه بالتعليم الثانوي، ص2.
(90) نفس المرجع، ص3.
(91) الجريدة الرسمية عدد 4985، 11 مارس 2002، قـرار لوزير التربية الوطنية رقم 2071.01 بتاريخ 23 نونبر 2001 بشأن النظام
المدرسي في التعليم الأولي والابتدائي والثانوي، ص531.
(92) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 90 بتاريخ 21 مايو 2007 في
شأن الإطار التنظيمي لعمليات التوجيه وإعادة التوجيه بالتعليم الثانوي، ص ص3-4.
(93) نفس المرجع، ص5.
(94) MENESFCRS, pour un nouveau souffle de la réforme, présentation du programme «NAJAH
2009-2012», rapport de synthèse, 3ème Draft du 12-06-08, Rabat, p67.
(95) Idem, p67.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة الرابعة| التوجيه التربوي بنيات ومساطر ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة الخامسة|إعادة التوجيه واتخاذ القرار

$
0
0

مما لا شك فيه أن مسألة إعادة التوجيه التربوي تأتي لتقويم عملية اتخاذ القرار لدى المتعلم بما يضمن تصحيح مساره الدراسي وفق مؤهلاته والإمكانات المتاحة له؛ وتعكس كذلك مؤشر اختلالات مكون أفقي لمنظومة التربية والتكوين ألا وهو التوجيه التربوي لاسيما تعثر المشروع الشخصي الدراسي والمهني للتلميذ؛ لكن بالإضافة إلى أبعادها التربوية فلها أيضا بعد إداري وقانوني باعتبار لجوء التلميذ إلى إعادة التوجيه يعد طعنا في قرار تربوي بلبوس إداري. غير أنه بالنظر لصعوبة مقاربة إعادة التوجيه من كافة متغيراته سنكتفي بتناول عملية اتخاذ القرار لاسيما الخاصة بالتوجيه والحمولة الإدارية والقانونية لإعادة التوجيه ومساطره.

اتخاذ القرار
تتخذ العديد من القرارات يوميا دون الحاجة إلى عناء التفكير، لكن الكبيرة والمصيرية منها لاسيما قرارات التوجيه التربوي تقتضي مزيدا من التحليل باعتبار أن الرهانات الشخصية أكثر أهمية وأن وضعية الاختيار معقدة أو أن الخيارات المتاحة أكثر جذابة بعضها البعض؛ وبالتالي يمكن أن يكتنف القصور طريقة الحسم في الاختيار ويترتب عن ذلك الانتكاس بدل الرضا المتوقع؛ وعليه وباعتبار اتخاذ القرار في التوجيه التربوي قضية جسيمة فقد كان موضوع دراسات وأبحاث سيكو ـ بيداغوجية للكشف عن المتغيرات الفاعلة فيه وانعكاساته على الفرد والمدرسة معا. ولمقاربة التردد واتخاذ القرار في التوجيه يمكن الإمتاح من تصورات تياري المعيارية والوصفية، مع الوقوف على نموذج القرار الصراعي، وأساليب القرار، والتردد في اتخاذ القرار وأسبابه.

1 ـ تيارا المعيارية والوصفية
يتوافق التيار المعياري والنظريات الصورية لصنع القرار، لكن هذا النموذج يأخذ كذلك بعين الاعتبار الجوانب الوجدانية والعزيمية لدى الفرد. ويستمد مرجعيته من نظرية الاحتمالات الرياضية حيث الاحتكام في قاعدة اتخاذ القرار إلى الأنماط الرياضية التقليدية المتمثلة في السعي إلى تحقيق أقصى قدر من المكاسب المتوقعة وتقليل الخسائر المحتملة كما هو عليه الحال في ألعاب الحظ(96). غير أنه في مجال الاختيار الدراسي والمهني تكون المتغيرات التي ينبغي أخذها في الاعتبار أكثر عددا بكثير من الوضع في ألعاب الحظ، وغالبا ما يكون من الصعب تقييم مختلف الطوارئ على مستوى التكاليف المادية والمالية للدراسات والتكوينات، وفي معظم الحالات، لا ينبني تقدير احتمالات وقوع حدث معين إلا على التصور الذاتي، وفي الأخير فالأفراد لا يسعون إلا إلى إيجاد حل مقبول، على سبيل المثال التمتع بوضعية دراسية أو مهنية أحسن من سابقتها وليس أفضل وضعية ممكنة(97)؛ وعليه، وباعتبار الاختيار الدراسي والمهني يتسم بهذه الخصائص، فالباحثون الذين يقدمون منهجيات للمساعدة على اتخاذ القرار والقابلة للتطبيق في مجال التوجيه التربوي يوصون بالطرق المنسجمة مع النظرية الصورية لاتخاذ القرار ولكن تلك التي توظف الاستدلال وليس فقط الحساب الرقمي لمقارنة البدائل.
أما التيار الوصفي فهو يدرس كيفية تعاطي الأشخاص مع البيانات بهدف اتخاذ القرار، وقد كشف عن العديد من الأخطاء والانحرافات الشائعة نسبيا خلال نشاط معالجة المعطيات. وسعى التيار أيضا إلى وصف الأساليب القرارية، ومستوى القرار أو التردد لدى الأفراد، كما حاول تشخيص أسباب التردد؛ ويمكن لنتائج أعماله أن توحي بوضع إجراءات استثمار المعلومات لاسيما التدابير القمينة بالتقليل من أخطار الوقوع في الأخطاء والانحرافات وبالتخفيف من حدة التردد، ويتأتى ذلك من خلال اكتساء سيرورة اتخاذ القرار طابع العقلانية والتي تقتضي استراتيجيات نابعة من الرصد العلمي لسلوكات متخذي القرارات(98).

2 ـ القرار الصراعي
ما يميز نموذج اتخاذ القرار في ظل الصراع هو أنه يؤكد على حقيقة كون عملية صنع القرار في كثير من الأحيان صراعية، وبالتالي يتولد عنها القلق، وهذا جانب لا يأخذه النموذج الصوري بعين الاعتبار؛ ويمكن أن يقف وراء القلق، أولا الخسائر الشخصية والاجتماعية والمادية الناجمة عن البديل المختار، وثانيا فقدان تقدير الذات إذا ما بدا اتخاذ القرار خاطئا(99).
وعليه، وفي إطار المساعدة، فعمل الخبير الاستشاري منشود، ويكمن أساسا في مرافقة الشخص طوال المراحل المختلفة لمسار اتخاذ القرار بدعمه على استثمار المعطيات بحرص ويقظة؛ ويتعلق الأمر خاصة بمواكبة هذا الشخص لكي لا يقع في فخ الاستدلالات المنحرفة؛ وعملية صنع القرار تتم عبر خطوات التعاطي مع المشكلة، والبحث عن خيارات محتملة، واتخاذ القرار والالتزام به رغم ردود الفعل السلبية(100).
يعد الطابع المقلق لعملية اتخاذ القرار الصعوبة الأولى التي سيلاقيها متخذ القرار، وهو مدعو في هذه الحالة لتعبئة استراتيجيات التعديل والتكيف لمواجهة المشكلة. والتكيف يمكن أن يعرف من زاوية كونه سيرورة فعلية يجتازها الفرد موظفا التقدير الذاتي لأنشطته الخاصة وحوافزه للوقوف في وجه الوضعية المقلقة والنجاح في استيعابها. والمواجهة لا يمكن اختزالها في تمظهرها السلوكي المرصود فقط، بل تطرح من منظور تمثلات الفرد والأهداف التي سطرها والسياق الاجتماعي الذي تندرج فيه. وفي حالة الاختيار الدراسي أو المهني، فتقييم الحدث، واللجوء لإستراتيجية معينة للمواجهة مرتبط بالعوامل الشخصية وبموارد الشخص وبمتغيرات محيطه، على سبيل المثال الدعم الاجتماعي الذي يمكن أن يعتمده(101).
وتستند سيرورة اتخاذ قرار التوجيه، في جزء منها، إلى المقارنة بين تمثلات الذات والعروض الدراسية والمهنية؛ ولا يمكن للمعلومات التي تتيح إثراء وجلاء المعطيات حول الدراسات والمهن وحول معرفة الذات إلا أن تساهم في دعم قرار موضوعي. والبيانات عن الذات تستقى وتعالج بواسطة الروائز والاستمارات وأنواع مختلفة من المقابلات وكدا التقنيات التربوية لتنشيط المجموعات. والهدف من استخدام هذه الأدوات، بالإضافة إلى جعل الفرد يدرك بوضوح أنماطه المقولبة الدراسية والمهنية والتموقع إزائها، هو تمكين الخبير الاستشاري في التوجيه من معطيات تساعده على جعل الشخص المستشير يكتشف وجود تصنيفات أخرى ضمنية مخالفة لتلك الخاصة به، وأن طرقه العفوية للرؤية نسبية مما يتعين معه القبول بورود البحث عن خيارات أخرى محتملة(102).
قبل اتخاذ القرار يتبنى الشخص خطط للعمل وينخرط في أجرأتها؛ ومن المقتضى أن يراجع المعلومات المستقاة سلفا حول الصعوبات العملية المعيقة لتنفيذ الخطة المختارة؛ وحري به أن يتوقع لجوئه للإجراءات الإستباقية(تقنية السيناريوهات) للتغلب على التحديات الكبرى والتي من المرجح أن تصادفه. وبمجرد اتخاذ القرار يشعر الشخص غالبا بالندم؛ واستقرار القرار متعالق بشكل كبير وشدة الآثار السلبية المتولدة عن اختيار الشخص وقدرته على تحمل الإزعاجات والمتاعب؛ وقد يكون هذا الضغط أكثر أو أقل احتمالا، ويمكن للشخص أن يواجهه بسهولة أكثر أو أقل اعتمادا على ما إذا كانت هذه الإزعاجات متوقعة أم لا، وحسب ما إن تم التفكير في الحلول أم لا، وذلك قبل اتخاذ القرار. ومن هذه الزاوية فمشاكل اتخاذ قرار التوجيه غالبا ما تتسم بالتعقيد، وقدرة الأشخاص المستشرين للتعاطي معها محدودة؛ ولهذا السبب تكون خدمات مستشاري التوجيه مرغوبة حيث اضطلاعهم بفهم سيرورة الاختيار الدراسي والمهني في حجمها الحقيقي باعتبارها على حد سواء معقدة للغاية، متقطعة، عقلانية، غير عقلانية، منطقية وحدسية؛ ومناط بهم أيضا أن ينتبهوا إلى الفوارق بين الأفراد بهدف اقتراح تدخلات المساعدة المتكيفة والخصائص الفردية(103).

3 ـ أساليب القرار
تتحدد أساليب القرار وفق النموذج الصراعي بتوفر ثلاث شروط؛ أولا الوعي بالمخاطر المرتبطة بالاختيار المفضل، ثانيا تعليق الأمل على العثور على بديل أحسن، وثالثا اعتقاد الشخص بأن له ما يكفي من الوقت للبحث والتفكير قبل أن يكون اتخاذ القرار ضروريا؛ وباستيفاء العناصر الثلاث يتحقق أسلوب القرار المسمى “الأسلوب الحذر أو اليقظ”، وهو ما يناظر الحذر واليقظة في معالجة المعطيات (البحث واستيعاب المعلومات الوجيهة، والبحث وتقييم البدائل…)؛ وهذا الأسلوب من شأنه أن يؤدي إلى حل بوعي وبنجاح للصراع الناجم عن عملية اتخاذ القرار(104).
بالمقابل ينقص الأساليب الأخرى التكيف؛ هذا هو الحال بالنسبة للأساليب المسماة “الدفاعية أو المفرطة في الحذر واليقظة”؛ إذ تتميز الوقاية الدفاعية باعتقاد تشاؤمي مفاده قلة فرص إيجاد تسوية جيدة لمعضلة القرار؛ وينطوي هذا النمط على إلقاء المسؤولية على الآخر( تحويل المسؤولية)، وتأجيل اتخاذ القرار إلى وقت لاحق (التسويف) أو تبخيس مدلول أهمية اتخاذ القرار وقيمة الخيارات البديلة(العقلنة). أما الإفراط في الحذر واليقظة فمن شأنه أن يولد لدى الأشخاص قرارات سيئة التصميم والبناء ومتسرعة، كما هو الأمر في حالة الذعر، دون أن يأخذوا بعين الاعتبار كافة البدائل المتاحة)105).
والأفراد لا يلجئون في التعاطي مع اتخاذ القرار إلى نفس الإجراءات، فهم يحضون برصيد من الاستراتيجيات يستعملونها حسب خاصيات الوضعيات التي يتعين عليهم اتخاذ القرار في ظلها؛ ومع ذلك، فإن نفس الشخص ينحو بشكل تفضيلي، لتطبيق الإستراتيجية ذاتها بغض النظر عن الظرف وأهمية القرار المتعين اتخاذه؛ ومفهوم أسلوب القرار ينم عن توجه قار نسبيا لفرد يستخدم نفس الإستراتيجية لاتخاذ القرارات المختلفة مما ينبغي معه الأخذ في الاعتبار هذا التباين في التدخلات التربوية التي تركز على صنع القرار. وتكتسي إجراءات المساعدة على اتخاذ قرار التوجيه أشكالا متعددة لكنها تمتح في الغالب من النموذج المعياري؛ وتستند هذه الإجراءات إلى المقاربة التحليلية التي تعتبر أكثر فعالية لاسيما وأنها أقل عرضة للانحراف. وبين فحص المنهجيات المطبقة فعلا في مجال اتخاذ قرار التوجيه أنها تمتثل للنهج العقلاني لكنها تعتمد إجراءات أخرى مما أفضى إلى بلورة صنافات استراتيجيات وأساليب اتخاذ القرار متنوعة(106).

4 ـ التردد في اتخاذ القرار
يفهم التردد في اتخاذ القرار كونه عجز الشخص على التعبير عن الاختيار عندما يستحث على القيام بذلك، وهو حالة إزعاج؛ مزعج على المستوى النظري حيث يبدو عسيرا على الشرح والإحاطة؛ ومزعج أيضا على المستوى العملي حيث يبدو مقاوما لمحاولات التغيير والتعديل، ويمكن أحيانا أن يحتد مقاومة مهما كان نطاق السعي لتقليصه؛ وغالبا ما يبدي الشخص المتردد الإحساس بالضيق والانزعاج، كما يبديها الأشخاص الدين يرصدونه، وتعد هذه الحالة العاطفية للضيق الدليل الأول لتحليل التردد في اتخاذ القرار؛ ومصطلح التردد، في حد ذاته، يعكس ضمنيا، وبشكل قوي، حمولة سلبية مثل: الشك، والغموض، والارتباك، والحيرة وفقدان الوجهة…؛ ويمكن استخدام الحيل البسيطة لجعل هذه الدلالات تختفي مؤقتا ولما لا قلبها ايجابيا، مثل طرح التردد في إطار تمييز التمثلات المصممة قبليا عن التمثلات المفتوحة على التغيير، ولكن في الواقع، فإن الجانب السلبي هو المهيمن؛ ويمكن أن يستمد شيوع هذا الموقف شرعيته من كون الدراسات الأولى حول التردد في اتخاذ القرار حضي بها حقل علم النفس المرضي حيث اعتبر التردد انعداما للتكيف الشخصي(107). ولقد سعى رواد هذه الدراسات إلى التحقق منهجيا من فراضيات حول العوامل التي يمكن أن تقف وراء التردد لدى الشباب من قبيل: الفشل الدراسي، والانقطاع عن الدراسة، وعدم رضا الفرد عن شخصيته، والقلق، والتبعية، وضعف تقدير الذات، والموقف العقائدي، والفقر في تمثل الذات…. وكانت مقاربتهم مفيدة وضرورية إلا أنها تبدو غير كافية في الوقت الراهن(108).
وبالنسبة للتردد في اتخاذ القرار بشأن دراسة أو مهنة فهو يكمن في غياب صياغة اختيار دراسي أو مهني يجيب على سؤال نوايا المستقبل، أو يتجسد في التعبير عن انعدام التأكد والتيقن من هذا الاختيار، أو عدم الوثوق فيه؛ ويمكن التمييز بين حالة اتخاذ القرار المتسم بالدقة والاقتناع العميق بالاختيار والتيقن من تحقيقه، وحالة التردد في اتخاذ القرار المتمظهرة تارة في الشك والارتياب المرتبط بأخطار الإقدام على اختيار بديهي، والمتجلية تارة في غموض الاختيار نفسه أو في انعدام خيار تفضيلي أو تعدد وعدم استقرار الخيارات التفضيلية(109)؛ بمعنى أن التردد في اتخاذ قرار التوجيه يدرك من زاوية الكشف عن التباين الجوهري القائم بين الشباب الحازمين في اختياراتهم الدراسية والمهنية ونظرائهم المترددين.
لقد كان مشكل التردد في اتخاذ قرار التوجيه لاسيما الأسباب التي تقف ورائه موضوع دراسات وأبحاث العديد من النماذج النظرية والعملية ضمنها المقاربة المتعددة الأبعاد، والتي اعتبرت التردد ظاهرة معقدة بمصادر وتراكمات متعددة، وأكدت على سيرورة الاختيار الدراسي والمهني وتمفصلها على مراحل، ويقتضي اجتياز كل مرحلة إجراءات. وبإمكان مصادر التردد التي من شأنها الإخلال بهذه الإجراءات أن تتدخل في أي لحظة من السيرورة. وتم إحصاء معيقات، بعضها قبل الدخول في سيرورة اتخاذ القرار والبعض الآخر أثناء سيرانها من بينها أن الشخص قد لا يكون مستعدا للدخول في عملية اتخاذ قرار التوجيه لأنه يفتقر إلى النضج أو للحافزية والدافعية للقيام بذلك، جراء اعتقاده أنه غير معني، أو أنه لا يعي ضرورة ذلك، أو بفعل ملاقاته صعوبات في اتخاذ القرار مهما كان نوع القرار، أو بسبب أيضا تنميته لمعتقدات قد تحول دون اتخاذه للقرار. وإذا ما اجتاز الفرد المرحلة القبلية بتراكماته تلك فمن الأكيد أنه سيعاني صعوبات أثناء سيرورة الاختيار الدراسي والمهني وذلك جراء افتقاره للمعلومات خاصة سوء معرفة الذات، وعدم كفاية الرصيد المعرفي للتخصصات الدراسية والمهن، ونقص في المعطيات ذات الصلة بعملية اتخاذ القرار أو الجهل بطرق الولوج للمعلومة. لكن بإمكان الشخص أن يتملك ما يكفي من المعلومات غير أنه من الوارد تعرضه للارتباك والاضطراب بفعل وجود تناقضات المعلومات التي جمعها وبالتالي وارد أن يواجه صراعات نفسية داخلية وبيشخصية – صراعات الحافزية والدافعية والتباين عن الآخر ـ والتي يتعين عليه تدبيرها بهدف الحسم في توجيهه(110).
وخلصت مقاربات أخرى أقل نسقية إلى نفس الانشغالات التي تؤدي بالأفراد إلى التصريح بكونهم مترددين. وفرز معظمها أربعة مؤشرات للتردد متمثلة في هوية غير مستقرة، والافتقار إلى المعلومات حول العالم الدراسي والمهني، وانعدام الثقة واحتدام الصراعات النفسية. ومصادر التردد متعالقة والتراكمات، داخلية كانت: القلق، وعدم الثقة بالنفس…، أو خارجية: معيقات مدرسية، ونقص الدعم والمساعدة النفسية والاجتماعية… والتشخيص الذي أنجزته مختلف المقاربات للصعوبات التي واجهت الأفراد أثناء الاختيار الدراسي والمهني، من الممكن اعتماده لتوقع تدخلات متفاضلة من قبيل توفير المعلومات الوجيهة حول الذات والمحيط، والأنشطة الرامية لتعديل الاعتقادات… بهدف تقديم العلاج الأنسب لكل فرد متردد في اتخاذ قرار التوجيه.

 يتبع…………………………………… الحلقة السادسة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(96) Christine Chauvin, gestion des risques lors de la prise de décision, CNRS, revue EPIQUE, 2003,
p125.
(97) Serge Blanchard et autres, aider à la décision d’orientation des lycéens face à l’incertitude, 5ème
biennale internationale de l’éducation et de la formation, 12, 13, 14, et 15 avril 2000, Paris.
(98) Alexis Tsoukiàs, de la théorie de la décision à l’aide à la décision, le journal européen de la
recherche opérationnelle, 2008, p18.
(99) Nathalie Bailly et Marie-Lise Ilharragorry-Devaux, adaptation et validation d’une échelle de prise
De décision, le journal canadian de la science du comportement, 2011, Vol 43, N°3, p143.
(100) Serge Blanchard et autres, aider à la décision d’orientation des lycéens face à l’incertitude, 5ème
biennale internationale de l’éducation et de la formation, 12, 13, 14, et 15 avril 2000, Paris.
(101) Idem.
(102) Idem.
(103) Idem.
(104) Nathalie Bailly et Marie-Lise Ilharragorry-Devaux, adaptation et validation d’une échelle de prise
De décision, le journal canadian de la science du comportement, 2011, Vol 43, N°3, pp 143 –
144.
(105) Idem, p144.
(106) Serge Blanchard et autres, aider à la décision d’orientation des lycéens face à l’incertitude, 5ème
biennale internationale de l’éducation et de la formation, 12, 13, 14, et 15 avril 2000, Paris.
(107) Yann Forner, à propos de l’indécision, revue francophone internationale carriérologie, vol.8, n°2,
p214.
(108) idem, p214.
(109) Odile Dosnon, incertitude, indécision et orientation, revue perspectives documentaires en
éducation n°60, 2003, p15.
(110) Idem, p16.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة الخامسة| إعادة التوجيه واتخاذ القرار ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة السادسة|إعادة التوجيه البعدان الإداري والقانوني

$
0
0

الحلقة السادسة: إعادة التوجيه البعدان الإداري والقانوني

بالإضافة إلى الطابع التربوي لقرار توجيه تلميذ(ة)، فله حمولة إدارية كذلك لأنه صادر عن مجلس القسم الخاص بالتوجيه إحدى آليات التأطير والتدبير التربوي والإداري للمؤسسة التعليمية المنوط بها تقديم خدمات التربية والتعليم في سائر مراحل التعليم والمصنفة بنية إدارية تعمل تحت إشراف السلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية(111). وباعتباره كذلك فهو موضوع طعن حيث من حق المتعلم الاعتراض على قرار مجلس التوجيه والمطالبة بمراجعته بإعادة توجيهه للشعبة أو المسلك الدراسي المرغوب فيه إنصافا له؛ والطعن في القرار الإداري ـ التوجيه في حالتنا ـ له بعدان الأول إداري والثاني قانوني.

1 ـ البعد الإداري
عندما تتخذ الإدارة إجراء في حق شخص يعتبره هذا الأخير متسم بالحيف، فمقتضيات النصوص الإدارية للعديد من الأنظمة الاجتماعية تمتعه بحق التقدم بطلب إعادة النظر في هذا الإجراء، بمعنى حق المطالبة بإلغائه؛ ويتعلق الأمر هنا بالمطالبة بتصحيح القرار الإداري قبل أن يكتسي طابع منازعة ليحال على القضاء المختص. والطعن الإداري قد يكون مفتوحا أو هرميا حسب لجوء الشخص موضوع الحيف مباشرة إلى المسؤول أو الهيئة مصدر القرار أو إلى مسؤولين آخرين أو هيئات أخرى في هرم الإدارة. والطعن الإداري على الدوام يكون مفتوحا ومجانيا.
ولقد تم تبني إعادة التوجيه، باعتباره طعن في قرار إداري، في النظام التعليمي المغربي كوسيلة لمراجعة قرارات وتصحيح الأخطاء المحتملة لمجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه وإصلاح أدائها بهدف التخفيف من الهدر والتسرب المدرسيين؛ فمن زاوية وظيفته التداركية والعلاجية طرح إعادة التوجيه في النصوص التنظيمية بكونه “سعي وراء إرضاء رغبات التلاميذ وأوليائهم في مراجعة قرارات التوجيه المتخذة في حقهم”(112)، و”عملية تمكن التلاميذ المعنيين بها من تصحيح مسارهم الدراسي وتيسير تمدرسهم بالتعليم الثانوي التأهيلي في إطار الإمكانات المتاحة لهم وفق توجهات الوزارة”(113). وبغاية محاربة ظاهرة التكرار والانقطاع عن الدراسة، تغيأت وثيقة عشرية التعليم تحسين المردودية الداخلية للمنظومة التربوية المغربية بتنصيصها على وجوب تحقيق تدفقات للمتعلمين بين المستويات الدراسية والأسلاك التعليمية بنسب تتراوح بين 90 % و60 % على أن لا يتم الكم على حساب الكيف(114)؛ وأجرأة لهذه الأهداف فعلت تدابير من قبيل إرساء برنامج الدعم الاجتماعي(برنامج تيسير، مبادرة مليون محفظة…)، إحداث خلايا الإنصات واليقظة على مستوى المؤسسات التعليمية، التتبع الفردي للتلاميذ ومأسسة الدعم التربوي لفائدة التلاميذ المتعثرين(115). لكن باستقراء الواقع المعاين في الكثير من المؤسسات التعليمية، فالأجرأة الميدانية للبنيات والآليات الأخيرة تتراوح بين الشكلية والانعدام، وبالتالي تتعثر الأهداف المتوخاة منها.
ويمكن إعادة النظر في اختيارات التلاميذ الدراسية من زاوية وسم قرار التوجيه بمزيد من العدل والإنصاف؛ ويدرك إعادة التوجيه بهذا الصدد باعتباره حق “مواطن”- المتعلم أو وليه- في الطعن في إجراءات الخريطة المدرسية المضطلعة بعملية توزيع التلاميذ وفق الطاقة الاستيعابية للمؤسسة التعليمية وحسب توجهات المخططات التربوية الإقليمية والجهوية والوطنية. ويمكن أن يندرج الطعن في قرار التوجيه أيضا في إطار دمقرطة التعليم درءا لأفعال الشطط المحتملة للإدارة.

2 ـ البعد القانوني
يضطلع المرفق العمومي بالقيام بأنشطة من الواجب أن يتمتع بها الجميع على قدم المساواة، وهي خدمات تكتسي طابع المصلحة العامة وتروم إشباع حاجات الأفراد الاجتماعية الأساسية مادية كانت كمد الساكنة بالمياه والكهرباء وجمع النفايات… أو معنوية كانت من قبيل توفير الأمن، العدل، الصحة، البريد، التعليم…(116)؛ ويبقى إنشاء المرفق العمومي من مسؤوليات الدولة، وتناط بالإدارة مهام تنظيم أنشطته ورقابته، ويخضع لتوجيهها حتى لا يكون عرضة للانحراف عن المصلحة العامة واستغلاله للمصلحة الخاصة؛ ولا يعني تفويض الإدارة لإحدى الشخصيات المعنوية تدبير المرفق العمومي تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة؛ ويتمتع المرفق العمومي بنظام قانوني متميز عن القانون الخاص وهو القانون الإداري(117).
ومن زاوية العهد للمرفق العمومي بوظيفة تلبية الحاجات الاجتماعية الأساسية للمرتفقين، وباعتبار التربية والتعليم خدمة عمومية تقدمها المؤسسات التعليمية؛ فإن هذه الأخيرة تخضع لمقتضيات القانون الإداري. ويتقاسم مسؤوليات العمل الإداري الذي من شأنه ضمان خدمات التربية والتكوين عدة فاعلين رئيسيين أهمم في النظام التعليمي المغربي وزير التربية الوطنية ومدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ونواب وزارة التربية الوطنية الإقليميون ورؤساء المؤسسات التعليمية حيث يتخذون قرارات إدارية تعكس السياسات التعليمية للدولة وتعبر عن إرادة السلطات العامة.
وزير التربية الوطنية، إضافة إلى السلطة على جميع الهياكل المركزية واللامتمركزة للقطاع الحكومي المسند إليه(118)، هو مناط بتحديد بموجب قرار تنظيم الدروس والنظام المدرسي لمؤسسات التعليم ومؤسسات التكوين التابعة لوزارة التربية الوطنية وكذا تحديد قواعد لنيل الشهادات التي تتوج بها الدراسة في تلك المؤسسات(119) ، ومدراء الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين يتمتعون بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لتسيير شؤون الأكاديميات والإشراف على مصالحها الخارجية، وموكول لهم تمثيلها أمام الأشخاص الذاتيين والمعنويين والمحاكم…(120)؛ ونواب وزارة التربية الوطنية عهد لهم بتدبير قطاع التربية الوطنية بالعمالات أو الأقاليم وتنفيذ مخططات السياسات التعليمية والإشراف على المصالح التابعة للنيابة ومؤسسات التعليم والتكوين القائمة في نطاقها الترابي(121)؛ أما مديرو المؤسسات التعليمية، فزيادة على مهام الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسات، فمفوض لهم رئاسة جميع مجالس المؤسسة لاسيما مجالس الأقسام واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتطبيق مقرراتها(122).
وعلى ضوء هذه الهرمية البراديغمية في الاختصاصات؛ فمن الوارد ضمنيا تحميل مسؤوليات القرارات التي تتخذها المدارس في حق المتعلمين ـ قرارات مجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه في حالتنا ـ للشخصيات الأنفة الذكر بصفاتهم الوظيفية؛ لكن في حالة الطعن في القرار الذي يبلغ مرحلة التقاضي، فالقضاء الإداري المغربي لا ينسب المسؤولية إلا للوزير.
ويشترط في تقديم الطعن الإداري أن يكون القرار الصادر في حق الطاعن قد أخذ صفته النهائية وهو ما ينطبق على قرارات مجالس الأقسام حيث اعتبارها غير قابلة للمراجعة ما عدا في حالة إعادة التوجيه أو تصحيح الأخطاء المترتبة عن نقل النقط واحتساب المعدلات؛ والتظلم يرفع بواسطة رسالة، وهو طلب إعادة التوجيه في حالتنا، والتي يتعين أن تتضمن معلومات عن المتظلم وبيانات عن القرار موضوع الطعن ومرتكزات الطاعن الإدارية والقانونية والواقعية لإثبات الحيف، وترفق بالوثائق اللازمة عند الاقتضاء وهي بيانات النتائج الدراسية وحواصل الروائز واستمارات الميولات المهنية في قضية ملتمس تغيير التوجيه، وتوجه إلى الجهة الإدارية التي أصدرت القرار وهي مجالس التوجيه بالنسبة لطلبات مراجعة الاختيارات الدراسية للتلاميذ أو إلى الهيئات الرئاسية؛ كما يتوجب احترام الآجال المحددة قانونيا للمطالبة بالإنصاف وهي التواريخ المنصوص عليها في مسطرة إعادة التوجيه بالنسبة لحالتنا.
وتنظر الإدارة في الطعن المقدم إليها، والمستوفي للشروط، وفق مقتضيات النصوص التنظيمية المؤطرة للعملية وهي المذكرات والمراسلات المنظمة لإجراءات تغيير التوجيه موضوع بحثنا، وتبت فيه إيجابا بإلغاء قرارها المطعون فيه وتستبدله بقرار آخر غير معيب، أو سلبا برفض التظلم، وهذا ما يتماثل ومداولات مجالس الأقسام الخاصة بإعادة التوجيه حيث الحسم بالقبول أو الامتناع عن مراجعة رغبات المتعلمين التربوية؛ ويمكن للمتظلم الذي رفض طلبه، اللجوء للقضاء إن رغب في ذلك برفعه لدعوى الطعن في القرار المعيب بالإلغاء أمام المحكمة الإدارية المختصة في أجل لا يتعدى شهرين تطبيقا لمقتضيات المادة 08 من القانون 41.90 الذي بموجبه أحدثت المحاكم الإدارية والتي تعد من الهيئات القضائية المختصة نوعيا في البت في طلبات تصحيح قرارات السلطات الإدارية جراء تجاوزاتها… وفحص شرعية القرارات الإدارية(123).
غير أنه باستكشافنا للأصول القانونية الصريحة لإعادة التوجيه في التشريعات الخاصة بالنظام التعليمي المغربي لم نعثر على ما يفيد ذلك، بل حصرته كل المقتضيات التنظيمية في بعده التربوي التصحيحي للمسارات الدراسية للتلاميذ بما يراعي توجهات الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين في مجال التوجيه التربوي.

 يتبع………………………………الحلقة السابعة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(111) الجريدة الرسمية عدد 5024، 25 يوليو 2002، مرسوم رقم 2.02.376 بتاريخ 17 يوليو 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص
بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، ص ص2126-2130.
(112) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية الإحصاء والتقديرات المستقبلية والبرمجة، مذكرة رقم 106 بتاريخ 30 يونيو 1997 في
شأن تغيير التوجيه بالسلك الثاني من التعليم الأساسي الثانوي، ص1.
(113) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 91 بتاريخ 19 غشت 2005 في
شأن الإطار التنظيمي لمجال الاستشارة والتوجيه، ص12.
(114) اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، يناير 2000، الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص ص17-18.
(115) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مشروع
البرنامج الاستعجالي 2009 ـ 2012، التقرير التركيبي، يونيو 2008، ص ص20-21.
(116) Jean Horgues-Débat, service public et au public: de quoi parle-t-on ? Définition et classement
Des termes et des concepts, Association pour le Développement en Réseau des Territoires et
des Services, novembre 2007, p3.
(117) موقع مجلة القانون والعلوم الإدارية، النظرية العامة للمرافق العمومية المحلية، تعريف المرفق العمومي وعناصره، مقال بتاريخ 04
أبريل 2014 على الساعة 01h15.
(118) الجريدة الرسمية عدد 6018، 02 فبراير 2012، مرسوم رقم 2.12.05 بتاريخ 26 يناير 2012 يتعلق باختصاصات وزير التربية
الوطنية، ص488.
(119) الجريدة الرسمية عدد 2573، 16 فبراير 1962، ظهير شريف 1.61.225 بتاريخ 07 فبراير 1962 بتحديد اختصاصات وزير
التربية الوطنية، ص423.
(120) الجريدة الرسمية عدد 4918، 19 يوليو 2001، مرسوم رقم 2.00.1016 بتاريخ 02 نونبر 2000، بتطبيق القانون 07.00 القاضي
بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، ص 1879.
(121) الجريدة الرسمية عدد 4729، 27 شتنبر 1999، قرار لوزير التربية الوطنية رقم 1192.99، بتاريخ 05 غشت 1999 بشأن تنظيم
وتحديد اختصاصات وزارة التربية الوطنية، ص2345.
(122) الجريدة الرسمية عدد 5024، 25 يوليو 2002، مرسوم رقم 2.02.376 بتاريخ 17 يوليو 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص
بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، ص2127.
(123) الجريدة الرسمية عدد 4227، 03 نونبر 1993، قانون رقم 41.90 تحدث بموجبه المحاكم الإدارية، ص ص2169-2170.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه | الحلقة السادسة| إعادة التوجيه البعدان الإداري والقانوني ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة السابعة|إعادة التوجيه مساطر

$
0
0

باعتبار وظيفته التربوية التصحيحية لمسارات التلاميذ الدراسية سعيا للمساهمة في تيسير اندماجهم المدرسي والمهني والاجتماعي، وتغي الحد من ظاهرة الهدر والتسرب المدرسيين بالنظر لما لها من انعكاسات نفسية واجتماعية وخيمة على ضحاياها وما يترتب عنها من إتلاف للإمكانات المادية والمالية للأسر والدول ومن ضياع لكفاءات كان من الممكن أن تساعد على تنمية المجتمعات لو تم استثمارها على الوجه الأمثل؛ فمن المتعين أن يحظى مكون إعادة التوجيه بالمكانة اللائقة به في جميع أنظمة التربية والتكوين من مراجعة وتحيين للنصوص المنظمة له بما يساير حاجات المتعلمين والمستجدات؛ إلا أن حقيقة النظام التعليمي المغربي تقول غير ذلك حيث اتسام وتيرة إرساء مقتضيات مسطرية لعمليات تغيير التوجيه بالبطء والتفاوت. فلمدة فاقت ثلاثة عقود، من أوائل ثمانينيات القرن الماضي إلى حدود إنجاز هذه الدراسة، تم إصدار ستة نصوص لإجراءات تغيير التوجيه أو نصوص تتضمن تلك الإجراءات لكن بفترات متفاوتة.

1 ـ مقتضيات “إصلاح 1985”
ظل العمل بمستند لإعادة التوجيه لقرابة عقد ونصف، وكان ينظم عضوية وأشغال اللجنة الإقليمية الخاصة بتغيير التوجيه؛ ونص في عضويتها على كل من النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية رئيسا، رئيس المصلحة الإقليمية للتخطيط، رئيسي مؤسستين تعليمتين إعدادية وثانوية، وأستاذ عن كل مادة دراسية من المواد الأدبية والعلمية الرئيسية، وممثل عن جمعيات أباء وأولياء التلاميذ؛ وتدرس هذه اللجنة طلبات تغيير التوجيه المقدمة من طرف التلاميذ الجدد الموجهين إلى مستويات السنتين الخامسة والسادسة من التعليم الثانوي أو المكررين لتلك المستويات؛ ويستثنى من العملية الموجهون إلى الأقسام الإعدادية للتربية البدنية واللغات الحية وإلى الشعب التقنية وإلى تخصصات التكوين المهني وكذا متعلمو مستوى السنة الختامية ثانوي(124)؛ وتبت اللجنة بالرفض أو قبول طلبات المعنيين باعتماد معياري الرغبات المعبر عنها والمؤهلات التي تتطلبها الشعب الدراسية المرغوب فيها.
وصدر نص مسطري ينظم تغيير التوجيه بالسلك الثاني من التعليم الأساسي والثانوي بعد منتصف العقد التاسع من القرن الماضي بسنتين لينسخ نصا أخر عمل به لسنة فقط؛ وأسس لإعادة التوجيه من زاويتها التصحيحية للاختيارات الدراسية للتلاميذ سعيا لتلبية رغباتهم ورغبات أوليائهم؛ وآتى هذا النص بتعديلات على مستوي اللجنة الإقليمية الخاصة بتغيير التوجيه بالتنصيص، بالإضافة إلى بعض من أعضائها السالفة الذكر، على عضوية المفتش الجهوي للتوجيه التربوي منسقا، رئيس مكتب الإعلام والتوجيه والمنح، مستشارين في التوجيه التربوي من بين العاملين في القطاعات المدرسية؛ ومعني بعملية إعادة التوجيه كل المتمدرسين الموجهين إلى الشعب المحدودة المناصب الدراسية(التعليم التقني، تخصص لغات، التربية البدنية، العلوم الرياضية) وإلى شعبتي الآداب والعلوم التجريبية وكدا المكررين لمستويات السنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي الراغبين في ذلك؛ وتعتمد اللجنة في قراراتها على رغبات المتعلم، ومؤهلاته، ومواصفات الشعبة المعبر عنها في طلب إعادة التوجيه، ومعطيات الخريطة المدرسية، واللوائح الاحتياطية للجن الاختيار الأولي (125).
ومن المؤاخذات على النصوص المسطرية لتغيير التوجيه السابقة الإشارة تجريد البنيات التربوية المؤهلة للتداول في الاختيارات الدراسية للمتعلمين، ألا وهي مجالس الأقسام الخاصة بالتوجيه بحكم مواكبة أعضائها للسيرورات الدراسية للتلاميذ، من دراسة والبت في مراجعة تلك الاختيارات ومركزة العملية في أيدي لجن إقليمية تقنية؛ كما كانت تعاني تلك المساطر المتبعة من المحدودية بفعل اعتمادها في اتخاذ القرارات على النتائج الدراسية للتلاميذ المعنيين بإعادة التوجيه دون الأخذ بعين الاعتبار الجوانب الأخرى المتعلقة بجانبياتهم من اهتمامات واستعدادات وميولات…

2 ـ نصوص “عشرية التعليم”
في إطار المرحلة الانتقالية لإرساء الهيكلة الجديدة لأسلاك ومسالك التعليم الثانوي، المنصوص عليها في وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ورد النص التنظيمي لإعادة التوجيه بالسلك الثانوي التأهيلي، ويعتبر الأول في “عشرية التعليم”، وهدف إلى تشجيع ولوج الشعب العلمية وشعب التعليم التقني مع السعي لإرضاء رغبات التلاميذ وأوليائهم؛ ونصت مقتضياته على استهداف عملية تغيير التوجيه للمتمدرسين الموجهين إلى أو المكررين لمستويات السنة الأولى من التعليم الثانوي التأهيلي: الجذعان المشتركان الأدبي والعلمي، وشعبة العلوم الزراعية، وفروع الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية والفنون التشكيلية؛ وللمتعلمين الجدد أو المكررين لمستويات السنة الثانية للسلك التأهيلي(السنة الأولى بكالوريا) من الآداب العصرية، والعلوم التجريبية، والعلوم الرياضية، والعلوم الاقتصادية، وتقنيات التسيير المحاسباتي، وتقنيات التسيير الإداري، والعلوم والتقنيات والصناعة الميكانيكية؛ وأناط النص البت في طلبات إعادة التوجيه باللجنة الإقليمية السابقة الذكر مع تعديل طفيف في تركيبتها حيث تعويض المفتش الجهوي للتوجيه التربوي منسقا بالمفتش الإقليمي للتوجيه التربوي منسقا(126). غير انه بصدور النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي، وعملا بمنطوقه في شأن مهام مجالس الأقسام حيث الاضطلاع بالبت في طلبات إعادة التوجيه، قامت بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بإصدار مذكرات تعهد بعملية مراجعة اختيارات المتمدرسين الدراسية للمؤسسات الثانوية التأهيلية.
وضم المستند التنظيمي الصادر في منتصف عشرية التعليم، تفعيلا لتوصيات المناظرة الوطنية حول تطوير وظائف وآليات الاستشارة والتوجيه المنعقدة بالرباط بتاريخ 09 ابريل 2005، مقتضيات تقارب إعادة التوجيه من المنظور التقويمي باعتباره عملية ترمي لتصحيح المسارات الدراسية للمتعلمين وتساهم في تيسير تمدرسهم لكن حسب الطاقات الاستيعابية للمؤسسات الثانوية التأهيلية وعملا بتوجهات الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين؛ وكل تلاميذ عتبات التوجيه بالسلك الثانوي التأهيلي مستهدفون بعملية تغيير التوجيه من الموجهين إلى شعب سلك الجذوع المشتركة أو المكررين لها، والجدد بمسالك السنتين الأولى والثانية بكالوريا أو المكررين لها؛ ويلتئم أعضاء مجالس الأقسام في اجتماعين للبت في طلبات إعادة التوجيه، دورة عادية في بداية الموسم الدراسي، ودورة استدراكية عند الاقتضاء خلال الأسدس الأول لنفس الموسم؛ ويعتمدون للتداول في مراجعة قرارات مجلس التوجيه معايير رغبة المتعلم ومتطلبات الشعبة أو المسلك المرغوب فيه وجانبية المتمدرس المتقدم بالطلب والبنية التربوية للثانوية التأهيلية المستقبلة(127).
أما مقتضيات الإطار التنظيمي لعمليات التوجيه وإعادة التوجيه الصادر قبل البرنامج الاستعجالي لإصلاح منظومة التربية والتكوين بسنتين فهي تراجعية بالمقارنة مع تلك الواردة في النص المشار إليه للتو إذ العودة بالعمل بلجان تغيير التوجيه لكن محليا على مستوى المؤسسة الثانوية التأهيلية المستقبلة بدل مجالس الأقسام؛ كما أنها قلصت من الحق في إعادة التوجيه من بعض شعب ومسالك سلك البكالوريا إلى شعب ومسالك أخرى من نفس السلك على سبيل المثال حرمان تلاميذ مستوى السنة الأولى بكالوريا علوم تجريبية من تغيير التوجيه إلى مستوى السنة الأولى بكالوريا الآداب والعلوم الإنسانية وهذا ما يتنافى والمهمة التصحيحية لإعادة التوجيه.
ورغم تأكيد مشروع “وضع نظام ناجع للإعلام والتوجيه”، من “البرنامج الاستعجالي لإعطاء نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكون”، على ضرورة مراجعة نظام الجسور بين التخصصات الدراسية بهدف إتاحة مزيد من الفرص لإعادة التوجيه في حال الفشل في مسلك من المسالك، أو تسهيل الانتقال من شعبة لأخرى لتيسير متابعة التكوين في مستوى دراسي أعلى(128)، فإن التعديل الصريح للمقتضيات المسطرية المعمول بها في مجال تغيير التوجيه لم ير النور إلى حدود إنجاز هذا البحث.

3 ـ إعادة التوجيه من التكوين المهني
كانت دورية مشتركة بين وزارة التربية الوطنية والوزارة المشرفة على التكوين المهني والتي تصدر كل سنة تتضمن نفس المقتضيات المسطرية لإعادة التوجيه من التكوين المهني إلى التعليم الثانوي وتهم التلاميذ الموجهين إلى مستوى التأهيل بمراكز ومعاهد التكوين المهني؛ وتدعو المتعلمات والمتعلمين الراغبات والراغبين في إعادة التوجيه من التكوين المهني إلى قطاع التعليم أن يتقدموا بطلباتهم مباشرة إلى مؤسسات التكوين المهني التي تم توجيههم إليها وذلك قبل متم شهر يوليو من كل سنة؛ وتدرس هذه الطلبات من لدن لجنة مكونة من ممثلين عــن قطاعي التعليم و التكوين المهني إلى غاية منتصف شهر شتنبر من نفس السنة؛ ويدون قرار اللجنة في محضر يتم تسليمه إلى مؤسسات التكويــن والتعليم المعنية؛ وكل طلب يرد بعد هذا التاريخ يعتبر لاغيا(129).
غير أنه بضم قطاع التكوين المهني إلى وزارة التربية الوطنية، وبسعي هذه الأخيرة، بتنسيق مع كل القطاعات الحكومية المكونة في مجال التكوين المهني، إلى مراجعة مقاربة التوجيه المدرسي والمهني، عملا بمبدأ التربية والتكوين والتوجيه مدى الحياة، وذلك بما يبلور رؤية جديدة تسعى إلى الرقي بالأوضاع الراهنة لمنظومة التوجيه حيث تثمين اختيارات التكوين المهني بكافة مستوياتها كمسارات قائمة الذات مفتوحة في وجه المتمدرسات والمتمدرسين ذوي الرغبة في ولوجها وسلوكها إلى جانب المسارات الدراسية والتكوينية الأخرى، واعتماد جسور مرنة تتيح لهم الانتقال بين تخصصات التكوين المهني وشعب ومسالك التعليم(130)، استجد جديد في مسطرة تغيير التوجيه من التكوين المهني إلى التعليم إذ يفتح باب إعادة التوجيه في وجه الموجهات والموجهين إلى التكوين المهني مستويي التخصص والتأهيل سواء منهم المستفيدات والمستفيدين من التكوين بالتخصصات التي وجهوا إليها أو الجدد. والجديد أيضا تقدم هؤلاء بطلبات إعادة التوجيه إلى النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية المشرفة على المؤسسات التعليمية التي تابعوا بها الدراسة لآخر موسم دراسي لهم، وتمديد آجال انعقاد اللجنة الإقليمية لإعادة التوجيه من التكوين المهني إلى التعليم المدرسي إلى نهاية شهر شتنبر، وإدخال تعديلات في تركيبتها حيث تمثيلية كل من مكتبي الإعلام والتوجيه والخريطة المدرسية، والقطاع المدرسي للتوجيه، وقطاع التكوين المهني والقطاعات المكونة(131).
ومع ذلك فيسجل أن المستجدات لم تكن في مستوى ترجمة حمولة الشعارات الواردة أعلاه، إذ لازال العديد من مقتضيات الدعامة الثالثة من وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين على علاته لاسيما مواد محور الممرات بين التربية والتكوين والحياة العملية لم تؤجرأ بعد رغم مرور عقد ونصف على اعتماد هذا الميثاق؛ فأين نحن، على سبيل المثال، من مسطرة تنظيمية واضحة وسلسة للجسور بين مستويي التقني والتقني المتخصص للتكوين المهني والمسالك والتخصصات الدراسية والتكوينية للتعليم العالي؟
ويسجل أيضا الإمعان في تجريد مجالس الأقسام من مهمة التداول والبت في طلبات إعادة التوجيه بما فيها من التكوين المهني بالرغم من القوة التنظيمية للنص الذي يخولها ذلك، وإناطة العملية بلجان محلية على مستوى الثانويات التأهيلية ولجن إقليمية على مستوى نيابات وزارة التربية الوطنية.

يتبع………………………………الحلقة الثامنة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(124) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التخطيط، مذكرة رقم 29 بتاريخ 07 فبراير 1983 في شأن اللجنة الإقليمية الخاصة
بتغيير التوجيه، ص1.
(125) وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية الإحصاء والبرمجة، مذكرة رقم 106 بتاريخ 30 يونيو 1997 بشأن تغيير التوجيه بالسلك
الثاني من التعليم الأساسي الثانوي، ص ص1-3.
(126) وزارة التربية الوطنية، التعليم الثانوي التقني، مديرية الثانويات، مذكرة رقم 72 بتاريخ 13 يونيو 2001 في شان إعادة التوجيه بالسلك
الثانوي التأهيلي، ص ص1-3.
(127) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 91 بتاريخ 19غشت 2005 في
شأن الإطار التنظيمي لمجال الاستشارة والتوجيه، ص ص12-13.
(128) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، من أجل نفس جديد لإصلاح منظومة التربية والتكوين، مشروع
البرنامج الاستعجالي 2009- 2012، التقرير التركيبي، يونيو 2008، ص68.
(129) وزارة التشغيل والتكوين المهني قطاع التكوين المهني ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي قطاع التعليم
المدرسي، دورية مشتركة رقم 19 بتاريخ 21 يناير 2011 بشأن تحديد مسطرة التوجيه إلى التكوين المهني مستوى التأهيل، ص4.
(130) وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، دورية رقم 0733 بتاريخ 01 ابريل 2014 في شأن الإعلام والتوجيه للتكوين المهني برسم
الموسم التكويني 2014/2015، ص1.
(131) نفس المرجع، ص7.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه|الحلقة السابعة| إعادة التوجيه مساطر ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الثامنة|العلوم الرياضية مفاهيم في العلوم

$
0
0

الحلقة الثامنة: العلوم الرياضية مفاهيم في العلوم
مما لا شك فيه أن العلوم طيف شاسع بحثت في شتى مناحي الكون بأدق جزئياته لتتوسع تخصصا بخلق أنواع جديدة وتطوير الكلاسيكية منها لاسيما العلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم الاقتصادية، والعلوم الطبيعية، والعلوم الفيزيائية، والعلوم الرياضية… وهذه الأخيرة تعبير يتركب من مصطلحين حيث الثاني نعت لمنعوته الأول ويمكن أن يعني كل علم يمتح من الرياضيات. وللتفصيل في هذا التعبير سنسعى لاستعراض العلم دلالات وخاصيات، ولمقاربة الرياضيات كنها وامتدادات وظيفية، ولتناول الإطار المفاهيمي والإجرائي لذلك التعبير لاسيما في النظامين التعليميين الفرنسي والمغربي.

العلم
العلم مختلف دلالة باختلاف الحقول المعرفية والفكرية التي يغطيها، فبمدلوله الأدبي يفيد المعرفة الدقيقة والمعمقة، وبحمولته اللغوية العصرية يشير إلى مجال منظم للمعرفة، وليعرف عموما على أنه المعرفة المرتبطة بالظواهر التي تخضع للقوانين المتأتية عبر الرصد أو الطرق التجريبية؛ ويتأسس على مقومات هي الملاحظة، التجريب، الاستدلال، الاستقراء، القوانين (132). غير أننا سنكتفي في هذه الدراسة بالتطرق للخاصيات الأولى والثانية والأخيرة.

أ) ـ الملاحظة العلمية
يقصد بالملاحظة رصد الوقائع أو الظواهر ووصفها بكل موضوعية وحيادية دون تدخل الملاحظ في وقوعها؛ وتصنف إلى العفوية الميدانية وإلى المنظمة الممنهجة. فالأولى تجري دون خلفيات فكرية أو منطلقات مفترضة متحررة من تصورات قبلية وغير مقيدة بفراضيات حتى لا تخضع لتوجيه متعمد ومن ثمة الحد من الوصف والتفسير اللاحق للظواهر والوقائع. وفي الحقيقة فإن الرصد العفوي الميداني الصرف مستحيل بالنظر إلى لغة وخطاب الراصد اللذان يمليان عليه إطارا مفاهيميا يترجم خلاله المعطيات المرصودة؛ وبالتالي غياب الحياد عن مواقف الراصد التي تتأثر على نطاق متفاوت بمرجعيته القائمة على تجاربه ومعارفه السابقة، إضافة إلى ما يشكله دائما المكون المرجعي من فراضيات ضمنية. إلا أنه بالرغم من ذلك بإمكان هذا النوع من الرصد أن يمثل خطوة تمهيدية للتدقيق في فراضيات البحث والتي سيتحقق منها لاحقا عبر الملاحظة المنهجية(133).
وتكتسي الملاحظة المنهجية الطابع العلمي لكونها متوقعة ومحضرة وتحدد بدقة متفاوتة المراد رصده؛ وتكون مصحوبة بشبكة للرصد المتيحة مراقبة وثوقية وصلاحية الملاحظات القابلة وجوبا للتكرار والتي يتعين أن تدون من الناحية النظرية بطرق مماثلة من طرف مختلف الملاحظين. ويمكن اعتماد هذا الأسلوب الرصدي بالمختبر البيئة الاصطناعية لإعادة إنتاج الظواهر، حيث إمكانية تنميط شروط الملاحظة بهدف مزيد من الضبط والموضوعية. لكن لهذه الصيغة عائق رئيسي يكمن في جانبها الاصطناعي والتحكمي الناجم عن نقل الظاهرة أو الفعل اللذان يحدثان عادة في الوسط الطبيعي إلى مختبر مفقدا إياهما تلقائيتهما وعفويتهما.
وتقارب الملاحظة المنظمة والممنهجة في بعدين، الأول أفقي في حالة اختيار معاينة نفس الوقائع في مواقع مختلفة مع ما يلازم ذلك من محدودية زمن الرصد؛ والثاني عمودي في حالة اختيار دراسة ظاهرة لمدة طويلة مع ما تقتضيه العملية من استعداد ومثابرة الملاحظ(134).

ب) ـ المنهج التجريبي
بإخضاع الرصد لشروط متشددة يتم الانتقال من الملاحظة إلى التجريب معتمدين بذلك المنهج التجريبي في دراسة ظاهرة أو واقع، وبالتالي تنال الملاحظة وضعا علميا؛ والتجريب وارد بهذا الصدد بمعنى مراقبة وتغيير شروط ظهور وحدوث الظاهرة بما يحدد الفعل السببي الفردي أو الجماعي لهذه الشروط في تلك الظاهرة أو الواقع. وهكذا فالتجريب يتيح، من حيث السببية، اختبار وقع واحدة أو عدة عوامل مستقلة على واحدة أو عدة عوامل تابعة(135).
ويقصد بالعامل المستقل التغير في نتيجة الملاحظة أي التغير في إطار التجريب، ويتم الوقوف على العوامل المستقلة بالسعي لإيجاد أوجه الاختلاف في التجربة من حيث وضعية الظاهرة أو الواقع (خصائص البيئة المادية أو الاجتماعية) طارحين بذلك فراضية أن النماذج المختلفة للعامل المستقل ستؤثر على القياس المأخوذ بعين الاعتبار في الدراسة(136).
بينما يعنى بالعامل التابع التغير في إحدى شروط الملاحظة، أي أن العوامل التابعة هي ما يقاس، وتظل بصورة رسمية متطابقة حيث قياس نفس الشيء مهما كانت الشروط التجريبية، لكن مع ارتقاب تغيرات كمية لهذا القياس حسب التغيرات في العامل المستقل، وبالتالي تحدد العوامل التابعة في تحديد موضوع القياس نفسه؛ وعلى العموم من السهل التعرف على العوامل التابعة لأنها متبوعة بوحدات القياس أو يسبقها مؤشر كمي(137).
ويتم الحديث أيضا في إطار المنهج التجريبي عن العوامل المشوشة وهي كامنة في النطاق المنفلت عن رقابة الباحث المسؤول عن التجريب، ومِؤثرة على الأرجح في العوامل التابعة؛ غير انه من المتعين السعي قدر الإمكان لإبطال مفعولها أو أخذها بعين الاعتبار في التحقق من فراضية نتيجة الملاحظة، ويعمل على ذلك من خلال توظيف الباحث لمجموعة من الوسائط بهدف تنميط في الحدود القصوى لشروط ظهور وحدوث الظاهرة التي يرغب في دراستها، وبعبارة أخرى إثارته في إطار الشروط المحددة مقدما لسلسلة من تفاعلات العوامل التابعة المراد قياسها(138).
ومن هذا المنطلق فالتجريب هو التموقع في وضعية تسمح باختبار الفراضية السببية؛ أي بعبارة أخرى، اختبار تأثير عوامل مستقلة على عوامل تابعة، والأجرأة العملية للمنهج التجريبي تتأتى بإنجاز مهام ست: تحديد إلإشكالية أو الظاهرة موضوع البحث ووضع الفرضيات؛ ترجمة الفراضيات إلى متغيرات مستقلة، تابعة أو مشوشة؛ تحديد الوضعية التجريبية من حيث الوسائل التقنية والمادية المستعملة في البحث والتعليمات المحتملة والاحتياطات اللازمة؛ جمع المعطيات المرصودة؛ معالجة نتائج البحث من حيث التصنيف والتقديم والتحليل…؛ قراءة وتأويل نتائج البحث بالتحقق من الفراضيات، طرح حدود البحث ونقده، تعميم النتائج، إثارة فراضيات جديدة والتقدم بمقترحات بهدف مواصــــــــــــلة
البحث( 139).

ج) ـ القوانين العلمية
تتعدد تعاريف القوانين العلمية لكنها متقاربة الطرح، فهي تدرك بكونها علاقات ملحوظة تصف النظام المتكرر للظواهر الطبيعية أو الأحداث الطبيعية المحسوسة، وتفسر بتعميمات استقرائية حول الظواهر الطبيعية، وتقدم على أنها تفسيرات معممة لخاصيات الوقائع التجريبية، لتضطلع بشرح حقيقة الصيغ العلائقية بين الظواهر(140)؛ ويعرف القانون العلمي عموما على أنه كل صياغة للعلاقة الكونية والضرورية بين ظاهرتين، وتفسر الضرورة بهذا الصدد بكون أنه كلما استوفيت شروط حدوث الظاهرة فهذه الأخيرة حتميا محدثة؛ وبالتالي، فإن القانون بهذا الخصوص لا يسمح فقط بالتنبؤ بل أيضا بالتحكم في ظهور الظاهرة وحتى في الحيلولة دون استيفاء شروط معينة ضرورية لوجودها، مما يعادله في هذا السياق بالمعرفة والتنبؤ والسلطة كذلك، مع جدارة الإشارة إلى أنه يتيح اعتماد الاستدلال الافتراضي الاستنباطي لملامسة نتيجة الظاهرة(141).
وتظل القضية الكلاسيكية للقوانين مطروحة للتفكير، هل مهمتها الوظيفية محصورة في الجوانب الوصفية للظواهر والأحداث أم في العناصر التفسيرية لهذه الأخيرة أم تقتصر على الفهم فقط؟ فنعتها بالتفسير يعود إلى اكتساء القوانين للحقيقة الواقعة مما يستلزم نظاما ضروريا للطبيعة، وجعلها وصفا يختزل القوانين في صياغات لما يظهر في التجربة دون الحسم في نظام محتمل للأشياء، وبالتالي نستقر إما على إطلاقية الكائن حسب رؤية العقلانية، وإما على النسبية الوضعية (positivisme) من زاوية التجريب(142).
في الحالة الأولى القانون يعكس حقيقة دينامية حيث يقف على ماهية العوامل المؤثرة التي يضطلع بالوقوف عليها حتما، وفي الحالة الثانية القانون يعبر عن العلاقات بين الظواهر والتي تحدث بدلالة بعضها البعض؛ ويبقى السؤال مطروحا إن كانت أسباب الظواهر والأحداث منتظمة ودائمة، أم هو مجرد اعتقاد، أم أن الظواهر ناجمة عن تراكم عوامل عرضية وفجائية، أم أننا أمام وهم انتظام ودوام هذه الأسباب؛ ويتساءل كثيرا أيضا إن كان مسعى العلم، بتحديده لأسباب الظواهر والأحداث، هو الإجابة على سؤال لماذا، أم إن هو محاولة لحل معادلات قارة مما يجيب على السؤال كيف. وحري بالإشارة أن البديل الأخير( كيف؟) يربك العقل والروح معا، ومع ذلك يمكن اعتبار البحث عن العلاقات بين الظواهر والأحداث (القوانين) هي سبل ضرورية للمهتمين بإرضاء العقل وترسيخ التفسير، والتعاطي مع أنماط الإنتاج المعرفي والفكري والعلمي، لأن القوانين توجه البحوث نحوى مجالات ممارسة أنماط إنتاج المعارف والأفكار والعلوم(143).
وفي اختلاف مقاربتي التيارين العقلاني والتجريبي برزت نظريات الفهم بديلا ثالثا، حيث اعتماد هذا الأخير وظيفة للقوانين لقراءة الظواهر والأحداث، فتلك النظريات تعد وصفات للحساب بهدف التكهن بالنتائج المستقبلية، وتلم بالظواهر والأحداث لكن لا تكشف أي شيء عن حقيقتها. والفهم وارد بهذا الصدد بمعنى الانخراط في إدراك افتراضي سامي، وليس في مقطع سببي، ولا يعني إصدار أحكام قيم على حقائق مواضيع البحث، لأن الحقيقة لوحدها لا يمكن أن تندرج ضمن جوهريات الفهم. وإذا سعى تيارا العقلانية والوضعية إلى اختزال الحقيقة في إرساء علاقات وقوانين من صنيعة الفكر مضحيان بذلك بالفهم أو القبول به في أشكاله الأولية فإن الإجابة على قضايا العلم لن تتأتى إلا بمساهمة الفهم الذي يقتضي تحليل نماذج من التمثلات(144).

يتبع………………………………الحلقة التاسعة

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(132) Le Petit Robert, 1996, dictionnaire de la langue française, Paris, pp2051-2052.
(133) Ouadahi Jamal, 1996, cours de psychologie générale, COPE, Rabat, p12.
(134) Idem, p13
(135) J. B. Légal, quelques rappels concernant la méthode expérimentale, Université Paris Ouest-Nanterre, p1.
(136) Idem, p4.
(137) Idem, p5.
(138) Ouadahi Jamal, 1996, cours de psychologie générale, COPE, Rabat, p13
(139) Idem, p14.
(140) عبد اللطيف الفارابي وآخرون، سلسلة علوم التربية 9 ـ 10، معجم علوم التربية والديداكتيك، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص186.
(141) Joseph Llapasset, 2008, Philosophie – Classes Prépas, édition Hachette Supérieur, p21
(142 Idem, p21.
(143) Idem, p22.
(144) Jean Largeault, décrire et expliquer, Encyclopédie Universalis, édition française, Encyclopædia Universalis
SA, vol8, p251.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الثامنة| العلوم الرياضية مفاهيم في العلوم ظهرت أولاً على توجيه بريس|.


سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة التاسعة |العلوم الرياضية تعاريف وأراء في الرياضيات

$
0
0

الحلقة التاسعة: العلوم الرياضية تعاريف وأراء في الرياضيات
إذا كان الجانب النظري للرياضيات يزعج التلاميذ والطلبة إلى درجة الخوف أحيانا، فإن جانبها التطبيقي شائع في الحياة اليومية لأفراد المجتمع دون دراية العديد منهم بذلك، فهي حاضرة يوميا في معاملاتهم المالية والاقتصادية وحتى الحرفية. والعزوف عنها لم يستثني الكبار والصغار بل يحكى أنه مس ألفريد نوبل نفسه مما كان وراء إقصاء المتميزين في البحث الرياضي من جائزته السنوية، لكن جان شارل فيلدسJ.C, Fields (عالم رياضيات كندي أوصى بتخصيص ثروته لمكافأة المبدعين في الرياضيات) بعلمه بموقف نوبل من الرياضيات قام بتخصيص جائزة نقدية مرة كل أربع سنوات لمن يساهم في تنمية وتطوير الرياضيات مصحوبة بميدالية تحمل اسم فيدلس؛ والباحثون الرياضيون يثمنون هذا التكريم ويحتفظون له بمكانة هامة في مساراتهم البحثية بالنظر لما يشكله من اعتراف عالمي بجهودهم العلمية(145).
والرياضيات شر لابد منه لأنها تخترق كل مناحي الكون والكائن البشري باستعمالاتها الكثيرة في المعيش اليومي لهذا الأخير وبالنظر لأهمية أوجهها العملية في العديد من المجالات، لكن قبل تناول علاقاتها بحقول معرفية وفكرية وعلمية لنتساءل عن كنهها.
تتعدد تعاريف الرياضيات لكنها تتقاطع في طرحها لخاصيات الكائنات المجردة والعلاقات القائمة بينها، فهي واردة بمعنى دراسة الصواب والخطأ بالمطلق لكن في ارتباط بنصوص وافتراضات(146)، ونصادفها بمدلول حقل معرفي مؤسس على الاستدلال الافتراضي-الاستنباطي وعلى البرهان بالخلف… في علاقة بمفاهيم من قبيل الأعداد والأشكال والبنيات والتحولات، كما يقصد بها البحث الرامي إلي تطوير ذلك الحقل، وتمثل أيضا المادة الدراسية التي تدرس معارف هذا الأخير(147). وتتميز الرياضيات عن المجالات الفكرية الأخرى ببعدها العلائقي بالحقيقة، فهي من طبيعة فكرية صرفة تنبني على المسلمات غير الخاضعة للتجربة أو على افتراضات مقبولة مؤقتا، ولا يعتبر النص الرياضي، بمصطلحات المبرهنة والعبارة واللمام والحدث واللازمة…، صحيحا إلا إذا كان الخطاب الصوري الذي يؤسس لحقيقته يمتثل للفعل العقلاني المجسد في البرهان أو الاستدلال.
ويطرح السؤال حول الطابع العلمي للرياضيات، غير أن الجواب بالإيجاب لا يبدو سهلا أكثر مما يتخيل، ففي الواقع من جهة طبيعتها التجريدية الكلية تغيب عنها الملاحظة والتجريب، ومن جهة أخرى من الصعب تصور ما الذي سيؤول إليه العلم دونها لاسيما وأن جزء غير يسير من القوانين العلمية يستخدم المعادلات والصيغ الرياضية لوصف وفهم وشرح الظواهر والأحداث، وبالتالي يمكن اعتبار الرياضيات أداة قوية للغاية ومتطورة أكثر من علم في حد ذاته. وعلاوة على ذلك، فبكون الرياضيات لا تفي بمعايير إثبات أو دحض الفراضية؛ وبالنظر لبداهة خاصيتها التجريدية فهي في منأى عن أية ملاحظة أو تجربة، والمبرهنات الرياضية لا تكتسي الصلاحية إلا إذا خضعت للاستدلال الدقيق، ومن ثمة لا يمكن إعادتها إلى بساط البحث. غير أن النقطة الأكثر حساسية المتصدرة للواجهة بين العلوم والرياضيات؛ هي كون فعالية الأداة (الرياضيات) رهينة كليا بتلاءم هذه الأخيرة ونمذجة الظواهر؛ ومع ذلك، فمن شأن المرونة القصوى للرياضيات صياغة أدوات رياضية جديدة إذا ما لم تعد القائمة منها مناسبة لتلك النمذجة أو إذا ما لم تنسجم مع استثمار البيانات المستقاة من الملاحظة(148).
والرياضيات بوصفها حلقة تمفصل العديد من الحقول المعرفية والفكرية والعلمية وبكونها ملازمة لجل أسلاك التربية والتكوين، كانت ولازالت هي وتدريسها فضاء تبلور نقاشات وأراء العديد من أخصائيي العلوم والفلاسفة والهيئات والإعلام…، نسوق منها أربعة أمثلة. فقد سجل جان بياجي (J, Piaget) أن الإشكالية المركزية لتدريس الرياضيات قائمة في التقويم المتبادل بين الأنساق التلقائية الخاصة بالذكاء والبرامج أو المناهج الدراسية لمادة الرياضيات، ويعود الفضل في تعديل جوهر هذا المشكل للتحولات التي خضعت لها الرياضيات في العقود الأخيرة مما أتاح مسايرة بنيات الرياضيات العصرية الأكثر تجريدا وعمومية للأنساق الإجرائية الطبيعية للذكاء والتفكير على عكس ترسانة الرياضيات الكلاسيكية(149). وأورد جون ديوي (J, Dewey) أن الرياضيات تكتسي أو تتعرى من دلالتها الأخلاقية حسب ما إذا قدمت أم لا كأداة للتنمية الاجتماعية، وما أن تنفصل عن جدواها الاجتماعية حتى تصبح، بدون مبرر، تجريدية ولو من وجهة النظر الفكرية، لتظهر كمجموعة من المعادلات التقنية والصيغ لا تحمل أي هدف ولا أية وظيفة(150). وجاء في تقرير للبرلمان الفرنسي أنه لا ينبغي أن يختزل تدريس العلوم والرياضيات في فعاليته الاصطفائية فقط(151). وورد في مجلة لوموند التربوية أن الرياضيات في التعليم الثانوي خسرت دورها المريح، فمن فرط استخدامها مند ثلاثة عقود كأداة للاصطفاء الذي يسمح بإبراز النخب، فقد هذا التعليم المناط به التكوين جزءا من مغزاه، والرياضيات بالتعليم الثانوي لم تعد تدرس من أجل القيام بالدراسات العلمية بل بهدف ضمان مقاعد بالمدارس العليا، وقد رفعت أصوات للمطالبة بإعادة تموقع هذه المادة الدراسية لكنها اصطدمت برجحان الثقل التاريخي لبلد كفرنسا المفتونة بماضيها وباصطفائية نظامها الاجتماعي(152).
وعلى ضوء ما هو مطروح فيبدو أن الرأي الأول يقف على تحديد، انطلاقا من نتائج علم النفس الوراثي، بنيات العقل البشري ورياضيات البنيات، ومن ثمة بلوغ خلاصات بيداغوجية متينة ومتماسكة، وهذا ما يضفي الهيمنة على الرياضيات بالإفراط في أهميتها والزعم بقدرتها على الوصف والتكهن بسيرورات التعلم؛ لكن هذه المبالغة تفهم في سياقها التاريخي، فوجهة النظر تلك وردت في ستينيات القرن الماضي حيث أخذت على محمل الجد إلى درجة وقوفها وراء تجريب الرياضيات العصرية، وكانت تشكل إحدى الضمانات العلمية على ذلك(153). ويطرح الرأي الثاني الجانب الاجتماعي للرياضيات حيث من البداهة تسجيل أن لها دور اجتماعي تلعبه لكن لا يمكن اختزالها في هذا الدور فقط؛ ووجهة النظر تلك تنم عن الجهل بالرسالة المركبة للرياضيات في المجتمع إذ تشكل، زيادة على مهمتها الثقافية، رافعة العلوم والتقنيات والتي يقوم على استثمارها تمتيع البشرية بالخيرات(154). والرأيان الثالث والرابع يستعرضان البعد النخبوي للرياضيات وهو وارد بهذا الصدد بمدلوله الاصطفائي الاجتماعي للمدرسة واللاتكافؤ الطبقي للساكنة المدرسية لاسيما ولوج الدراسات التي تؤهل إليها الرياضيات بشكل وازن؛ ففي فرنسا على سبيل المثال يسجل أن الشباب المنحدر من الشرائح الاجتماعية التي تنعم برغد العيش يضمنون مقاعد دراسية بشعبة الرياضيات والفيزياء بالتعليم الثانوي بفضل استفادتهم من مساعدة خارجية متمثلة في دروس خاصة أو الاعتماد على كفاءات عائلية؛ والأمر كذلك بالنسبة للأقسام التحضيرية العلمية حيث لا يحظى الطلبة المنتسبون للطبقات المشكلة لقاعدة الهرم الاجتماعي إلا بالنزر اليسير من المناصب الدراسية والتكوينية(155).
غير أنه إذا كانت الرياضيات مفتاح الانضمام لشرائح سوسيو-مهنية مثل المهندسين والأطباء والأخصائيين العلميين… الذين يلعبون أدوار أساسية في المجتمع ويستفيدون بالتأكيد من مداخل مالية محترمة، فليس من الأكيد اعتبارها جسرا لصنع قرارات مصيرية للأوطان وامتلاك سلطات مهمة؛ إذ لا تتمتع تلك الشرائح بسلطة الإعلام، المتمركزة أصلا في أيدي الصحافيين ومقدمي البرامج الإذاعية والتلفزية… والمتملكين للقدرة على التأثير على الرأي العام، مع أنهم لا يقبلون في الميادين الصحافية المقروءة والسمعية والبصرية بناء على اختبارات في الرياضيات؛ كما لا تتملك تلك الشرائح القرار والسلطة الاقتصاديين إلا في حالات استثنائية لأن الخيارات الكبرى الاقتصادية تعود للاقتصاديين ورجال المال والأعمال الذين لا يتم اصطفاءهم على قاعدة الرياضيات فقط؛ ولا تضطلع أيضا بالسلطة والخيار السياسيين، والمحتكرين بالأساس من طرف خريجي المعاهد العليا للإدارة وحملة الدبلومات الكبيرة للعلوم السياسية، والذين يتخذون القرارات المصيرية للدول، ولا يبدو أن للرياضيات دور مؤثر في انتقاءهم(156).

يتبع………………………………الحلقة 10

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(145) زلاتكا شبورير، ترجمة د. فاطمة عبد القادر المما، الرياضيات في حياتنا، سلسلة عالم المعرفة عدد 114، يونيو 1987، المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، مطابع الرسالة، الكويت، ص14.
(146) Centre National Français de Ressources Textuelles et Lexicales, lexicographie,
http://www.cnrtl.fr/definition/mathématiques.
(147) Encyclopédie libre Wikipédia, édition française, discussion,
http://fr.wikipedia.org/wiki/Mathtématiques.
(148) Hervé Jamet, Août 2003, qu’est – ce que c’est la science?
http://www.jamet.org/Science/Definition.html
(149) Jacques Ulmann, 1976, la pensée éducative contemporaine, PUF, pp67-68.
(150) Idem, p35.
(151) l’Assemblée Nationale Française, Mai 2006, rapport de la commission des affaires sociales à
propos de l’enseignement, p15.
(152) Maryline Baumard, la dictature des maths, revue le monde de l’éducation, Octobre 2006, p13.
(153) Daniel Duverney, Novembre 2006, opinions sur les mathématiques et leur enseignement, la
Société Mathématique Française – Gazette Novembre 2006, p7.
(154) Idem, p7.
(155) Idem, p11.
(156) Idem, pp12-13.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة التاسعة |العلوم الرياضية تعاريف وأراء في الرياضيات ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودوعي إعادة التوجيه |الحلقة العاشرة|العلوم الرياضية علاقة الرياضيات بالعلوم

$
0
0

الحلقة العاشرة: العلوم الرياضية علاقة الرياضيات بالعلوم
تستمد كل العلوم مواضيعها من الطبيعة أو المجتمع، وتبني أدوات أبحاثها وتعد منهجياتها وتضع مفاهيمها من حقولها الدراسية والتي تعتمدها مرجعيات لاختبار صلاحية قوانينها ونتائجها. ويظل الجامد والحي والعلاقات الإنسانية والاجتماعية… يشكلون الإطارات العامة للعلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية…؛ وكل واحدة من هذه التخصصات تنمي وتطور وتصقل أساليب اشتغالها في المجال الخاص بها انطلاقا من الملاحظة والتجربة معا، أو من الملاحظة فقط. أما الرياضيات التي تعبر الحقب لتتجدد دون توقف متبنية النهج الافتراضي-الاستنباطي لوحده في اختبار صلاحيات نظريتها، فهي، لأكثر من أي وقت مضى، تتغذى على غيرها من العلوم، وتغذيها أيضا مع حفاظها على خصوصية كونها غير موجهة لميدان من الطبيعة أو المجتمع بعينه؛ وباعتبارها كذلك، فما هي أوجه تفاعلاتها مع العلوم التجريبية والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية؟ وبالنظر لتعدد وتشعب مكونات هذه العلوم وصعوبة الإحاطة بعلاقة الرياضيات بكل مكون سنكتفي بتناول علاقتها بمثال عن كل حقل من الحقول الثلاثة لاسيما الفيزياء والاقتصاد وعلم النفس.

1 ـ الفيزياء
يسجل للفيزياء السبق والريادة في العلوم التجريبية، ومجال دراساتها الأساسي محدد في وصف وفهم حركة الأجسام المكونة للكون مهتمة بذلك بالظواهر القاعدية والتي من الصعب نعتها بالسهلة لاسيما الفوضوية منها مثل العواصف والأعاصير…؛ والرياضيات حاضرة كليا في ثنايا الفيزياء، ويتجلى ذلك في اعتماد الأعداد في القياسات الفيزيائية وفي التأشير على نتائج القياس، وفي اللجوء للمعادلات الرياضية في صياغة القوانين الفيزيائية. غير أن تفاعل الفيزياء مع الرياضيات أكثر عمقا مما يبدو حيث دراية الطرف الثاني من العلاقة بكيفية ترجمة حدس الفيزيائيين باعتباره الانعكاس الأمثل لتصور الإنسان للعالم؛ أي أن الرياضيات تعكس بصفة صورية ما تمليه فراسة الكائن الآدمي.
وهكذا فإنه يحدث أن تبني الرياضيات نظريات مجردة قد نجهل ميادين استعمالاتها، لكن ما يلبث أن توجد لها تطبيقات مدوية في حقول الفيزياء؛ بالمقابل يحدث أن يخلق الفيزيائيون مفاهيم رياضية تنقصها الدقة وتماسك البناء لكنها تتلاءم مع حدسهم؛ وبكون الرياضيات ملازمة على الدوام للفراسة الإنسانية، فإن الرياضيين ينخرطون في البرهان على ما أنجزه الفيزيائيون.
وباستقراء تاريخ العلوم الفيزيائية نصادف أمثلة كثيرة؛ فقد شهد القرن السابع عشر الانفجار المتزامن للرياضيات والفيزياء تحت قيادة إسحاق نيوتن بقدوم الحساب التفاضلي مرفوقا بالميكانيكا العامة، ويرجع الفضل لهذا الحساب لصياغة العديد من القوانين الميكانيكية، ليستقل كمكون داعم للتحليل الرياضي فاتحا للرياضيين مجالات أبحاث على نطاق فريد؛ وعرفت القرون الموالية أمثلة أخرى من هذا الإثراء المتبادل بين العلوم الفيزيائية والرياضيات من قبيل: نظريات المعادلات بالمشتقات الجزئية المقرونة بدراسة الظواهر الكهرومغناطيسية والحرارة وانتشار الدبدبات، والقيمة المضافة لهندسة ريمان (G. F. B, Riemann) (*) في نشوء النسبية العامة لإينشتاين، ومساهمة النظرية الطيفية في ولادة ميكانيكا الكوانتوم…(157)
وعليه فرغم أن الفيزياء والرياضيات لا يتقاسمان نفس المصطلحات فإنه من المستحيل وجود المكون الأول دون الثاني إلى درجة أن بعض النظريات الفيزيائية تكتسي طابعا تجريديا ورياضيا مثل الفيزياء الكوانتية حيث لا يمكن أن تمثل بتعابير مادية محسوسة، بل فقط عبر الشكلانية الرياضية المجردة.

2 ـ الاقتصاد
يقصد بالاقتصاد لغويا تدبير ندرة الموارد لتلبية الحاجيات الإنسانية، ويعرف علميا على أنه البحث في الظواهر التي تتعلق بكل نشاط بشري يشمل إنتاج وتوزيع وتبادل واستهلاك السلع والخدمات(158)؛ بمعنى دراسة أنماط خلق ومراكمة الثروات وطرق تبادلها وفعالية استثمارها. وباعتبار الثروة عصب الاقتصاد فإن الحقل الفكري لهذا الأخير لم يحظ بإجماع القراءات، بل كان ولازال مفعما بمقاربات نظرية وتيارات معرفية تتولد عنها براعم متفاوتة النشاط والصمود. كانت البدايات الأولى مع المدرسة الكلاسيكية حيث طرحت مبادئ أساسية عمادها حرية الفرد في الملكية الخاصة، وفي التعاقد مع الأجراء والشركاء، وفي المنافسة؛ قانون السوق هو الناظم للاقتصاد واشتغاله ضامن للتوازنات الكبرى؛ على الدولة ألا تتدخل في الحياة الاقتصادية والاكتفاء بالاضطلاع بوظيفة الدركي (الأمن والدفاع الوطني والعدل)(159). تلاها التيار الليبرالي الذّي عمق وجدد في القراءة الكلاسيكية للاقتصاد وبحث في كيفية تسعيرة السلع وعوامل الإنتاج، وفي كيفية توزيع الثروة المنتجة على عوامل الإنتاج المختصرة في الأجراء وأرباب العمل والدولة(160). ووجهت المدرسة الماركسية نقدا لاذعا للمقاربة الليبرالية واقفة على ما يلحقه اقتصاد السوق بالجماهير لاسيما الطبقة العاملة من ظلم وما يكرسه من اللامساواة إزاءها، إذ أفراد المجتمع ليسوا أحرارا ولا متساوين في فائض القيمة المتأتية عبر استغلال الطبقة البورجوازية المحتكرة للرأسمال للطبقة البروليتارية المجردة من كل وسائل الإنتاج إلا قوة العمل، وتوقعت هذه النظرية دخول النظام الاقتصادي الرأسمالي في تناقضات تنتهي بالأزمة ومن ثمة أسست لبديل يتمثل في
الاقتصاد الاشتراكي(161). وجاء التيار الكنزي امتدادا لليبرالية الاقتصادية طارحا أن اقتصاد السوق قلما يتوازن مما يحتم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية لاستعادة التوازنات الكبرى، وبحثت هذه النظرية في مفاهيم التشغيل والفائدة عن القروض والسياسة النقدية والمالية وبررت اللجوء للعجز العام الموازناتي لتحفيز سوق الشغل(162).
وعلى ضوء ما هو مرصود، فإن من طبيعة الاقتصاد الامتثال للقراءة الإيديولوجية، وبالتالي من المستحيل أن تنسحب عليه خاصية العلوم التجريبية أو الدقيقة لأن خلاصات مختلف مقارباته النظرية، والتي تطورت شروط تطبيقاتها بتطور السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل عصر، لم تكن يوما موضوع تجريب أو استدلال رياضي بل تلجأ إلى النماذج الرياضية لمحاكاة الواقع الاقتصادي. وهكذا فبالرغم من اختلاف وتعدد التيارات الاقتصادية فقد استعانت كلها بالشكلانية الرياضية لفهم ظواهر الاقتصاد، وتتفاوت الحاجة للرياضيات بتفاوت صعوبة ودقة المناهج التحليلية الاقتصادية المعتمدة بدء بالحساب الأولي البسيط وانتهاء بالأعمال النظرية المركبة. والاقتصاد لا تتاح له قوانين علمية صرفة، ولكن فقط عدد قليل من المبادئ المنهجية الساعية لعقلنة السلوك والتفاعل الاقتصادي بين الأفراد والجماعات، وهو لا يتحكم في كل المتغيرات ذات الصلة بالموضوع ولا يرصدها كاملة لكن القياس الاقتصادي المجسد في الإحصاء المطبق على الاقتصاد رام تطوير نهج دقيق يليق بكل سياق(163). وبالحقول الرياضية مجالات أخرى لنمذجة الاقتصاد، فالتحدب مفهوم رئيسي في القراءة الاقتصادية، على سبيل المثال تأويل المردودية المتناقصة في الإنتاج أو النفور من نشاط اقتصادي في حالة دراسة مخاطر اختيار الوكلاء؛ ونظرية الدوال الضمنية تسمح بدراسة كيفية تأثر التوازنات بتغييرات الوسيطات أو العوامل الخارجية حيث على وجه التحديد، توظيف الاقتصاديين للتفاضل الرياضي للمقارنة بين الثابت والمتحول في الاقتصاد؛ وتصلح نظرية الوجود من زاوية المنطق الرياضي للبرهان على اختبار قيام التوازنات الاقتصادية، أي دراسات وضعيات حيث تكون تدخلات الفاعلين متناسقة، مع ما تلعبه مبرهنات النقطة الثابتة من أدوار في المقاربات الاقتصادية العامة واستعمال هذه الأخيرة بصفة مألوفة لمفاهيم الاتصال والنهايات؛ ويمكن استخدام الجبر الخطي بشكل خاص لوصف التفاعلات بين قطاعات الإنتاج إذ تعد نظرية المصفوفات ذات العناصر الموجبة مرجعية مفيدة بالنظر لما للقيمة الخاصة المهيمنة من تفسير اقتصادي مباشر لاسيما ما يتعلق بمعدل النمو أو نسبة الفائدة القصوى؛ ونظرية القياس، فبالإضافة إلى مساهمتها الرئيسية في بناء نظريتي الإحصاء الاستقرائي والاحتمالات اللتين حظيتا بمكانة خاصة في تدريس الاقتصاد وأسستا لمنهج القياس الاقتصادي، فهي أيضا تعتمد لوصف غياب التجانس بين الفاعلين وعلى الخصوص وصف للجوانب غير المؤثرة للفاعلين الفرديين القائمين في السوق(164).

ب) ـ 2 ـ علم النفس
يرصد على نحو متزايد اللجوء لخدمات أخصائيي علم النفس في العديد من مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية حيث الاستعانة بهم في الشركات والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والحوادث وحالات الأزمات والكوارث الطبيعية، وما إلى ذلك، بالنظر لما لهم من أدوار، كما هو الحال في اختبار وتحليل الأوضاع، وتحديد المشاكل بهدف المساعدة على تجاوز العقبات الكأداء؛ ولم يتأتى لهم ذلك إلا باحتلال علم النفس لمكانة وازنة ضمن العلوم الإنسانية. ولا يستمد علم النفس وزنه من كونه علم السلوك البشري في عموميته حيث إخضاع هذا الأخير للملاحظة الموضوعية، بل بالنظر لما يحدثه الكائن الإنساني بسلوكه من تأثير ووقع في الآخرين خلال عملية الاتصال وكذا لما تحمله عضويته في محيطه من تفاعلات، ولما لهذا السلوك من انعكاس على الفرد ذاته من زاوية التأثيرات الفيزيولوجية والتأثيرات الشعورية واللاشعورية(165)؛ وبالتالي اخترق علم النفس العديد من الحقول المعرفية والفكرية وبحث في الظواهر الإنسانية ساعيا لملامسة قوانين مفسرة لها.
إن اقتصرت البدايات الأولى لعلم النفس على سبر خبايا الروح، فإنه، بفضل تطور الفكر الفلسفي والانجازات الكبرى للفيزيولوجيا، انفرد بخطاب ومعرفة مستقلين ليزداد تخصصا ويطال ميادين عدة؛ لكن من الصعب وضع تصنيف معقول لمجالات علم النفس المختلفة؛ وهذا يرجع، في جزء منه، إلى الطيف الشاسع لهذه المجالات، ويرجع في جزئه الآخر إلى فروع علم النفس والتي يمكن أن تصنف بدلالة طرق البحث أو موضوع الدراسة أو حقل التطبيق. وهكذا فعلم النفس التجريبي يعتمد كشعبة نظرية لعلم النفس لاسيما وأنه يركز على البحث المتأصل هادفا اكتشاف القوانين العامة لبعض تمظهرات السلوك الآدمي أو الحيواني، ويتميز باستخدام المنهج التجريبي، وكل ما أمكن الرجوع إلى المراقبة التجريبية. ويتفرع عنه كل من علم النفس الفيزيولوجي الذي يسعى للوقوف على العلاقة بين العمليات البيولوجية والسلوك على سبيل المثال وقع الهرمونات(الأدرنالين) على بعض التصرفات والمواقف(الخوف، الفرار، الصراخ…)، وعلم النفس الصيدلاني الذي يهتم بمفعولات الأدوية على السلوكات، وعلم النفس الفيزيائي الذي يبحث تجريبيا في تأثيرات التغيرات الفيزيائية للبيئة على الإدراك وردود أفعال الأفراد(166). ولا يهتم علم النفس الفارقي بالقوانين العامة بل بالفوارق الفردية والجماعية مقارنة ببعض الأداءات والإنجازات المتوسطة مركزا على دراسة المؤهلات باستعمال الروائز السيكو- تقنية التي توظف في علمي النفس المدرسي والصناعي لانتقاء وتوجيه التلاميذ والمستخدمين. ويختص علم النفس النمائي بالبحث في نمو الكائن البشري مدى الحياة على المستويات الحس حركية والمعرفية والعاطفية حيث رصد وتفسير المكتسبات والتعلمات الرئيسية من قبيل اللغة والاستدلال الصوري والذاكرة والقراءة والمهارات الحركية إضافة إلى تطورات العلاقات العاطفية مع المحيط، ويعتمد الملاحظة آلية للبحث والدراسة وتطبق نظرياته أساسا في البيداغوجيا والاندراغوجيا(167). ويدرس علم النفس المعرفي، الناشئ مند أواسط خمسينات القرن الماضي، كيفية إدراك الأفراد للمعلومات، واستيعابها، وتذكرها، والتفكير فيها، حيث السعي لإعادة تنشئة ووصف مختلف السيرورات الداخلية ذات الطبيعة النفسية والتي يفترض أنها تؤصل للسير؛ ويبقى التمثل كواقع نفسي، أي مجموعة من مكتسبات الفرد المترجمة على مستوى بنياته الذهنية، مفهوما ممهدا للنظام الذهني المناظر لمستوى من الحقيقة غير القابلة للملاحظة المباشرة ولا للتأمل الاستبطاني(168). وباعتبار علم النفس المعرفي يتعاطى مع قضايا التصور، التركيز، التعلم، التصنيف، اللغة، الاستدلال، الذاكرة، اتخاذ القرار وتسوية المشاكل… فإن له امتدادات وظيفية خاصة القياسات السلوكية مثل القياس البصري والزمني للرد ودقة الجواب، وقياسات القدرات الفكرية للأشخاص الأسوياء، واستثمار المعطيات، وعلاج بعض الأمراض النفسية العصابية من قبيل الخوف المرضي، واضطرابات القلق، والإدمان والاكتئاب؛ كما يستخدم ذلك العلم على نحو متزايد من قبل المعالجين لمساعدة الناس على التغلب على الإقلاع عن التدخين أو النهم المرضي، و يطبق أيضا في بناء اختبارات القدرة الفكرية، واختبارات الشخصية واختبارات التركيز والذاكرة، وهذه الاختبارات النفسية والشخصية قابلة للتطبيق في عملية صنع القرار، لاسيما في مجال التجارة(169).
وعليه، فمجالات علم النفس وفروعه النظرية والعملية خصبة وثرية بالمقاربات والنتائج الميدانية، فما هي أوجه مساهمات الرياضيات في ذلك؟ وما هي القيمة المضافة التي أضفتها على أدواته ومنهجياته؟
إن استعصى على الرياضيات اختراق علم النفس في بداياته بالنظر لطبيعة موضوعاته من قبيل الروح والوعي والضمير… بنزعتها الفلسفية أكثر منه العلمية، فلم يتوانى الرياضيون عن الخلق والإبداع إلى أن اكتشفوا لبعض من مكوناتها النظرية المجردة فضاءات إجرائية بهذا العلم غازية بذلك جل مجالاته وفروعه الحديثة؛ وعرف توظيف الرياضيات في علم النفس في الآونة الأخيرة تقدما لافتا إلى درجة خلق عبارة ” علم النفس الرياضي” للإشارة إلى ميدان البحث الذي يحقق فيه اندماج الرياضيات وعلم النفس طفرة كبيرة، أي حيث اكتساء فراضية الباحث الصورية بالتمام وحيث يشكل التمثل الرياضي عنصرا جوهريا للخطاطة التفسيرية. فعلم النفس الرياضي يمثل مقاربة سيكولوجية مؤسسة على النموذج الرياضي المفسر للعمليات الحركية والمعرفية والبصرية… وينشط أخصائيو هذا العلم على الخصوص في ميادين علم النفس التجريبي وعلم النفس الفارقي وعلم النفس المعرفي… وهكذا حظي علم النفس التجريبي بحصة الأسد من تطبيقات الرياضيات حيث هذا العلم وارد هنا بمعنى الأبحاث القاعدية للسيرورات النفسية الأساسية لاسيما ميادين التعلم والإحساس والإدراك والتحفيز. فالتمثيلات السلمية والمتجهية المترجمة إلى عبارات السرعة والكتلة… في الفيزياء يمكن نقلها تماثليا إلى علم النفس التجريبي لترييض بعض السلوكات الإنسانية عبر التحليل الرياضي للمؤثرات والاستجابات سعيا لبناء سلالم فعالة للحاجة والنفعية والإحساس ومفاهيم سيكولوجية مشابهة ليظل الترميز العددي لهذه الأخيرة، والممتح من المقاربة الرياضية الاحتمالية، من رافعات تنمية علم النفس الرياضي؛ ويستمد استبعاد النماذج الحتمية واللجوء إلى النظريات الاحتمالية للسلوك، والتي تعتبر الكائن البشري جسما احتماليا، مشروعيته من كون السير الإنسانية بنيات مركبة متسمة في جزء كبير منها بظواهر وأحداث تقف ورائها العوامل التلقائية والاعتباطية والعشوائية والمتفاوتة الانتظام في الظهور(170). ويشكل علم النفس الفارقي المجال التطبيقي للقياس النفسي بامتياز حيث اعتماد نظريات الروائز المؤسسة على النماذج الإحصائية المتعددة المتغيرات سعيا لدراسات المؤشرات القارة والمتعالقة لدى أفراد الساكنة المبحوثة. وتسلم تقنيات القياس النفسي على العموم بتمثيل العناصر المبحوثة بواسطة نقط في الفضاء المتجهي الأقليدي غير أن الخلفية الرياضية المستخدمة هي الجبر المصفوفي حيث تسمح لغة المصفوفات في الواقع بالعرض المناسب للتحاليل العاملية ولمساطر أخرى للقياس المتعدد الأبعاد(171). وباعتبار علم النفس المعرفي يبحث في كيفية التمثلات واستثمار المعطيات داخل الدماغ ويسعى لاكتشاف وفهم كيفية تنظيم ومعالجة وتخزين المعلومات في الدماغ، فهو في حاجات لتوظيف الرياضيات لنمذجة الوظائف الذهنية. وهكذا فخطاطة كشف مجريات القاعدة المتحركة المطبقة مثلا على اتخاذ القرار باعتباره عملية ذهنية تستثمر فيها استراتيجيات، أي معطيات معرفية مخزنة في ذاكرة الفرد الطويلة الأمد، تنمذج بشكلانية رياضية من خلال استخدام البنيات الجبرية للدوال الحدودية(172). وفي الأبحاث السيكو- لسانية مثال آخر لاسيما ما يتعلق بالتداخل بين المتكلم والمستمع واللغة المستخدمة حيث استعمال بعض الأشكال المجردة للجبر لوصف مظاهر البنية النحوية القاعدية للغة، وبتعبير أدق، باعتبار النحو تسلسلات جبرية، يلجأ لاستعمال بعض النتائج النظرية لمجالات الدوال العودية للوقوف على تلك المظاهر(173).

يتبع………………………………الحلقة 11

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(*) جورج فريدريش بيرنهارد ريمان(1826-1866) عالم رياضيات ألماني يشهد له بخلق نظريات الدوال الرياضية، ومهدت نظريته الهندسية
الطريق لألبرت إنشتاين ليضع نسبيته المشهورة.

(157) Alain Connes et autres, 9 novembre 2004, rapport sur les mathématiques dans le monde
scientifique contemporain présenté à l’Académie Française des Sciences, p3.
(158) Le Petit Robert, dictionnaire de la langue française, Paris, p712.
(159) Arnaud Diemer, les principaux courants de la pensée économique, cours d’économie, Université
Blaise Pascal Clermont Ferrand II – IUFM Auvergne, pp12-13.
(160) Idem, pp16-17.
(161) Christelle Zeng, 2009, analyse économique et historique des sociétés contemporaines,
Economie – Classes Prépas, édition Hachette Supérieur, pp33 – 35.
(162) Idem, pp21 – 23.
(163) Antoine d’Autume, les mathématiques en économie, la Société Mathématique Française –
Gazette – 92, Avril 2002, pp59-60.
(164) Idem, pp60-61.
(165) Larousse, dictionnaire de la langue française, Paris, p234.
(166) Ouadahi Jamal, 1996, cours de psychologie générale, COPE, Rabat, p11
(167) Idem, p11.
(168) M, Denis et D, Dubois, 1976, la représentation cognitive: quelques modèles récents, revues
critiques, vol76, n°2, p542.
(169) Le portail internet web libre, les domaines d’applications de la psychologie cognitive,
http://www.web-libre.org / brèves/ Psychologie-cognitive, 19282.html.
(170) R. D. Luce, les mathématiques utilisés en psychologie mathématiques, traduit de l’anglais par P.
Bovet, revue mathématiques et sciences humaines, tome13, 1965, p26 et p29.
(171) Idem, p34.
(172) Jean-Daniel Kant, apports des mathématiques et de l’informatique en sciences humaines et
sociales, revue mathématiques et sciences humaines, 50ème année, n°197, 2012, pp59-60.
(173) R. D. Luce, les mathématiques utilisés en psychologie mathématiques, traduit de l’anglais par P.
Bovet, revue mathématiques et sciences humaines, tome13, 1965, pp34-35

التدوينة سياقات ودوعي إعادة التوجيه |الحلقة العاشرة| العلوم الرياضية علاقة الرياضيات بالعلوم ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الثانية عشر|العلوم الرياضية الإطار الإجرائي الحمولة، الواقع والمآل

$
0
0

الحلقة الثانية عشر: العلوم الرياضية الإطار الإجرائي الحمولة، الواقع والمآل

         ظل تخصص العلوم الرياضية حاضرا في بنيات السلك الثانوي التأهيلي للنظام التعليمي المغربي، إذ يتمثل حاليا بمستوى السنة الأولى بكالوريا بشعبة وبمستوى السنة الختامية بكالوريا بمسلكين، وعهد لهذا التخصص الدراسي بوظيفة تمكين المتعلم من القدرة على الفكر العلمي الكفيل بالتعاطي مع الوضعيات الطارئة والمتوقعة واتخاذ القرارات المناسبة بتبني الاستدلال والبرهان مع الوصف الدقيق للواقع والاستقراء التجريدي لبياناته؛ اعتماد المنهج العلمي في دراسة وبحث الظواهر عبر الاستدلال الافتراضي-الاستنباطي بهدف استخلاص العلاقات العلمية والمبادئ والقوانين العلمية مع امتلاك التقييم النقدي الموضوعي؛ الاستعمال التطبيقي للمعارف والمهارات النظرية والتجريبية في حقول مختلفة وتحويلها من مجال التخصص إلى ميادين أخرى من أجل استثمارها لحل مشاكل جديدة؛ متابعة الدراسة في حقول العلم والتكنولوجيا لاسيما الصناعية والتواصلية-الإعلامية مع مسايرة التقدم التكنولوجي واستخدام الخيال العلمي لمواجهة قضايا التقدم والتنمية؛ ولوج الحياة العملية بما يوفق بين الكفايات والميولات ويستجيب لمتطلبات النماء(184)

    وتصرف مضامين المنهاج الدراسي لمستوى السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية في غلاف زمني أسبوعي محدد في 33 ساعة مع احتكار المواد المميزة لأكبر الحصص ب20 ساعة: 07 للرياضيات، 05 للفيزياء والكيمياء، 02 لعلوم الحياة والأرض، 02 للترجمة و04 للغة الأجنبية الأولى وآدابها؛ وخصصت 31 ساعة أسبوعيا لتلقين محتويات المقررات الدراسية للمسلك- ا- من السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية مع انفراد المواد الأساسية ب21 ساعة حيث الرفع من الحصة الأسبوعية لمادة الفيزياء والكيمياء بساعة والحفاظ على باقي الحصص الأسبوعية للمواد المذكورة للتو دون تعديل، ويستقر الغلاف الزمني الأسبوعي المخصص لتنفيذ البرنامج الدراسي للمسلك –ب- من السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية على 32 ساعة مع استحواذ المواد المميزة على 22 ساعة حيث الإبقاء على حصص مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والترجمة واللغة الأجنبية

الأولى وآدابها كما هي عليه في المسلك – ا- الآنف الإشارة مع إعفاء تلميذات وتلاميذ هذا التخصص من مادة علوم الحياة والأرض ودراستهم لمادة علوم المهندس والتي تصرف في حصة أسبوعية من 03 ساعات( 185).

         أما مكونات التقويم المعتمد في امتحانات نيل شهادة البكالوريا علوم رياضية بالنسبة للمترشحات والمترشحين الرسميين، فالمعدل العام يحتسب على قاعدة اقتسام نصفه بين معدل الامتحان الجهوي، الذي يجتازه الممتحنات والممتحنون في مواد التربية الإسلامية واللغتين العربية والفرنسية والتاريخ والجغرافيا، والمعدل السنوي للمراقبة المستمرة التي يجتاز اختباراتها متمدرسات ومتمدرسو سلكي الثانية بكالوريا علوم رياضية في كافة المواد الدراسية مع احتساب نقطة المواظبة والسلوك، وينفرد بالنصف الأخر معدل الامتحان الوطني الذي يشمل مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلسفة واللغة الأجنبية الثانية وآدابها وعلوم الحياة والأرض بالنسبة للمسلك – ا- وعلوم المهندس بالنسبة للمسلك – ب-؛ وترجح مواد امتحانات نيل شهادة البكالوريا علوم رياضية بمعاملات حيث استحواذ المواد الأساسية في كافة المكونات بما مجموعه 40/23 بتخصيص 09 للرياضيات و07 للفيزياء والكيمياء و04 للغة الأجنبية الأولى وآدابها و03 لكل من علوم الحياة والأرض وعلوم المهندس(186).   

         وعلى ضوء ما هو وارد أعلاه يطرح التساؤل إن كانت المعارف والمهارات والكفايات المتوخاة من تخصص العلوم الرياضية وكذا الأغلفة الزمنية لتصريف مقررات وبرامج ومناهج هذا المسار الدراسي في التعليم الثانوي التأهيلي، ونظام امتحانات نيل شهادة البكالوريا علوم رياضية بما فيها مكونات المعدل العام ومعاملات المواد، تساهم في التأثير على الجذب لذلك المسار الدراسي من دونه. إننا لا نملك أجوبة جاهزة على ذلك ولسنا بصدد إنجاز بحث شامل عن العوامل المؤثرة في الإقبال من دونه على ذلك التخصص ولو أن دراستنا تندرج في إطار ملامسة على نطاق ضيق لبعض شذرات العزوف النسبي عن المسلكين -أ- و- ب- لهذا الشعبة الدراسية، وإنما سنحاول تسليط الضوء على الواقع الكمي للعلوم الرياضية بالتعليم الثانوي التأهيلي المغربي لعله ينم عن بعض مؤشرات الجواب، وسنعتمد لهذه الغاية الإحصائيات الرسمية المغربية حول أعداد متعلمات ومتعلمي هذا الدعامة من هيكلة التعليم الثانوي التأهيلي خلال الموسمين الدراسيين 2012 / 2013 و2013 / 2014.

الجدول رقم 1:

توزيع أعداد تلاميذ السنة الأولى بكالوريا حسب الشعب الدراسية وقطاع التعليم

الأقسام الجـــــــــــــــــــدد المكـررون المجمـــــوع
المجموع الإناث المجموع الإناث المجموع الإناث
التعليم العمومي الآداب والعلوم الإنسانية 2958 103376 52164 12784 3633 116160 55797
اللغة العربية 27 480 166 75 34 555 200
العلوم الشرعية 55 1623 661 125 39 1748 700
العلوم التجريبية 3603 122631 58826 18151 5172 140782 63998
العلوم الرياضية 403 11157 5770 91 23 11248 5793
علوم الاقتصاد والتدبير 374 12350 7545 805 286 13155 7831
العلوم  والتكنولوجيات الميكانيكية 56 2488 762 124 11 2612 773
العلوم  والتكنولوجيات الكهربائية 96 1182 242 89 08 1271 250
الفنون التطبيقية 20 403 203 36 08 439 211
المجمــــــــوع

 

 

 

7592 255690 126339 32280 9214 287970 135553
التعليم الخصوصي الآداب والعلوم الإنسانية 104 2437 818 39 06 2476 824
العلوم التجريبية 522 13172 6038 359 100 13531 6138
العلوم الرياضية 223 4035 2024 07 01 4042 2025
علوم الاقتصاد والتدبير 165 3760 1912 121 34 3881 1946
المجمــــــــوع 1014 23404 10792 526 141 23930 10933
التعليمان العمومي والخصوصي الآداب والعلوم الإنسانية 3062 105813 52982 12823 3639 118636 56621
اللغة العربية 27 480 166 75 34 555 200
العلوم الشرعية 55 1623 661 125 39 1748 700
العلوم التجريبية 4125 135803 64864 18510 5272 154313 70136
العلوم الرياضية 626 15192 7794 98 24 15290 7818
علوم الاقتصاد والتدبير 539 16110 9457 926 320 17036 9777
العلوم  والتكنولوجيات الميكانيكية 56 2488 762 124 11 2612 773
العلوم  والتكنولوجيات الكهربائية 96 1182 242 89 08 1271 250
الفنون التطبيقية 20 403 203 36 08 439 211
المجمــــــــوع 8606 279094 137131 32806 9355 311900 146486

المصدر: معطيات موجز إحصائيات التربية 2012 – 2013

         تكشف معطيات التعليم العمومي أن تخصص العلوم الرياضية يحقق المناصفة تقريبا بين جنسي ساكنته المدرسية ويبقي هذه الأخيرة في منأى عن التكرار بنسبة تكاد تكون منعدمة(0.8 %)؛ وبحساب متوسط عدد التلاميذ في الأقسام فإن هذا التخصص يمتثل بشأن الفصول الدراسية المخففة لمعيار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة(أقل من 33 تلميذ(ة)) وللمعيار الوطني(أقل من 40 تلميذ(ة)) ب28 متعلم(ة) في القسم؛ وتبرز تلك البيانات أيضا احتلاله الرتبة الثالثة من حيث عدد أقسام مستوى السنة الأولى بكالوريا؛ لكنه يتراجع إلى الرتبة الرابعة من حيث أعداد متمدرسات ومتمدرسي هذا المستوى بتمثيلية لا تتعدى 03.90 % فقط من مجموعهم.

         ويقرأ من معلومات التعليم الخصوصي أن توزيع أفراد الساكنة المدرسية للأولى بكالوريا علوم رياضية يقارب النوع بامتياز، وأن التكرار نسبته لدى أولئك مماسة للصفر وأن معدلهم بالأقسام مستقر في حدود 18 تلميذ(ة) بكل فصل دراسي؛ ويرصد أيضا من معطيات ذلك التعليم تبوء تلك الشعبة، ضمن التخصصات الأربعة لمستوى الأولى بكالوريا، للمرتبة الثانية من حيث عدد الأقسام بنسبة 21.99 % واحتلالها لنفس الرتبة من حيث أعداد تلميذات وتلاميذ هذا المستوى لكن بتمثيلية 16.89 % من مجموعهم.

         أما من خلال قراءة بيانات التعليمين العمومي والخصوصي معا، فيبدوا حفاظ التوزيع الإحصائي لعناصر الساكنة المدرسية للأولى بكالوريا علوم رياضية على ميزات المناصفة بين الجنسين، والنأي بهم عن التكرار والامتثال لمعيار الأقسام المخففة(24 متعلم(ة) في القسم)، كما يبرز احتلال تخصص العلوم الرياضية للرتبة الثالثة من حيث عدد أقسام وأعداد متمدرسات ومتمدرسي مستوى السنة الأولى بكالوريا لكن بتمثيليتين لا تتجاوزان على التوالي 7.27 % و04.90 %.          

         وعلى ضوء النسب المتدنية لتمثيلية تلميذات وتلاميذ شعبة العلوم الرياضية في مستوى السنة الأولى بكالوريا  فإن رفع القيود عن ولوج تخصص العلوم الرياضية واعتبارها شعبة مفتوحة لم يشفع لهذا التخصص في التقهقر الكبير أمام كل من نظيريه الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم التجريبية، كما يسجل تراجعه أمام حتى مسلك علوم الاقتصاد والتدبير ذات المقاعد المحدودة مما يؤشر على ضعف جاذبيته.

   الجدول رقم 2:

توزيع أعداد تلاميذ السنة الثانية بكالوريا للتعليم الخصوصي حسب الشعب الدراسية

الأقسام الجـــــــــــــــــــدد المكـررون المجمـــــوع
المجموع الإناث المجموع الإناث المجموع الإناث
التعليم الخصوصي الآداب والعلوم الإنسانية 150 3152 1037 421 136 3573 1173
العلوم التجريبية 734 16684 7481 1851 525 18535 8006
العلوم الرياضية 194 2337 1017 08 03 2345 1020
علوم الاقتصاد والتدبير 179 4184 2138 396 142 4580 2280
المجمــــــــوع 1257 26357 11673 2676 806 29033 12479

 المصدر: معطيات موجز إحصائيات التربية 2012 – 2013

الجدول رقم 2 مكرر:

توزيع أعداد تلاميذ السنة الثانية بكالوريا للتعليم العمومي حسب الشعب الدراسية

الأقسام الجـــــــــــــــــــدد المكـررون المجمـــــوع
المجموع الإناث المجموع الإناث المجموع الإناث
التعليم العمومي الآداب والعلوم الإنسانية 3553 90547 47849 35554 17846 126101 65695
اللغة العربية 30 494 219 225 84 719 303
العلوم الشرعية 58 1344 527 401 162 1745 689
العلوم التجريبية 4286 114121 56327 46235 19800 160356 76127
العلوم الرياضية 370 6739 3107 331 100 7070 3207/
علوم الاقتصاد والتدبير 493 12105 7336 3598 1780 15703 9116
العلوم  والتكنولوجيات الميكانيكية 61 1166 252 305 37 1471 289+
العلوم  والتكنولوجيات الكهربائية 91 2178 704 290 54 2468 758
الفنون التطبيقية 20 439 204 61 19 500 223
المجمــــــــوع 8962 229133 116525 87000 39882 316133 156407

المصدر: معطيات موجز إحصائيات التربية 2012 – 2013

         يستقى من معطيات التعليم العمومي أن توزيع أفراد الساكنة المدرسية لمسلكي السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية يناصف تقريبا بين الجنسين، وأن التكرار يسجل نسبة 04.68 % في صفوف عناصر تلك الساكنة؛ وأن هذا التوزيع يستجيب لمعيار الأقسام المخففة بمتوسط 19 تلميذ(ة) لكل فصل دراسي؛ ويحتل هذان المسلكان، من حيث عدد أقسام وأعداد متعلمات ومتعلمي مستوى السنة الثانية بكالوريا، الرتبة الرابعة وراء كل من مسالك علوم الاقتصاد والتدبير والعلوم التجريبية والآداب والعلوم الإنسانية، غير أن نسبة تمثيليته للمستوى المذكور للتو لا تتعدى 02.24 %.

         أما بيانات التعليم الخصوصي فتكشف عن تحقق المناصفة النسبية بين جنسي عناصر الساكنة المدرسية للثانية بكالوريا علوم رياضية، وعن الانعدام الشبه الكلي لظاهرة التكرار في صفوف هذه العناصر، وعن امتثال توزيعهم على الفصول الدراسية لمعيار الأقسام المخففة بمعدل 12 متمدرس(ة) في كل قسم؛ كما يقرأ من تلك المعلومات أن مسلكي العلوم الرياضية يتبوأن، من حيث عدد أقسام مستوى السنة الثانية بكالوريا، المرتبة الثانية متقدمين على مسالك كل من الآداب والعلوم الإنسانية وعلوم الاقتصاد والتدبير، لكنهما يتراجعان، من حيث أعداد تلميذات وتلاميذ هذا المستوى، إلى المرتبة الثالثة بتمثيلية 08.07 % من مجموعهم.

         وعليه فحجم تمثيلية مسلكي العلوم الرياضية بمستوى السنة الختامية بكالوريا سواء بالتعليم العمومي أو الخصوصي ينم عن التواضع  الكمي لهذين التخصصين بالمقارنة مع مسالك الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم التجريبية وحتى بالمقارنة مع علوم الاقتصاد والتدبير.

الجدول رقم 3:

توزيع أعداد تلاميذ مستويي السنتين الأولى والثانية بكالوريا علوم رياضية خلال الموسمين الدراسيين 2012 / 2013 و2013 / 2014(عمومي+خصوصي)

الأقسام الجـــــــــــــــــــدد المكـررون المجمـــــوع
المجموع الإناث المجموع الإناث المجموع الإناث
2012 / 2013 الأولى علوم رياضية 626 15192 7794 98 24 15290 7818
مجموع الأولى بكالوريا 8606 279094 137131 32806 9355 311900 146486
الثانية علوم رياضية 510 9067 4124 339 103 9415 4227
مجموع الثانية بكالوريا 10219 255490 128198 89676 40688 345166 168886
2013 / 2014 الأولى علوم رياضية 660 16460 8650 108 21 16568 8671
مجموع الأولى بكالوريا 8948 278739 138151 42894 11939 321633 150090
الثانية علوم رياضية 520 8727 3991 349 99 9076 4090
مجموع الثانية بكالوريا 10714 251465 126260 97592 42006 349057 168266

المصدر: معطيات موجزي إحصائيات التربية 2012 – 2013 و2013 – 2014

         تعكس معطيات الموسم الدراسي 2013 / 2014 والمتعلقة بالعلوم الرياضية المناصفة بين الذكور والإناث والضئالة الكبيرة لنسب التكرار؛ كما تكشف تلك المعلومات عن تواضع تمثيلية هذا التخصص الدراسي ضمن مستويي السنتين الأولى والثانية بكالوريا إذ لا تتعدى 05.15 % بالنسبة للأولى علوم رياضية ولا تتجاوز 02.60 % بالنسبة للثانية علوم رياضية؛ غير أنه يسجل لذلك التخصص التعليمي تطور طفيف بين الموسمين الدراسيين الحالي وسالفه حيث تقدم على مستوى عدد الأقسام ب44 قسم وعلى مستوى أعداد المتعلمات والمتعلمين ب939 متمدرس(ة).        

         وفي الأخير نقف على خلاصتين أساسيتين:

  • من خلال كل القراءات لبيانات الجداول الأربعة الواردة آنفا يسجل أنه رغم رفع القيود عن التوجيه إلى تخصص العلوم الرياضية فإن تمثيليته على السواء في مستويي الأولى والثانية بكالوريا توحي بالانكماش والجزر بالمقارنة مع المد الذي تعيش على إيقاعه مسالك العلوم التجريبية والآداب والعلوم الإنسانية وحتى العلوم الاقتصادية والتدبير بطفرتها الأخيرة؛
  • بحساب الفرق بين أعداد الساكنة المدرسية للأولى بكالوريا علوم رياضية برسم الموسم الدراسي 2012 / 2013 وأعداد نظيرتها للثانية بكالوريا علوم رياضية  برسم الموسم الدراسي 2013 / 2014 الواردة في الجدول أعلاه نحصل على الرقم 6214 أي أكثر من 40 % من أعداد الموجهات والموجهين إلى مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية، وبقراءة توليفية لهذا الرقم، آخذين بعين الاعتبار نسبة التكرار شبه المنعدمة لدى متمدرسات ومتمدرسي تخصص العلوم الرياضية، فيمكن أن نستشف الحجم اللافت لإعادة التوجيه على المستوى الوطني من مسلكي العلوم الرياضية إلى مسالك العلوم التجريبية.

يتبع………………………………الحلقة 13

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(184) وزارة التربية الوطنية، هيكلة التعليم الثانوي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1994، ص16.

(185) وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الطر والبحث العلمي، قطاع التربية الوطنية، مذكرة رقم 43 بتاريخ 22 مارس 2006 في  شأن تنظيم الدراسة بالتعليم الثانوي، ملحق رقم 7، ص15.   

(186) الجريدة الرسمية عدد 5486، 28 دجنبر 2006، قرار وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي رقم  2385.06 بشأن تنظيم امتحانات نيل شهادة البكالوريا، ص ص4154-4162.

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الثانية عشر| العلوم الرياضية الإطار الإجرائي الحمولة، الواقع والمآل ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الرابعة عشر|إعادة التوجيه نتائج البحث الميداني

$
0
0

الحلقة الرابعة عشر: إعادة التوجيه نتائج البحث الميداني

دوافع الاختيار الدراسي

أ) ـ اختيار الجذع المشترك

الجدول رقم 8: توزيع المبحوثين حسب الجنس والجذع المشترك ودوافع اختيار هذا الجذع

المجموع النتائج الدراسية في المواد المؤهلة للشعبة الميولات للعلوم الدقيقة والتجريبية الآفاق الدراسية والمهنية الواعدة دوافع أخرى
العدد % العدد % العدد % العدد % العدد %
الجذع المشترك العلمي إناث 75 44.92 60 35.93 48 28.74 58 34.73 08 04.79
مجموع 141 84.44 102 61.07 84 50.30 108 64.67 15 08.98
الجذع المشترك التكنولوجي إناث 13 07.78 11 06.58 03 01.79 08 04.79 00 00.00
مجموع 26 15.56 19 11.37 10 05.98 12 07.18 04 02.39
المجموع إناث 88 52.70 71 42.51 51 30.53 66 39.52 08 04.79
مجموع 167 100 121 72.45 94 56.28 120 71.85 19 11.37

المصدر: نتائج البحث الميداني

1

مبيان 7: توزيع المبحوثين حسب دوافع اختيار الجذع المشترك العلمي

2

مبيان 8: توزيع المبحوثين حسب دوافع اختيار الجذع المشترك التكنولوجي

            بتحليل معطيات الجدول أعلاه حسب الجنس والجذع المشترك، فالمناصفة قائمة بين الجنسين بالجذع المشترك التكنولوجي مع تمييز إيجابي لصالح الإناث بالجذع المشترك العلمي؛ ويشكل المتمدرسات والمتمدرسون الوافدون من الجذع المشترك العلمي ما يقارب أربعة أخماس ونصف عشر الساكنة المبحوثة بينما لا يمثل المبحوثات والمبحوثون القادمون من الجذع المشترك التكنولوجي إلا زهاء 15 % من العينة موضوع البحث.

         وبقراءة تلك المعطيات وفق دوافع الاختيار الدراسي، فالذين صرحوا باختيار سلك الجذع المشترك تخصص علمي بدافع تحقيقهم لنتائج جيدة في المواد المؤهلة لهذا التخصص يمثلون 61.07 % من العينة المبحوثة، منهم 60 مبحوثة؛ وما حظي المختارون لسلك الجذع المشترك تخصص تكنولوجي بنفس الحافز إلا بتمثيلية 11.37 % من الأفراد المعنيين بالبحث ضمنهم 11 مستجوبة. ووقف عامل الميولات للعلوم الدقيقة والتجريبية وراء اختيار الشعبتين العلمية والتكنولوجية لسلك الجذع المشترك لدى التلميذات والتلاميذ موضوع البحث بنسبة 56.28 %. وحظي المصرحون بوقوف متغير الآفاق الدراسية والمهنية الكثيرة والواعدة لسلك الجذع المشترك وراء توجيههم بتمثيلية 71.85 % من الساكنة المبحوثة. أما نسبة الأسباب الأخرى التي جعلت عناصر العينة المبحوثة يقدمون على اختيار التخصصين العلمي والتكنولوجي لسلك الجذع المشترك فهي تتجاوز برقم ونيف عشر الدوافع المعبر عنها.

         وحري بالإشارة تصنيف الأسباب الأخيرة إلى ما هو عادي من قبيل الشغف بالمواد العلمية المألوفة الرياضيات والعلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض والفضول في اكتشاف علوم المهندس، وإلى ما هو مثير مثل خضوع الأبناء لضغوط الآباء بشأن اختياراتهم الدراسية والأخطاء الناجمة عن عملية التوجيه التربوي مما يطرح التساؤل حول حرية الاختيار الدراسي وبنائه وعن الحق في الاستشارة والتوجيه وما يترتب عن أجرأة هذا الحق من استفادة كافة تلميذات وتلاميذ عتبات التوجيه من خدمات الإعلام والمواكبة والتأطير الكفيلة ببناء هؤلاء لمشاريعهم الشخصية الدراسية والمهنية.

ب) ـ الانتظارات من العلوم الرياضية

            الجدول رقم 9: توزيع العينة المبحوثة حسب الجنس والجذع المشترك وحوافز التوجيه للعلوم الرياضية

الحصول على بكالوريا علوم رياضية ولوج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا الميولات لمهن الهندسة الرغبة في مزيد من التفوق في الرياضيات والفيزياء دوافع أخرى
العدد % العدد % العدد % العدد % العدد %
الجذع المشترك العلمي ذكور 19 11.38 19 11.38 24 14.37 46 27.55 09 05.38
إناث 28 16.76 09 05.38 31 18.56 54 32.33 09 05.38
مجموع 47 28.14 28 16.76 55 32.93 100 59.88 18 10.76
الجذع

المشترك التكنولوجي

ذكور 04 02.39 03 01.79 07 04.19 06 03.58 02 01.20
إناث 05 02.99 03 01.79 07 04.19 10 05.98 01 00.59
مجموع 09 05.38 06 03.58 14 08.38 16 09.58 03 01.79
المجموع ذكور 23 13.77 22 13.17 31 18.56 52 31.14 11 06.59
إناث 33 19.46 12 07.18 38 22.75 64 38.32 10 05.98
مجموع 56 33.53 34 20.35 69 41.31 116 69.46 21 12.57

المصدر: نتائج البحث الميداني

3

مبيان 9: توزيع المبحوثين حسب دوافع اختيار شعبة العلوم الرياضية

            يشكل أفراد العينة المبحوثة الموجهات والموجهون إلى شعبة السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية برغبة الحصول على شهادة البكالوريا مسلكي العلوم رياضية أ أو ب قرابة ثلث المستجوبات والمستجوبين حيث يمثل القادمون من الجذع المشترك العلمي نسبة 28.14 % أكثر من نصفهم بزهاء ثلاثة أرقام إناث، ويضطلع الوافدون من الجذع المشترك التكنولوجي بنسبة 05.38 % من التشكيلة. وحظي المختارات والمختارون لمسلك السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية بدافع ولوج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا بتمثيلية ما ينيف عن خمس الساكنة المبحوثة، بينما وقف عامل الميولات لمهن الهندسة وراء اختيار تخصص العلوم الرياضية بمستوى السنة الأولى بكالوريا لدى العناصر المعنية بالبحث بنسبة 41.31 % تمثل المبحوثات منهم أزيد من النصف. ويشكل المصرحات والمصرحون بسلوك المسار الدراسي الآنف الذكر بحافز الرغبة في مزيد من التفوق في مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية منوال التوزيع الإحصائي بنسبة تقارب 70 %. أما تمثيلية الدواعي الأخرى المتعالقة واختيار مكونات الساكنة الإحصائية موضوع البحث لشعبة العلوم الرياضية فهي متجاوزة لخمسة أرباع عشر هذه الساكنة. وتتراوح هذه الدواعي بين التأثر بالأقران، وتجويد وتمتين التكوين بهدف ولوج المدارس الدولية، والرغبة في الدراسة في شروط الانضباط والالتزام التي يفي بها تلميذات وتلاميذ شعبة العلوم الرياضية، واكتساب الفكر المنطقي، وربح رهان التحدي الشخصي في النجاح في مسلك العلوم الرياضية، والتأهيل لولوج مجالي الطيران المدني والعسكري.

         وعلى ضوء ما هو ملاحظ، فإذا كان واردا أن تتحقق أهداف ولوج الأقسام التحضيرية للمدارس العليا وامتهان الهندسة والتفوق في الرياضيات والفيزياء حتى بإعادة التوجيه من مسلكي العلوم الرياضية إلى مسلكي العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض، فمن اللافت خيبة أمل نسبة 33.53  % من المبحوثات والمبحوثين المتغيين الحصول على بكالوريا علوم رياضية مما يطرح التساؤل عن آليات الاستشارة والدعم والمواكبة التي كان من المتعين أن يحظى بها هؤلاء والقمينة بأجرأة مخططاتهم الدراسية المستقبلية.

ج) ـ الرغبات الدراسية

4

مبيان 10: توزيع المبحوثين حسب الاختيار المعبر عنه في الرغبة الأولى

5

مبيان 11: توزيع المبحوثين حسب الاختيار المعبر عنه في الرغبة الثانية

الجدول رقم 10: توزيع الساكنة المبحوثة حسب الجذع المشترك والجنس والاختيارات المعبر عنها في بطاقة الرغبات في نهاية السنة الأولى بكالوريا

الجذع المشترك العلمي الجذع المشترك التكنولوجي المجموع
ذكور إناث مجموع ذكور إناث مجموع ذكور إناث مجموع
الرغبة الأولى علوم رياضية أ 50 57 107 06 04 10 56 61 117
علوم رياضية ب 09 13 22 05 09 14 14 22 36
آخر 02 03 05 00 00 00 02 03 05
بدون جواب 05 02 07 02 00 02 07 02 09
المجموع 66 75 141 13 13 26 79 88 167
الرغبة الثانية علوم رياضية أ 27 43 70 04 04 08 31 47 78
علوم رياضية ب 11 18 29 06 07 13 17 25 42
آخر 06 03 09 01 02 03 07 05 12
بدون جواب 22 11 33 02 00 02 24 11 35
المجموع 66 75 141 13 13 26 79 88 167

المصدر: نتائج البحث الميداني

            تكشف أرقام الجدول رقم 10 أن حوالي ثلثي أفراد الساكنة الإحصائية المبحوثة والوافدين من الجذع المشترك العلمي، مناصفة تقريبا بين المبحوثات والمبحوثين، عبروا بالدرجة الأولى في نهاية السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية عن رغباتهم في التوجيه إلى مستوى السنة الثانية بكالوريا مسلك العلوم الرياضية ـ أ ـ. كما تعكس نسب هذا الجدول تعبير أكثر من خمسي عناصر العينة المبحوثة والقادمين من نفس الجذع، مع تمييز إيجابي كبير للمبحوثات، عن اختيار المسلك عينه كأفضلية ثانية وذلك في ختام السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية. وتشير بيانات ذلك الجدول إلى إقدام أكثر من نصف المستجوبات والمستجوبين المنتسبين للجذع المشترك التكنولوجي سلفا على اختيار في نهاية السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية لمستوى السنة الثانية بكالوريا مسلك العلوم الرياضية ـ ب ـ كرغبة أولى. وعبرت نفس النسبة منهم تقريبا عن ذات الاختيار كرغبة ثانية. ويتضح من معطيات الجدول أعلاه مخالفة بعض المبحوثات والمبحوثين لمنطوق المذكرة رقم 90 بمثابة الإطار التنظيمي لعمليات التوجيه وإعادة التوجيه بالتعليم الثانوي لاسيما الإمكانات المتاحة للاختيار في نهاية السنة الأولى بكالوريا شعبة العلوم الرياضية حيث عبروا عن تخصصات دراسية غير المنصوص عليها من قبيل مسلكي العلوم الفيزيائية وعلوم الحياة والأرض… كما يبدو من معلومات الجدول عينه امتناع نسبة لا باس بها منهم عن التعبير عن رغباتهم الدراسية في ختام السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية.

      والحالة تلك ، وباعتبار تماثل مسلكي السنة الثانية بكالوريا علوم الرياضية في كل المواد الدراسية باستثناء مادتي علوم الحياة والأرض  وعلوم المهندس، يقرأ مما ورد أعلاه إمكانية صواب افتراض اختيار تلميذات وتلاميذ مستوى السنة الأولى بكالوريا شعبة العلوم الرياضية الوافدين من الجذع المشترك العلمي لمسلك العلوم الرياضية ـ أ ـ تحت عامل التمكن من كفايات مادة علوم الحياة والأرض لهذا الجذع، واحتمال سداد افتراض رغبة متعلمات ومتعلمي نفس الشعبة القادمين من الجذع المشترك التكنولوجي في التوجيه إلى مسلك العلوم الرياضية ـ ب ـ بامتياز استفادتهم من منهاج مادة علوم المهندس لهذا الجذع؛ ويمكن أن يستشف أيضا من المعطيات أعلاه النية القبلية للمتمدرسات والمتمدرسين موضوع البحث المعبرين على اختيارات دراسية غير المنصوص عليها في إعادة التوجيه، كما هو محتمل أن تنم لامبالات المبحوثات والمبحوثين الممتنعين عن التعبير عن رغباتهم الدراسية عن ورود إقدام هؤلاء على طلب مراجعة قرارات مجالس التوجيه مهما كانت.    

د) ـ مسلك إعادة التوجيه

الجدول رقم 11: توزيع العينة المبحوثة حسب الجنس والجذع المشترك والمسلك المرغوب في إعادة التوجيه

الجذع المشترك العلمي الجذع المشترك التكنولوجي المجموع
ذكور إناث مجموع ذكور إناث مجموع ذكور إناث مجموع
العلوم الفيزيائية العدد 65 74 139 13 13 26 78 87 165
% 38.92 44.31 83.23 07.78 07.78 15.56 46.70 52.10 98.80
علوم الحياة والأرض العدد 01 01 02 00 00 00 01 01 02
% 00.60 00.60 01.20 00 00 00 00.60 00.60 01.20
المجموع العدد 66 75 141 13 13 26 79 88 167
% 39.52 44.91 84.43 07.78 07.78 15.56 47.30 52.70 100

المصدر: نتائج البحث الميداني

            تظهر معطيات الجدول رقم 11 أن كافة أفراد الساكنة المبحوثة الوافدين من الجذع المشترك التكنولوجي لم يعبروا في طلبات إعادة التوجيه عن رغبتهم في المرور إلى مستوى السنة الثانية بكالوريا مسلك علوم الحياة والأرض، كما تكشف بيانات هذا الجدول عن رغبة نسبة 01  % ونيف فقط من عناصر العينة المبحوثة في سلوك جسر تغيير التوجيه لبلوغ نفس المسلك، وجلي أيضا أنه رغم كون مسلك العلوم الزراعية من مستوى السنة الثانية بكالوريا خيار متاح في عملية إعادة التوجيه بالنسبة للمبحوثات والمبحوثين فإن أي من هؤلاء لم يبدى رغبته في ولوجه.

         وعلى ضوء ما هو مرصود، فمن الدواعي التي يمكن أن تقف وراء الإقبال على إعادة التوجيه إلى مسلك العلوم الفيزيائية، من جهة التمتع بمستوى السنة الأولى بكالوريا شعبة العلوم الرياضية بالتأهيل المناسب مما يضمن المسايرة السلسة لمناهج المواد الدراسية للمسلك الآنف الإشارة، ومن جهة أخرى احتمال الحصول على شهادة البكالوريا بميزات التفوق وهذا ما يتيح ولوج للعديد من المدارس والمعاهد العليا وكدا الكليات ذات المقاعد المحدودة؛ ومن المبررات المحتملة لامتناع المستجوبات والمستجوبين عن طلب تغيير الوجيه لمسلك العلوم الزراعية بعد المؤسسة المحتضنة لهذا المسلك (الثانوية الفلاحية الجماعة الحضرية لأولاد تايمة إقليم تارودانت) عن مقر سكناهم  وعلمهم بمحدودية طاقتها الاستيعابية ولبس في آفاقها الدراسية والمهنية؛ ويبقى التساؤل مطروحا عن العزوف الشبه كلي للمبحوثات والمبحوثين عن الترشيح في إطار عملية إعادة التوجيه لمسلك علوم الحياة والأرض.

ه) ـ التأكيد على التوجيه

الجدول رقم 12: توزيع المبحوثين حسب الجنس والجذع المشترك ومستوى التأكيد على التوجيه إلى الشعبة المعبر عنها في الرغبة الأولى

الجذع المشترك العلمي الجذع المشترك التكنولوجي المجموع
إناث مجموع إناث مجموع إناث مجموع
لمرة واحدة علوم رياضية أ العدد 16 40 01 04 17 44
علوم رياضية ب العدد 02 08 03 05 05 13
آخر العدد 02 04 00 00 02 04
مجموع العدد 20 52 04 09 24 61
لمرتين علوم رياضية أ العدد 41 67 03 06 44 73
علوم رياضية ب العدد 11 14 06 09 17 23
آخر العدد 01 01 00 00 01 01
بدون جواب العدد 02 07 00 02 02 09
مجموع العدد 55 89 09 17 64 106
المجموع العدد 75 141 13 26 88 167
% 44.91 84.43 07.78 15.56 52.69 100

المصدر: نتائج البحث الميداني

6

مبيان 12: توزيع المبحوثين حسب تأكيد الاختيار

         يتفاوت التأكيد على التوجيه إلى الشعبة المعبر عنها في الرغبة الأولى بتفاوت المسالك الدراسية المصرح بها في بطاقات الرغبات وكدا الجذع المشترك الأصلي لأفراد الساكنة الإحصائية المبحوثة، وهكذا فمعطيات الجدول رقم 12 تظهر أن حوالي ربع أفراد العينة المبحوثة، أزيد من ثلثهم مبحوثات، والوافدين من الجذع المشترك العلمي أكدوا لمرة واحدة في نهاية في نهاية السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية على اختيار المسلك ـ أ ـ من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية، وتبين نسب هذا الجدول ضئالة عناصر العينة المبحوثة القادمين من نفس الجذع والمعبرين عن الراغبة لمرة واحدة في التوجيه إلى التخصص ـ ب ـ من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية إذ بالكاد تلامس نسبتهم نصف عشر المستجوبات والمستجوبين. وتكشف أرقام نفس الجدول أن 09 من 26 مبحوثة ومبحوث الوافدين من الجذع المشترك التكنولوجي هم الذين عبروا لمرة واحدة في ختام السنة الأولى بكالوريا علوم رياضية عن رغبتهم في ولوج المسلكين ـ أ ـ أو ـ ب ـ من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية. ويتباين توزيع التلميذات والتلاميذ موضوع البحث والمؤكدين على التوجيه إلى الشعبة المعبر عنها في الرغبة الأولى لمرتين حيث حظي القادمات والقادمون من الجذع المشترك العلمي والمكررون للرغبة في متابعة الدراسة بالتخصص ـ أ ـ من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية بتمثلية أنيف من 40 % من مجموع الساكنة الإحصائية، بينما لا يشكل الوافدون والوافدات من نفس الجذع  والمكررون للرغبة في التوجيه إلى المسلك ـ ب ـ من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية إلا عشر عناصر العينة المبحوثة بأدنى من رقم ونصف، وتستقر تمثيلية القادمين والقادمات من الجذع المشترك التكنولوجي المؤكدين لاختيار التخصصين – أ- أو –ب- من مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية مرتين على نسبة 05 % بتفريط من المتمدرسات والمتمدرسين موضوع البحث.

         والوضعية تلك، فالتعبير عن الرغبة لمرة واحدة بشأن الاختيار الدراسي يمكن أن يقرأ منه التردد في اتخاذ قرار التوجيه بفعل سطحية الاقتناع بالاختيار وضعف التيقن من تحقيقه وبالتالي ورود إعادة النظر فيه وهذا ما ينسحب على أكثر من 34 % من المستجوبات والمستجوبات حيث تواضع مستوى التأكيد على التوجيه إلى الشعبة المعبر عنها في الرغبة الأولى وبالتالي اللجوء لعملية إعادة التوجيه؛ ويؤول تكرار الرغبة الدراسية لاسيما بتقدم المتعلمات والمتعلمين في السن بالنضج والحزم والثبات في القرارات، غير أن هذا لا ينطبق على أزيد من  57 % من المبحوثات والمبحوثين إذ كرروا الرغبة في متابعة الدراسة بمسلكي مستوى السنة الثانية بكالوريا علوم رياضية لكنهم طالبوا إعادة النظر في اختياراتهم الدراسية.  

يتبع………………………………الحلقة 15

للاطلاع على كافة الحلقات المرجو النقر هنا 

التدوينة سياقات ودواعي إعادة التوجيه |الحلقة الرابعة عشر| إعادة التوجيه نتائج البحث الميداني ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

دراسة حول الباكالوريا المهنية من إنجاز المستشار في التوجيه التربوي: عبدالخالق الخطري

Viewing all 156 articles
Browse latest View live


Latest Images

<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>