Quantcast
Channel: أقلام تربوية –توجيه بريس|tawjihpress
Viewing all 156 articles
Browse latest View live

التناسب العجيب … لماذا كلما زاد عدد المتعلمين زادت البطالة؟!

$
0
0

يُعد ارتفاع مستوى تعليم القوة العاملة ظاهرة نشهدها جميعًا. لقد شهدت منتصف الخمسينات من القرن المنصرم نموًا مطردًا وسريعًا في المستوى المتوسط للتعليم لأفراد القوى العاملة المدنية، وذلك في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، فالفروق بينهما هي فروق نسبية وليست مطلقة.

ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلًا، انخفض عدد الأفراد الذين أمضوا ثمان سنوات أو أقل في التعليم الرسمي انخفاضًا كبيرًا، بينما ارتفع عدد الذين التحقوا بالجامعة ارتفاعًا ملحوظًا، فلقد شهدت الستينات والسبعينات والثمانينات من هذا القرن توسعًا كبيرًا في أعداد الأفراد الملتحقين بالجامعات، وأيضًا ازدياد عدد الأفراد الذين أتموا مرحلة التعليم الأساسي خلال نفس الفترة.

إنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا تعني هذه الاتجاهات؟ وهل هُناك علاقة سببية في الأمر؟

تعني هذه الاتجاهات أنّ القادمين إلى القوى العاملة، وبالتالي إلى سوق العمل، أفضل تعليمًا من أسلافهم، والأهم من هذا، أنّ ذلك يعني، أنّ العاملين الجدد سيحلون محل أفراد أقل تعليمًا منهم بكثير، وقد تصل الفروق في مستوى التعليم الرسمي بين الجدد والقدماء إلى أربع أو خمس أو حتى ست سنوات دراسية.

إنّ الآثار المترتبة على ذلك الوضع الجديد بالنسبة إلى القوى العاملة تعتبر عميقة، فشباب العاملين الذين سينضمون إلى القوى العاملة في السنوات القادمة، سيكونون أفضل وأعلى تعليمًا بكثير عن هؤلاء العاملين القدامى الذين سيقومون بإحلالهم.

إنّ التعليم وذلك في كل دول العالم كان يعتبر أداةً للارتقاء الطبقي في السلم الاجتماعي، ووسيلةً لتحسين الدخل، وأيضًا لرفع مستوى رضا الفرد عن الحياة بصفة عامة، كما أنّ هُناك علاقة وثيقة بين مستوى التعليم والبطالة، حيث نلاحظ أن المجتمعات المتعلمة تنخفض فيها مستويات البطالة بشكل كبير مقارنةً مع غيرها.

وإذا كانت الأدلة التاريخية تدعم هذه النظرة إلى التعليم، فإنّ الأدلة الحديثة بدأت تشكك في هذا الافتراض.

معدل البطالة حسب المستوى التعليمي في الولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1992 حتى 2011
معدل البطالة حسب المستوى التعليمي في الولايات المتحدة خلال الفترة من عام 1992 حتى 2011
فوفقًا لمكتب إحصائيات العمل Bureau of labor statistics في الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أنّ 20% فقط من الوظائف تتطلب تأهيل علمي أعلى من مستوى الثانوية العامة.

ونجد اليوم أنّ واحدًا من كل أربعة عاملين يدخلون القوى العاملة حاصل على مؤهل جامعي، بينما في سنة 1970 كنا نجد واحد من كل ثمانية عاملين حاصل على درجة جامعية.

وعليه يجب على هذه الدول أن تنشئ فرص عمل لخريجي الجامعات، فإذا كان هناك عدد كبير من المتعلمين، وفرص عمل قليلة هذا يمكن أن يؤدي إلى مشكلة كبيرة التي هي البطالة.

هذه المشكلة تطال بشكل خاص القطاعات التي تتطلب عمال في الوظائف العادية، والتي لا تتطلب العديد من الكفاءة، ففي هذه الحالات عادةً ما يبقى العمال في الوظائف التي تتطلب متطلبات تعليم وكفاءة عالية؛ بسبب قلة وجودهم والحاجة اليهم.

هذا الوضع في حد ذاته إيجابيًا أو سلبيًا، ولكن تبدأ هذه الأرقام في النذير بالخطر، إذا لم يتم خلق وظائف جديدة بسرعة تكفي لاستيعاب الخريجين الجدد ذوي الدرجات العلمية المرتفعة.

وإذا كانت الصناعات الجديدة ومجالات العمل الحديثة تتطلب عمالة أعلى تعليميًا، فإنّ عرض العمالة الجديدة الداخلة في سوق العمل، والتي تحمل مؤهلات جامعية وعليا، بدأ يزيد وبسرعة كبيرة عن معدل خلق وظائف جديدة تكفي لاستيعابها.

إنّ عدد الأفراد الحاصلين على مؤهل جامعي ارتفع ارتفاعًا أكبر وأسرع بكثير عن حاجة سوق العمل، وقد ازدادت الفجوة بين عرض العمالة المؤهلة جامعيًا والطلب عليها في سوق العمل خلال العقود الثلاثة الأخيرة، مما دفع العديد من المنظمات وأصحاب الأعمال في محاولة لسد هذه الفجوة، إلى رفع المتطلبات العملية للوظائف فيها، دون تغيير طبيعة الوظائف ذاتها.

أحيانًا تقوم المنظمات بذلك لفرز المتقدمين لشغل الوظائف أو لرفع مستوى أو مكانة الوظيفة ذاتها، ولكن هذا الوضع ينبع أيضًا من الاعتقاد بأنّ العاملين الأفضل تعليمًا يسهل تدريبهم ويكونون أكثر انضباطًا وخضوعًا للنظم واللوائح المنظمة للعمل، وأكثر إنتاجيةً ومرونةً وانفتاحًا ذهنيًا ودافعيةً للعمل عن نظائرهم الأقل تعليمًا.

ومازال هذا الاعتقاد سائدًا بالرغم من أنّ الارتباط بين مستوى تعليم العامل ومستوى أدائه لم يتم إثباته، ونجد أنّه نتيجةً لهذه الاتجاهات، فقد ارتفع مستوى تعليم القوى العاملة ارتفاعًا ملحوظًا، ولكن من ناحية أخرى فإنّنا نلاحظ بذوخ ظاهرة جديدة، وهي الارتفاع الكبير في نسبة البطالة بين المؤهلين تأهيلًا جامعيًا، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة بصفة عامة.

وينتج ارتفاع نسبة التعطل بين خريجي الجامعات إلى عدم قدرة النظام في أي دولة على إحداث التوازن المطلوب بين العرض والطلب على العمالة بأنواعها ومستوياتها المختلفة، ويترتب على ذلك أن عددًا كبيرًا من الأفراد يعملون، وسوف يستمرون في العمل في وظائف أقل بكثير من حيث متطلباتها عن مستوى تأهيلهم العلمي والعملي والأكاديمي.

فنحن نشهد اليوم أفراد حاصلين على درجة الدكتوراه في هندسة الطائرات، ويعملون بائعين في المتاجر الكبرى.

وتنتج هذه الأوضاع، والتي تمثل ظاهرة حديثة في الدول المتقدمة، عدم قدرة نظام السوق الحرة على الموازنة الصحيحة بين مهارات شاغل الوظيفة ومتطلبات الوظيفة ذاتها.

وعلى الجانب الآخر نجد أنّه وبرغم من أنّ هُناك أعدادًا كبيرة يتخرّجون كل فترة من الجامعات، إلاّ أنّ أرباب العمل يستمرّون في التّحذير من مخاطر تناقص مهارات وخبرات موظّفيهم، وكذلك من صعوبة عثورهم على الموظّفين المناسبين لإدارة أعمالهم.

فبحسب دراسة أجرتها مؤسسة ماكينزي عام 2012، وتم نشرها تحت عنوان “من التعليم إلى التوظيف” فإنّ أقلّ من نصف أرباب العمل الذين جرى مقابلتهم يرون أنّ خريجي الجامعات لا يملكون المهارات اللازمة لسوق العمل. إذ يؤكد أصحاب الشركات الكبيرة أنّ فرص العمل متوفّرة لكنّ الشباب لا يملك المهارات اللازمة لتعبئتها.

وإذا كان هذا هو الوضع في الدول المتقدمة فما بالنا بالدول النامية، وبالذات الدول العربية، التي تعاني من سوء تخطيط القوى العاملة على المستوى القومي، وعدم ربطه بالسياسة التعليمية للدولة، مما أدى إلى تفشي البطالة بين حملة المؤهلات العليا، ليس فقط البطالة المقنعة، والتى كانت سائدة منذ فترة طويلة – ستينات القرن الماضي في مصر مثلًا – بل أيضًا البطالة السافرة، هذا بالإضافة إلى الاستخدام غير الرشيد لهذه العمالة المؤهلة تأهيلًا عاليًا، وإهدار لما يمكن أن نسميه بالقوى العاملة الاستراتيجية في الدولة.

فبحسب تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في نهاية عام 2014، فإنّ معدلات البطالة بين الشباب في المنطقة العربية هي الأعلى في العالم، وتصل إلى نسبة 27.2٪ في منطقة الشرق الأوسط، وإلى أكثر من 29٪ في شمال أفريقيا، أي ما يفوق ضعف المتوسط العالمي.

وهُناك وجب علينا أن نقف لحظةً لنتسأل حول من هو المتسبب الرئيسي عن ارتفاع نسبة البطالة بين المُتعلمين؟ فهل هي مخرجات التعليم العالي التي تضخ أعدادًا مهولةً سنويًا من الحاصلين على شهادات في تخصصات تفيض عن حياة السوق؟ أم أنّ سوق العمل نفسه بات صغيرًا وفشل في خلق فرص عمل جديدة تستوعب الأعداد المتزايدة من الخريجين؟ شاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول تلك المُعضلة الكُبرى …

المصدر مدونة اراجييك : التناسب العجيب … لماذا كلما زاد عدد المتعلمين زادت البطالة؟!

التدوينة التناسب العجيب … لماذا كلما زاد عدد المتعلمين زادت البطالة؟! ظهرت أولاً على توجيه بريس|.


نماذج من الأساتذة ستقابلها حتمًا أثناء دراستك الجامعية

$
0
0

تعد فترة الدراسة الجامعية نقلة مهمة في حياة الطالب، فهي وإن كانت تعبر به من مرحلة الثانوية إلى التعليم العالي، فإنّها أيضًا ترقى بنفسه وشخصه فتكمل بناءها ونضجها على نحو سليم ممهدةً بذلك الفرد لولوج سوق الشغل ودنيا المشاغل والمشاكل، لهذا، لا يجرأ أحد منا على نكران أهميتها. في المقابل، تعتبر الدراسة في الجامعة مرحلةً يجب الاستعداد لها والاستمتاع بها على حد سواء، وإنّ أول مخاوف المقبلين عليها هم الأساتذة والمنظومة التعليمية العامة. في جوٍ من المرح، سنستعرض وإياكم نماذج من الشخصيات التي ستصادفها حتمًا داخل جامعتك، وكيفية التعامل مع كل واحدةٍ منها. نشير قبلًا إلى أنّنا نقف احترامًا لكل الأساتذة مهما اختلفت طرق تدريسهم وفلسفتهم الخاصة في التعليم.

الدكتور المتعاون المجتهد المتمكن

من المنصف أن نبدأ تصنيفنا بهذا النوع من الأساتذة، فستصادف حتمًا من هم ذوي خبرة، ولا يبخلون أبدًا بتقديم يد المساعدة والعون لطلبتهم. إن كنت من ذوي الاهتمام بتخصصك وحبك للمادة ستجد نفسك تعجب تدريجيًا بما يقدمه. لهذا، استغل جيدًا هذه الفرصة وحاول أن تخلق علاقة جيدة معه. صحيح أنّ عدد الطلبة كبير في الجامعات لكن، وبالنسبة لهذا النوع من الأساتذة، احرص على أن يلاحظك ويلاحظ اهتمامك وسعيك لتعلم المزيد عبر طرح الأسئلة، والانتباه أو ربما البحث وإحضار تمارين لم تفهمها وتطلب عونه. سأوشوش لك هنا قائلةً أنّه إن لم تكن مهتمًا بالمادة فقط تظاهر بذلك واطلب منه أن يعيد شرحَ نقطة في الدرس أو ما شابه، فهو حتمًا لن يبخل عن فعل ذلك وسيلاحظ ولو تصنعًا اجتهادك المزعوم.

الدكتور المثابر لكن …

هناك نوع من الأساتذة في الجامعات ممن هم ذوي خبرة وتمكن من المادة، لكنهم يفتقرون إلى طريقة التدريس وإيصال المراد إلى الطلبة. يحاولون ويعافرون شرحها بطرق عدة لكنك ستجد نفسك تائهًا غير مستوعب لها. الحل هنا أن تحترم قدرات الأستاذ، فمجرد محاولته وسعيه كفيل بأن تقف له احترامًا ولا تحاول خنقه أو إحراجه بالأسئلة كما يفعل الكثيرون للأسف، فلتكن إذًا عونًا لهذا الأستاذ بدل المحبط، بحيث يمكن أن تبحث وتحضر المادة بنفسك، فمفتاح التعليم العالي يتمثل أساسًا وتحديدًا في “التعلم الذاتي”. إن كنت تعلم طريقة شرح أفضل من تلك التي استعملها الأستاذ فيكفي أن تطلب منه، إن طلب زميل لك منه إعادة شرح، أن تقوم أنت بذلك. هكذا ستكون مساعدًا له، دونما أي إحراج.

الدكتور الذي يعلم كل شيء

على عكس المثال السابق، هناك بعض الأساتذة ممن يدعون فخرًا أنّهم يعلمون كل شيء في التخصص العام، سواءً في مادتهم المدرسة أو المواد الأخرى، فلن تجدهم أبدًا يقرون بعدم تمكنهم من الإجابة على سؤال طالب ما؛ لأنّهم يلجؤون دائمًا لجملة “هذا خارج الدرس” أو “سؤال مهم، احتفظ به إلى آخر الحصة” ليحاولوا طبعًا بعدها تجنبه، أو قد يجيبون إجابات غريبة وغير متماسكة محاولين خلالها أن يستعملوا مصطلحات أو تعابير جديدة ليختموا بذلك جوابهم ب “ستقرؤون هذا مع الأستاذ فلان في المادة كذا أو في السنوات المقبلة”. هؤلاء إياك أن تحتك بهم أو تدخل وإياهم في علاقة صراعٍ ندًا للند، فلازالوا طبعًا في موضع قوة مادمت دراجاتك في يدهم! لا أريد طبعًا أن أخيفك منهم فيمكنك أن تسأل أو تستفسر في محاضراتهم كما تريد، لكن لا تشعر أبدًا أنّك تريد إحراجهم أو تعجيزهم أمام بقية الطلبة.

الدكتور الإداري

لا أدري إن كانت هذه النقطة مشتركة بين جامعات العالم العربي، لكننا نجد حتمًا دكتورًا على الأقل له منصب إدراي في الجامعة كعميد أو رئيس قسم مع استمرار ممارسته لمهنة التدريس. هذا النوع إمّا تجده يتفاخر بالسلطة التي تخولها له الإدارة فيشرع في تعزيز مهامه والحديث عن المستجدات الإدارية، أو أنّه لا يعلم شيئًا عن القرارات المتخدة، أو ربما يلغي التدريس من قاموسه فيتعنت في تقديم محاضراته بدعوى كثرة انشغالاته والتزاماته (طبعًا وقطعًا هناك نوع جدي وعملي لن تجد أي مشكلة في تعامله. لهذا، لن نأخذه هنا بعين الاعتبار). مهما اختلفت طباعه، فحاول أن تتجنبه. قد تجده مفيدًا أحيانًا بحيث يزودك بأخبار الإدارة والهيئة التدريسية. لكن هذا طبعًا في إطار إداري – طالب وليس دكتور محاضر – طالب. طبقًا للعلاقة الأخيرة ينصح بتجنبه.

الدكتور الصارم

هناك أساتذة متفوقين في الصرامة، وإن أرجح بحكم خبرتي المتواضعة، أنهن سيدات بنسبة تفوق 60 بالمئة، ولا أدري لما، فالأستاذات غالبًا ما تجدهن أكثر جدية وصعوبة في الجامعات. سواءً رجال أو نساء، فالدكتور الصارم حاول أن تعامله بحذر، فطبعًا ليس من صالحك الدخول وإياه في علاقة متوترة، فقد يؤدي الأمر إلى هلاكك. بعد شهر تقريبًا من دخولك للجامعة ستفهم طباعه وما يطلبه في محاضراته. ببساطة أنجزها على أكمل وجه. إن هو “اصمتوا ! لا أريد سماع صوت أي أحد منكم” فالتزم الهدوء التام فالأمر لن يتطلب منك إلّا ساعتين أو ثلاث، وإن هو صارم في الأعمال المطلوب إنجازها فلتفعل ذلك ياعزيزي وإلّا ستقع في المتاعب، وهكذا حسب ما ستستنتجه من معرفتك له بعد أول محاضراته.

الدكتور “الكسول”

حتمًا هو ليس أستاذ ‘غير متمكن’ فهو لم يحصل على مكانته هذه من فراغ، وهو أيضًا ليس بالأستاذ المثابر الذي رأيناه سابقًا؛ لأنّه لا يحاول أن يساعد طلابه، بل هو ببساطة أستاذ كسول، لا يريد أن يؤدي رسالته ويقوم بعمليته التعليمية. لن ندخل في أسباب ذلك، فلا أحد منا يجرؤ على نكران وجود أمثال هذا النموذج في الجامعات، وأنت أيضًا عزيزي المقبل على ولوج التعليم العالي، استعد إلى مقابلة أمثاله ممن لن تحصل منه على أي معلومة أو درس. إنّه النموذج الدافع المباشر للتعليم الذاتي الذي ذكرناه سابقًا. فقط أنصحك ألّا تجعل من هذا المثال سببًا أو عذرًا لكره المادة أو عدم الاهتمام بها. اممم، فالغالب هذا النوع من الأساتذة لن يكون صارمًا في درجات طلابه، لكن هذا أيضًا ليس مبررًا لا لفعلته ولا لإهمالك للمادة.

الدكتور العاشق لمادته وتخصصه

هناك نوعٌ من الأساتذة صادفته مؤخرًا وهو الدكتور العاشق لتخصصه بشكل غريب. مثلًا: بين الاقتصاد والمحاسبة صادفت بعض مدرسي الاقتصاد يعتبرون المحاسبين آلات تشتغل دون عقل وتفكير، وأساتذة محاسبة يعتبرون متخصصي الاقتصاد “بائعي كلام فارغ”، بينما التخصصان متكاملان ! لهذا، ربما ستصادف مثل هذه النماذج التي عليك بكل بساطة أن تعاملها حسب ما تريده هي. اعتبر نفسك تاجرًا يبيع سلعته ويعامل زبائنه كلٌ حسب تفكيره (مع احترامي طبعًا لكل الأساتذة من هذا التشبيه الأدبي). مع أستاذ الاقتصاد اعتبر نفسك مثقفًا متابعًا للمستجدات ومهتمًا بالمجال، ومع المحاسب اهتم بالأرقام وتحليل المعطيات الضريبية والمالية وغيره، والأمر سيان بالنسبة لكل التخصصات والمجالات. تذكر أنّك أنت من بحاجة للأستاذ وليس العكس، ومكانتك تلزمك الرفع من قدر الجميع بشكل ديبلوماسي ذكي.

الدكتور “أنا صديق الجميع”

شابًا أو كبيرًا، ستجد نوعًا من الدكاترة ممن يعتبرون نفسهم أصدقاءً للطلبة. ليس تصنعًا حتمًا وإنّما كنوع من المودة والاحترام. أفضل ما يمكن قوله بالنسبة لهذا النوع بشكل مختصر هو أنّه عليك الحفاظ على مسافة كافية من الوقار والاحترام مع أستاذك، خصوصًا بالنسبة للطلبة الجدد. لا تعتقد أبدًا أنّ المساحة المرحة التي قد يوفرها الأستاذ بينك وبينه تخول لك أن تبتسم له أو أن تحدثه في أمور عامة أو أن تمزح معه، راعِ مكانته ومكانتك داخل الحرم الجامعي وخارجه، فكلمة صديق بالنسبة لك وإن كانت تمنحك الحق في ذلك، فإنّها بالنسبة له تعني “إمكانية تلطيف العلاقة التربوية وإضفاء نوعٍ من الود والمحبة عليها” لا أكثر ولا أقل.

الدكتور ” المراهق “

لقد تعمدت الحديث عن هذا النوع من الأساتذة وإن كان في آخر الموضوع. إنّه نوعٌ ألغى كل القواعد والأفكار المحترمة والوقورة التي سعت المنظومة التعليمية على مر الأجيال لترسيخها في صفة المعلم والأستاذ والمحاضر. للأسف، هناك نوع من الأساتذة ممن يزيد توددهم وحديثهم مع الطالبات من ثقتهم بنفسهم أو من افتخارهم بها، أو لأسباب أخرى أرجح أنّها نفسية محضة. مع التطور التكنولوجي وبروز وسائل التواصل الاجتماعي باتت إمكانية تفشي هذا النموذج متاحة. لهذا، أنصحك أيّتها الطالبة (الأمر سيان بالنسبة للطلاب وإن كان قليلًا مقارنة بفئة الطالبات) بأن تخلقي لنفسك احترامًا يفرض نفسه في علاقتك العامة سواءً مع الأساتذة أو الزملاء، إذ لن يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منك إن كانت بنية شخصيتك سليمة.

نصيحة أخيرة أوجهها لك عزيزي القارئ، وهي ألّا تصدق ما يقوله زملاؤك أو الطلاب القدامى عن الأساتذة، فلكل نظرته وفهمه. فقد يقول أحدهم أنّ الأستاذ فلان كسول بينما أنت تجده مجتهد ومتمكن. احرص أن تبني نظرتك الخاصة عن كل دكتور وتعامل كل واحد حسب عقليته وموقفه، ولا تنسَ طبعًا أن تخبرنا عن تجاربك وعن النماذج الأخرى التي صادفتها ولم نذكرها أو ذكرناها في الموضوع.

كيف تختلف الدراسة الجامعية عن الدراسة الثانويةكيف تختلف الدراسة في الجامعة عن المرحلة الثانوية؟
كيف تتأكد من أن اختيار التخصص الجامعي كان هو الصوابما بعد اختيار التخصص الجامعي … كيف تتأكد من أنّ اختيارك كان صائبًا؟
طريقة لماذا لحل كل المشاكل، الخمس لماذا تحل مشاكلك التعليمية”الخمس لماذا؟” طريقة بسيطة لحل كل مشاكلك التعليمية
الدراسة الجامعية: بين رغبة العقل وجبرية الأهل، ما الحل؟
العمل في العطلة الصيفية أمر هام لا تحاول إهماله والتكاسل عنه للأسباب الهامة الآتيةلهذه الأسباب الهامة عليك ألّا تفوت العمل في العطلة الصيفية
علامات تشير إلى أن أستاذك الجامعي مُحاضر فاشل!

 المصدر مدونة اراجييك : نماذج من الأساتذة ستقابلها حتمًا أثناء دراستك الجامعية

التدوينة نماذج من الأساتذة ستقابلها حتمًا أثناء دراستك الجامعية ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

الدراسة الجامعية: بين رغبة العقل وجبرية الأهل، ما الحل؟

$
0
0

عندما كنت في الصف الأول الابتدائي، أرادت المُعلّمة حينها أن تضيّع بعض الوقت لكي لا تبدأ بإعطاء درس قراءة جديد كون وقت الاستراحة قد اقترب، فقامت بسؤالنا سؤال عام للجميع على حدٍ سواء، ما الذي تريدون أن تصبحوه عندما تكبرون؟

سؤال ساذج طبعًا، لا سيما أنّ المتلقي هم تلاميذ لا يرون في الحياة والدراسة إلّا مجرد وسيلة لتحصيل أكبر قدر ممكن من الحلوى والسكاكر، إلّا أنّه يبقى سؤالًا واردًا لا سيما أنّه كان مِن مُعلّمة ضخمة المنكبين يكاد عرضها يفوق طولها لشدة نظامها الغذائي الصحي الذي تتبعه.

بدأ التلاميذ بالإجابة واحدًا تلوَ الآخر. ماذا تُريد أن تصبح يا علاء؟ علاء يُجيب والمُخاط يتدلى من أنفه كبندول مَرن: طبيب يا آنسة. ماذا تُريد أن تصبح يا أحمد؟ أحمد يرد: أريد أن أكون دكتور يا آنسة. تلتفت الآنسة لجهة الإناث لتقول: ماذا تُريدين أن تكوني عندما تكبري يا غزل؟ وكبقية زملائها غزل ترد: طبيبة يا آنستي!

على الأرجح كان عدد طلاب الصف في تلك الفترة حوالي 35، ومن المؤكد أنّ 34 منهم كانوا يريدون أن يصبحوا أطباءً عندما يكبرون. على الرغم من غرابة سلوكهم الدراسي مِن جهة، وعنف سلوك بعضهم مِن أخرى، فعلاء وأحمد كانا أشبه بعصابات السطو داخل المدرسة لكنهم يريدون أن يصبحوا أطباءً. بالرغم من أنّ ملامحهم تدل على أنّهم سيكونون قتلةً متسلسلين أو مجرمي حرب على أقل تقدير.

المهم، وعندما حان دوري وسألتني المعلّمة ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر، وجدت أنّه من غير المقبول أن أقول طبيب. الجميع كانوا يرددون طبيب طبيب! فأحببت أن أكسر هذه الكلمة الرتيبة وأغير النمط قليلًا، فخطرَ على بالي أن أقول شيئًا آخر مختلف، وهذا ما حدثَ فعلًا، إذ رفعت صوتي وقلت: أريد أن أصبح محامي.

لم أكن أعرف ما معنى كلمة محامي ولا ماذا يفعل المحامون ولا أعرف أي شيء عن القضاء والمحاكم، كل ما في الأمر أنّي أردت أن أغيّر كلمة (دكتور، طبيب) التي قالها الجميع، فلم يخطر ببالي حينها إلّا المحامي.

لكن ولسوء الحظ، وكما عوّدتنا نواميس الحياة على وجود أشخاصٍ طفيليين في كافة مراحل العمر. قفزت إحدى الطالبات المجتهدات التي كانت تعتبر أفضل طالبة في الصف، كما أنّها كانت جميلة أيضًا -لطالما كنت أتمنى أن تقبلني في يوم ما لكنها وللأسف لم تفعل- قفزت لتقول: لكن يا آنسة المحامون يكذبون كثيرًا!

هزّت الآنسة برأسها دون أن تعبأ بها كثيرًا، ولم تعطها قدر كبير من الاهتمام؛ لأنّ الوقت بدأ ينفذ والتلاميذ لم يجيبوا معظمهم عن السؤال، فانتقلت لتلميذ آخر. أمّا أنا فكاد غيظي يصل إلى أنفي مِن شدة الانفعال، تمنيت لو كان معي حبل لأربطها مع قنبلة نووية وأنسفها في عرض المحيط، لكن للأسف لم يكن معي حبل ولم أملك ثمن قنبلة حينها.

تمر الأيام سريعًا وتدور رحاها على عَجَل، وإذا بأولئك الذكور الذين قالوا أنّهم يريدون أن يصبحوا أطباءً، فإذا بهم يرسبون في الابتدائية ولم يكملوا لما بعدها، والذين أكملوا منهم سقطوا في الأساسيّة. أمّا أحمد وعلاء وغيرهم من سفاحي الصفوف فقد انقطعت أخبارهم تمامًا، لربما دخلوا السجن أو ذهبوا لتشكيل عصابة لتجارة المخدرات في عشوائيات أمريكا الجنوبية.

أمّا تلك الجميلة المجتهدة، فقد علمت بطريقة ما أنّها دخلت كلية الآداب بعد أن تعرّضت لانهيار تدريجي في المستوى التعليمي على طول مراحل المدرسة، على الرغم من أنّها كانت من أولئك الذين يبكون إن ضاعت لهم درجة هنا أو درجة هناك، لكن كل شيء تغيّر فدوام الحال من المُحال.

ومن سخرية القدر أنّ ذلك التلميذ الصغير صاحب السنوات الست الذي أراد أن يصبح محامي، تفاجأ فيما بعد عندما وجدَ نفسه وجهًا لوجه أمام كلية طب الأسنان، فأصبح من حينها إنسان يُسبق اسمه بكلمة لعينة عندما يُنادى عليه، ويقال بأنّه (دكتور).

إلى هنا تنتهي القصة ولنبدأ الآن بالكلام الأهم. قطعًا الهدف من سرد ما سبق ليسَ أن أعرفك على المدرسة والطب والمحاماة، وإنّما معرفة أن جميع التلاميذ كانوا مدفوعين برغبة مِن الأهل في أن يكونوا أطباءً، وليسَ برغبة من أنفسهم أبدًا.

لا يوجد طفل بعمر 7 سنوات يعرف شيئًا عن الطب كي يتمنى دخوله، ولا يعرف ما الدراسة وما يرافقها، لكن الأهل في هذه الفترة يعرفون كل شيء ويزرعونه في رأسه على الدوام، وبالتالي تُصبح فكرة الطب بعد عدّة سنوات أحد الأهداف العتيدة التي يسعى إليها التلميذ ويدافع عنها بشراسة ويعتبرها أحد أعظم أحلامه.

أي حلم لعين هذا! حلم يتلخّص في الدراسة! والأجمل من هذا كله أن ترى أحلامًا مُشتركة ضمن عوائل كاملة – ويا للصدفة – تكون في عائلة ما رغبة كل الأطفال في أن يصبحوا أطباءً، ويصبحون كذلك فعلًا! لكن لدي تفسير آخر هنا يبدو أكثر واقعية، وهو أنّه لا يوجد أحلام في مثل هكذا عوائل، الأمر باختصار هو أنّ الأهل منذ ولادة الطفل يدمغوه بدمغة مكتوب عليها اسم الكلية التي سيدرس بها، كما يدمغ الراعي أغنامه كي يعرفها أنّها له.

الأهل هنا ليسوا مهتمين كثيرًا بالأبناء بقدر أهميتهم وحرصهم على المفاخرة بهم. هم ليسوا فخورين بك، بل فخورين بما تفعل! لا يعبئون بما تُريد أن تدرس بقدر ما يعبئون بالشيء الذي إن درسته ستمنحهم منصبًا اجتماعيًا مرموقًا بين الناس. لذلك أنتم لستم إلّا مجرد أدوات مُفاخرة لديهم، ربما كساعة الحائط أو مزهرية فاخرة أو سيارة ثمينة مُلفتة للأنظار.

لم يحبوكم بدون شروط، أحبوكم لأنّكم سلعة، فكان عندها الصراع، ولا سيما الذي يحتد عند دخول الجامعة، فيكون مِن جهة بين جبريّة الأهل العتيدة، وبين الرغبة الشخصية التي ما زالت فتية في بداية طريقها، فيحدث عندها الاشتباك، وإن أردنا الحديث عن حل، فالأمر سيشمل ما سيُكتب تاليًا.

في البداية كان الإذعان

الدراسة الجامعية بين رغبة العقل وجبرية الأهل 1

القاعدة الرئيسية تقول بأنّه لا استقلال اجتماعي بدون استقلال مادي، وبالتالي ليس هناك استقلال دراسي ولا حرية في اختيار الكلية إلّا في حالة وجود استقلال مادي يتبعه استقلال اجتماعي. لكن وفي عمر الـ 18 – سن دخول الجامعة – يكون هذا الأمر شبه مُستحيل، وبالتالي لن يكون هناك إلّا خيار وحيد مُتاح، ألا وهو الإذعان.

قطعًا هناك حالات يكون بها الأهل أكثر تفهمًا للأمر، ولربما يكون لك الحرية في الاختيار كما تريد، لكن هنا نحن نتكلم عن الحالة العامة السائدة وهي الجبرية. لذلك يكون الحل الوحيد هو أن تُطأطأ رأسك لقرارهم وتُذعن، إلّا أنّه ليس أي نوع من الإذعان. بل ذلك الإذعان الذي يفعله الطفل الصغير عندما يتظاهر أنّه يبكي، ومن ثم يُدير ظهره لترتسم تلك الابتسامة الماكرة الخبيثة على وجهه.

طالما أنّ أراجيك عربية، وطالما أنّك تقرأ الآن، وبالتالي نعرف أنّك عربي وهذا ما يقودنا لنتيجة أنّك تدرس في جامعة عربية، وانطلاقًا مما سبق يمكن القول أنّ كليتك إن لم تكن مُتهالكة بنسبة 80% فهي كلية متوسطة.

مفهوم الرغبة الشخصية مفهوم حر طليق من الأفضل ألّا تحدده ضمن أطر نظام التعليم الوهمية القائمة على مبادئ كثيرة أشهرها (التدريس بالإكراه، الحفظ البصم دون فهم، لعق أحذية المعيدين والأساتذة لتحصيل الدرجات)، وغيرها من المبادئ التي لا تقيّمك وفقًا لاجتهادك الدراسي بل وفقًا لعوامل أخرى بلهاء تدل على نفسية مرضيّة لأصحابها.

تخيّل أن ترى ما تهواه قد أصبحَ شيئًا جامدًا، يُعطيه مدرّس حمار يظن نفسه مثقفًا لمجرد كونه يلبس ربطة عنق ويقول أشياء من منهاجه المنقرض، والذي هو أساسًا مُترجم من منهاج أجنبي يعود تاريخه لـ 1970 وقد أثبت العلم الحديث فشله ربما. تخيّل ماذا سيحدث!

مهما بلغَ بك الوله تجاه شيء إلّا أنّك ستكرهه عندما ترى الناس يتعاملون به، ويتداولونه بطريقة حمقاء تسويقية أكثر من كونها تعليمية. كل شيء يُصبح اعتياد يُكره، حتى أصدقاءك نفسهم إن اعتدت عليهم كثيرًا تبدأ بكرههم.

لذلك اذعن وافعل ما يُريدون، وابقِ ما تُريده حرًا طليقًا. الجامعة كفيلة باغتيال أي رغبة تُريدها بسبب نظامها التدريسي الإكراهي. ومَن يعارض هذا الكلام لا ينطلق إلّا من مبدأ الخوف، إذ أنّه لا يحتمل التصديق بأنّ المقياس الذي وصل به لمكانته الحالية هو مقياس ساذج.

تمسّك الجامعات إلى الآن بنظام الدرجات ليسَ لكونه نظام صحيح، بل لأنّ البديل إلى الآن غير موجود. نظام الدرجات أفضل ما تم الوصول إليه لكن هذا لا يعني أنّه نظام جيد وعادل، بل نظام فاشل. واليوم الذي سيأتي حاملًا معه نظام آخر سيحولك لإنسان متعلّم أكثر مما يحولك لجثة فكرية قادم لا محالة.

لكن إلى تلك الفترة فلتذعن ولتحافظ على ما تُريده حرًا بدون قيود. لكن قطعًا ستكون هناك مشكلة أخرى.

عندما تفتقد مَنهجك النظري الدَسِم

الدراسة الجامعية بين رغبة العقل وجبرية الأهل 2

بعد الإذعان ومُمارسة حياة دراسيّة اعتياديّة، تبدأ حينها بإعادة بعث ما تُريد وترغب في محاولة منك لدراسته بشكل موازي تمامًا لما تأخذه في الجامعة. لكن أول عقبة تظهر في تلك اللحظة وتسد عليك طريقك هي عقبة المنهج النظري المفقود.

رغم أنّ الكتب الجامعية النظرية غالبًا ما تكون أشبه بوسيلة تعذيب إجرامية عند الطلاب، إلّا أنّ ذاك الذي يعمل على تطوير رغبته الموازية يكون بحاجة شديدة جدًا لمنهج نظري يعلّمه الأساسيات ويضعه على الطريق، بيدَ أنّه لا يجده للأسف. فيبدأ عندها بالتنقّل مِن موقع لموقع ومِن مرجع لمرجع دون جدوى.

صحيح أنّ الانفجار المعرفي أدى لإفادة حقيقية عند جميع الطلاب في هذا العصر، إلّا أنّه وفي نفس الوقت ساهم بإنشاء جيل مُشتت غير قادر على الانخراط في كل ما يريد. لذلك من المهم جدًا أن تحدد – بدقة شديدة – ما هي الأساسيات الواجب تعلّمها في البداية وما هو مُفيد حقًا، وما هو مجرّد كماليات لن تُغنيك كثيرًا إن تابعت مسيرك بدونها.

وكما قلت، يكون المنهج النظري مفقودًا، لذلك وجب البحث عنه، وفي طريقك لإيجاده سيكون الأمر التالي مُهم جدًا.

اللغة الإنكليزية

الفقرة السابقة غير صحيحة، المنهج النظري موجود ومُتاح إلّا أنه باللغة الإنكليزية وليسَ بالعربية، لذلك سارع خلال فترة دراستك لتطوير هذه اللغة المهمة – لغة المعرفة الحالية – إلى مستويات مُتقدمة، عدا ذلك ستفقد الكثير، هذا إن حصلت عليه من الأصل.

عدم امتلاكك للغة إنكليزية يعني أنّ جميع رغباتك أصبحت كالصفر على اليسار بدون أي قيمة. كل شيء حديث الآن هو بهذه اللغة، كل بحث ودراسة لغتها إنكليزية حتى لو كان باحثيها ألمان مثلًا. اللغة هذه هي لغة العلم الحالية، من المستحيل أن تتقدم خطوات حقيقة بدونها.

صحيح أنّ هذه اللغة ذات منفعة في جميع المجالات، إلّا أنها تكون مُقدسة في مجالات أخرى لشدة الحاجة إليها. لا سيما في النواحي التقنية كالتصميم والبرمجة والمونتاج وكل ما يُشاكل هذه الأفرع حديثة الظهور.

بعد الإذعان ابدأ بالبحث الحثيث عن المراجع المهمة والتأسيسيّة فيما ترغب أن تدرسه بدافع شخصي منك، لكن ذلك سيكون شبه مستحيل بدون إنكليزية، لذلك ابدأ بتطويرها خلال فترة دراستك. فإن لم تمتلك هذه اللغة سينهار كل شيء بعدها.

مِن كل بُستان زهرة

كما للمصباح المتواجد في غرفتك استطاعة كهربية، فإنّ للإنسان أيضًا استطاعة عقليّة يصعب عليه تجاوزها وتعدي حدودها. فالإنسان كالزورق قد يستطيع أن يحمل ما يحمل من حاجيات في داخله، لكن إن زادت الحمولة عن حدها فالغرق سيكون مصيره المحتّم.

عندما تمشي في دراسة جامعية مَفروضة عليك، وفي دراسة شخصيّة مرغوبة منك، ستقطع شوطًا طويلًا على كلا الصعيدين إن جدّ منك العزم وأتقنت المسير، لكن هناك دائمًا فترات راحة مُستقطعة ستكون بانتظارك. فترات ركود، فترات انتكاس، فترات لم تعد تُريد فيها لا الدراسة ولا الرغبة ولا أي شيء آخر. لقد مللت وتعبت من كل شيء على حدٍ سواء.

لذلك مِن البداية تجنّب هذه المعضلة من خلال تعيين محطات راحة مطوّلة لكنها محسوبة وليست عشوائية اعتباطية، بحيث تمارس بها أمور مخالفة تمامًا لكل الذي اعتدت على فعله خلال مشوارك التعليمي السنوي.

مواقع التدوين أصبحت بالعشرات، لمَ لا تبتعد عن دراستك قليلًا ولتبدأ بكتابة بضعة مقالات في مواضيع ترغب أن تكتب عنها. سلاسل الأفلام الوثائقيّة والمسلسلات أصبحت متاحة للجميع وبالمجان، ما رأيك في أن تتابع أي منها. ستفيدك من ناحية التعلّم وقد تفيدك من ناحية اللغة أيضًا.

الكثير من الكتب القيّمة متاحة أيضًا، لمَ لا تعزز معارفك وتوسّع آفاقك من خلال القراءة والبحث. اختر أي عنوان شيّق بالنسبة لك، اقرأ مراجعة سريعة لكتاب ما، وإن راق لك، ابدأ بقراءته والنهل من علومه.

باختصار، حاول أن تقتطف من كل بستان زهرة. من بستان المعرفة اقطف كتاب، من بستان اللغة شاهد مسلسلًا، من بستان المرح احضر فيلم، من بستان التجربة حاول أن تكتب مقال. وتنقّل بين جميع هذه البساتين بدافع المتعة وليسَ الإجبار. فهي فترات راحة، وبالتالي عنصر الجبرية لا وجود له هنا.

ومِن بعدها تعود لملعبك الرئيسي، ملعب الصراع والاشتباك الحقيقي، والذي يجب ألّا تتكيف به أبدًا.

لا تتكيّف ولو منحوك الذهب!

الفكرة الأخيرة والأهم في المقال هي هذه. عندما تُوضع في الجامعة تكون أشبه بأسد وضع في قطيع من الأبقار، المشكلة هنا هو أنّك ترى الجميع يَخور بحكم “بقريّته”. أنتَ في البداية تُكافح لكي تحافظ على صوتك الخاص، تناضل ضد صوت الجموع الذي يدفعك للخوار، تُكافح بقوّة، تضغط على جميع أعصابك لكي تمتنع عن فعل ذلك، لكن في النهاية وبحكم المدة الطويلة والوحدة الشديدة، تستسلم وتبدأ بالخوار معهم رغمًا أنّك لست مثلهم.

تتخلى عن صوتك، وتبدأ بتقليد الصوت السائد الذي يصدره الجميع.

الهدف من هذا التشبيه هو عندما ترى أنّ الجميع يقومون بنفس الشيء لمدة خمس أو ست سنوات، من المستحيل أن تبقى محافظًا على نفسك وسط كل تلك الشخصيات المتشابهة، حتمًا صوتك الفريد وما تتميز به سيضمحل ويختفي وسط خوارهم العالي.

ستضطر لأن تصبح مثلهم، تمشي بنفس طريقهم وتسلك سلوكهم وتتصرف وكأنّك بقرة!

فلتذعن لرغبة والديك، فلتدرس ما يُريدون ولتتعلم معها ما ترغب، نعم فلتفعل هذا، فلتتعلم لغة من أجل فهم المراجع وفك رموز بعض الطلاسم النظرية المعقدة، لكن حتمًا حينها ستمل، لذلك عندها لا بد من فترات راحة. نعم كل هذا ستفعله، وكل هذا ضروري. لكن إياك ثم إياك أن تتخلى عن صوتك. إياك أن تبدأ بالخوار وتقليد أي صوت سائد لمجرّد أن الجميع يفعله، إياك أن تفعل هذا.

لديك رغبة ما اسعَ إليها، حتى لو كانت تلك الرغبة فتاة مثلًا، نعم اسعَ إليها. لربما تخبو قليلًا، لكن إياك أن تنطفئ للأبد. الرغبات الشخصية لا تموت، الرغبات لا تسقط بالتقادم كما في الجرائم، فمرور سنين طويلة عليها لا يُلغيها.

نعم، هي خمدت قليلًا لكنها كالنار التي تخبو تحت الموقد، ما هي إلّا مرحلة مؤقتة إلى أن تأتي نسمة ريح قوية لتعيد تأجيجها من جديد. المهم أن تكون تلك النسمة في الوقت والمكان المناسب، ويبدأ التوهّج يعود أقوى مِن السابق.

صدقني من المستحيل أن يزول أي شيء بالتقادم. على العكس، الزمن يقوم بالصقل لا الإلغاء.

الدراسة الجامعية بين رغبة العقل وجبرية الأهل 3

وصلنا للنهاية، وكما بدأت المقال بقصة سأنهيه بشيء حقيقي مما أعرفه حولي. لدي صديق كان من المُمكن أن يكون كوميديًا ناجحًا، صدقًا لو سخّر مهاراته لميوله الكوميدية لأصبح نجمًا، لكنه اختار الاحتمال الآمن ودخلَ فرع دراسي أُجبرَ عليه، فاعتاد وأصبح يألفه مع الزمن. أمّا دعاباته اللطيفة فقد ذهبت، ولا أكذب إن قلت أنّه قد أصبح ثقيل الظل أيضًا.

نعم، لقد تمكّنوا منه، لقد جعلوه يَخور.

هناك صديق آخر كان من المحتمل أن يكون لاعب كرة قدم محترف، كل شيء يؤهله لذلك، جسم رياضي، توق شديد للعبة، ومتابعة لكل أخبارها. إلّا أنّه اختار الاحتمال الآمن، الاحتمال الذي يميل إليه آباء 90% من سكان الكرة الأرضية كونه يعطيهم شعورًا بالفخر. اختار ذلك الخيار ونسيَ كل شيء عن الكرة ووضعها على جانب حياته، وبدأ بالخوار.

وغيرهم كثر، فهم الحالة العامة والسائدة كما تعلمون، ومَن يحاول أن يسلك سلوك غير ذلك يعتبر شاذ ومخالف وجب السخرية منه كونه لا يسير كما يسيرون ولا يخور كما يخورون.

الإذعان كبداية، لكن كإذعان طفل ماكر ابتسم ابتسامته الخبيثة وبدأ بعدها بالتحضير لمخططه المُحكم التنفيذ، وفي سبيل تحقيق ذلك تعلم الكثير وقطف الكثير إلّا أنّه تعب من الكثير أيضًا، فكان لا بد من أن يستريح كما يستريح الجندي المحارب.

ويبقى الأهم دائمًا هو ألّا يتنازل ذلك الجندي عن معركته، يجب أن يستمر في الكفاح، يجب عليه أن يبقى جنديًا إلى آخر لحظة ولا يخور أبدًا.

الآن حاول أن ترى الصورة الكاملة بعيدًا عن كل التحيّزات، ولتتخلى عن حالة الشخص المسكين الذي جُبر من قبل أهله على شيء ما لا يُطيقه، ومن ثمّ تدهورت حياته كلها، فهذا الأمر غير صحيح.

مدة الجامعة في أقصى حالاتها هي 6 سنوات، لذلك – وبالنسبة لعمرك كله – هي فترة قصيرة، وستتخلص منها في سن مُبكرة، فقد تتخرّج في عمر الـ 22 حتى، فالطريق ما يزال مفتوحًا، لذلك بإمكانك بعدها أن تفعل ما تُريد وبالطريقة التي ترغب. الأهم في الموضوع من جذوره هو ألّا تتكيف! ألّا تتخلى عما تريد.

فقط حافظ على صوتك للحظة الأخيرة، لربما تضطر لأن تواجه بضعة سنين عجاف في حياتك إلّا أنّها مهمة ومفيدة، فالشهادة الجامعية فوائد جمّة، أبرزها عندما تُريد الارتباط والخطوبة، فتكون عندها بمثابة لا حكم عليه عند والد العروس.

المفاجآت لا تزال أمامك، والطريق ما يزال بانتظارك لتكتشفه.

بالمناسبة، عنوان المقال غير صحيح. لا يوجد مُقارنة بين الدراسة وبين رغبة الشخص. تستطيع أن تفعل كل ما تنويه معًا أو تِباعًا. المهم كما قلت هو أنّك تُريد. لكن إن أحببت أن تلعب دور البائس الذي جُبر من أهله، فأنت حر. لكن تأكّد أنّك لن تتقدم قيد أنملة، ولن تكسب بذلك سوى حياة بائسة وأصدقاء كارهين ومشوار متوقف لن تتطوّر فيه.

أنت تُريد، إذن فلتفعل ما تُريد، وتذكّر دائمًا أن تحافظ على صوتك دون أن يتلوّث، فطبيعة البشر تفرض على كل فرد أن يكون له صوت خاص به كالبصمة يستحيل وجودها عند اثنين معًا.

وإياك أن تخور، ثم إياك أن تخور!

المصدر اراجييك :الدراسة الجامعية: بين رغبة العقل وجبرية الأهل، ما الحل؟

التدوينة الدراسة الجامعية: بين رغبة العقل وجبرية الأهل، ما الحل؟ ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

“الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة”وتدريس التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي التأهيلي :نموذج المضمون الرقمي : أية قيمة مضافة ؟ ـ عبد الرحمان شهبون

$
0
0

مدخل إشكالي :
في إطار مواكبة المدرسة المغربية للمستجدات التكنولوجية الحديثة والرهان على عملية تحديث وتجويد المنتوج التربوي، في أفق اللحاق “بمجتمعات المعرفة”، انصب الاهتمام الرسمي على أهمية إدماج الآليات المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات والاتصال التربوي ضمن العملية التدريسية بما فيها تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي التأهيلي بغية الاستفادة من كل ما تقدمه فضاءات الأنترنيت والمضمون الرقمي من منتوج تربوي رقمي محين ومتنوع، بإمكانه المساهمة في الارتقاء بتدريسية المادة شكلا ومضمونا…

ويكتسي هذا التجديد البيداغوجي – التكنلوجي حاليا أهميته من كونه يشكل أحد المداخل الأساس التي ينبني عليها إصلاح منظومة التربية والتكوين في سياقها العام، وتحديثا للمناهج الدراسية في أبعادها الشاملة، بهدف تجويد تدريسية المواد الدراسية بالمرحلة الثانوية التأهيلية، ومنها على الخصوص مادتي التاريخ والجغرافيا أملا في إعادة إحياء بريقهما ومكانتهما الوظيفية، ومسايرة منحى التطور المجتمعي بصفة عامة، واهتمامات الأجيال الحالية من المتعلمين المولعة بهذه التكنولوجيا الحديثة، وجعل آلياتها المعلوماتية في خدمة عمليتي التعليم والتعلم والارتقاء بمحتوى العرض التربوي…

وإذا كان هاجس “الإطار الماكرو – تكنلوجي” هو الأكثر حضورا لاستخدام وتوظيف هذه الآليات المعلوماتية الحديثة ضمن الخطاب الرسمي للوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين بالمغرب، فإن النقاش الحاد والمثير للجدل والمغيب ضمن صلب هذه المعادلة التحديثية، هو غياب التساؤلات ذات الطبيعة البيداغوجية والديداكتيكية حول الخطوات المهارية والمنهجية والمفاهيمية الأساس والكفيلة بحسن استعمال واستثمار هذه الآليات المعلوماتية الحديثة في العملية التدريسية. والقيمة المضافة التي يمكن لهذه الدعامات التكنلوجية الحديثة أن تحملها في أفق تجويد وتحديث تدريسية مادتي التاريخ والجغرافيا…

ضمن هذا المدخل السياقي، يحق لنا أن نتساءل حول دلالات ومكامن القيمة المضافة لهذه الآليات المعلوماتية الحديثة في تجويد تدريسية المادة؟ وهل فعلا تم التأصيل البيداغوجي- الديداكتيكي الأساس من أجل الاستثمار العقلاني لهذه الدعامات التكنولوجية الحديثة؟ أم أن الأمر يتعلق بموضة تحديثية هدفها الانفتاح على هذه الآليات أكثر من الاهتمام بتجويد تدريسية المادة؟
1- السياق البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال : مسيرة التطور من الوسائل التعليمية الخاصة إلى الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة :

شكل إدماج آليات التكنولوجيا الحديثة ضمن تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا بالمرحلة التأهيلية هاجسا ظل حاضرا ضمن جل محطات إصلاح منهاج المادة منذ تعريبها. وضمن هذا المنحى التراكمي التصاعدي شهدت هذه العدة التكنولوجية تطورا ملحوظا على مستوى النوعية والكثافة، دون أن تواكبه إنجاز بحوث تربوية تستحضر تقييم هذه التجربة على مستوى الإطار العام كما وكيفا، وقوفا عند عتبة كيفية استثمارها البيداغوجي والديداكتيكي بهدف تسهيل عمليات بناء التعلمات وترسيخ المكتسبات المعرفية – المفاهيمية لدى المتعلمين، وتقويمها، وأثرها على تجويد تدريسية المادة بصفة عامة.

إن الملاحظة العامة من خلال هذا الجرد السياقي هي أن لكل لحظة إصلاح بيداغوجي، آلياته التكنولوجية الموازية لبقية الآليات الأخرى المستثمرة في بناء تدريسية مادتي التاريخ والجغرافيا :

*فقد أشارت كراسة “برامج الاجتماعيات في التعليم الثانوي” لسنة 1979، بشكل مقتضب إلى ضرورة تدعيم تدريسية المادة داخل الفصول الدراسية من خلال إدماج الوسائل الخاصة ومن ضمنها “آلات لعرض الصور”، مذكرة ببعض الإجراءات الكفيلة باستثمار ها بشكل عقلاني داخل الفصول الدراسية[1]…

* أما وثيقة “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالمرحلتين الإعدادية والثانوية” الصادرة سنة 1988، فقد أفردت فصلا خاصا وهو الفصل الثالث للحديث عن الطرق والوسائل التعليمية[2] . فبعد تأكيد وظيفيتها في تدريس مادة الاجتماعيات، اعتبرتها هذه الكراسة أكثر من وسائل إيضاح، بل هي مكون أساسي لتنشيط عملية التواصل البيداغوجي داخل الفصول الدراسية، مؤثثة لمجموعة من المجالات والشروط الكفيلة بكيفية استثمارها في تدريسية المادة. ومشيرة إلى معايير تصنيفها بين الوسائل المستعلمة طيلة الحصة الدراسية (السبورة – الكتاب المدرسي…)، ثم الوسائل التعليمية التي تستعمل جاهزة بهدف الملاحظة والاستنتاج. مركزة أساسا على الصور الشفافة المعروضة بجهاز العرض العادي أو الأتوماتيكي، والأفلام التعليمية، ومعروضات جهاز المسلط العاكس[3]. ولم تغفل هذه الكراسة في نهاية المطاف الحديث عن بعض الخطوات المهارية الضرورية من أجل استثمار هذه الدعامات المعروضة ضمن هذه الوسائل من أجل اكتساب مهارة الاستنتاج…

*وفي نفس المنحى عززت وثيقة “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالتعليم الثانوي” الصادرة سنة 1994. بتخصيصها للفصل الثالث من أجل مناولة “الوسائل التعليمية وطرق التدريس”[4] . معتبرة أن هذه الوسائل التعليمية هي مجموع الوسائط والأدوات البيداغوجية المستخدمة من طرف الأستاذ من أجل بلوغ الأهداف الإجرائية المرغوب فيها. وارتباطا بالعديد من المعايير ، ميزت هذه الكراسة بين جملة من أنواع هذه الوسائل التعليمية، مخصصة حيزا هاما للحديث عن “الوسائل التكنلوجية”، وفي مقدمتها المسلط العاكس، عاكس الصور أو المنظار، الأفلام التعليمية، والوسائل السمعية… واختتمت هذه الكراسة بالحديث عن شبكة الأهداف البيداغوجية والمزايا الديداكتيكية وشروط الاستثمار الإيجابي المرتبطة بهذه الوسائل منها دقة اختيار الوسيلة، وتخطيط استعمالها…[5].

*ونختتم محطة هذا السياق البيداغوجي بالحديث عن آخر وثيقة تربوية والمتعلقة “بالتوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، والصادرة في نونبر 2007، حيث أفردت “الفصل الخامس” لمناولة الدعامات الديداكتيكية[6]. فقد ركزت هذه الوثيقة على أهمية ومكانة هذه الدعامات الديداكتيكية في تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا ضمن إصلاح المنهاج الحالي للمادة والذي تؤثثه معادلتي المقاربة بالكفايات ونظام المجزوءات، الشيء الذي فرض تطوير أساليب الاستفادة من المعينات المألوفة والعمل على توظيف التكنلوجيا الحديثة للإعلام والاتصال من أجل تدليل الصعوبات التي يمكن أن تطرحها تنمية بعض الكفايات المتوخاة من المنهاج الجديد. وبجانب هذا أشارت هذه الوثيقة إلى ضرورة استحضار جملة من المبادئ العامة لكيفية استثمار هذه الدعامات (التدرج – التنويع – الإدماج – التكامل – الوظيفية…)، وبعض الشروط التقنية والبيداغوجية المعتمدتين في عملية الاستثمار . خاصة وأن بعض هذه الضوابط البيداغوجية الواردة بين دفتي هذه الوثيقة التربوية تتلامس وتتقاطع مع وظيفية الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة ومنها على الخصوص :

– التخطيط لاستعمال الدعامات ضمن الإعداد الشامل لمختلف مكونات المجزوءة.

– التعامل معها كأسس مادية تساعد المتعلم على إنتاج المعرفة وتنظيمها وذلك من خلال وضعيات تتيح له حرية المبادرة والتعلم الذاتي.

– تأطير الاستخدام والتحكم في مجرياته بأسئلة مركزة ومصاغة صياغة هادفة.

– التأكد من مدى تحقق الأهداف المتوخاة من استخدام الدعامة عن طريق التتبع والتطبيق.[7]

وفضلا عن الإشارة إلى الدعامات الديداكتيكية الشائعة الاستخدام وضوابط توظيفها (السبورة – الكتاب المدرسي…)، اهتمت هذه الوثيقة بالحديث عن الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة ومنها الأنترنيت والمضمون الرقمي وقيمتهما المضافة بالنسبة للمدرس والمتعلم على حد سواء [رغم أن كراسة التوجيهات التربوية ركزت حديثها عن الانترنيت متغافلة عن المضمون الرقمي]. إضافة إلى استعراض مختلف أجهزة العرض السمعية والبصرية وأنواع المعروضات ومنها جهاز التلفاز وأجهزة الفيديو والكمبيوتر والداتشاو… مدمجة بعض الشروط التقنية بالضوابط الديداكتيكية من أجل تفعيل استثمار متقاطع لجل الدعامات الديداكتيكية ومنها هذا النوع من الدعامات خصوصا، من خلال :

– التخطيط المسبق للاشتغال عليها بشكل مندمج مع بقية مكونات العملية التعليمية.

– إتباع الخطوات المنهجية المناسبة لتحقيق الهدف من العرض، مع فسح المجال للأنشطة التعلمية أكثر من الأنشطة التعليمية [8] .

عموما ظلت مناولة هذه الوثيقة التربوية في إطار حديثها عن الانترنيت والمضمون الرقمي، مناولة عامة وفضفاضة وتهم بالأساس فضاء الأنترنيت في غياب الحديث عن المضمون الرقمي، إضافة إلى تركيز الاهتمام على الجوانب التقنوية أكثر من الجوانب البيداغوجية والديداكتيكية الضرورية من أجل الرفع من فاعلية هذا الاستثمار. وهو ما جعل أغلب الممارسات التربوية داخل الفصول الدراسية تتمحور حول “المضمون الرقمي” خصيصا وعرضه باستخدام جهازي “الحاسوب والمسلاط /الداتشاو (DATA SHOW)” سواء جزئيا أو كليا في تدبير مفاصل العملية التعليمة – التعلمية. وبجانب هذا ظلت العديد من الإشكالات الأخرى مطروحة وبحدة ضمن هذه الوثيقة التربوية، ومنها بالخصوص ضرورة توضيح طبيعة علاقة دعامة “المضمون الرقمي” كدعامة تكنولوجية حديثة بباقي الدعامات الأخرى وخاصة الدعامات الشائعة الاستخدام منها وبالأساس “الكتاب المدرسي”، هل هي علاقة تكامل؟ أم علاقة تنافس وتنافر؟ أم علاقة تعويض؟ وما هي طبيعة الخطوات المهارية والمنهجية المناسبة لتحقيق الهدف من العرض الرقمي والتي تتحدث عنها كراسة التوجيهات التربوية بصيغة العامة والفضفاضة؟[9].

2- التعريف “بالمضمون الرقمي” كأحد أعمدة الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة :

قبل مناولة مفهوم “المضمون الرقمي” ودلالاته المعرفية والمصطلحية، لابد من الإشارة إلى أنه هناك ضبابية وتعدد كبير في المفاهيم المستخدمة حول المنتوج المرتبط بتكنولوجيا المعلومات والاتصال، فالبعض يتحدث عن “تكنولوجيا المعلومات والاتصال التربوي”(Tice)، والبعض الآخر يتحدث عن تكنولوجيا المعلومات والاتصال بصيغة عامة” (Tic)، كما أن البعض الآخر يتحدث عن الموارد الرقمية (Les ressourses numériques)، في الوقت الذي يتحدث آخرون عن “المنتوج الرقمي”(Le produit numérique)… وفي نفس السياق حاول “المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي” ضمن آخر إصدار له هذه السنة، التوفيق بالحديث المزدوج عن إنتاج المضامين والموارد التعليمية الرقمية معا، والحوامل الرقمية…[10]. وقد انتقلت عدوى هذه الضبابية والغموض لتجتاح جل أروقة الوزارة الوصية نفسها على قطاع التربية والتكوين بالمغرب، وتباين خطابات مديرياتها وأقسامها حول استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال التربوي، فعوضا عن وحدة في المفهوم والمصطلح نجد تنوعا وتعددا بل وتشرذما في استخدام المفاهيم المتداولة حول هذه التكنولوجيا، فإذا كانت البوابة الرقمية لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعليم (www.portailtice.ma)، وهي إحدى البوابات المهيكلة للموقع الإلكتروني للوزارة تتحدث عن “الموارد الرقمية” المستخدمة في العملية التعليمية – التعلمية بصيغتيها المزدوجة الموارد الرقمية الحرة والموارد الرقمية المحمية، فإن مديرية المناهج المنتمية لنفس الوزارة تتحدث عن مفهوم تقنوي آخر والتي حددته ضمن التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي تحت اسم “المضمون الرقمي”(le contenus numérique)… وتفاديا لكل لبس أو غموض في الموضوع سأتحدث ضمن هذه المداخلة على مفهوم “المضمون الرقمي” باعتباره المفهوم الذي تم التأثيث له ضمن منهاج المادة وتم توثيقه ضمن كراسة التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي التأهيلي. فما المقصود بالمضمون الرقمي؟

المضمون الرقمي “هو دعامة ديداكتيكية مرتبطة باستثمار آليات تكنولوجيا المعلومات والاتصال التربوي، تختزل مجمل المنتوج التربوي الرقمي الذي يعمل المدرس على جمع شتاته من فضاء الأنترنيت وبالأساس من بعض المواقع الإلكترونية المهتمة تربويا بمادة “الاجتماعيات”، أو من بعض المواقع الإلكترونية الخاصة بالمؤسسات الحكومية و المنظمات الدولية… في أفق إغناء تدريسية وحدة دراسية معينة من وحدات منهاج المادة بمنتوج رقمي جد حديث ومتنوع ومحيين، أو اختزال مضمونها المعرفي – المفاهيمي من خلال توثيق الدعامات الديداكتيكية الأساس كالخرائط والمبيانات والصور والأشرطة الوثائقية… وتنميط كل منتوجها باستخدام تقنية الشرائح المحوسبة “Power Point” ،وعرض منتوجها الرقمي خلال حصة دراسية أو جزء منها باستخدام جهازي الحاسوب والمسلاط أو جهاز عرض البيانات/الداتشاو DATA SHOW “.

3- تدبير “المضمون الرقمي” ضمن الممارسة الفصلية : واقع الحال :

إن إدماج دعامة “المضمون الرقمي” ضمن تدريسية مادتي التاريخ والجغرافيا بالمرحلة التأهيلية، بالصيغة الحالية والذي يشكل الغطاء الأكثر طغيانا ضمن الممارسات التدريسية، يظل جزئيا ومحدودا على مستوى بعدي الزمان والمجال داخل الفصول الدراسية، نظرا للعديد من الاعتبارات المرتبطة سواء منها المتعلقة بالجوانب التقنوية (غياب القاعات المتخصصة – محدودية الأجهزة الإلكترونية…)، أو منها المتعلقة بالجوانب البشرية (قلة المدرسين الذين يحسنون استخدام أجهزة الحاسوب والمسلاط/الداتشاو – غياب التكوين المستمر للأطر التدريسية في هذا المجال…)، والصيغة الأكثر تعميما بالنسبة للفئة القليلة التي تستخدم هذه الدعامة هو اعتبارها “دعامة للإيضاح” أكثر من كونها “دعامة بنائية” تمكن المتعلمين من بناء واكتساب قيم المنتوج المعرفي – المفاهيمي، ومهارات البحث التعلمي، واستحضار مهارات التفكير النقدي، وتنمية الجوانب السيكولوجية في شخصية المتعلم والمرتبطة بالقيم والمواقف الإيجابية التي يمكن لمنهاج مادتي التاريخ والجغرافيا ترسيخها في سلوك وقيم المتعلمين.

عموما ينصب الهاجس التدبيري لإدماج دعامة “المضمون الرقمي” ضمن العملية التعليمية – التعلمية لدى غالبية الأساتذة المعتمدين على استدماج هذه الدعامة الحديثة. بدءا بعملية التخطيط وصولا إلى مرحلة التنفيذ داخل الفصول الدراسية على “المجهود التوثيقي” للدعامات الديداكتيكية التي يمكن أن يوفرها فضاء الأنترنيت، وتظل جل هذه الدعامات تهم الجوانب الكرافيكية بالأساس (الصور – الخرائط – الأشرطة الوثائقية…)، في غياب تام لمسارات البحث الرقمي المعمق والمحين في أفق إغناء مضمون هذه الدعامة الديداكتيكية بالوثائق المعرفية – المفاهيمية، والمعرفية – الكمية (نصوص تاريخية وجغرافية جديدة موثقة ومحينة – جداول ومبينات تتضمن إحصاءات حديثة ومحينة وذات مصداقية علمية…) في أفق مسايرة التحولات السريعة التي تشهدها دينامية المجال الجغرافي في عموميته أو خصوصيته، والتراكمات المتعددة الأبعاد التي تشهدها الدراسات التاريخية حول المجتمعات البشرية (تاريخ العقليات – تاريخ الاقتصاد الحديث…). وبالتالي فإن ما يقدم عموما ضمن “المضمون الرقمي” كأحد الدعامات الديداكتيكية الحديثة يظل هو تقديم المنتوج الجاهز والمتوفر من الوثائق، والذي يشكل الحد الأدنى والغالب المستهلك في غياب عمليات التنقيب الرقمي عن الأجود والأحسن والمحين، والقيام بعمليات الغربلة والتمييز والمقارنة، من خلال استحضار مسألة/هاجس احترام تدرجية معايير النقل الديداكتيكي الخارجي (من المعرفة العالمة إلى المعرفة المدرسية)، أو معايير النقل الديداكتيكي الداخلي (جودة تمرير المنتوج البيداجي من طرف المدرس في علاقته التواصلية مع المتعلمين)…

إن غياب أيام تكوينية للمدرسين، وغياب “الدليل البيداغوجي” الموازي والخاص بكيفية استثمار دعامات تكنلوجيا المعلومات والإتصال المرتبطة بمادتي التاريخ والجغرافيا… والذي من شأنه أن يؤصل للجوانب البيداغوجية والديداكتيكية الأساس والكفيلة بكيفية استثمار مضمون هذه الدعامة في أفق الارتقاء بالأداء التدبيري للمدرس وتحسين/تجويد العرض التربوي المقدم للمتعلم، يزيد من الغموض والضبابية حول أهمية إدماج هذه الدعامة وقيمتها المضافة في العملية التدريسة عامة، وخصوصا بالنسبة لمادتي التاريخ والجغرافيا، اللتان فقدتا بريقهما وجاذبيتهما المعرفية – والتكوينية، بسبب منافسة آليات جديدة وبحدة شديدة لمجالهما حيث أثرتا على مكانتهما المدرسية وبالأساس ما تقدمه القنوات الفضائية المتخصصة في القضايا الوثائقية، أو ما يقدمه فضاء الأنترنيب من تخمة معلوماتية معرفية وكمية ووثائقية… باستخدام أحدث الابتكارات العلمية والتكنولوجية المركزة على فنية تقنية الصورة والصوت والحركة وتنويع المعلومة وتحيين أصولها وتقديمها في أشكال أكثر جاذبية…

عموما تظل الجوانب البيداغوجية – الديداكتيكية لكيفية إدماج “المضمون الرقمي” كدعامة ديداكتيكية حديثة داخل الفصول الدراسية في أفق إغناء تدبير العملية التعليمية – التعلمية وتجويد منتوجها التربوي، تعاني من فقر شديد وخاصة على المستويين المنهجي – الديداكتيكي، بسبب غياب كلي لعملية استحضار الأبعاد المرتبطة بالنقل الديداكتيكي الخارجي والداخلي، واقتصار عموم المدرسين في هذا الشأن على استدماج الدعامة المعنية (الخريطة – الصورة …) كوثيقة “إيضاح”، من خلال تبني عملية القراءة الأفقية والأحادية للوثيقة المستشهد بها، والقفز مباشرة نحو محطة استخلاص المضمون المعرفي الذي تتضمنه، وهي محطات خطية ورتيبة تختزل استثمار جل الدعامات وأبعادها المتنوعة في خطوتين متتاليتين هما خطوتي القراءة – الخلاصة وهو ما يؤثر على جودة المنتوج التربوي الرقمي ويحدث شرخا ديداكتيكيا عميقا يحول دون احترام تراتبية خطوات المقاربة الديداكتيكية المتعمدة في تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا. كما أنه يطرح أكثر من علامة استفهام حول البعد العميق أو القيمة المضافة من إدماج هذه الدعامة الإلكترونية في العملية التدريسية ويجعل هذه العملية في عمومها تدور في فلك “الإلقاء الإلكتروني”. وهو منحى يتعارض كليا مع المقاربة الديداكتيكية المعتمدة في بناء التعلمات المنتظرة من مادتي التاريخ والجغرافيا، وتحقيقا لكافة الكفايات المنتظرة من منهاج المادتين، وخاصة تبيان أثر الكفايات التكنلوجية على تنمية بقية الكفايات المنهجية –المهارية من جهة، والكفايات المعرفية –الثقافية من جهة أخرى، وأخير ا الكفايات المرتبطة باكتساب القيم والمواقف الإيجابية.

4- الأبعاد البيداغوجية والديداكتيكية لاستثمار آليات التكنولوجيا الحديثة في العملية التدريسية :

بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على العمل بالمنهاج الحالي لمادتي التاريخ والجغرافيا بالمرحلة التأهيلية – وللأسف الشديد- ما زلنا نعيش لحظة غياب عميقة للنقاش والتفكير والتأمل حول الجوانب البيداغوجية والديداكتيكية المرتبطة بإدماج الآليات التكنلوجية الحديثة في العملية التدريسية ومنها بالخصوص دعامة المضمون الرقمي. إن غياب الأبحاث التربوية الوطنية حول فاعلية هذه الآليات وقيمتها المضافة بالنسبة لتدريسية مادتي التاريخ والجغرافيا بالمرحلة التأهيلية، ومأسستها في أفق إحداث تحول بيداغوجي كبير ضمن منحى سياق تجويد العملية التعليمية التعلمية يشكل هو الآخر بعدا محددا وكابحا لهذا الـتأمل البيداغوجي عامة – إذا استثنينا الدراسة الوحيدة المنجزة لحد الآن، وهي من إنتاج مشترك بين “مديرية برنامج جيني”، “والمفتشية العامة للشؤون التربوية”[11]. وإذا كان استخدام هذه الآليات التكنولوجية بصفة عامة في العملية التدريسية “غير محايد” تماما، فالتساؤل المطروح يتعلق بالعمق الذي يمكن أن ينتج عن هذا الاستخدام لإحداث التحول في الممارسات البيداغوجية العادية. في ظل سياق التعميم المحتشم لاستخدام هذه الآليات في تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا.

وإذا كانت بعض المقالات التربوية التخصصية تميل كل الميل نحو تغليب الجانب التقنوي من هذه الآليات التكنولوجية الحديثة، على حساب الاكتساب التدريجي والمرحلي للتعلمات والمفاهيم الخاصة بمادة الجغرافية بشكل أساسي واعتيادي داخل الفصول الدراسية، وكيفية استثمارها في الحياة العملية، من خلال التساؤل عن مغزى وهدف تدريس مثلا “الإحداثيات الجغرافية” في ظل انتشار أجهزة GPS [12] . فإن بعض الدراسات النفسية شككت في فاعلية هذه الأجهزة في تمكين الأفراد من اكتساب مهارات التوطين والتموقع الجغرافي : “وقد أظهرت دراسات [نفسية] مماثلة أن المستخدمين الدائمين لأجهزة تحديد المواقع بدأوا يفقدون حاستهم الفطرية في تحديد الاتجاهات”.[13]

وباستثناء بعض المحاولات المحدودة التي تبرز مدى انشغال أساتذة المادة ومدى تركيز كفاياتهم ومهاراتهم على تطويع وتكييف آليات هذه التكنلوجيا الحديثة وتسخيرها لتيسير عملية بناء واكتساب التعلمات من طرف المتعلمين، من خلال استحضار هاجس البعد الرقمي – الديداكتيكي ضمن عملية استثمار آليات هذه التكنلوجيا الحديثة في عملية تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا، وإن كانت جل هذه المحاولات الاجتهادية معدودة على رؤوس الأصابع وموثقة ضمن فضاء الموارد الرقمية المحمية ضمن “البوابة الرقمية لإدماج تكنلوجيا المعلومات والإتصالات والتعليم” [14]. قد ركزت على مادة الجغرافيا أكثر من مادة التاريخ – وهي محاولات تربوية تستحق كل التنويه والتشجيع وإن كانت تهم رقمنة بعض دروس التعليم الثانوي الإعدادي أكثر من التعليم الثانوي التأهيلي–التي توثق للخطوات التقنوية لكيفية استثمار المضمون الرقمي ضمن تدريسية مادة الجغرافيا والتاريخ…

ضمن البعد التأملي البيداغوجي حول التحولات المرتبطة بإدماج آليات التكنلوجيا الحديثة في العملية التدريسية، يتطلب الأمر توضيح الحد الذي تكتسب فيه “الكفايات الرقمية” وهو ما يتطلب إعادة التفكير الأساس حول نوعية الكفايات التكنلوجية المحددة في وثيقة المنهاج، وعلاقتها بحزمة التعلمات المنتظرة في كل مستوى تعليمي أو في كل مجزوءة تعلمية تخص مادتي التاريخ والجغرافيا بالمرحلة التأهيلية، والارتقاء من وضعية “ماذا يجب أن نفعل بهذه الآليات”، إلى وضعية “كيفية الاشتغال بهذه الآليات”. أو كيف يمكننا التعلم بطريقة مغايرة من خلال إدماج آليات التكنلوجيا الحديثة؟ وهو ما يحيلنا إلى ضرورة تأصيل المقاربات البيداغوجية – الديداكتيكية الكفيلة بإنجاح هذه الوضعيات التعلمية الممكننة، وتغليبها على المقاربات ذات الطابع التقني الصرف.

إن هذا العمل البيداغوجي – الديداكتيكي المبني على الجانب التقنوي، هدفه الأساس هو تدريب المتعلمين على كيفية البحث والتنظيم المعلوماتي، والارتقاء نحو محطة النقد الإيجابي من خلال المقارنة والتمييز بين المعلومة وقيمتها العلمية، ووظيفيتها العملية، أكثر من هاجس البحث عن المعلومة في حد ذاتها بحكم التخمة المعرفية التي تميز العالم الرقمي الافتراضي… وهو ما يستدعي التخطيط المعقلن والشامل لما يعرف “بالسيناريو البيداغوجي”[15]. وتفرض مكونات هذا السيناريو ضرورة احترام تراتبية الخطوات المهارية – المنهجية التي نصت عليها المقاربة الديداكتيكية لمادتي التاريخ والجغرافيا وخاصة في مكوني المفاهيم والنهج الخاصين بالمادتين المدرستين أثناء مناولة واستثمار الدعامات الديداكتيكية الرقمية والاشتغال عليها[16]. كما يفرض هذا السيناريو البيداغوجي أيضا ضرورة احترام تراتبية الخطوات المهارية – المنهجية الخاصة بكل دعامة ديداكتيكة يتم الاشتغال عليها، (فالخطوات المهارية – المنهجية لاستثمار الصورة، مثلا تختلف عن الخطوات المهارية – المنهجية لاستثمار الخريطة في مادة التاريخ أو الجغرافيا، وإن كانتا تنتميان لنفس الوسائل التعبيرية الكرافيكية، وترتبطان بقراءة وتحليل محتوى الصورة أو الخريطة، كما أن هذا الاستثمار يختلف حسب خصوصية كل مادة تدريسية سواء كانت مادة التاريخ أو مادة الجغرافيا…). والهدف النهائي من خلال هذا الجهد الإبداعي الرقمي هو المحافظة على الهوية التدريسية والخصوصية الديداكتيكية المميزتين لكل من مادتي التاريخ والجغرافيا والارتقاء بوظيفيتهما المعرفية والمفاهيمية، ومنحهما بعدا رقميا. وهذا يعني في نهاية المطاف تغليب الجوانب البيداغوجية – الديداكتيكية على الجوانب التقنوية، حفاظا على الهوية المعرفية – المفاهيمية والخصوصية الثقافية لمادتي التاريخ والجغرافيا، وجعل الجوانب التقنوية في خدمة البعد التكويني والمهاري من شخصية المتعلم، وتجاوز عملية الالتفاف حول الأبعاد التكوينية والأهداف المنتظرة من تدريسية منهاج المادتين…

خلاصة :
غالبا ما يتم اختزال النظر أثناء تبني وتعميم استدماج تكنلوجيا المعلومات والاتصال التربوي في العملية التدريسية، إلى الجوانب التقنوية الإيجابية، على أساس أنها يمكن أن تشكل حلا يتجاوز تعقد الجوانب البيداغوجية والديداكتيكية المميزة للعملية التدريسية، ويمنح قيمة مضافة يمكن أن تغني مفاصل العملية التدرسية بصفة عامة في أفق الارتقاء بتجويد محاور مادة دراسية معينة، إلا أن العديد من المنزلقات يمكن أن تعاكس هذه التوجهات والاستشرافات الإيجابية، وتزيد من رتابة وتقليدانية تدريسية المادة المدرسة بصفة عامة ومنها مادتي التاريخ والجغرافيا. وفي هذا الإطار لا بد من استحضار تجربة إدخال المطبعة بالمغرب خلال النصف الثاني من القرن 19 والأبعاد التي كانت منتظرة منها والنتائج التي خلفتها على أرض الواقع، حيث يقول الأستاذ جرمان عياش في هذا الصدد : “كان سيدي محمد [1859 – 1873] ينتظر من المطبعة أن تساهم في تحديث البلاد، ولكنها اقتصرت في الواقع على دعم التقليد، وهو تقليد جدير بالاحترام ولكنه لم يكن بحاجة إليها وقتئذ ليبقى راسخا. لقد كان ينتظر منها أن تعمل على توسيع دائرة النشاط الفكري، فإذا بها هي نفسها تتقوقع في نطاق التقليد…”.[17]
البيبليوغرافيا :
1-Ghislain Domine, 2015, (Les) Tice en classe, mode d’emploi, collection pédagogies.
2- Sylvain Genevois, 2014, apprendre avec le numérique, apprendre avec les Tice en histoire – géographie. www.chaiers pédagogiques.net
3- حسين محمد أحمد عبد الباسط، 2005، التطبيقات والأساليب الناجحة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في تعليم وتعلم الجغرافيا، مجلة التعليم بالأنترنيت جمعية التنمية التكنولوجية والبشرية، العدد 5 مارس 2005، ص ص : 47 – 59.
4- آل غور، أبريل 2015، المستقبل ستة محركات للتغيير العالمي ج1، عالم المعرفة العدد 423، ترجمة عدنان جرجس، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
5- جرمان عياش، 1986، ظهور المطبعة بالمغرب، “دراسات في تاريخ المغرب”، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء،
6- المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، 2015، من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء،رؤية استراتيجية للإصلاح 2015- 2030،
7- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، المختبر الوطني للموارد الرقمية، يوليوز 2012، الرباط،
8- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج والتفتيش المختص، “برامج الاجتماعيات في التعليم الثانوي، شتنبر 1979، مطبعة المعارف الرباط،
9 – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالمرحلتين الإعدادية والثانوية”، 1988، مطبعة دار نشر المعرفة ، الرباط،
10- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالتعليم الثانوي”، 1994، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط،
11- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، “التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثاوني التأهيلي”، نونبر 2007، الكتابة العامة، مديرية المناهج، الرباط،
[1] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج والتفتيش المختص، “برامج الاجتماعيات في التعليم الثانوي، شتنبر 1979، مطبعة المعارف الرباط، ص ص : 12 – 13 – 16.
[2] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالمرحلتين الإعدادية والثانوية”، 1988، مطبعة دار نشر المعرفة ، الرباط، ص ص : 33 – 45.
[3] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالمرحلتين الإعدادية والثانوية”، 1988، مرجع سابق ص ص : 40 – 41.
[4] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالتعليم الثانوي”، 1994، مطبعة النجاح الجديدة الرباط، ص ص : 40- 53.
[5] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الكتابة العامة، مديرية التعليم الثانوي، قسم البرامج، “البرامج والتوجيهات التربوية الخاصة بتدريس الاجتماعيات بالتعليم الثانوي”، 1994، مرجع سابق، ص ص : 47 – 50.
[6] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، “التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر2007، الكتابة العامة،مديرية المناهج، الرباط، ص ص : 30 – 34.
[7] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، “التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر2007، مرجع سابق، ص : 30.
[8] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، “التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر2007، مرجع سابق، ص : 33.
[9] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، كتابة الدولة المكلفة بالتعليم المدرسي، “التوجيهات التربوية الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، نونبر2007، مرجع سابق، ص : 33.
[10] – المملكة المغربية، المجلس العلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، 2015، من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء،رؤية استراتيجية للإصلاح 2015- 2030، ص ص : 58- 59.
[11] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، “الدراسة الوطنية حول التقويم الداخلي لمدى استعمال تكنلوجيا المعلومات والاتصالات في الممارسات التربوية”، مديرية برنامج جيني، الرباط، www.portailtice.ma
[12] – Sylvain Genevois, 2014, apprendre avec le numérique, apprendre avec les Tice en hisyoire – géographie. www.chaiers pédagogiques.net.
[13] – آل غور، أبريل 2015، المستقبل ستة محركات للتغيير العالمي ج1، عالم المعرفة العدد 423، ترجمة عدنان جرجس، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ، ص : 82
[14] – المورد الرقمي 1: عوامل تنوع المناخ للسنة الثانية إعدادي – المورد الرقمي 2 : خط زمني تفاعلي للدول التي تعاقبت على حكم المغرب للسنة الثانية إعدادي – المودر الرقمي 3 : تقويم تفاعلي للتعلمات في مادة الاجتماعيات للمستويين الأول والثاني إعدادي – المورد الرقمي الرابع : دفاتر الحرب العالمية الثانية للسنة الثالثة إعدادي – المورد الرقمي 5 : دليل المبيانات في مادة الجغرافيا للسنة الأولى ثانوي تأهيلي (www.portailtice.ma)
[15] – المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الدليل البيداغوجي لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، المختبر الوطني للموارد الرقمية، يوليوز 2012، الرباط، ص ص : 13-14.
[16] – التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، 2007، مرجع سابق، ص ص: 4- 7
[17] – جرمان عياش، 1986، ظهور المطبعة بالمغرب، “دراسات في تاريخ المغرب”، الطبعة الأولى، مطبعة النجاح الجديدة، البيضاء، ص : 142.

التدوينة “الدعامات الديداكتيكية المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة” وتدريس التاريخ والجغرافيا بالتعليم الثانوي التأهيلي :نموذج المضمون الرقمي : أية قيمة مضافة ؟ ـ عبد الرحمان شهبون ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

تجديد العلاقة البيداغوجية ـ ذ. محمد الجيري

$
0
0

” L’école n’est pas une guerre entre élèves et maître, c’est une collaboration affectueuse, une lente ascension commune vers la connaissance et l’amour. “
Henri Vincenot.
يحمل الواقع اليومي تحديات جديدة وكثيرة بالنسبة للبناءات النظرية، وتتسارع وتيرة التحولات التي يشهدها الراهن ما يفضي إلى تآكل أدوات وآليات النظام المدرسي أمام تغول التكنولوجيا وسطوة التغيرات التي تشهدها الأجيال الحالية للمتعلمين، وتحول ثقافة الشباب، وانتظارات المجتمع.لا بد من الوعي باللحظة التي يوجد فيها المشتغلون بالتربية والتكوين، ومن اعتبار الوضع العام للمدرسة والمعارف المدرسية، وعلاقة ذلك بالمحيط العام والخاص، وبل وعلاقات كل ذلك بالتلميذ، فلا حاجة للتذكير بأن العالم اليوم أضحى أكثر تعقيدا مما نظن، فالسياق المجتمعي الحالي ما فتئ يطرح على المدرسة معادلات تربوية معقدة من قبيل أفق العلاقة البيداغوجية، ومعها يصبح من الضروري مساءلة دور المدرسة كفضاء للتنشئة الاجتماعية من حيث قدرتها على إيجاد مناخ سليم لإقامة علاقات تربوية وبيداغوجية متوازنة متحررة من قبضة الماضي، مواكبة لروح العصر، وبالتالي مسهمة في تحرير الطاقات ومنتجة لفرص التحصيل والنجاح الدراسي. وما يضفي على هذه العلاقة طابعا إشكاليا كون انتظارات المجتمع من المدرسة لا تلتقي أحيانا مع حاجيات وميوله، ولذلك فإن فعل الإكراه – الذي يمارسه النظام المدرسي على زبنائه لتحقيق غاياته-، وما يولده من توتر يتحول إلى خاصية ملازمة ولصيقة بالعمل المدرسي.

سياق التجديد
إذا كان التدريس لا يختلف عن غيره من الأنشطة الإنسانية من حيث ارتكازه على عنصر العلاقات بين مكوناته، فإن الثورة التكنولوجية والإعلامية اليوم أضحت توفر إمكانات هائلة تتحول معها الفصول الدراسية التقليدية إلى فصول إفتراضية تمد المتعلم بفرص تحصيل وافرة تضاهي إمكانات الواقع في غالب الأحيان. وأصبح ممكنا بفضل التكنولوجيا النفاذ إلى كم هائل من النصوص والمراجع والانفتاح على كل ثقافات العالم، لقد مكنت الشبكة العنكبوتية التلاميذ من التواصل بيسر فيما بينهم، والانفتاح على بعضهم البعض، ومناقشة المواضيع التي تهمهم. وبما أن مصدر المعرفة لم يعد ممركزا ومحتكرا، فإن البحث عن المعلومة والمشاركة في اكتسابها عبر الوسائط الحديثة يتم بانسياب وحيوية، وأمام هذا الرهان الداهم تصبح مساءلة العلائق البيداغوجية الكلاسيكية مطلبا آنيا خصوصا مع اتساع الهوة بين الأجيال وتسارع وثيرة التحولات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية.

يتسم السياق المدرسي الحالي بحدة التوترات العلائقية التي اتخذت شكلا من أشكال التمرد على التعاقد ورفض الانضباط للنظام المدرسي، ومن تجليات هذا الوضع تنامي العنف المدرسي كمؤشر دال على هشاشة الأمن المدرسي وتهافت العرض التربوي. الشعور بالامتعاض اتجاه المدرسة مرده أن التلميذ غير مقتنع بإسهامها في تنمية مختلف جوانب شخصيته، وبما أنه لم يعد يمنح أية قيمة للزمن الذي يقضيه داخل المؤسسة المدرسية، فإن انتماؤه إليها وولاؤه لها سيتضرر، وسيتحول إلى استهتار وتحدي، وهذا ما يغذي علاقة سلبية لعدد من التلاميذ بالمعرفة ينجم عنها تأثير مباشر وغير إيجابي على المدرس، فالتلاميذ يرون المنتج المعرفي الذي يقدم لهم غير ذي أهمية ولا معنى له بالنسبة لهم، ويصعب تجاوز هذه المسافة والتحكم فيها من قبل المدرسين الذين يعبرون عن امتعاض حيال تبخيس قيمة المعرفة من قبل المتعلمين وتقليلهم لأهميتها ووظيفيتها خصوصا عندما يكونون (أي المدرسون) في بداية مشوارهم المهني.

بدل التركيز على السلطة الديداكتيكية صار من اللازم التفكير في استراتيجيات أساسية ومقبولة وتنظيمها بالخصوص للإحاطة بواقع ومستوى ردود أفعال التلاميذ Ph.Perrenoud 1999)).التحلي بنوع من التبصر المهني يمكن من امتصاص مقاومة التلاميذ وعدوانيتهم التي هي وليدة ثقافة الرفض وفتور الفضول المعرفي، ويعد فتح قنوات التواصل مع المتعلمين أمرا بالغ الصعوبة بمجرد إعراض هؤلاء عن الانخراط في انجاز المهمة المقترحة عليهم ورفضهم لكل مباردة أو توجيه، وتراهم يواجهون كل دعوة الى العمل والمبادرة بالتهرب أو الصمت أو الغش، ومن الباعث على الإحباط تمني عدد من التلاميذ عدم إدراج المادة المعينة في المنهاج الدراسي، ويترجمون أمنيتهم تلك بالتعاطي سلبا مع المعرفة دونما التعبير عن أي متعة أو رغبة في تعلمها، عاقدين كل آمالهم على نيل نقطة الامتياز فقط.

التواصل البيداغوجي

التدريس هو ربط العلاقة مع الآخر، ومنحه القدرة والجرأة على القيام بأشياء وإنجاز أعمال لم يقو على فعلها بمفرده وبشكل تلقائي، ما سيقوده بالتالي إلى التحول نحو الوضع الذي يرغب فيه (Serge Marcotte)، ومنبع صعوبة نشاط التدريس لا تحيل على عمليات ومهام نقل المحتويات والطرق الموضوعة سلفا لأن التواصل الشفهي في الفصل والتفاعلات المعيشة والعلاقات وتنوع الأنشطة داخل كل وضعية هي التي تتيح التعلم أو تعيقه (Marguerite Altet et autres, 2006 ,p31)، لذلك فإن التفكير في العلاقة البيداغوجية بصيغة التعدد – على مستوى تدبير اللحظات الديداكتيكيةMoments didactiques- التي تفيد التنوع -على مستوى حاجيات الآخر المستهدف- سيفضي حتما الى تجويد المواكبة والمصاحبة المدرسية l’accompagnement scolaire وتفعيل أدوار الوساطة البيداغوجيةpédagogique La médiation، وتطوير العلاقات تربوية وفق هذا المنظور سيكون ملائما للتعلمات وسيؤدي إلى خلق تواصل وحوار حقيقي((C. MARSOLLIER,2004.
المدرسة لا تعمل على تكوين العقول فقط، بل أيضا بناء هوية مرتبطة بالانتماء والثقافة والمعتقد والقيم الجماعية. والعلاقة بالتلميذ يؤطرها قطبين متوازيين: قطب معرفي وقطب عاطفي، فالأول مركب يتألف من أشكال التفكير والتصورات والنوايا وأنماط السلوك والمواقف اللفظية وغير اللفظية، والثاني محيط علائقي خاص هو قاعدة لكل تعلم ومصدر لخصوبته. وبعيدا عن حسن المقاصد والطرائق المستندة على العقل، فإن التحليل النفسي يؤكد حقيقة مفادها أنه بمجرد التواصل مع الآخر تتبدى نزعات العنف والخوف من الآخر والاضطراب، وتكمن مفاتيح علاقة جيدة مع التلاميذ في درجة اقترابنا منهم,2004) C.TRIBOULET )، وتعرف أحوالهم وحاجياتهم وخلق بيئة صفية جيدة، فربط جسور التواصل معهم يمكننا من مساعدتهم بصورة أفضل(BrunoOllivier, 1992)، وبقدر درجة حسن التواصل يحصل التعلم. ((C. MARSOLLIER,2004.
يبقى نجاح كل وضعية بيداغوجية قمين بجعل التلاميذ يعيشون نجاحا في مهمات أو مجالات سبق لهم أن واجهوا فيها صعوبات (PENNAC, 2007)، ولكي يكون النشاط المقترح على التلاميذ مولدا للتعلم يتعين على الوضعية أن تضع المتعلم أمام تحد وأن تحثه على العمل والبحث لتفكيك هذا التحديG.DVECCHI,2002)شريطة أن يكون مستوى التحدي لا يتجاوز إمكان المتعلم وطاقته، واذا كان هذا التحدي لا يتطلب جهدا من المتعلم فهو لن يؤدي إلى تعلم جديد، وهذا معناه أن التحدي لا يجب أن يكون مبتذلا أو صعبا ولكنه قابل للتجاوز . انتقاء المفاهيم المفتا، وإثارة الرغبة في مواجهة التحدي أو جعل مادة التعلم مثار رغبة عمل يكتسي دلالة كبيرة V.Bébien ,2004))، وإذ لا يكفي الشعور بالإغراء والإعجاب الذي تثيره الوضعية من حيث الشكل بالقدر الذي يهم التوافق بين ما نرغب فيه وما نقوم به، ولكي يكون هناك تبادل تربوي يلزم أن يشعر المتعلم برغبة في مسعاه نحو تحقيق هدف له دلالة بالنسبة إليه(M.Postic). يعتبر التكيف مع متطلبات الوضعيات البيداغوجية المختلفة والاشتغال على إنماء الحوافز نحو التعلم وإقامة علاقة تواصل معرفية وعاطفية مجالات كفائية من شأنها أن تسهم في خلق علاقة تربوية مفيدة ومولدة للتعلم بصرف النظر عن تفاوت أعمار المتعلمين Potvin (2005) ,Rogers(1976).
التغير السريع الذي يشهده العالم يجعل المؤسسة المدرسية تفتقد شيئا فشيئا الحيوية والدينامية المطلوبة لمسايرة الركب، بل وتتحول أحيانا الى أداة إعاقة للتغيير لتقادم ما تقدمه من معارف تعجز عن فهم الحاضر واستشراف المستقبل، وفي المقابل فإن التطور التكنولوجي ومن فرط توجهه المستقبلي يتجاوز الحاضر الذي يتلاشى بسرعة أمام التدفق المتواتر للأفكار والتقنيات. وانطلاقا من التمييز بين مفهوم مجتمع المعلومات حيث تتضاعف كميات المعطيات المتوفرة ويتيسر تبليغها لأكبر عدد من الناس، وبين مفهوم مجتمع المعرفة الذي يقتضي عناية تربوية خاصة لتمكين الفرد من مفاهيم وأدوات البحث ومفاتيح الاختيار والنقد؛ أمكن القول أن التكنولوجيا مهما بلغت من مستويات التطور و الذكاء فلن تكون بديلا عن المدرس الكفء بحسه المهني وحدسه الإنساني، وحنكة الآلة لا تعوض حكمة المدرس التي تحيل على التجربة والخبرة ضمن متلازمة الوعي والفعل.المعلومة وإن كانت أداة للمعرفة، فهي ليست معرفة بالرغم من ذلك، إنها المادة الأولية لبناء المعرفة، والمدرس الناجح ينتقل بفضل خبرته وكفاءته من مستوى نقل المعارف والمهارات الذي يتساوى فيه كل من الإنسان و الذكاء الاصطناعي الى مستوى تحبيب هذه المعارف التي يطرح تعلمها إشكالا للمتعلم، وجعلها ذات معنى بالنسبة إليه، وبالتالي قنطرة لبلوغ إمكانية التعلم نفسها، فقوة الفعل الإنساني تنتصر على سطوة التكنولوجيا،وبما أن التلاميذ اليوم يتواصلون مع التكنولوجيا أكثر مما يتواصلون مع الأسرة ومع المدرسة، فمن الواجب توجيه التلاميذ إلى الاستعمال السليم لهذه التقنية، ليس لكونها تشكل حافزا قويا للتلاميذ، ولكن كذلك بدافع دمقرطة استخدام هذه الأداة كي لا يكون عائدها دُولة بين خاصة المجتمع.

الإكراه المدرسي

إيقاعات التعلم والاكتساب ايقاعات بيولوجية شديدة التنوع على مستوى درجة اليقظة والانتباه والجهد، يؤدي سوء فهمها من جهة وتضاربها مع الايقاعات المدرسية الى أضرار صحية وعصبية، فالزمن المدرسي عندما لا يحترم هذه الايقاعات يدفع بالتلاميذ الى الاستعانة باحتياطي الطاقة لديهم ما يولد لديهم رفضا وعزوفا عما يقدم لهم لعدم تحملهم له، ومن ثم ينعتون بعديمي الرغبة وفاقدي التحفيز أو الكسالى، وفي المقابل تمارس ضغوطا على الآخرين مصدرها الأسرة أو النظام المدرسي أو المنافسة التي تسم الفصل الدراسي وهذا يدفعهم الى تجاوز إمكانياتهم ما يولد لديهم اضطرابا يترجم باللامبالاة اتجاه العرض المدرسي أو النزوع نحو التغيب كملاذ يحميهم من هدر الطاقة ويتيح إعادة التكيفRÉADAPTATION. ولا يفعل التلاميذ ذلك احتقارا لمادة أو عمل المدرس أو شخصه، وإنما تعبيرا عن عدم جاهزيتهم للتفاعل والانخراط في لعبة لا يتوفرون على مفاتيح كفيلة بأن تعطي معنى للأنشطة والوضعيات المقترحة عليهم.

رهانات
من البديهي الإقرار بتباين المواقف وزوايا النظر إلى العلاقة البيداغوجية بين التلميذ والمدرس بالرغم أهميتها للطرفين معا، وعلى عكس المدرس الذي يبقى حرا في قراراته ومواقفه (انتباه أوعدمه/ مساعدة أو تجاهل/ مراقبة او عدمها / موقف مشجع أوموقف مستبد) فإن التلميذ يخضع لنوع العلاقة المفروضة، والتي قد تشجعه على النمو، كما قد تصيبه بالإحباط، وقياسا الى نوع هذه العلاقة يصير على حد قول “برت راند راسل” من السهل جدا كبح القدرات الابتكارية عند الأطفال، ومن الأسهل إطلاق هذه القدرات الإبتكارية.
1- على مستوى تعلم المعرفة المدرسية :
تتغيا العلاقة البيداغوجية على المدى القصير إتاحة انخراط المتعلم في النشاط التعلمي (الحافز)، ومساعدته على الفهم والاستيعاب (تجاوز العائق) والنجاح في انجاز المهمة (الأداء) ، وتتوقععلى المدى الطويل اكساب معارف ومهارات وخبرات وهي كفايات منقولة من ثقافة شخصية متحرر.
2- على مستوى مواقف المتعلم وسلوكه داخل الفصل الدراسي والتربية على المواطنة:
تراهن العلاقة البيداغوجية على المستوى القيمي ضمن مدى قصير على قبول المتعلم ب”بالعقد البيداغوجي” والالتزام به، والمشاركة في الأنشطة الصفية والانخراط في التعلم وتجسيد القيم المدنية (الاحترام)، وعلى المدى الطويل فإن تجويد العلاقة البيداغوجية سيؤدي إلى تنمية الشعور بالمسؤولية وتقدير المصلحة العامة، اكتساب ثقافة المساءلة وروح النقد الايجابي.
3- على المستوى السوسيولوجي:
تتوخى كل علاقة بيداغوجية سليمة على المدى القصير استثمار الجهود من أجل مدرسة الانصاف التي تؤمن عدالة النجاح المدرسي، والاشتغال على تعلم الاستقلالية والتربية على الديمقراطية Ph.Perrenoud 1999)) وينتظر على المدى الطويل إعمال تكافؤ الفرص لتيسير الادماج الاجتماعي وتحقيق الترقي المهني والاجتماعي تجسيدا لمبدأ المساواة في الحظوظ.
4- على المستوى السيكولوجي:
يثمر حسن العلاقة البيداغوجية على المدى القصير تعزيز وترسيخ علاقة الاهتمام والتحفيز اتجاه المعرفة، وإنماء ثقافة الثقة والانفتاح والود اتجاه المدرس، وكذا الشعور بالمتعة والآمان حيال مادة التعلم والمدرسة أيضا، وعلى المدى البعيد يبقى الهدف الأساس هو بناء التقدير الذاتي وتحقيق التنمية الشخصية وإعطاء معنى للحياة.

ذ. محمد الجيري
مفتش تربوي / المديرية الإقليمية تنغير

التدوينة تجديد العلاقة البيداغوجية ـ ذ. محمد الجيري ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

التعلم والدافعية ـ محمد الجيري

$
0
0

انتصرت كثير من الدراسات التي أجريت في إطار علم النفس المعرفي لفكرة وجود ارتباط وتلازم بين الدافعية والتعلم، باعتبار أن الدافعية تساهم في تحقيق الأهداف التربوية من أجل تحصيل واكتساب المهارات وتنمية الخبرات ومواصلة البحث والتكوين شأنها في ذلك شأن الذكاء والخبرة السابقة، هذه الدراسات أكدت وجود ارتباط بين قوة الدافع وارتفاع الأداء من جهة، وضعف الدافع وتدني المردودية من جهة ثانية. وبذلك تصير كل محاولة تعليم تنآى بنفسها عن فهم واضح ودقيق للحاجات والدوافع إلى الفشل، وقد تبين للباحثين أن حل المشكلات البيداغوجية المرتبطة بالعمل المدرسي بشكل سليم يفرض تحليل ظروف الحاجة أو الدافع، ولأن الدوافع في الغالب تكون خفية ما قد يترتب عنه إعطاء تفسيرات خاطئة لتصرفات ورود أفعال معينة فإن تعرف واكتشاف الحاجة التي تثير الدافع يبقى ضروريا.
استخدم الباحثون مفهوم الدافعية لتبرير وتفسير اختلاف ردود فعل الأشخاص التي تتغير حسب الزمن والمكان، أو تباين مردودية شخصين أثناء تأدية عمل واحد وتحت ظروف متشابهة. ومن الجدير إدراك أن الدافع عملية تتضمن علاقة بين الطفل وبيئته، فهو عملية داخلية توجه نشاط التلميذ نحو تحقيق هدف معين والمدرس ليس سوى مظهرا من مظاهر البيئة الاجتماعية، بيد أن موقعه المهني وقربه من الطفل يخول له إمكانية وفيرة لإثارة الدافع وخلق الفضول والحاجة لديه نحو التعلم والاكتساب. وكلما كان الدافع قويا كلما استمر النشاط الذاتي للإنسان، وامتد إلى حين إشباع الدافع وتلبية الحاجة مع وجود إمكانية واستعداد لتغيير الطرائق والأساليب قصد بلوغ الهدف في حالة ظهور عائق ما.
بإمكان الفرد أن يصل إلى أهدافه دون صعوبة كبيرة، لكن في بعض الأحيان يعترضه عائق ما يحول دون وصوله ويخلق لديه حالة “لاتوازن” وتوتر فيحتاج إلى الحافز – وهو المقابل السيكولوجي للحاجة – كي يستعيد توازنه عبر ضخ نشاط إضافي واستعارة أساليب أكثر فاعلية لتجاوز العائق، وفي حالة العجز عن مواجهة العائق وتحمله يحصل الإحباط ويضطر الشخص من أجل امتصاص التوتر إلى حيل وأنماط سلوكية ومواقف جديدة – وربما غير مدنية – لتخطي المأزق.
يمنحنا مفهوم الدافعية إمكانية أكبر لفهم وتفسير الفروق الفردية في التحصيل الدراسي، فالتلاميذ الذين يحصلون على نتائج جيدة تفوق المستوى المتوقع منهم يمتلكون دوافع أقوى للتحصيل والتعلم مقارنة بنظرائهم ممن يخيبون آمال مدرسيهم وآبائهم، وبذلك فارتفاع منسوب الدافعية والحافز لدى الفئة الأولى، وانخفاضه لدى الفئة الثانية يؤثر بشكل مهم على مقدار التحصيل والاكتساب. يكتسي مفهوم الحافز ضمن مفهوم أكبر وهو الدافعية أهمية قصوى في إثارة نشاط الفرد وحثه على العمل، وفي إطار الفضاء المدرسي يلعب أسلوب التعزيز وتقدير مساهمات المتعلمين وتقويمها دورا إيجابيا في خلق فرص التعلم ومواصلة التحصيل، وفي غياب بيئة مدرسية محفزة يضعف منسوب الدافعية ويقل مقدار الاكتساب.
الدافع إلى الانجاز يسمى أحيانا الحاجة للانجاز وهما معا ليسا مرادفين للانجاز في حد ذاته، بل قد يقودان إليه، فالدافع الى الانجاز بصيغة الجمع أي بالنسبة لشعب أو مجتمع ما اعتبره بعض الباحثين من بين عوامل نشوء الحضارات واختفائها، وفي ذلك تأكيد على حضور العامل النفسي حتى لا يبقى قيام الدول وسقوطها حكرا على عوامل مادية واقتصادية فقط. استحضار مفهوم الدافعية والاهتمام به لا يجب أن يخلق اعتقادا بأن التلاميذ جميعهم سيمتلكون دافعا الى التعلم بدرجة واحدة، فالدافع أو الدوافع ليست آلية، بل هي عملية ذاتية توجه نشاط المتعلم في اتجاه تحقيق هدفه، والمأمول هو خلق الميل والرغبة لدى المتعلم من أجل التعلم، وتجنب المواقف السلبية مثل الصمت والانسحاب المعبرة عن الإحباط والعداء للمدرسة. وإذا كان المدرس ليس معنيا بخلق الدافع والحاجة لدى المتعلم باعتباره عنصرا من البيئة الاجتماعية فقط ، فإن دوره كوسيط هو إثارة الدوافع والحاجات المفضية الى إيقاظ الرغبة والفضول المعرفي لدى التلاميذ، وهذه مهمة ليست سهلة لأنها تتطلب جهدا متواصلا سيثمر في نهاية المطاف نتائج إيجابية.

محمد الجيري : مفتش تربوي

التدوينة التعلم والدافعية ـ محمد الجيري ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

من أجل مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ـ المختار شعالي

$
0
0

يشكل نظام التربية والتكوين قاطرة التنمية المستدامة، وقاطرة التغيير التي تقودنا نحو بناء المجتمع الذي نريد والإنسان الذي نريد والقيم التي نريد أن نمشي على خطاها جميعا. غير أن هذه القاطرة في بلدنا يبدو أنها تعرف كثيرا من الاختلالات والأعطاب. مما جعل الملك ينبه بذلك في خطاب 20غشت 2013 بقوله أن النظام التعليمي ‹‹أصبح في الوضع الحالي أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة››.
ولمواجهة هذه الاختلالات قدم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رؤيته لإصلاح نظام التربية والتكوين في الفترة الممتدة بين 2015 و2030 ، تحت شعار”من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء”. وتتمثل هذه الرؤية في ‹‹بلورة عدة رافعات استراتيجية للتجديد، تتمثل في رهاناتها الكبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء الفردي والاجتماعي››. ما هي مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص؟
مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص
تشكل إشكالية الإنصاف أكبر تحدي تواجهه السياسة التربوية: من يستفيد من المدرسة؟ هل المدرسة أداة للمساواة؟ هل المدرسة قائمة على الإنصاف؟ هل تقدم خدماتها بتساوي على كل بنات وأبناء المغاربة؟ تلك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى الإجابة عند الحديث عن مدرسة الإنصاف.
إن الإنصاف معناه أن تستفيد كل الفئات الاجتماعية بنفس القدر من الإنفاق العمومي المخصص للتربية، بغرض منح نفس الفرص للترقي الذاتي والمجتمعي لكل بنات وأبناء الوطن، حيث يصبح هذا الترقي مبنيا فقط على الاستحقاق والكفاءات الذاتية، دون تأثير عوامل الانتماء السوسيو- اقتصادي والثقافي والمجالي للأطفال.
إن التأكد من تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص في الاستفادة من التربية والتكوين يقتضي القيام بدراسات تجيب بموضوعية عن تلك الأسئلة المتعلقة بالإنصاف، أي دراسات تحدد لنا من يستفيد من المدرسة وتحدد لنا مدى أثار الانتماء السوسيو- اقتصادي والثقافي والجغرافي على أداء التلاميذ. ويحتاج البحث التربوي، الموكول له مهمة الكشف عن هذه العلاقات التربوية، إلى معطيات دقيقة عن هذه العوامل. لكن في واقع الحال لا نجد في المدرسة أو في المصالح النيابية والأكاديمية أي معطيات عن الانتماء السوسيو- اقتصادي والثقافي للتلاميذ التي تفسر هذه النتائج الدراسية. فلا نجد في النيابات سوى معطيات عن متغيرات محدودة كإحصاء التلاميذ موزعة حسب الجنس والوسط الجغرافي. أما الأكاديميات، الموكول لها مهمة البحث التربوي، فلا نجد في حواسبها سوى نتائج التلاميذ معزولة عن متغيرات عديدة مرتبطة بها في الواقع ويمكن أن تفسرها.
غير أن تأثير الانتماء السوسيو- اقتصادي والثقافي للمتعلم(ة) على أدائه الدراسي هو معطى أكدته كل الدراسات والبحوث التربوية في العالم، بل أضحى عاملا كلاسيكيا معروفا يؤكد أن التفاوتات من الاستفادة من المدرسة قائمة، وهي لصالح الطبقات المحظوظة على حساب الطبقات المقهورة. يقول جاك حلاق: ‹‹اللامساواة قائمة قبل المدرسة، وفي غضون المدرسة، وبعد المدرسة››(1). وقد كشفت démystifier كثير من الدراسات (بورديو، جاك حلاق، ريمر، إسطابلي، جيرود وآخرون…) الأوهام والخداع الذي يختفي خلف الخطاب والإيديولوجية التي تدعي أن المدرسة قادرة على مواجهة التفاوتات الاجتماعية. بل على العكس من ذلك أكدت هذه الدراسات أن المدرسة ترسي هذه التفاوتات وتبررها وتشرعنها..
إن بلدنا ليس استثناءا لهذه القاعدة، ذلك أن التفاوت من الاستفادة من هذه الخدمة العمومية (التربية) بناء على الانتماء السوسيو اقتصادي والثقافي والجغرافي ظاهر للعيان، ذلك أن عدم الالتحاق بالمدرسة والانقطاع المبكر عن الدراسة والهدر المدرسي بكل أشكاله، هو يطال أبناء البادية وأبناء الطبقة غير المحظوظة وخصوصا الفتيات منهم، أكثر ما يطال أبناء الطبقات المحظوظة. كما أن التفاوت في الاستفادة من جودة التعليم هو أيضا قائم بثقل أكثر، ويميل لصالح الوسط الحضري على حساب الوسط القروي، ولفائدة المؤسسات المتواجدة بمركز المدينة على حساب المؤسسات المتواجدة بالأحياء الشعبية. ويبدو أن الفئات المحظوظة تنال حصة الأسد داخل كل مؤسسة على حساب الفئات المستضعفة.
يمكن الإشارة أيضا إلى أن التعريب الذي انحصر في التعليم الابتدائي والثانوي والبقاء على التدريس في الجامعة باللغة الفرنسية هو هدية مجانية لأبناء الطبقة المحظوظة و”المفرنسة”، وإقصاء علني للطبقات الفقيرة وأبناء الوسط القروي. ذلك أن القلة من أبناء هذه الطبقات الأخيرة التي ساعدها الحظ للوصول إلى الجامعة، سوف تجد صعوبة كبيرة في مسايرة التعليم الجامعي باللغة الفرنسية. ويؤكد هذا الأمر غياب تكافؤ الفرص في الترقي المعرفي أمام كل أبناء الوطن، عكس ما يحث عليه الدستور والميثاق الوطني.
لمعالجة هذه التفاوتات القائمة في الاستفادة من التربية وإرساء مدرسة الإنصاف يوصي المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ‹‹بتخويل التمدرس بالأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص تمييزا إيجابيا، لاستدراك جوانب النقص والتعثر››. وفي إطار ضمان تكافؤ الفرص أوصى المجلس ‹‹بضمان مقعد لكل طفل في سن التمدرس، ولا سيما في التعليم الإلزامي بالنسبة للفئة العمرية من 4 إلى 15 سنة››، و‹‹ضمان المواظبة واستدامة التعلم، والتصدي لكل أنواع الهدر والانقطاع والتكرار››. أي ضمان البقاء في المدرسة أطول وقت ممكن والاستفادة من جودة في التعليم انطلاقا من شعار الإصلاح الذي يدعو إلى الجودة للجميع. غير أن السؤال الجوهري المطروح على مدرسة الإنصاف: هل ستتمكن هذه السياسة التربوية، عبر هذه الإجراءات، من رفع الحيف الناتج عن ثقل الانتماء الطبقي والجغرافي والجنسي؟
في واقع الحال فإن السلطات التربوية تقوم دائما بإجراءات “تمييزية”، إن صح القول، لصالح الفئات غير المحظوظة، ذلك أنها تفرض نسبة الانتقال داخل الأسلاك الدراسية تفوق 90%، وتفرض نسبة الانتقال من سلك الابتدائي إلى الثانوي الإعدادي في حدود 80%. وكل هذه النسب تكون موحدة على المستوى الوطني سواء في الأوساط الحضرية أو القروية رغم ضعف مستوى التلاميذ بالأوساط القروية والمهمشة. كما تضطر هذه السلطات، عند الانتقال إلى الثانوي التأهيلي، إلى خفض عتبة النجاح في المؤسسات المتواجدة بالهامش. غير أن هذا التمييز هو في الواقع ملغوم، كونه ليس سوى تأجيل عملية الإقصاء الحتمية إلى المحطات القادمة، نظرا لما سيترتب عن هذا النجاح غير المستحق من تراكم التعثر والقصور لديهم. والأخطر من هذا أن الرفع من نسبة النجاح في صفوف الوسط القروي والأوساط الهامشية يتم أحيانا كثيرة عبر السماح بالغش…وقد يتبادر للذهن أن الهدف من هذا “التمييز” هو محاولة لإخفاء التفاوتات العميقة القائمة في الاستفادة من المدرسة.
إن التفاوت في الاستفادة من المدرسة، ومن تم التفاوتات الاجتماعية، يتم تبريرها غالبا بمبدأ الاستحقاق، باعتباره أداة للإنصاف. ويرى هذا الاعتقاد أن التفاوتات القائمة تترتب عن عدم التساوي في المواهب وفي الملكات، وهو أمر الطبيعة. والعدل، حسب هذا الاعتقاد، هو أن لا ننكر هذا المعطى الموضوعي ونلغيه… غير أن في واقع الحال فإن الاستحقاق ليس سوى مجرد خداع ووهم تروج له السياسة الليبرالية الرأسمالية لإضفاء صفة العدالة على اختياراتها. فكما يقول Everet Reimer ‹‹الاستحقاق ستار من دخان يحجب استمرارية الامتيازات››(2). ذلك أن التفاوتات القائمة في المدرسة لها علاقة بالتفوتات الاجتماعية، أي لها علاقة بعوامل خارجة عن المدرسة. ويعتبر التقليص من هذه التفاوتات في الحياة الاجتماعية صلب العمل السياسي.
ومجمل القول فإن الدولة التي تحتكر العرض المتعلق بالتربية هي بشكل عام في وضعية تبعية لميزان القوى، ذلك أن القوى المهيمنة هي التي تفرض امتيازاتها. وبما أن الاختيارات الليبرالية والرأسمالية أضحت خيار اليميني واليساري على السواء، فإن المدرسة ستظل تواصل القيام بوظيفة إعادة إنتاج التفاوت الموجود في المجتمع الليبرالي…ذلك أن هذا المجتمع يحتاج إلى قاعدة واسعة من اليد العاملة المؤهلة وغير المؤهلة ونخبة محصورة من”الأنتلجانسيا”…أما النخبة المالكة للثروة فإنها ستظل كذلك بعامل الوراثة…هذه هي الحقيقة التي تجب مجابهتها.
————-
المراجع:
*المقولات المحصورة بين مزدوجتين هي مقتطفة من تقرير ملخص عن ‹‹رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030›› التي جاء بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .
– (1) :Jacques Hallak(1974) :a qui profite l’école ? économie en libérté (Fance) ; page12.
-(2) ibid ; page 11.

التدوينة من أجل مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ـ المختار شعالي ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

متى تنهض مراكز تكوين الأطر بمنظومتنا التعليمية ؟ ـ د. محمد بنلحسن

$
0
0

يذهب الدارسون والباحثون في تشخيص علل منظومتنا التعليمية، ومواطن الخلل بها، مذاهب شتى، منهم من يرى أن الاضطراب آت من البرامج والمناهج، ومنهم من يحصر الداء في البنيات التحتية، والتجهيزات والوسائل، ومنهم من يركز على السياسيات التعليمية والمخططات الحكومية والمبادرات الإصلاحية، وهناك من يركز على البيداغوجيات المعتمدة، والمقاربات المنتهجة، وبعضهم يرجع معضلات مدارسنا وبرامجنا إلى الموارد البشرية التي يقال إنها غير مؤهلة ومدربة بما يكفي للاضطلاع بوظائفها على أحسن وجه، لاسيما وعدد لا يستهان به من أطرنا التربوية، إما تم تعيينه مباشرة بدون تكوين تأهيلي(الدفعات التي جرى تعيينها ابتداء من الموسم الدراسي 2007)، أو لم يستفد نهائيا من التكوين المستمر لاسيما في ديداكتيك مواد التخصص…لست ههنا في مقام تقييم العلل وتقويمها، وبيان الأصح منها، والأقرب للواقع الفعلي، والبعيد عن الحقيقة، لكنني أود في هذا السياق، الإدلاء بدلوي، في تشخيص أدواء منظومتنا التعليمة، والمساهمة في البحث عن الأسباب التي يمكن أن نرجح أثرها، وتأثيرها في تعليمنا وتعلم أبنائنا وبناتنا، وجميع المتمدرسين ببلادنا .
في نظري، إن الأزمة الحالية التي يعيشها نظامنا التعليمي، ومدرستنا المغربية، في كافة المستويات، وعلى جميع الأصعدة، لا يمكن للباحث أن يحصر أسبابها والعوامل الكامنة وراءها، في زاوية ضيقة، سواء أكانت وثيقة الصلة بالسياسات العمومية في مجال التربية والتكوين، أم ذات أواصر متينة بالبرامج والمناهج التعليمية، أم بالوسائل والوسائط، أم ذات علاقة بالعنصر البشري …إلخ
إن الجهود يجب أن تتظافر مجتمعة من أجل مقاربة كلية وشمولية للمسألة التعليمية لتعلمية ببلادنا، من خلال استحضار جميع العوامل والمثبطات، وافتراض إمكانية مساهمتها كليا أو جزئيا في تفاقم الإشكالية، والتسبب في حدوث الأزمة داخل المنظومة بكل مكوناتها وعناصرها …
سأركز في هذا المقال على احتمالات تأثير مؤسسات تكوين الأطر التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني؛ المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، في منظومتنا التعليمية، وأقصد بالتأثير ههنا، مدى مساهمتها في حل الإشكالات العميقة والبنيوية التي تتخبط فيها منظومتنا التعليمية منذ عقود…
وقبل ذلك لا مناص من طرح الأسئلة الآتية:
1. لماذا يتم تغييب مكونات المنظومة التعليمية التعلمية كافة خلال التشخيص، ووصف الحلول، واقتراح البدائل؟
2. لماذا لا يتم توجيه نقد ذاتي حول مهام ووظائف مؤسسات تكوين الأطر؛ المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وقياس مستويات مساهماتها في الرفع من أداء منظومتنا التربوية؟
3. هل منحنا مؤسسات تكوين الأطر التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الإمكانيات المادية والمعنوية للاضطلاع بمهام استراتيجية يمكنها أن تؤثر ايجابا في الارتقاء بمدارسنا ومؤسساتنا التعليمية ؟
4. هل تتبوأ مراكز تكوين الأطر في سياستنا الإصلاحية للتعليم، موقع الصدارة التي تستحقها باعتبارها رافعة لمنظومة التربية والتكوين ؟
مع الأسف الشديد، فالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين (CRMEF)، والتي تم تأسيسها بعد تجميع المراكز التربوية الجهوية سابقا (CPR)، و مراكز تكوين المعلمين والمعلمات( CFI)، وتم إحداثها وتنظيمها بموجب المرسوم رقم 2.11.672 صادر في 27 محرم 1433(23 ديسمبر2011)، لم يتم التنصيص ضمن مهامها على تأثيراتها المباشرة المأمولة في منظومة التربية والتكوين ببلادنا ، أناطت المادة الثالثة من مرسوم الإحداث المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالوظائف الآتية :
1. تأهيل أطر هيئة التدريس والمتدربين
2. تهييئ المترشحين لاجتياز مباريات التبريز للتعليم الثانوي التأهيلي
3. تكوين أطر الإدارة التربوية وأطر هيئة الدعم الإداري والتربوي والاجتماعي
4. تنظيم دورات للتكوين المستمر لفائدة مختلف فئات موظفي الوزارة،
5. القيام بأنشطة البحث العلمي التربوي النظري والتطبيقي
6. إنتاج الوثائق التربوية
7. اقتراح مشاريع إصلاح وتجديد مناهج برامج التكوين
لاجدال في كون الوظائف المشار إليها أعلاه سامية ورفيعة، ولكننا لا نعثر فيها على أي دلالة واضحة تمككنا من قياس درجات تأثيراتها الايجابية في منظومتنا التعليمية وفي نظام التربية والتكوين …
صحيح أن الأثر غير المباشر حاضر بين ثنايا الوظائف المذكورة، لكننا لا نلمس وجود ربط قوي بين تحقق الأهداف المرسومة من خلال المهام المذكورة، وسيرورة نظامنا التعليم المغربي ومآزقه الكبرى…
للتوضيح أكثر، فمخرجات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والتي جرى إدماجها في أسلاك الوظيفة العمومية بالمؤسسات التعليمية ، بالتعليم الأولي والابتدائي، والتعليم الثانوي الإعدادي، والتعليم الثانوي التأهيلي، خلال المواسم الثلاث التي تلت صدور مرسوم الإحداث؛ أي خلال السنوات الدراسية : 2013/ 2014 و 2014 / 2015 و 2015 /2016، لا نملك معلومات حقيقية، ومعطيات دقيقة حول مستويات تأثيرها في المنظومة التربوية المغربية، ولكننا إجمالا، وبالنظر لنتائج المشاورات التي دشنتها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وبالنظر إلى التقارير الدولية، والتصنيفات التي تصدرها المنظمات العالمية حول ترتيب الدول في مجال التربية والتعليم، يمكننا أن نرجح، انعدام تأثير مخرجات مراكزنا الجهوية لمهن التربية والتكوين في تحقيق معدلات الجودة النوعية المنشودة …
قد يقول قائل، كيف يمكن للأعداد المحدودة من الأطر التعليمية التي تخرجت منذ ثلاث سنوات فقط، من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب، أن تحدث التغيير المأمول داخل مدارسنا، ومؤسساتنا التعليمية ومنظومتنا برمتها؟؟
إنه استنتاج لا يجانب الصواب، ولكن لا يجب أن ننسى الأعداد الكبيرة التي أحيلت على التقاعد في ثلاث سنوات الأخيرة أثناء تعزيز المؤسسات التعليمية بأسلاكها الثلاث، بذلك العدد الهام والنوعي من الخريجين الجدد الحاصلين جميعا ولأول مرة في تاريخ التكوين التأهيلي لمدخلات مؤسسات تكوين الأطر على شهادة الإجازة …والذين تلقوا جميعا تكونا نظريا ومهنيا استنادا على مرجعيات جديدة في عدة التأهيل الجديدة؛ والتي تم بناؤها لأول مرة وبشهادة المسؤولين على بلورتها، بإسهام من أطر مغربية مائة بالمائة مشهود لها بالكفاءة والخبرة الميدانية والنظرية .
في الحقيقة ، يجب أن نعترف بصعوبة تقييم / تقويم، مدى إسهام مخرجات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب خلال ثلاث سنوات الفارطة، في الرفع من مستوى منظومتنا التعليمية، ونحتاج في الواقع للتأكد من نسب تأثيرها إلى الإجابة عن الأسئلة الملحة الآتية :
1. ما مجموع خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الجديدة الذين تم تعيينهم بالمؤسسات التعليمية على امتداد التراب الوطني خلال السنوات الثلاث الأخيرة ؟
2. ما مستوى المتعلمين والمتعلمات، والكفايات التي كانوا يكتسبونها، قبل أن يجري تعيين مخرجات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب؟
3. ما نتائج التحصيل التي حققها التلاميذ والتلميذات الذين واللائي قاموا بأنشطة التعليم والتعلم بإشراف مخرجات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب فقط ؟
4. هل شارك خريجو المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب بمفردهم في تحقيق حصائل المتعلمين والمتعلمات وتقويمها، أو شاركهم ذلك الفعل باقي الأساتذة والأستاذات على امتداد ربوع الوطن ؟
تؤكد هذه الأسئلة الملحة والأساسية، صعوبات الاطمئنان إلى أي جواب / استنتاج ، يمكننا بناؤه استنادا على المعطيات الأولية …والفرضيات التي يمكن لأي باحث الانطلاق منها…
وإذا عدنا للتدابير ذات الأولوية التي تمت صياغتها من لدن وزارة التربية الوطنية والتكوين بعد سلسلة طويلة من المشاورات الموسعة مع شركاء المنظومة التربوية، وإلى التدبير رقم 16 خاصة، والمتعلق بالرفع من جودة التكوين الأساس، لن نجد رؤية استشرافية بعيدة المدى تؤسس للعلاقات الممكن قيامها بين المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وبين التأثير الفعلي والفعال والمباشر في منظومتنا التعليمية .
لقد سعت التدابير ذات الأولوية فعلا إلى الحديث عن الجودة في التكوين الأساس، من خلال هدف استراتيجي عام يتمثل في ” مد المنظومة التربوية بالأعداد الكافية من الأطر المتمكنين من الكفايات الأكاديمية والمهنية المحددة لملمح تخرجهم “، وهو هدف لا تخلو منه الخطط السابقة للتكوين الأساس طبعا …لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه باستمرار، من يضمن لنا بأن هذه الأطر المتملكة للكفايات المهنية والأكاديمية ستحقق النقلة النوعية لمنظومتنا التعليمية ؟؟

قد يقول قائل ، أليس من المستحيل تحميل خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية أوزار مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية التي تحمله منذ سنين مديدة ذوات العدد؛ بفعل الفشل المتعاقب للبرامج والمخططات الإصلاحية ؟
إنه حكم صادق، يحتم علينا مزيدا من الجهود الفردية والجماعية؛ للبحث في الظاهرة من أجل التشخيص ووصف الحلول الناجعة من أجل إنقاذ منظومتنا التعليمية …
إن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تزخر بطاقات خلاقة من الأساتذة الباحثين من جميع التخصصات، لماذا لا تستثمر الدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، هذه الخبرات من خلال إرساء هياكل البحث التطويري الذي ينهض بمنظومتنا التعليمية ؟
إن مؤسسات تكين الأطر العليا، أي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إن ظلت مهام أساتذتها وأطرها، لا سيما هيئة الأساتذة الباحثين، محصورة في التكوين الأساس، لا يمكنها أن تسهم في الارتقاء بنظامنا التعليمي، كما أن الأطر العليا المتخرجة من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، لابد من متابعتها ومصاحبتها ما بعد التخرج من لدن فرق البحث التطويري من أجل قياس مدى قدرتها على الإسهام في النهوض بمدرستنا العمومية …كما أن العلاقة بين المخرجات والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وفرق البحث ومختبراته بها، يجب أن تظل مستمرة في الزمان والمكان، كما أن العطل المدرسية، يجب أن تظل مناسبة لتجديد اللقاء بين خريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والأساتذة الباحثين المؤطرين، من أجل تشخيص صعوبات واقع ممارسة المهنة، والبحث عن الحلول الناجعة والناجعة، ومن أجل إجراء التغذية الراجعة الضرورية خلال عملية التكوين التأهيلي.
إن المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بصيغتها الجديدة، إذا لم تكن محاضن حقيقية للبحث العلمي التطويري الذي يشتغل على الإشكالات المستعصية لمنظومتنا التربوية، لا يمكن لمخرجاتها التأثير إيجابا في مردودية نظامنا التعليمي…أما أن تظل مهامها كما هو حاصل الآن، محصورة في التكوين الأساس، فلا يمكن التعويل عليها في إحداث التغيير الايجابي المنشود …إن هذه الأهداف السامية ، يجب أن تشكل صلب استراتيجية وطنية مخطط لها بدقة وعناية فائقة تجعل من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين قاطرة للنهوض بالمدرسة العمومية المغربية .

التدوينة متى تنهض مراكز تكوين الأطر بمنظومتنا التعليمية ؟ ـ د. محمد بنلحسن ظهرت أولاً على توجيه بريس|.


أيُّ دورٍ للمؤسسةِ المدرسيةِ في المجتمع؟ ـ محمد بدازي

$
0
0

لَجَأَ بنو البشرِ إلى التَّربيةِ منذُ عهدٍ قديم، بالضَّبط، منذ كانت له القدرة على التَّعلُّمِ من خلال ترابطِهِ داخل جماعاتٍ. فكانتِ الأسرةُ أوَّلَ تَجَمُّعٍ أُنيطَ به دورُ التربيةِ، وتنشئةِ الأطفال. ثم، ونظراً لما عرفهُ المجتمعُ البشريُّ من تَبَدُّلٍ، ظهرت المؤسسة المدرسية، لتعملَ هي الأخرى على تربيةِ وتعليمِ الطِّفل. لكن، فعلُ التربيةِ في التَّجَمُّعِ الأول، غيرُهُ في التَّجمعِ الثاني؛ فإذا كانت الأسرةُ تُربِّي الطِّفل بكيفيةٍ “عشوائية” أو ارتجالية، فإن المدرسة، بِعدِّها مؤسسةً مُختصة، تربي بكيفيةٍ قصدية، بحيث تضعُ أهدافاً، وغاياتٍ، تعملُ على تحقيقها وفقَ مسارٍ يتمُّ رسمُهُ سلفاً، مثلما تعتمد كذلك، طرقاً وأساليباً من أجلِ العمليةِ التّربوية. لقد ظهرتِ المؤسسةُ المدرسيَّةُ في إطارِ التَّحولِ الذي عرفهُ المجتمعُ الإنسانيُّ، حيث تَعَقَّدَ هذا المجتمع وَوَعُرَ فهمُهُ، فَاحْتِيجَ لحظتئذٍ إلى مؤسسةٍ تعملُ على إدماجِ الفردِ (=الطفل) في الحياةِ الاجتماعيةِ وجعلِهِ قادراً على الإنتاج. فماذا نعني بالمدرسة؟ ما الوظيفةُ التي تلعبها اليوم؟ وما علاقتُها بالمجتمعِ الخارجيِّ؟
تُعرَّفُ المؤسساتُ التَّربويةُ انطلاقاً من الوظيفةِ التي تلعبُها، والمؤسسةُ المدرسيةُ من هذا المُنطلقِ، هي – حسب تعبير الدكتور عبد الكريم غريب – “المؤسسة التي أنشأها المجتمع لتربية وتعليم صغاره نيابة عن الكبار[1]”. وهي – حسب أوليفي روبول olivier reboul[2] – “مؤسسة مؤتمنة على تقديم تعليم أساسي وأولي ومتماثل لجميع الأطفال…[3]”. ولَعَلَّ هذا ما أشار إليهِ النَّصُّ في بدايتِهِ. من هُنا، فإن المؤسسةُ المدرسيَّةَ – وهذه وظيفتُها الأساس – تعملُ على تنشئةِ الطِّفل، إذْ أن الأخيرَ عندما يولدُ داخلَ جماعتِهِ الأولى (=الأسرة)، يَتَعَذَّرُ عليه التَّكَيُفَ مع جماعةٍ أخرى، فتعملُ المدرسةُ على خلقِ بيئةٍ متوازنةٍ، تساعدُ الطِّفلَ على الاندماجِ داخلَ جماعاتٍ جديدة، قَصْدَ جعلِهِ فرداً فاعِلاً في مجتمع. لقد كانتِ الحاجةُ إلى المؤسسةِ المدرسيةِ، نظراً لتطورِ المجتمعِ الإنسانيِّ، إذ تداخلت العلاقاتُ الاجتماعيةُ وتعقدّت، وصعُب فهمُ العلاقاتِ البَيْنذَاتيَّة، التي تميزتْ بِتَنَامي الصّراعاتِ والتّصادُمات. ولَئِنْ كان كلُّ مجتمعٍ تكتنفُهُ العديدُ من السَّلوكياتِ الضَّارةِ والسَّلبية، فإنَّ دور المؤسسة المدرسية – وهذه وظيفة أخرى – هو؛ “توفير بيئة اجتماعية أكثر اتزانا من البيئة الخارجية، مما يؤثر في تنشئة وتكوين شخصية [الفرد] تكوينا يمكنه من التفاعل مع المجتمع، والعمل على تطويره.[4] “
تعملُ المدرسة إذن، دَوْرَ تنشئةِ الطفلِ وإقدارهِ على الاندماجِ داخل المجتمع، مثلما تلعبُ دورَ تنقيحِ المجتمعِ من كُلِّ الأُمُورِ الضَّارة والسَّلبية، والإبقاءِ على ما يُؤثِّرُ إيجاباً في نُمُوِّ الفردِ والمجتمع. فالمدرسةُ – كما سوف نرى لاحقاً – لها علاقةٌ وطيدةٌ بالعالمِ الخارجيِّ، ونقصدُ هنا، الأسرة، والمجتمع بصفةٍ عامة.
هذا، وقمينٌ بالذكر، أن للمدرسةِ أدواراً أخرى عديدة، ربما المجالُ لا يسمح لنا للوقوفِ عندها؛ ككونها مثلاً؛ رحمٌ لإنجابِ الفنانِ، والأديبِ، والرياضي، والعالمِ… وهَلُّمَا جَرَّا. كما أنها فضاءٌ للتربيةِ على قيمِ الديمقراطيةِ، الحِلمِ[5]، الحريةِ…الخ.
لتحقيقِ أهدافها، تعملُ المؤسسةُ المدرسيَّةُ على سنِّ نظامٍ داخليِّ، يجبُ على الفاعلينَ فيها احترامُهُ. ذلك أنها، “بوصفها مجتمعاً مصغراً[6]”، كما يقول غريب، شبيهةٌ بالمجتمعِ الكبيرِ المبنيِّ على مجموعةٍ من القوانينِ الواجبِ احترامُها؛ فالمدرسةُ، تضمُّ العديدَ من التنظيماتِ، التي تُسَيِّرُ الأنشطة والعلاقات المُقَامةِ داخلَها، بُغيةَ حفظِ الأَمنِ والنِّظامِ فيها. فالتَّلاميذُ، كما يتمتعون بحقوقٍ، مطالبونُ في الآنِ عينه، باحترامِ الواجباتِ المفروضةِ عليهِم، وكذلك الأمرُ، بالنسبةِ للمدرسينَ والمدرساتِ، والإداريينَ والإدارياتِ… هكذا، تُشكِّلُ المؤسَّسَةُ المدرسيةُ نظاماً اجتماعياً تشتركُ فيهِ الأفرادُ المعنيةُ بالأمر، كما يشترِكُ الأفراد داخلَ المجتمعِ الكبير.
في هذا الصَّدَدِ، يقولُ الدكتور عبد الكريم غريب؛ “تتمثل السلطة التعليمية في نظامها الذي تحكم به نفسها؛ وهو يشمل نطاق السلطة في الإدارة ونطاق السلطة التعليمية المتمثلة في العطاء التربوي، من هيأة تدريس التي تملك المعرفة والمهارة، إلى التلاميذ الذين يتلقونها؛ على أن يكون هذا العطاء في ضوء حاجات التلاميذ واستعداداتهم، ورغبات الكبار من أفراد المجتمع والتغير الثقافي في المجتمع.[7]”
تُقام داخلَ هذا المجتمعِ الصَّغير (=المؤسسة المدرسية)، والقائمِ على نظامٍ يحكمهُ، مجموعةٌ من التَّفاعلاتِ التَّذَاوُتية intersubjective بين أفرادِهِ. ونقصدُ هنا؛ علاقة التلاميذ ببعضِهِم البعض، وبالأساتذة، وعلاقة الأساتذة ببعضِهِم البعض، وبالإدرايين… الخ. على هذا النَّحْوِ، نَكُونُ “أمام مجتمع يتسم باستقراره النسبي، وتنظيمه الاجتماعي المتمثل في توزيع أفراده على أساس سن التلاميذ من جهة والمدرسين والمدرسات من جهة أخرى؛ وكذلك في توزيع أفراده على أساس المراكز التي يشغلونها والأدوار التي يضطلعون بها.[8]” وعليه، فإن المدرسة، كما قلنا سلفاً، تشبهُ إلى حدٍّ ما، المجتمع الكبير، بتنظيمِها وعلاقاتِها الدَّاخلية. لكن، قمينٌ بالذِّكرِ أنَّ المؤسسة المدرسية، لا تقتصرُ في علاقاتِها على ما هو داخلي، بل، تنفتحُ على العالمِ الخارجيِّ، سواءٌ الأسرة، أو المجتمع.
تُؤَثِّرُ وتتأثَّرُ المؤسسةُ المدرسيةُ بعالمِها الخارجيِّ، فهي” المرآة التي تعكس الحياة داخل المجتمع، كما أنها تؤثر فيه عن طريق تزويده بالأفراد الذين تكونهم وتدربهم للعمل فيه[9]”. بالتَّالي، وانطلاقاً من مبدإِ التأثيرِ والتأثرِ هذا، نقولُ، إنَّهُ إذا كانتِ المؤسسةُ التعليميةُ تلعبُ دورَهَا كما يجب، فإنها لامحالة، ستؤثرُ إيجاباً في المجتمع. أي، إذا أنتجت فرداً له القدرةُ على الاندماجِ في المجتمعِ، والقدرة على إنتاجِ أفكار جديدة، فإن هذا يؤثرُ في تنميتِهِ وتطويرِهِ، أما إذا أنتجت لنا فرداً “ممسوخاً” غير قادرٍ على الاندماجِ في الحياة الاجتماعية، فإن هذا، يؤثر سَلباً – بلا ريبٍ – في المجتمع. هذا من جهة، من جهةٍ ثانية، فإنَّ المجتمع هو الآخر، يؤثر – سلباً أو إيجاباً – في المدرسة؛ ذلك – مثلاً – أن “مظاهر القلق والصراع بين الأفراد في المجتمع تنعكس آثاره السلبية على المدرسة ومناهجها”[10].
انطلاقاً من هذه الحقيقة، أي وجود علاقةٍ وطيدةٍ بين المدرسةٍ والمجتمع، فإنَّهُ لا بد للمدرسةِ، وحتى تَلعَبَ الدَّورَ المنوطَ بها، أن تنفتحَ على العالمِ الخارجيِّ. إذْ فيهِ يوجدُ شركاؤُها من أولياءِ التلاميذ، وجماعاتٍ محلية، ومرافقَ ومؤسساتٍ تربُطها بالمؤسسةِ المدرسيةِ علاقةٌ وثيقة، وذلك قصدَ بناءِ مجتمعٍ راقٍ ومزدهرٍ، والسَّيْرُ بِهِ قُدُماً.

[1] غريب عبد الكريم، فلسفة التربية، منشورات عالم التربية، ط1، ص51
[2] فيلسوف فرنسي معاصر ولد عام 1924 وتوفي سنة 1992.
[3] لطفي الجحلاوي، فلسفة التربية، دار التنوير، ط1، ص 122
[4] نفس المرجع، ص 52
[5] قلنا الحِلم ترجمةً لمصطلح tolérance الذي يُترجم خطأً بالتسامح؛ ذلك أن المصطلح الفرنسي يعني قبول الغير، واحترامه رغم اختلافه الجنسي والعقدي… وهو ما يُترجم بالحلم، وليس التسامح، الذي يعني أن تُسامح أحداً أخطأ في حقك.
[6] نفس المرجع، ص 52
[7] نفس المرجع، ص 53
[8] نفس المرجع، ص 54
[9] نفس المرجع، ص 58
[10] نفس المرجع، ص 58

التدوينة أيُّ دورٍ للمؤسسةِ المدرسيةِ في المجتمع؟ ـ محمد بدازي ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

المدرسة المغربية : عندما تغيب الثقافة العلمية ـ طويل حسن

$
0
0

يمكن تعريف تقدم المجتمعات ، باعتباره سيطرة العلم على ثقافتها بمفهومها الشمولي . اي يصبح العلم مرجعية اساسية في انتاج الافكار والاراء والسلوكات بالنسبة “للمواطنين” المكونين لها. فمن ضمن العوامل الأساسية التي ادت الى تقدم المجتمعات الغربية هو تحالف موضوعي بين انتصارات العلم على الايديولوجية المهيمنة من جهة، والطبقات الاجتماعية التي حولت هذه الانتصارات الى وقود اجتماعي وسياسي للتغيير من جهة اخرى .العلم الذي نقصده ليس مجرد نظريات وقوانين تقنية، بل نمط تفكير يعتمد على منهجية التفكير العلمي المبني على دياليكتيك بين النظري المنطقي البرهاني الرياضي ، والواقعي التجريبي . و المعتمد على مبادئ مثل الروح النقدية والنسبية والموضوعية . ان المتأمل للثقافة المهيمنة في المغرب ، سوف يلاحظ شبه غياب لآليات التفكير العلمي حيث تسود اضطرابات على مستوى منهجية التفكير و تصبح الانفعالات في غالب الاحيان الصانعة للمواقف والسلوكا ت، فتتغيب العقلانية و الحقيقة الموضوعية النسبية، ليحل محلهما التفكير الخرافي و الحقيقة الذاتية المطلقة ؛ “فاول ما يطالعنا في اضطراب منهجية التفكير في الذهنية المتخلفة هو سوء التنظيم الذهني في التصدي للواقع .تقترب الذهنية المتخلفة من الواقع و تتعامل معه دون خطة مسبقة ذات مراحل منطقية واضحة سلفا .حيث تسود الفوضى و التخبط وانعدام التماسك”( مصطفى حجازي ، سيكولوجية الانسان المقهور ) . العجز على التملك المعرفي للذهنية المتخلفة للواقع، وصعوبة التكيف مع احداثه “يجعل الانسان المتخلف يغرق في تيار جارف من الانفعالات ، حيث يفقد السيطرة على الواقع ويدفع به الى الارتماء في التفكير الخرافي و الغيبي”(نفس المرجع السابق).
الابتعاد عن نمط التفكير العلمي يصبح كلعنة تصيب مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية من اسرة و اعلام …. و حتى المدرسة التي من المفروض ان تكون الحاملة لهذا التفكير ، تصبح مشتلا لانتاج التخلف و العقم المعرفي والبؤس الفكري والفقر العلمي . حيث الملاحظ لمختلف الاصلاحات التي عرفتها المدرسة المغربية ، غياب تصور شامل ينطلق من دراسات علمية لأزمتها، ويقترح حلول موضوعية لتجاوز هذه الازمة و يضع خطة للاهتمام بالثقافة العلمية عبر منهاج يضع كهدف اساسي هو ربط ثقافة المجتمع بالعلم . فلقد خضعت جميع مشاريع الاصلاح لتوافقات وحسابات سياسوية ايديولوجية نظريا ، و مقاربات موازاناتية حساباتية ضيقة على مستوى التنفيذ .كما انها تفتقر للاهتمام اللازم لتدريس العلوم وتقريبها للمتعلمين و تتبنى طرق تقليدية و روتينية لتعليمها ، تساهم بشكل كبير في غياب الدافعية اللازمة للمتعلمين للاقبال عليها . وهذا ما تثبته مختلف الدراسات التي قاربت التوجيه الى الشعب العلمية. فالمواد العلمية في المغرب تدرس بطريقة صورية ميكانيكية ، تتحول معها الارقام و الخصائص و القوانين إلى هياكل عظمية بدون روح ، و تفتقد الى منهجية الاكتشاف والمبادرة وبناء الحقيقة العلمية من طرف المتعلمين ولا تلامس حياتهم و الاشكاليات العلمية المرتبطة بواقعهم. فبدل أن تدفع هذه المواد التلميذ الى المتعة بالعلم و التسلح بادوات تفكيره من منطق رياضي و منهج تجريبي وتبني النسبية و التفكير النقدي، تدفعه الى سجن الملل ومنطق التقبل و الحفظ و التكرار و الدوغمائية و الوفاء في ارجاع المعلومات التي ملأت جمجمته و واقتحمتها بدون ضيافة علمية و ما تتطلبه من تساؤلات ونقد وفهم و تحليل واستيعاب. العلم كما يدرس في مدارسنا هو بدائي و عقيم “العلم من دون نظرية معرفية يبقى مشوشا و بدائيا “( اينشتاين ،تاملات في الفيزياء الحديثة ،علي الشوك)، و يشجع على انتاج متعلمين مشوشين و دوغمائيين مستعملين للعلم غير مستوعبين لمنهجه ، يتعاملون معه بشكل ادواتي ميكانيكي حيث يفصلون بينه و بين روحه في تفكيرهم و مواقفهم ( هذا مايفسر الانتاج المزدهر لكليات العلوم للاصوليين).
.كما ان طرق التقويم تجعل من المشهد اكثر درامية ، حيث لا تعتمد على منهجية علمية في وضعها ،و تحدد كهدف ” الارجاع ” بدل ” الابداع ” عبر مفهوم ضيق ” للعقد الديداكتيكي” بانتاج تقويمات متشابهة اصبحت مع الوقت تكرار لتمارين صورية ، للنجاح فيها يلزم فقط حل العدد الاكبر منها ( التعامل مع كتب “الباك” تمارين و حلول في مختلف المواد العلمية يجسد هذا المنطق ).اما عدم الاهتمام بتشجيع المنهج التجريبي فقد اصبح استعراضيا ، حيث يفتقر المنهاج المتبع لبرامج تشجع هذا النوع من التفكير، و الوسائل اللازمة لذلك من مختبرات حقيقية و ادوات مخبرية وتكوينات اساسية للاساتذة في هذا المجال. فتتحول التجارب الى لي للواقع او استيهام نظري مشوه له ، بدل ان تكون تتويجا لمنهج تجريبي يعتمد سلسلة من الخطوات : الملاحظة و التساؤل والافتراض و الرجوع للواقع عبر التجربة لامتحان الفرضيات .
اما اشكالية ربط الثقافة بالعلم فهي بعيدة كل البعد عن مقاربة مسؤولي التربية والتكوين في هذه البلاد ، فالمواد تدرس كجزر مستقلة وفي غالب الاحيان متناقضة و تفتقد للثقافة العلمية من فلسفة العلوم و تاريخها و تبسيط لها و لمختلف الباراديغمات و النقاشات المهمة التي عرفتها. كما انه يلاحظ غياب الكفايات المنهجية العلمية المستعرضة في المواد المختلفة ، وتتحول التناقضات في الكفايات المنتظرة منها الى ميكانيزمات لعدم التماسك و الفوضى المعرفية لدى المتعلم .اما الحياة المدرسية فانها تعاني من غياب للثقافة العلمية ، حيث تفتقر الى انشطة موازية لتشجيع هذه الثقافة وتبسيطها و فتح مجالات وفضاءات لتصالح المتعلمين مع العلم واكسابهم الدافعية لدراسته . كما ان المكتبة المغربية تفتقد الى كتب و مجلات باللغة العربية و موجهة لمختلف المراحل العمرية تعنى بتبسيط العلوم وشرحها .مما يجعل من الثقافة العلمية ثقافة نخبوية جد ضيقة و يساهم في جمهرة ثقافة الخرافة والتخلف.
في رسالة الى المدرسين وجهها العالم الكوني hubert reeves في كتابه الجميل “آخر مستجدات الكون”، تصلح ان تكون رسالة ايضا للقائمين بالشان التربوي في هذه البلاد ( رغم انه لاتنقصهم آذان، بل يعرفون ان العلم لدى الشعب سلاح سيقضي على مصالحم) :” ان التدريس المدرسي و الجامعي يهتم اكثرو باستمرار بالجانب الصوري للعلوم. فهو يهمل التاريخ و الابعاد الفلسفية للمعارف العلمية .و لا يبحث على ادماج هذه المعارف في واقع العالم و الحياة و الذات. ولا يرقي التفكير في تاثيرهم الاجتماعي .هو ببساطة يفصل العلم عن الثقافة “
إن التاريخ يعلمنا ان العلم هو الذي حرر الانسان من الخوف و جعله يصنع واقعه و ينتصر على قصوره وعجزه امام الطبيعة ، و هذا اكبر كابوس لكل نظام مستبد يعتمد التجهيل والخرافة لاستمرارية حكمه ، فالتجهيل سلاح المستبدين و المتجرين بالاوهام.

التدوينة المدرسة المغربية : عندما تغيب الثقافة العلمية ـ طويل حسن ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

من أجل مدرسة الجودة للجميع ـ المختار شعالي

$
0
0

يشكل نظام التربية والتكوين قاطرة التنمية المستدامة، وقاطرة التغيير التي تقودنا نحو بناء المجتمع الذي نريد والإنسان الذي نريد والقيم التي نريد أن نمشي على خطاها جميعا. غير أن هذه القاطرة في بلدنا يبدو أنها تعرف كثيرا من الاختلالات والأعطاب. مما جعل الملك ينبه بذلك في خطاب 20غشت 2013 بقوله إن النظام التعليمي ‹‹أصبح في الوضع الحالي أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة››.
وقد كشف التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، سنة 2014، حول ‹‹تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013 : المكتسبات والمعيقات والتحديات››، كشف عن هذه الاختلالات التي اعتبرها مزمنة، ‹‹وهي اختلالات ترتبط في عمومها بضعف تماسك وانسجام مكونات المنظومة التربوية، وبمستوى نجاعتها ومردوديتها الداخلية والخارجية، وملاءمة مناهجها وتكويناتها مع متطلبات المحيط، وذات صلة أيضا بالنقص الشديد في إدماج بنيات مجتمع المعرفة وتكنولوجياته المتجددة، وبمحدودية مواكبتها لمستجدات البحث العلمي وعالم الاقتصاد ومجالات التنمية البشرية والبيئة والثقافة››.
ولمواجهة هذه الاختلالات قدم حاليا المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رؤيته لإصلاح منظومة التربية والتكوين خلال الفترة الممتدة بين 2015 و2030، تحت شعار ‹‹من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء››. وتتمثل هذه الرؤية في ‹‹بلورة عدة رافعات استراتيجية للتجديد، تتمثل في رهاناتها الكبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء الفردي والمجتمعي››. ما هي مدرسة الجودة للجميع؟
يرى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن إرساء مدرسة الجودة للجميع يقتضي ‹‹تحقيق جودة الأداء المهني للفاعلين(ات) التربويين(ات) على اختلافهم، وتطوير المناهج والبرامج والتكوينات، والارتقاء بحكامة المنظومة التربوية، والرفع من مستوى البحث العلمي والتقني والابتكار››.
فيما يتعلق بتطوير المناهج والبرامج، يقترح المجلس ‹‹إعادة النظر في المناهج والبرامج والطرائق البيداغوجية في اتجاه تخفيفها وتنويعها، وتوجيهها نحو البناء الفكري للمتعلم والمتعلمة، وتنمية مهارات الملاحظة والتحليل والتفكير النقدي لديهما››. ويندرج هذا التوجه في إطار الهدف الذي وضعه المجلس للمدرسة المغربية الذي يتمثل في ‹‹الانتقال بالتربية والتكوين من منطق التلقين والشحن إلى منطق التعلم وتنمية الحس النقدي وبناء المشروع الشخصي، واكتساب اللغات والمعارف والكفايات، والقيم والتكنولوجيات الرقمية››. يتعلق الأمر إذن بالانتقال من مقاربة ترتكز على الأستاذ وأدائه البيداغوجي وعلى نقل المعرفة الجاهزة للمتعلم(ة)، إلى مقاربة ترتكز على المتعلم(ة) ونشاطه وتنمية ذكائه وقيمه.
ويعني ذلك أن ‹‹ ترتكز المناهج على الاهتمام بالمتعلم(ة) باعتباره غاية للفعل التربوي، وتشجيعه على تنمية ثقافة الفضول الفكري وروح النقد والمبادرة والاجتهاد، والتفاعل معه كشريك، وذلك بإدماجه وتكليفه، في إطار العمل الجماعي، بمهام البحث والابتكار والمشاركة في التدبير، وتقوية ثقافة الانتماء للمؤسسة والواجب لديه››.
إن هذا التحول النوعي المنشود يواكب ما أكدته السيكولوجية الحديثة حول أهمية النشاط الذاتي للفرد في بناء معارفه وذكائه انطلاقا من معطى إبستيمولوجي يؤكد أن المعرفة تبنى أكثر مما تنقل، ويقتضي هذا البناء بالضرورة مشاركة نشطة للمتعلم(ة). وبناء عليه فإن المدة الطويلة التي يقضيها المتعلم(ة) في القسم إضافة إلى الساعات الإضافية المؤدى عنها، والتي تعتمد غالبا على أسلوب التلقين، فإنها في الواقع تفوت عن التلميذة(ة) كل فرص البحث الذاتي والمجهود الفردي الضروري لبناء معارفه وذكائه.
إن غاية مدرسة الجودة للجميع، حسب الرؤية الاستراتيجية للمجلس، تتمثل في ‹‹الإسهام في انخراط البلاد في اقتصاد ومجتمع المعرفة، وتعزيز موقعها في مصاف البلدان الصاعدة›› و‹‹الانتقال بالمغرب من مجتمع مستهلك للمعرفة، إلى مجتمع ينتجها وينشرها››. وقد اعتبر المجلس أن تحقيق هذه الغايات يقتضي ‹‹ربط المعرفة النظرية بالمعرفة التطبيقية والعملية[…]، وجعلها تعنى بالتنمية الذاتية والتربية الريادية والحياتية، وتعزيز البعد الأخلاقي، وترسيخ القيم››.
غير أني أرى أيضا أن تكون هذه المعرفة موضحة للماضي الشخصي والجماعي، وموضحة للحاضر أي مفسرة لوضعية المتعلم(ة) ووضعية المحيط وإمكانياته، وتكون نافذة على المستقبل ومنارة تنير الطريق. كما تكون مرتبطة خصوصا بانشغالات المتعلم(ة) وبمآله ومصيره، حيث يقتضي ذلك تربيته على الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه وفي الحياة، وإيقاظ فضوله للاهتمام والتفكير في ذاته وفي المستقبل، والتدرب على وضع استراتيجيات ومشاريع شخصية تحدد ملامح مستقبل محتمل…لأنه لا ينبغي أن يترك المتعلم(ة) يتخبط لوحده بين اختيارات في التوجيه يشوبها الغموض والعشوائية والنمطية، اختيارات غير مستنيرة وغير مبنية على محددات سيكولوجية ذاتية عميقة ومحددات موضوعية واضحة.
ومن جانب آخر دعا المجلس إلى إبداع مناهج وبرامج تشكل دعامة لقيم تستجيب لمتطلبات المشروع المجتمعي الذي ينشده المغاربة والمبني على المواطنة والديمقراطية والتنمية، وذلك بإدماجها لمقاربة حقوقية وإجراءات ترسي قواعد التعايش مع الآخر في التزام بقيم الحرية والإنصاف والمساواة واحترام التنوع والاختلاف. إن التشبع بهذه القيم سيمكننا دون شك من التطور ومواكبة الحضارة الكونية التي ساهمت البشرية جمعاء في بلورتها. لقد أدت البشرية، وما زالت تؤدي، ثمنا غاليا نتيجة اعتقادات عدوانية مبنية على الكراهية للآخر بناء على اعتقاداته ورؤيته للأمور. لا شك أن بناء مجتمع ديمقراطي تنموي لا يستقيم دون إشاعة قيم ديموقراطية وقيم إنسانية تدعو إلى التسامح والتعايش، وترسيخ قيم حب العمل وحب الأوطان. ومن المفترض أن تشكل المدرسة العمومية ناقلة لهذه القيم بل قاطرة تقود التغيير نحو بناء هذا المجتمع الديموقراطي والحداثي الذي ننشده..
وفي خاتمة القول لابد من طرح سؤال جوهري : هل يمكن ترجمة هذه الرؤية الاستراتيجية وهذه الأهداف دون إرادة فعلية في الإصلاح لذا السلطات السياسية، ودون موارد بشرية مستوعبة لهذه الرؤية وهذا التحول النوعي؟ …رغم أن المجلس دعا إلى الرفع من جودة الأداء المهني للفاعلين(ات) التربويين(ات)، والارتقاء بحكامة المنظومة التربوية… ورغم ذلك يبقى توفير الإرادة السياسية هو الجوهر. وأعتقد أن فشل كل المحاولات السابقة يعود بالأساس إلى غياب هذه الإرادة.
هكذا يبدو أن أعطاب التربية والتكوين مرتبطة بأعطاب سياسية. لذا أعتقد أن المدخل لإصلاح أوضاع البلاد وعلى رأسها التربية والتكوين يبتدئ من إصلاح الأعطاب السياسية. وجوهر هذه الأعطاب أن العمل السياسي لم يشكل بعد أداة لبلورة تصورات ومشاريع سياسية وتنموية تتنافس على جعل البلاد على سكة الدول الصاعدة… بل ما زال العمل السياسي هو تدافع حول احتلال المواقع باعتبارها مصدرا للاغتناء والاستحواذ على الثروة.
إذا ما ظلت هذه الأعطاب قائمة، وظل الفساد السياسي هو سيد الموقف، وظل فرز النخب السياسية ينبني على اعتبارات غير سياسية من قبيل توظيف المال والجاه والدين، وظلت بالخصوص النخب السياسية عينها على الثروة فقط – والأرجح هو استمرار هذا الوضع، على الأقل، على المدى المنظور- ستظل الإرادة السياسية في الإصلاح هي الحلقة المفقودة…وسيظل نظامنا التربوي في أسوء حال كما قال ملك البلاد… وسيظل شعار الجودة للجميع حلما جميلا…يقول إنشتاين إن الغبي هو من يقوم بنفس التجربة وينتظر نتيجة مغايرة…
———————-
*المقولات المحصورة بين مزدوجتين هي مقتطفة من تقرير ملخص عن ‹‹رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030›› التي جاء بها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .

التدوينة من أجل مدرسة الجودة للجميع ـ المختار شعالي ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

المراهق وصناعة المستقبل ـ بوعزة بوبكر

$
0
0

“لا يمكن أن يصبح مربيا من لا يستطيع أن يحس بحياة الطفولة تسري بداخله.” سيجموند فرويد.
“الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بالتربية” إمانويل كانط.
“إن الإنسان الذي ينتقل من صورة الوجود بالقوة إلى صورة الوجود بالفعل، أمر مرهون بالفعل التربوي” هنري بييرنو.
تعد المراهقة من أهم المراحل العمرية وأخطرها على الإطلاق. إنها مرحلة عمرية يمر بها الإنسان في حياته خصوصا عندما يتجاوز مرحلة الطفولة، وتستمر حتى مرحلة النضج. رغم أن البعض يرفض جعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية محددة،و يؤكد أنها سيرورة مستمرة مع الفرد في كل فترات عمره.

إن ما جعل ويجعل جل الباحثين يركزون فترة المراهقة كمرحلة وسطى بين الطفولة والرشد، هو ما يحدث للطفل من تغيرات جذرية على جميع المستويات الجسمية والعقلية والانفعالية الوجدانية التي يعيشها المراهق في هذه السن، لهذا وجبت معاملته بأساليب وطرائق تربوية لما لهذه المرحلة من خصوصية ومن حساسية. و كل تعامل مع المراهق دون مراعاة لحساسية هذه الفترة العمرية يقود مباشرة إلى اضطرابات سلوكية وخلل في التوازن النفسي لشخصية المراهق، تجنح به في متاهات الرذيلة والممارسات المشبوهة والتعاطي للمخدرات والخمور، بل أكثر من ذلك قد تجنح به إلى عالم الإجرام والدعارة والفساد…، لهذا تحتاج أسرنا ومؤسساتنا التعليمية وكل القائمين على الشأن التربوي إلى فهم حقيقي لشخصية المراهق، وإلماما جيدا بنظريات علم النفسي التربوي والاجتماعي، حتى تتمكن هذه الشريحة الاجتماعية من توجيه المراهق توجيها صائبا يخدم المجتمع ويجعل منه قوة فاعلة وأساسية في تنمية المجتمع والدفع بعجلته إلى التقدم.
وهذا ما يسقطنا مباشرة فيما يصطلح عليه بالتنمية البشرية-الاستثمار في البشر عوض الاستثمار في البقر والحجر. فكم من دولة لا تتوفر على مواد أولية أساسية لكنها توجد في مصاف الدول المتقدمة كاليابان وكوريا وسنغافورة… بفعل الاستثمار في طاقاتها البشرية الشابة – خصوصا وأن إحصائيات اليونسكو تؤكد أن 50 في المائة من سكان العالم الثالث، و ثلث سكان الدول الصناعية من المراهقين. هذه النسب العالية من الشباب المراهق يدعونا إلى الاهتمام بها اهتماما زائدا والعناية بها العناية الفائقة لأنها تشكل مستقبل شعوبها، فطفلُ ومراهقُ اليوم هو راشد الغد، هو اليد العاملة والمدرس الناجح، والوزير الصالح ورب المعمل والفقيه الموجه.. ألم يقل فرويد:”الطفل أبو الرجل”. وبما أن نسبة المراهقين تميل لصالح الدول السائرة في طريق النمو، فهذه فرصة تاريخية لهذه الدول من أجل اللحاق بركب الحضارة والتقدم والصناعة، والخروج من التخلف عبر تركيز استثماراتها في النهوض بأوضاعهم وتعليمهم التعليم الجيد، وتربيتهم التربية السليمة، وتوجيهم التوجيه الفعال الذي يجعل منهم طاقات فاعلة في صناعة مستقبل هذه الأمم. ولا عجب أن نجد مجموعة من الدولة استثمرت في شبابها وجعلت منهم أساس نموها الاقتصادي والاجتماعي ولحقت بواسطتهم بركب الحضارة ،عكس ما نجده في بعض الدول التي تقتل طفولتهم وتبدد طاقاتهم فيما يخرب مجتمعها كما هو الحال في السودان والصومال ودول إفريقيا جنوب الصحراء وأفغانستان واليمن .. التي تعمل على تسليحهم والدفع بهم الى مستنقعات الإرهاب وحمل السلاح وقتل بعضهم البعض…، بل إن الكثير من المشاكل التي تقع بين الآباء والأبناء، أو تلك التي تحصل بين المدرسين والتلاميذ، يمكن تجنبها إذا كان الأستاذة والآباء على إلمام ولو يسير بنظريات المراهقة تساعدهم على فهم نفسية المراهقين و التواصل معهم بشكل أفضل. بل حتى الساسة مطالبين بفهم نفسية المراهق، لمعرفة كيفية الاستفادة من طاقاته، وتجنيبه الوقوع في يد جماعات تستغله فيما يضر بالمجتمع، وذلك ” لما تتميز به هذه الفترة من قوة وحيوية وحماسة، فالشباب عموما يمثل طاقة حيوية تميل إلى التجديد والتغيير، ومن ثمة فان استهواءها بالأفكار والإيديولوجيات مسألة واردة”[1]، لهذا نرى الدول المتقدمة تعمل على توجيه شبابها في صناعة مستقبلها، عكس ما تفعل بهم الدول المتخلفة كما اشرنا إلى ذلك سابقا، حيث يُصنع منهم قوة إرهابية تهدم وتخرب…
إن المحيط التربوي والأسري الذي يدور في فلكه المراهق مطالب وبإلحاح بإعطاء العناية اللازمة لنظريات المراهقة، خصوصا في عصرنا الحالي عصر الصناعة والتكنولوجيا والتحضر السريع. كما أن الأساتذة مطالبون بتوسيع خبراتهم وإلمامهم بنظريات المراهقة حتى تتسنى لهم معرفة وسائل التعامل المثلى مع المراهقين وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على السب والشتم والضرب أحيانا، أو القائمة على الحشد والتجييش وتسميم عقول الشباب بالأفكار التكفيرية والإرهابية التي تقود الى تحريف الفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها، وكذا تجنب كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقات بين الاساتذة والمراهقين وينعكس سلبا على سير الدرس ومستوى التحصيل العلمي للتلاميذ. لهذا نجد الباحثين في الشأن التربوي يلحون على ضرورة التهييء الجيد للعمل التعليمي والتربوي لصعوبته وتعقيده خصوصا وان المدرس يتعامل مع فئة المراهقين.
نظرا لما لهذه المرحلة من أهمية قصوى في حياة الإنسان كان لزاما تحديدها بدقة ومعرفة أسبابها ومميزاتها وما ينتج عنها. فمتى تبدأ فترة المراهقة؟ وهل يمكن الحديث عن فترة المراهقة كفترة خاصة ومحددة؟ أليس من قبيل التعسف والاصطناع المبالغ فيه اعتبار المراهقة مجرد فترة أو مرحلة زمنية يمر منها الإنسان، وليست خصائص ومميزات قد تستمر أو يجب ان تستمر معه حتى في فترة الشباب والنضج؟

رغم ما صرحنا به سابقا من كون فترة المراهقة هي الفترة التي تتوسط الطفولة والرشد، فإن جل الباحثين لا يعترفون بذلك لأن هناك مجتمعات لا تعرف المراهقة أصلا، ومجتمعات أخرى لا يعيش فيها الطفل حتى طفولته الطبيعية، فكيف سيعيش حياة المراهقة؟ فمجتمعات العالم الثالث أو ما يصطلح على تسميتهم بالمجتمعات السائرة في طريق النمو تعمد إلى تشغيل الأطفال في سن مبكرة، أو تقحمهم في النزاعات العرقية والحروب الأهلية أو القيام بأنشطة فلاحية أو رعوية .. لكن ظهور الصناعة وما يتبع ذلك من تكوين عال للفرد المقبل على سوق الشغل أصبحت تلزم الفرد بالجلوس على مقاعد الدراسة لسنوات طويلة قد تتطلب منه سنوات من التكوين “هذه الفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها الفرد الإنساني في هذا الوضع تحسسه بنوع خاص من الوجود الذي لم تكن تعرفه الأجيال الماضية في حياتها البسيطة، مما ولد الإحساس والوعي بمرحلة خاصة في الوجود البشري، مرحلة لها ثقافتها وحاجاتها وأسلوبها الخاص في الحياة، وهي مرحلة المراهقة”[2]. هذا يعني أن المراهق نتاج المجتمعات الصناعية بامتياز، لهذا لا عجب أن نجد أول مؤلف عن سيكولوجية المراهق قد ظهر سنة 1904 على يد تلميذ العالم الألماني فونت مؤسس علم النفس ومؤسس أول مختبر لعلم النفس العلمي في مدينة لايبزج بألمانيا، هذا التلميذ هو ستانلي هول. مع ذلك لا يصح كما قلنا سابقا اعتبار المراهقة مستقلة عن بقية المراحل الأخرى، بل ينبغي النظر إليها كما يقول البعض كسيرورة، “أي عملية حياة مستمرة ومتصلة”. كما أنها تختلف من بيئة اجتماعية إلى أخرى باختلاف القيود والأنماط والنماذج السلوكية لكل بيئة سوسيو-ثقافية”.[3]
إن ما دفعنا إلى الاهتمام بالمراهقة هو التغيرات السريعة التي تحدث للفرد في هذه المرحلة سواء على مستوى الجوانب النفسية أو الاجتماعية أو العضوية لشخصيته، فهي مرحلة ذات إيقاع سريع جدا، حيث يعرف المراهق نموا جسمانيا سريعا وطابعا نفسيا متغيرا يلاحظه الجميع ، وهذا ما يقتضي على حد تعبير احمد أوزي من “الآباء أو المدرسين، معرفته من أجل السعي لتحقيق توافق المراهقين مع مختلف المواقف ومساعدتهم بقدر الإمكان، على تجاوز صعوبات ومعاناة هذه المرحلة.”[4] فإلمام الآباء والمربين وكذا المراهقين بخصوصية هذه المرحلة تسمح بتحسين التواصل بينهم وتجنب المشاكل، وكذا توجيه المراهق التوجيه الذي يخدم البلاد والعباد…
لهذا وجب حصر دلالة المراهقة. فما هي دلالات المراهقة؟
في لسان العرب لابن منظور نجد:”راهق الغلام، فهو مراهق إذا قرب الاحتلام. والمراهق: الغلام الذي قارب الحلم، وجارية مراهقة. ويقال جارية راهقة وغلام راهق، وذلك ابن العشر إلى إحدى عشر” أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب. وفي ذلك المعنى يقول “الزمخشري” رهقت الصلاة رهوقا، أي دخل وقتها، وراهق فلان الشيء إذا قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ وصبي مراهق أي مدان للحلم”[5]. يتبين أن المراهقة لها علاقة بالبلوغ والقدرة على الإنجاب حيث لا نجد تمييزا بين المراهقة والبلوغ والقدرة على التناسل والتزاوج والتوالد. نفس الأمر نجده في المعاجم الفرنسية:فمصطلح مراهقة يقابله اللفظ ” adolescence ” المشتق من الكلمة اللاتينية “adolescentia ” التي تشتق ككلمة ” adolescens” من الفعل اللاتيني ” adolescere” الذي يترجم بمعنى كبر “grandir”. فالمعنى الحرفي للمراهقة يعني كل المرحلة العمرية التي تتصف بالنمو والتطور، فهو ينطبق على المرحلة التي يصل فيها النمو الجسمي للفرد الاجتماعي إلى نهايته. لهذا لا عجب إن وجدنا البعض يعرف المراهقة على أنها المرحلة التي يكتمل فيها النمو الجسمي للفرد فيأخذ الجسد شكلا جديدا.
في معجم روبير نجده يعرف المراهقة انها”adolescence :âge qui suit la puberté et précède l’âge adulte (environ de 12 à 18 ans chez les filles, 14 à 20 ans chez les garçons). Un amour d’adolescence , adolescent, entre , jeune garçon, jeune fille à l’âge de l’adolescence”. يتبين من خلال هذا التعريف (معجم rebert ) أن هناك تميزا بين المراهقة والبلوغ والرشد على اعتبار أن المراهقة هي المرحلة التي تلي البلوغ وتسبق سن الرشد والممتدة ما بين 12 و 18 بالنسبة للإناث، 14 و20 سنة بالنسبة للذكور. ومع ذلك يتبين أن جل التعاريف تجعل المراهقة مجرد مرحلة عمرية سابقة على سن الرشد.
وفي معجم “ليتريه” littré ” نجده مفهوم adolescence” هي “المرحلة التي ينتقل فيها الكائن من الطفولة إلى الرشد، أي الانتقال من مرحلة الاتكالية إلى مرحلة الاعتماد على الذات”.
ويعرف “مارشال” “marshall” المراهقة أو البلوغ بالمرحلة التي يصبح فيها الكائن ناضجا جنسيا مع ظهور الخصائص التكوينية التي تؤدي إلى اختلاف كلي بين الذكورة والأنوثة. وخلال هذه المرحلة يصبح للخصائص الجنسية الثانوية أهمية كبيرة لأول مرة، بينما الأعضاء الضرورية للتناسل تأخذ حجمها الطبيعي”[6]. “إن هذا التعريف يتوافق مع التعريف الشعبي الذي يعتبر الجنس هو المصطلح المستخدم لوصف انقسام أفراد النوع الواحد إلى شكلين متكاملين ومتناقضين يعرفان بالشكل الذكوري والشكل الأنثوي”[7].

يتضح من خلال هذه التعاريف السابقة أن هناك ربطا بين البلوغ والمراهقة، بين المراهقة والنشاط الجنسي التناسلي: فهل المراهقة هي البلوغ أم بينهما اختلاف؟ هل يتفق التعريف البيو-نفسي مع التعريف البيو-جنسي للمراهقة أم يختلفان؟ أين تتجلى أوجه الاختلاف وأوجه التشابه؟ وما هي نتائج التغيرات البيولوجية على نفسية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية؟ هل للتغيرات الجنسية تأثير على الجانب النفسي والاجتماعي للمراهق؟
لا ينفي التعريف البيو-سيكولوجي للمراهقة نمو المظاهر البيولوجية والجنسية، لكنه ينصب حول دراسة التغيرات النفسية الغامضة التي تصاحب هذا النمو في الأعضاء الجنسية والمورفولوجية، وهذه التغيرات لها بالغ الأثر على شخصية المراهق وعلى علاقاته الاجتماعية لأن النظام العلائقي للشخص مع الآخرين يتغير بكامله. لهذا نجد بعض علماء النفس يعتبرون هذه المرحلة مرحلة اضطراب ومعاناة. إنها في نظرهم مرحلة أزمة خانقة يمر بها الفرد في حياته خصوصا في المجتمعات الصناعية التي يطول فيها انتظار الفرد فرصة الاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، وحيث حياة الدراسة تأخذ منه وقتا طويلا للاندماج، عكس مجتمعات البوادي التي تشكل مرحلة المراهقة مرحلة قصيرة نظرا لاندماج الأفراد مبكرا في الحياة العملية كالأعمال الفلاحية والرعي والزواج المبكر وتكوين الأسرة…. هذا الاختلاف دفع بعض الدارسين إلى القول بأن مرحلة المراهقة وليدة المجتمعات الصناعية وليس المجتمعات التقليدية… وهناك ما يؤكد ذلك خصوصا إذا أخذنا بعض الأدوار التي قام بها بعض الشباب وهم صغار السن، فهذا أسامة بن زيد يكلفه الرسول صل الله عليه وسلم بتكوين جيش عظيم تحت إمرته وهذا دليل على أن هذا الصحابي لم تكن المراهقة لديه أزمة بل كانت طاقة وظفها فيما يخدم قضية الإسلام…. المراهقة إذن فترة تبتدئ بالبلوغ أي الطمث عند المرأة والمني عند الرجل وتنتهي بمشاركة الفرد في الحياة الاجتماعية وامتهانه مهنة ما وحصوله على حقوقه المدنية والزواج وتكوين أسرة…
كثيرا ما تُفهم المراهقة كأزمة فهل هي كذلك أم هي مجرد تأزيم نظرا لسوء فهمنا لها؟ يقول الدكتور احمد أوزي :” سعيا لفهم شخصية المراهق وما يعتمل داخلها، نلقي نظرة وجيزة على أهم ما يطبع هذه الشخصية ويسبب لها مثل هذا الاضطراب. إن المراهق في هذه المرحلة من العمر يلتفت كثيرا إلى ذاته وينظر إلى نفسه كذات مستقلة ويحاول بنظرة مقارنة النظر إلى خبراته الحالية كيف تختلف اختلافا كبيرا عما كانت عليه أيام الطفولة السابقة على مرحلة المراهقة، وليس الوعي بالذات وليد مرحلة المراهقة، فهو يبدأ منذ الطفولة، ولكن الجديد فيه هو تعميق هذا الوعي وبلورته. ويدعو العالم السيكولوجي “يونج” هذه الظاهرة “تيقظ الشعور” أي شعور المراهق بذاته وآنيته على نحو لم يسبق له مثيل في حياته السابقة، وتيقظ الشعور هذا، أو الشعور بالآنية أو “الميلاد النفسي” بتعبير يونج نفسه يتم بعد البلوغ وانبثاق الحياة الجنسية، حيث تظهر تغيرات جسمية مفاجئة وطارئة بشكل يثير انزعاج المراهق ويجعله يركز اهتمامه على ذاته وتفحصها وتقويمها”[8]. هذا يعني أن المراهق يهتم بذاته اهتماما متزايدا إلى حد المرض خصوصا مع النمو السريع لأعضائه وجسمه في هذه المرحلة العمرية، ويقف أمام المرآة لوقت ليس بالهين يتأمل جوانب جسمه ومناطقه التي أصابها النمو السريع مما يجعله يحس بالانزعاج والإحراج والاضطراب، وبالأخص ” إذا كان الأفراد المحيطين به لا ينقطعون في كل مناسبة عن إثارة انتباهه إلى هذه التغيرات كعلامة على تخطيه الطفولة ووجوب ابتعاده عن أعمالها وسلوكها الطفولي”.[9] وسبب هذا الإهتمام المتزايدة هو التغيرات الجسمية التي تطرأ على جسم المراهق أو المراهقة كطول الساقين واستدارة الفخذين ونبت الشعر على الوجه وتضخم الصوت وتغير ملامح الوجه، وبدء الطمث لدى المراهقة وبروز النهدين، إلى غير ذلك من المظاهر الأساسية أو الثانوية التي تلحق جسم المراهق أو المراهقة فتجعله يهتم بنفسه لمعرفتها، لأنها أصبحت شيئا غريبا يحتاج فعلا إلى المعرفة بعد أن كان مألوفا وعاديا في مراحل النمو السابقة. في ظل هذه الظروف نجد المراهق يحاول التخلص من عالم الطفولة وينجذب نحو أفاق المستقبل الرحب. هذه الرغبة في التخلص من الطفولة هي ما يَصطلح عليه “ليفين” “lewin ” “تغيير الانتماء للجماعة”.هذه المحاولة ليست بالسهلة ولا بالهينة بل تترتب عنها اضطرابات شديدة تعود أسبابها إلى:
1-عدم مساعدة الراشدين له في عميلة الاندماج في عالم الراشدين، وعدم الاعتراف بقدراته وكفاءته، مما يجعله يحس أنهم لا يعترفون له بذاته…
2-هذا الانتقال يتطلب منه أساليب جديدة للتكيف والتوافق. والمراهق ورغم إحساسه بالكفاءة فانه يحتاج إلى مزيد من النضج، لأن اصطدامه مع موقف معين في عالمه الواقعي يصيبه بالذهول والضعف وعدم القدرة على تجاوزه، مما يجعله يرتد إلى الوراء،ثم يحاول فإذا وجد من يقف معه ويمده بالعون ويوجهه ويساعده استطاع الاندماج في عالم الراشدين، وان لم يجد من يقف معه ويأخذ بيده تعرضت حياته للاضطراب والصراع فيدخل في حرب مع المجتمع الأسرة والأساتذة والأصدقاء أي المحيط) بهدف نيل اعترافه بذاته وباستقلاله باعتباره الهدف الذي يسعى إليه كل مراهق.
3-هذا الانتقال كذلك هو انتقال إلى جماعة جديدة جماعة الكبار، وهذا يتطلب معرفة بهذا العالم الجديد لكن المراهق لا دراية له بهذا العالم. هذا الجهل بعالم الكبار والغموض الذي يكتنف المراهق يجعله في تردد وخوف وحيرة وعدم ثبات السلوك مما يجعله يدخل في صراع وحرب مع المجتمع وهذا يحتاج إلى مساعدة وتوجيه من قبل الكبار؛”فالمراهق لا هو بالطفل ليبقى مع جماعة الأطفال، ولا هو براشد لينضم إلى جماعة الراشدين. فهو شخص يقف على الحدود بين جماعتين غير متأكد من انتمائه إلى إحداهما وموقف كهذا يسلم صاحبه إلى عدم الاستقرار الوجداني، وإلى الحساسية الانفعالية الزائدة، هذه الحساسية النفسية التي عبر عنها المهتمون بسيكولوجيا المراهقة، بقولهم: إن المراهقة تعتبر “فترة الزوبعة النفسية أو العاصفة الذاتية”[10].
4-هناك مشكل آخر يعانيه المراهق ألا وهو مشكل القيم، فالقيم التي يتلقاها المراهق في المنزل في الأسرة ليست هي القيم الموجودة في الكتب التي يطالعها الفرد، كما أنها ليست القيم التي تعمل وسائل الإعلام على نشرها وترويجها. ونحن نعلم أن وسائل الإعلام أصبحت تلعب دورا خطيرا في عالم اليوم. إن هذا التضارب في القيم وعدم قدرة المجتمع على تحديد نوع القيم التي يجب إكسابها للأطفال والمراهقين تدفع إلى نشأة جيل جديد يعاني تمزقا وتشتتا نفسيا…لهذا وجب الاهتمام بهذه المرحلة وإعطائها العناية اللازمة.
من خلال ما سبق يتبين أن مفهوم المراهقة يختلف عن مفهوم البلوغ بمعناه الجنسي: فما علاقة المراهقة بالبلوغ؟
إن الفرق بين المراهقة والبلوغ يكمن في اقتصار هذا الأخير على الجانب العضوي الجنسي من المراهقة فقط، فالبلوغ هو”المظهر البيولوجي لمرحلة المراهقة، وهو يشمل المرحلة التي يصبح فيها الكائن قادرا على التناسل”[11]. إنه “المرحلة التي يتم فيها النضج الجنسي الذي يحصل عند الإنسان خلال مراحل تستمر لفترات طويلة، تنتهي عادة في الوقت الذي تصل فيه الفتاة إلى مرحلة نضج المبيضين وبدء الطمث، والفتى إلى مرحلة القذف”[12]. وكما جاء في لسان العرب لابن منظور:”بلغ الغلام: احتلم كأنه بلغ وقت الكتاب عليه والتكليف، وكذلك بلغت الجارية. التهذيب: بلغ الصبيّ والجارية إذا أدركا، وهما بالغان”. فترة البلوغ لا ترتبط بأول طمث للأنثى وأول قذف للذكر، بل ترتبط بالقدرة على التناسل. وقد حدد العلم فترة البلوغ تقريبيا ب الفترة العمرية من 11 سنة إلى 16-17 سنة بالنسبة للأنثى، ومن 12 إلى 18 سنة بالنسبة للذكر. وفترة البلوغ هذه فترة حساسة من حياة المراهق، لأنها تصيبه “بالاضطراب والارتباك وعدم التناسق مما يدفعه (كما يؤكد احمد اوزي ) إلى إتيان نوع من السلوك الشاذ وعدم القدرة على ضبط الحركات، وخاصة في المواقف التي تجمعه بالراشدين، حيث يفقد في بعض المواقف توازنه العضوي-الحركي. وهذا ما دعا بعض السيكولوجيين إلى تسمية فترة البلوغ باسم “الفترة السلبية.”[13] لكن الملاحظ أن فترات البلوغ أصبحت تأتي متقدمة بعض الشيء على ما كانت عليه في السابق ويرجع ذلك إلى عدة أسباب من أهمها: تحسن ظروف الحياة والمستوى الاجتماعي للأسر وتطور الطب، لهذا نجد الأفراد حاليا يصلون سن البلوغ مبكرا عكس ما كان سابقا وذلك ل “شدة الاستثارات للجهاز السمباتي(sympathique) ، والتي تحدثها الحياة العصرية. فالضوء الاصطناعي والضجيج والاستثارات البصرية والعاطفية تستثير جميعها الجهاز العصبي مما يؤدي إلى تنشيط عملية الأيض (métabolisme) وهذا ما يفسر التزايد في القامة والظهور المبكر لعلامات البلوغ”[14] ، بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة كعامل العرق وعامل الوراثة، حيث هناك بعض الأعراق تصل مرحلة البلوغ قبل غيرها، وهناك كذلك من تصل أو يصل إلى مرحلة البلوغ كما كانت أو كان أمها أو أبوها. فهل من أسباب للبلوغ؟ ليس هناك جواب علمي حاسم في هذه الأمر، ومع ذلك هناك دراسات تقول بأن الغدد الجنسية التي كانت في حالة كمون تتيقظ بفعل الهرمونات التي تفرزها الغدة النخامية. لكن السؤال يبقى لماذا لم تتحرر هذه الهرمونات إلا في هذه الفترة؟
هناك دراسات افترضت وجود “مركز جنسي” في أسفل الدماغ ومنه تنطلق الشحنات التي تطلق النشاط الهرموني الذي سيكون مسؤولا عن إحداث التغييرات المورفولوجية التي ستحدد مظاهر البلوغ. ولكن السؤال يظل قائما مرة أخرى: لماذا بدأ هذا المركز بوظيفته فجأة على الرغم من تشكله في مراحل سابقة؟ ليس هناك جواب علمي دقيق على هذا السؤال ف”البلوغ هو ظاهرة طبيعية يتطلب ظهورها تكامل الأوليات العصبية والهرمونية الضرورية لاستكمالها”،إن “المظهر الطبيعي للبلوغ يتوقف في نهاية الأمر على الفعالية الوظيفية للغدة النخامية والغدد الصماء التي تنشط بفعل الشحنات المتأتية من الجهاز ما تحت ألسريري (الإبوتالموس)[15].
اذا كان البلوغ بيولوجيا يتحدد بقدرة الإنسان على التناسل، فإنه من وجهة نظر قانونية يتحدد بقدرة الإنسان علي الزواج. وبما أن سن الزواج يختلف من مجتمع إلى آخر، فإن النظرة القانونية للبالغ تختلف من مجتمع إلى آخر كذلك، ففي المغرب مثلا يحدد سن الزواج في 18 سنة وهو سن البلوغ..
بعض المقاربات السيكولوجية التي تناولت ظاهرة المراهقة:

1-المقاربة الكلاسيكية لسيكولوجية المراهقة الذي أسسها الأمريكي “ستانلي هول” “Stanley hall” والعالم “جزل” ” Arnold Gesell”فإليهما يرجع فضل تأسس أول نظرية المراهقة. “فهول” هوأول من قال عن المراهقة :”إنها مرحلة تستحق بحق أن تكون موضوع علم النفس بأكمله”. يرى هذا العالم أن “الأزمة” التي يمر منها جميع المراهقين، يعود سببها إلى تلك التغيرات العضوية التي تطرأ على بنية الفرد الشيء الذي يؤثر في توازنه العضوي والنفسي والاجتماعي. فقد رَكزت دراستهما على “عمليات النمو الجسمية والجنسية، إلى جانب الملاحظات الطبية، ومعتبرة أن الحياة النفسية عند المراهقين يحددها النمو البيولوجي”[16]. فالنمو البيولوجي في نظرهما لا يتوقف على بروز وظهور الأعضاء والخصائص الجنسية الأولية والثانوية (الأعضاء الجنسية والثانوية الحيوانات المنوية والمبيض)، وإنما أيضا نموا داخليا وتغيرات هرمونية متعددة. هذه التغيرات الخارجية والداخلية لها تأثير عميق في تحديد شخصية المراهق. هكذا ترتبط المراهق عند أصحاب هذه النظرية بالبلوغ. ولما كان البلوغ عند الجميع فالمراهقة مرحلة يمر بها الإنسان عموما، أي أنها خاصية ترتبط بالجنس البشري وليس بالإنسان الذي يعيش في المجتمعات الصناعية.
خصائص المراهقة عند هول تتجلى في:
“1-أنها مرحلة الأزمات والاضطرابات وسن العواصف.
2-أنها مرحلة الإفراط في المثالية وانتشار عبادة الأبطال والتعلق بالأهداف.
3-أنها مرحلة الثورة على القديم والتقاليد البالية.
4-أنها مرحلة الانفعالات الحادة والعواطف والحب والميل إلى الجنس الآخر والصداقة.
5-أهنا مرحلة الشك والنقد الذاتي والأحاسيس المفرطة.
6-أنها مرحلة انحلال الروابط بين عوامل “الأنا” المختلفة التي تشكل تماسكها”[17] .
المشكل الذي تواجهه هذه النظرية يكمن في ربطها المراهقة بالنضج البيولوجي دون مراعاة للعوامل الاجتماعية والحضارية التي تميز حضارة عن أخرى. فالتغيرات الملاحظة في سلوك المراهقين يمكن تفسيرها في نظره بالعوامل الفيزيولوجية ذات العلاقة بوظائف الغدد دون الرجوع للعوامل الثقافية.
يمكن تلخيص موقف هول من المراهقة في هذه الفقرة لأحمد أوزي والتي يقول فيها:إنها “العواصف والتوتر النفسي” وذلك لوصف مزاج المراهق وسلوكه الانفعالي المتسم بالتعارض والتناقض بين الأنانية والمثالية، وبين الحب والكره والحنان والقسوة. الخ…”[18].
2-المقاربة الأنثروبولوجية الاجتماعية: ويمثل هذه المقاربة كل من “مالينوفسكي” و “ميد مارجريت” ” Margaret mead،هذه الأخيرة ” تنفي الطرح السابق، وذلك بعد القيام بعدد من البحوث الأنثروولوجية على مجموعة من القبائل البدائية التي اكتشفت بغينيا الجديدة (قرب استراليا)، حيث ثبت أن المراهقين في تلك القبائل لا يمرون إطلاقا بتلك “الأزمة” مما يؤكد أن هذه المشكلة حسبهم لا ترجع إلى التغيرات العضوية فقط، بل إلى موقف المجتمع بتقاليده ومعاييره ومعاملاته من ومع المراهق.
لقد بينت “مارجريت ميد” أن ما ذهب إليه “هول”من اعتبار المراهقة “أزمة” ترتبط بالبلوغ والنمو الجسمي والجنسي، لتؤكد على أن المراهقة ترتبط بقيم المجتمع ونظرته للمراهق، “أي البيئة الاجتماعية، ونمط ثقافتها وأساليبها في التنشئة الاجتماعية للفرد”[19].
من خلال الأبحاث التي قامت بها “ميد” تبين لها أن المراهقة ليست مرحلة اضطرب بل هي مرحلة كسائر المراحل العمرية الأخرى، وأن بعض الشعوب التي قامت بدراستها كشعوب غينيا الجديدة جزر ساموا ببوليزيا (جزيرة ساموا تابعة لأمريكا وتوجد في المحيط الهادئ جنوب شرق أسيا، وهي مجموعة جزر تقع بين نيوزيلاندا وهواي) واندونيسيا لا تعرف المراهقة بالشكل الذي يعرفها الفرد الأمريكي، بل يعيش حياة هادئة “على خلاف ما يحدث للفرد في البيئة الثقافية الأمريكية، وان التباين الثقافي بين مجتمع “ساموا Samoa –الذي درسته ميد- وثقافة المجتمع الأمريكي هو الذي يفسر الفرق الذي نجده في ملامح شخصية المراهق في كلتا الثقافتين المختلفتين. [20] هكذا إذن تربط “ميد” المراهقة بالمستوى الفكري والحضاري والثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، إلى درجة يمكن القول معها أن”هناك المراهقة الهادئة والمتزنة في المجتمعات البدائية، والمراهقة في حضارات العصر الحالي حيث يسود القلق والتنافس والسرعة، فيشب الكائن ليجد نفسه في دوامة الآفاق المتعددة والحيرة: أي طريق يختار، وأي قيم ومعايير يتبع؟”[21]
فما طبيعة المراهقة في نظر ميد؟ وهل المشكلات والاضطرابات التي تواجه المراهقين تسببها المراهقة نفسها، أم تسببها طبيعة المدنية التي يعيشون فيها؟ وهل تختلف صور المراهقة باختلاف الظروف المحيطة بالمراهقين واختلاف مجتمعاتهم؟
بعض التجارب التي قامت بها “ميد” في بعض المجتمعات البدائية والمقارنة بينها وبين المجتمعات الحضارية كأمريكا “توصلت، في النهاية، إلى نتائج تبيّن أن شخصية المراهقين تتأثر بالنظام العلائقي الذي يقوم بين الكائن وأفراد العائلة، وبخاصة الأم في أثناء مرحلة الطفولة. وبالتالي، فان اختلاف التربية في نماذج المجتمعات البدائية التي قامت بدراستها في المجتمعات الحديثة ينعكس على مرحلة المراهقة.[22] هكذا تَبين لميد “أن أزمة المراهقة هي نتاج تناقض موقف المجتمع بمختلف مؤسساته، وعدم الثبات والاستمرارية في معاملة الأبناء والتأرجح بين الشدة والعطف والحرمان والإشباع والقسوة والتدليل”.[23] غياب الصرامة والقسوة والضبط الصارم والقيم والقواعد الأخلاقية الصارمة يجعل المراهقين في هذه المجتمعات يعيشون حياة شبيهة بعالم الكبار، كما أن الإثابة والعطف والحنان والرضاعة الطبية الطويلة التي يتلقاها الأطفال في الصغر في المجتمعات البدائية لا تجعل مرحلة المراهقة عندهم مرحلة أزمة وقلق بل مرحلة عادية لا تختلف عن باقي المراحل إلا بالنمو الجسمي فقط. ولما كان الناس في هذه المجتمعات يظلون بدون ملابس كانت للأطفال معرفة مسبقة بالجسد لهذا لا يشكل عندهم النمو الجسمي أي مشكلة. عكس المجتمعات المتحضرة التي تربي أبناءها على الانضباط والصرامة في التعامل، ولا يتلقى الطفل الإثابة الكاملة بل عادة ما يُصرخ في وجهه إن هو لم يلتزم بقواعد السلوك وبالمعايير القيمية التي ينشئه عليها المجتمع. لهذا تشكل مرحلة المراهقة بالنسبة له أزمة وقلقا وتوترا ونجد عنده الأعراض العصابية.
3-المقاربة الدينامكية: تختزل المراهقة فيما يسمى محاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية. فمرحلة الانتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة غير مستقرة لأن المراهق لا يتوفر على شخصية خاصة، فهي مرحلة التقمصات والتماهيات، أي التوحدات وتقليد النماذج إلى أن يعثر المراهق على الشخصية التي تليق به وتستهويه والتي يريدها من حيث الشكل والسلوك وطريقة التعامل والاستجابات.
ف”ألبورت” “Gordon Willard Allport ” وهو عالم سيكولوجي أمريكي، يفسر ظاهرة المراهقة بالتأكيد على أهمية الذات وتحديد مفهوم الشخص. لهذا ركز على أهمية الذات في حياة الفرد وفي تكوينه لشخصيته، وخصوصا في مرحلة المراهقة التي يتعاظم فيها إحساس الفرد بذاته ويعمل على إثباتها و تأكيدها. وقد اعتقد “ألبورت” أن للذات عدة مظاهر لهذا عمل على تحديد ووصف كل مظهر من مظاهرها.

-أبعاد الذات ومراحل تطورها:
أ-الذات الجسمية:يشكل الإحساس بالجسم أول بنية في تكون نسق الذات، لكن الإحساس بالجسم يأتي بعد إحساس الطفل بمحيطه، والخبرات الحسية والإحباطات التي يتعرض لها هي التي ترتب له الإحساس بذاته.
ب-هوية الذاتidentité de soi إحساس الطفل بذاته وبصفاته المعهودة غير ما يطرأ عليه من تغير، ويبدأ الطفل في معارضة كل شخص يقف أمام استقلاله وتأكيد ذلك، لهذا نجده يردد لفظة “لا” كثيرا.
ح-تأكيد أو إثبات الذات ” Affirmation de soi ” وهي خاصية تظهر مبكرا عند الأطفال، وهي من الحاجات الملازمة لنمو الطفل في كل مراحل حياته، وهي مظهر راقي وملازم للحياة، لكنه لا يصل إلى مرحلة النضج إلا بعد انفتاح الطفل على الآخرين، وهو ما يطلق عليه “بتوسع الذات”.
د-تعميق الذات أو امتدادها “Extension de soi “تتجلى في إدراك الطفل للمحيط الذي يعيش فيه والديه وأدواته وبيته، أي أن ذاته لم تعد تنحصر فيه، بل امتدت وتوسعت إلى الأشياء التي يمتلكها ويتميز بها. هذا الامتداد عملية مهمة لعملية التوحد التي سيمتص من خلالها ويتشرب قيم المجتمع واتجاهاته ومعاييره…وعلى أساس هذه المعايير سيتبنى المبادئ والإيديولوجيات في المستقبل.
ه-صورة الذات ” L’image de soi “صورة الذات لا تأخذ أبعادها الحقيقية إلا في مرحلة المراهقة، حيث يصبح الفرد قادرا على تكوين معايير يزن بها ذاته ويقدر بواسطتها قدراته ومهاراته ودوافعه ويتعرف على الاتجاهات والقيم التي تضبط سلوكه وتوجهه. لهذا فالمعلومات والخبرات التي يكتسبها الطفل من المدرسة والاحتكاك بالغير تلعب دورا مهما في تقييم الفرد لذاته ولما ينبغي أن يكون عليه وما يريده الغير أن يكون عليه، والأحكام التي يصدرها الغير عليه تشكل نواة صورة الذات لديه.
و-الذات العقلية Soi rationnel أو الذات العارفة Soi connaissant: أو المجهود المركزي كما يحلو “لألبورت” أن يسميه يشبه إلى حد ما “الأنا” عند “فرويد”،”لأن الأنا يسعى لضبط الدوافع الليبيدية من أجل التوفيق و إحداث التوازن بين دوافع الذات وقيم المجتمع ومعاييره حتى يحقق الفرد صورة ملائمة لدى نفسه ولدى الآخرين. إن دور هذا البعد من أبعاد الذات، دور قيادي لأنه يسعى إلى ضمان الأمن الذي يحقق التوازن الشخصي”.[24]

المراهقة واستقلال الذات:
يكون الطفل في طفولته المتأخرة مهتم باكتشاف العالم المحيط به، لكنه بعد البلوغ، أي في مرحلة المراهقة يبدأ الطفل في الاهتمام المتزايد بذاته، حيث تتمحور كل أنشطته حول الذات ببيان استقلالها وتميزها عن الآخرين بعدما كان قبل ذلك يتقمص ويتوحد بالآخرين. وفي هذه المرحلة بالذات تنمو القدرات العضوية الجنسية للطفل مما يجعله يهتم بها كثيرا، كما تنمو القدرات العقلية وتزداد قوة وتعقيدا وتجريدا، حيث يصبح الفرد قادرا على ممارسة أكثر العمليات العقلية تعقيدا..”فتغدوا مشكلة الذات أو مشكلة الهوية الذاتية محطة رئيسية يحط فيها الفرد رحاله، غير أن هذه المرة يرافقه في هذا البحث العزم والتصميم على نزع الاعتراف بها وتحقيق مكان لها، ضمن بقية الذوات الاجتماعية الأخرى، وخاصة تلك الذوات التي كان بالأمس ظلا أو مجرد شبح لها. والواقع انه كلما سارع الآخرون إلى استقبال هذه الذات أو الكينونة الجديدة والاعتراف بها والإقرار لها بحق الوجود والانتماء، كلما ساهم ذلك في إخماد الصراع وتهدئة النفس، أما إذا وقفوا لها بالمرصاد، فإنها تتخذ أساليب للدفاع عن نفسها لتحقيق هذه الذات بأساليب ملتوية.[25]
4-المقاربة الرابعة: مقاربة الضغوط والإستراتيجية المواجهة. هناك ضغط داخلي ينبعث من الذات عبر التحولات التي تعرفها هذه المرحلة وضغوطات خارجية أسرية، واجتماعية،…..الاستجابة لهذه الضغوطات تتم عبر مجموعة من الاستراتيجيات لتفادي قوة هذه الضغوطات وتجاوزها، تنتهي بعد أن يتمكن المراهق من تطوير منظومة من الاستراتيجيات في مستوى هذه الضغوطات..
فكيف يجب أن ننظر إلى المراهق؟ هل كذات سلبية تتخبط في أزمة نفسية أم كذات ايجابية تحتاج لمن يتفهمها ويتفاعل معها؟ ألا تشكل مقاربات المراهقة عائقا نظريا يحول دون الفهم الحقيقي للمراهق (بإسقاطات نظرية)؟

لائحة المراجع:
الدكتور أحمد أوزي:”المراهقة والعلاقات المدرسية”، منشورات مجلة علوم التربية -8- الطبعة الثانية، مطابع النجاح الجديدة- الدار البيضاء.
الدكتور عبد اللطيف معاليقي: المراهقة، أزمة هوية أم أزمة حضارة، دراسة تحليلية للمراهقة في واقعها وديناميتها ومعظّلاتها، الطبعة الأولى 1996، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت- لبنان.
-نفس المرجع ص: 8[1]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية..ص:10[2]
-نفس المرجع ص:11[3]
-نفس المرجع..ص12[4]
-لسان العرب، المجلد العاشر، ص:130[5]
-عبد اللطيف معاليقي: المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية..ص 26.[6]
-نفس المرجع، ص:27[7]
-أحمد أوزي:المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22[8]
[9]-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:22.[9]
-نفس المرجع، ص، ص:23-24.[10]
-عبد اللطيف معاليقي:المراهقة أزمة حضارة أم أزمة هوية، ص:19.[11]
-نفس المرجع، ص:20[12]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:18.[13]
-المراهقة أزمة هوية ام ازمة حضارة، ص:22.[14]
-نفس المرجع، ص: 25.[15]
-نفس المرجع، ص:39.[16]
-نفس المرجع، ص:41.[17]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:31.[18]
-نفس المرجع، ص:32.[19]
-نفس المرجع، ص:32.[20]
-المراهقة: أزمة هوية أم أزمة حضارة، ص:77.[21]
-نفس المرجع، ص:78.[22]
-نفس المرجع ،ص:81.[23]
-المراهق والعلاقات المدرسية،ص-ص: 48-49.[24]
-المراهق والعلاقات المدرسية، ص:49.[25]

التدوينة المراهق وصناعة المستقبل ـ بوعزة بوبكر ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

علاقة الاختيار في التوجيه بالشخصية (نموذجية هولاند) ـ المختار شعالي

$
0
0

عرف التوجيه، كمجال معرفي قائم بذاته، تطورا مطردا منذ بداية القرن العشرين، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وضع الباحثون في هذه البلاد الأسس والمفاهيم التي تأسست عليها أدبيات التوجيه والتي سعت إلى تفسير الاختيار واتخاذ القرار في التوجيه. وقد تحقق هذا التطور تحث تأثير تطور العلوم المرتبطة بالتوجيه وتطور المجتمع، وشمل هذا التطور كل الجوانب سواء على مستوى المنظور أو على مستوى المفاهيم أو على مستوى الممارسة، وذلك للاستجابة إلى الحاجات المتجددة والملحة لمجتمع يعرف ثورة صناعية ومعرفية واجتماعية.
إن الأسئلة الجوهرية التي تطرحها قضايا التوجيه تتعلق ب: كيف تتشكل الميول والاهتمامات والقيم والهوية؟ وهل هي قابلة للنمو والتربية والإعداد والنضج والإدراك والتقييم؟ وما علاقاتها بالاختيار واتخاذ القرار في التوجيه؟ أي كيف يمكن تفسير الاختيارات التي يتخذها الأفراد في مساراتهم الدراسية والمهنية والحياتية؟ وكيف يمكن تحديد وتفسير العوامل والمحددات والبواعث التي تقبع وراء هذه الاختيارات؟ وما علاقة الاختيار والتوجيه الملائمين بمردودية الأفراد وبالرفع من حافزيتهم للتجاوب والانخراط في تنمية ذواتهم ومحيطهمهم؟ في ما يتباين أشخاص يتفوقون بدرجات مختلفة عن آخرين يفشلون تماما عند ممارسة نفس الشغل؟ وما هي الكفايات التي ينبغي تملكها ليتمكن الفرد من التحكم في اختياراته؟ وما هي المنهجيات والمقاربات التربوية التي ينبغي اعتمادها في المدرسة لتنمية هذه الكفايات؟
شكلت هذه الإشكالات وهذه الأسئلة مجال اهتمام البحث في التوجيه وأدبياته. وقد سعى الباحثون في المجال إلى البحث عن إيجاد إجابات عن هذه الإشكاليات لصياغة مرجعيات نظرية تؤطر الممارسة في التوجيه. وقد ترتب عن ذلك بالفعل تراكم هام من النظريات منذ بداية القرن الماضي. سنحاول في هذا الموضوع الوقوف على إحدى هذه النظريات دون الدخول في التفاصيل . ويتعلق الأمر بنظرية “هولاند” التي تعرف في أدبيات التوجيه بنموذجية هولاند typologie de Holland .
نظرا لتكوين هولاند في سيكولوجية الإرشاد وبناء على التجارب التي راكمها من خلال ممارسته لمهنة الإرشاد الكلينيكي والتوجيه ، سعى إلى دراسة مختلف مظاهر السلوكات الفردية المتعلقة بالميول المهنية كالاختيار المهني والانجذاب إلى إحدى المهن، والأدوار التي يمكن القيام بها داخل هذه المهنة، والنجاح المهني وإمكانيات الابتكار والخلق داخل المهنة والإشباع الذي يمكن الحصول عليه. لذا بدا لهولاند أنه من الممكن تصنيف الاهتمامات والميول والخاصيات والسلوكات الفردية إلى أصناف أو نماذج. ولاحظ أن سلوكات الفرد لها علاقة وطيدة ورهينة بنموذج شخصيته .

هكذا أفضت أشغال هولاند، إلى تحديد ستة نماذج للشخصية Types de personnalité: النموذج الواقعي والنموذج الباحث والنموذج الفني والنموذج الاجتماعي والنموذج المقاولاتي والنموذج المحافظ. وتدخل كل هذه النماذج في تشكيل شخصية الفرد بدرجات متفاوتة، حيث تتشكل جانبية كل شخص من نماذج غالبة وأخرى ثانوية. ما هي هذه النماذج؟

النموذج الواقعي : تحب هذه الشخصية الأنشطة التي تتطلب المعالجة اليدوية للأشياء والأدوات، وتمتلك مهارات يدوية وميكانيكية وتقنية، وتجد متعة في استعمالها في الحياة المهنية، أو الوضعيات التي تتطلب هذه المهارات .وتشكل السلطة والمال والمركز الاجتماعي قيما بالنسبة لهذه الشخصية. فهي شخصية مستقيمة وأمينة ومواظبة وصريحة ومستقرة ومحبة للعزلة .

النموذج الباحث :تتميز هذه الشخصية بالميل إلى البحث بمختلف أشكاله وفي جميع المجالات (الفيزياء والبيولوجيا ومختلف أشكال الثقافة)، وبنفورها من الأنشطة ذات الطابع الإقناعي والاجتماعي أو الروتيني، فهي شخصية واسعة الاطلاع، لها موهبة في العلوم والرياضيات أو علوم إنسانية أخرى . وتعتبر نفسها أنها تحمل هذه الرسالة. لها ثقة بالنفس تتسم بالحس النقدي والفضول الثقافي، وتمتلك قدرة على التحليل ودقة الملاحظة، كما أنها يقظة وحذرة وذات تفكير منهجي ومستقلة ومتحفظة ورزينة .

النموذج الفني :يغلب على هذه الشخصية نزوعها إلى الأنشطة غير المقيدة لحريتها، والتي تسمح لها بالإبداع والابتكار والخلق من خلال معالجة يدوية لأدوات مختلفة، غير أنها تنفر من كل نشاط ممنهج ومنظم . تمتلك قدرات ومؤهلات فنية سواء على مستوى اللغة أو الموسيقى أو الكتابة، وتعطي قيمة كبيرة للجودة الفنية . تتميز بالنزوع إلى التعبير عن نفسها، وهي أصيلة وسريعة البديهة وذات خيال خصب، إلا أنها غير امتثالية ولا محافظة و تبدو معقدة وغير منظمة ومندفعة وضعيفة الحس العملي .

النموذج الاجتماعي :تهتم هذه الشخصية بالاشتغال مع الآخرين، سواء بهدف التربية أو الإرشاد أو التطبيب، وتعطي لهذا النوع من الأنشطة قيمة كبيرة. وعكس ذلك، فإنها لا تحب الأنشطة التي تتطلب المنهجية والتنظيم اللذين يحتمان استعمال المعدات والأدوات والآلات . تتوفر على قدرات لنسج علاقات إنسانية وتجد متعة في ذلك، غير أنها تفتقد مهارات يدوية وتقنية. الصورة التي لديها عن ذاتها أنها شخصية تحب مساعدة الآخرين وفهمهم، ولها استعداد للتعليم والإرشاد أكثر مما لها لمجالات الميكانيك والعلوم . تبدو متعاونة وسخية ومثالية ومسؤولة ومتفهمة، تربط علاقات حارة مع الآخرين، ومقنعة ومتسامحة واجتماعية وفطنة وحادة التفكير.

النموذج المقاولاتي :تحب هذه الشخصية هي الأخرى الاشتغال مع الآخرين، لكن من أجل تنظيمهم وتسييرهم وتسعى من خلال علاقاتها إلى الربح المادي . لا تنجذب للأنشطة ذات الطابع النسقي والممنهج . تكون قدراتها العلمية ضعيفة إلى حد ما مقارنة مع قدراتها العلائقية من أجل القيادة والإقناع . ويمثل الخوض في السياسة والنجاح الاقتصادي من أهم قيمها. الصورة التي لديها عن ذاتها أنها ديناميكية وشعبية واجتماعية، لها قدرة كبيرة على التعبير، كما أنها شخصية طموحة تمتلك طاقة فائقة، تحب التظاهر، غريبة الأطوار وشاذة أحيانا، لكنها متفائلة ومنشرحة ومغامرة ونشيطة وسلطوية و« ضجاجة ›› بعض الشيء .

النموذج المحافظ : تفضل الأنشطة التي تعتمد المعالجة اليدوية للمعطيات بشكل ممنهج ومنظم داخل مؤسسات إنتاجية أو خدماتية. ( كمعالجة الملفات وترتيبها والاشتغال على الآلات المكتبية). تكره الأنشطة غير المحددة المعالم، وتحبذ الاشتغال في فضاء منظم واضح المهام لا يمت بصلة إلى الميادين الفنية، لها استعداد للعمل في المكتب والتعامل بالأرقام. تعتبر ذاتها محافظة ومنظمة، تعطي قيمة للنجاح في الأعمال والاقتصاد لكن بطريقة مخالفة للشخصية المقاولاتية. تبدو عملية وفعالة وصاحبة ضمير وصلبة في مبادئها لا ترحم في تطبيق القانون، لها شعور بالحرمان ومتحفظة ومواظبة ومقتدرة وذات كفاءة .

يرى هولاند أن النماذج الغالبة على شخصية الفرد ينبغي أن تكون منسجمة فيما بينها وكذلك النماذج الثانوية. ولتوضيح هذا الأمر نسوق هذا المثال: ينبغي أن تكون النماذج الغالبة على جانبية profil شخصية الطبيب المنسجمة هي النموذج الباحث والنموذج الواقعي والنموذج الاجتماعي، أي أن جانبية شخصيته تطغى عليها أولا مواصفات الباحث التي تتمثل في الاطلاع الواسع بالعلوم المتعلقة بالطب ومن امتلاك تفكير منهجي ينطلق من الافتراض العقلاني ودقة الملاحظة والتحليل. ثم تليها مواصفات الواقعي التي تتجلى في امتلاك مهارات يدوية وتقنية حيث يجد متعة في استعمالها في حياته المهنية لمعالجة الناس والجراحة، وانه اجتماعي لأن العلاقة التي ينسجها مع مرضاه أثناء العلاج تكون مبنية على التفاهم والتعاون والثقة والتآزر. ويجب أن يكون النموذج المقاولاتي في أسفل الترتيب في نموذج شخصية الطبيب وإلا أصبح الربح المادي هدف علاقته بمرضاه.
بناء على هذه الأشغال التي قام بها هولاند صاغ عدد من الافتراضات تتعلق بالسلوك التي تتنبأ به نظريته والذي يمتد إلى التنبؤ بالسلوك المهني والتنبؤ بالسلوك في الدراسة وفي المجتمع .
هكذا يرى هولاند أنه كلما حققت الشخصية انسجاما وتميزا في نموذجها وحددت هوية واضحة كلما استطعنا التمكن من التنبؤ بسلوكها ومردوديتها في الدراسة وفي الشغل، كما نتمكن من التعرف على المهام التي ستفضلها والأدوار التي تتقنها والمحاولات التي ستقوم بها لتكيف الحياة الدراسية أو الحياة المهنية مع أسلوبها.
يفترض أيضا هولاند أنه كلما كانت الشخصية منسجمة ومميزة وذات هوية محددة كلما استقرت قراراتها في التوجيه، بل وارتفعت مقاومتها للصعوبات التي ستحاول إعاقة تحقيق اختيارها. كما سيرتفع احتمال انخراطها الايجابي والتزامها في حياتها الدراسية والمهنية، وارتفاع احتمال ارتياحها وإشباع حاجاتها كلما كانت اختياراتها ملائمة لشخصيتها.
إن اعتماد هذه النظرية في التربية تستلزم من المدرسة توفير فضاءات تجعل التلاميذ، منذ بداية تمدرسهم يحتكون بكل مجال من المجالات الستة للأنشطة التي حددها هولاند، حتى يتمكن كل متعلم(ة) من تنمية نموذج شخصيته، ويجعلها تنحو نحو الانسجام والتمايز وتصل إلى الإحساس بامتلاك هوية واضحة .
كما يجب تكييف برامج التعليم ومناهجه مع حاجيات التلاميذ الخاصة، واعتماد بيداغوجية فارقية تسمح لكل هذه النماذج بالنماء والتكوين، والتعبير عن قيمها وإدراكها لذاتها وللواقع، وكذا اهتماماتها وانشغالاتها، وممارسة أسلوبها في التكيف والاندماج . وهكذا سنتمكن من خلق وضعيات مساعدة على النجاح في المدرسة وفي الشغل وفي الحياة.

وخلاصة القول، ينبغي التأكيد على أن أدبيات التوجيه تدعو إلى تحول نوعي بل إبستمولوجي في المنظور إلى التربية، حيث تؤكد أن الرفع من جودة تدبير الموارد البشرية والرفع من مردوديتها لا يتوقف فقط على الرفع من جودة التربية والتكوين المتمركزة أساسا على اكتساب المعرفة، بل تتوقف أيضا، وبنفس القدر، على مدى تربية الأفراد على الاختيار واتخاذ القرار، باعتبار أن الفرد سوف لا يواجه مشكلات التعلم فحسب بل سيواجه أيضا مشكلات الاختيارات المتعلقة بالمآل والمصير، ومواجهة الصعوبات والغموض الذي يحيط بكل اختيار في التوجيه وفي الحياة. ولا شك أن هذا الغموض ناتج عن عدم اهتمام المدرسة بالتربية على الاختيار والتوجيه، حيث يجد الفرد نفسه في المدرسة أو بعد المدرسة أمام نقص كبير في معرفة ذاته وحاجاته واهتماماته ومعرفة الإمكانات المتوفرة في محيطه والمآلات المستقبلية للتطورات الحاصلة فيه، ونقص في تراكم تجارب وقدرات وخبرة في بلورة مشروع في التوجيه وفي الحياة.
وهكذا يبدو أن تجربة الحياة المدرسية أضحت لا تفيد في الإعداد للمستقبل، بحيث لا تتحمل المدرسة مسؤوليتها في مساعدة الأفراد على التخطيط لمستقبلهم، ولا يتدربون على توظيف مهاراتهم في التخطيط وتحويل أمانيهم إلى مشاريع والتمرن على اعتماد استراتيجيات لتحقيق طموحاتهم. ويترتب عن هذا الإهمال أن كثيرا من الاختيارات في التوجيه تكون عشوائية، أو تتخذ بناء على معطيات واهية تنحصر في معايير نمطية أو تحت تأثير الحتميات الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا يتم هدر كثير من الطاقات وضياعها وإتلافها.
إن الأسئلة التي تطرحها إشكالية توجيه الأجيال الصاعدة تتعلق إذن بالاهتمام والتساؤل والانشغال بما سيقوم به الفرد في حياته المدرسية وفي حياته في المستقبل، انطلاقا من خلق وضعيات يحتك من خلالها بذاته ومحيطه ويختبر قيمه واهتماماته وقدراته ويكتشف معطيات محيطه الآنية ومآلاتها المستقبلية. ويقتضي هذا الأمر الانتقال من المدرسة التقليدية إلى المدرسة الموجهة التي تعتمد، فيما يعرف في ادبيات التوجيه، بالمقاربة الموجهة التي تمزج في مناهجها وبرامجها بين التربية والتكوين والتربية على الاختيار والتوجيه…غير أنه يبدو أن اهتمام السلطات التربوية بهذه الأسئلة النوعية ما زال مؤجلا إلى أجل غير مسمى نظرا ربما لهيمنة رؤية تابثة للتربية منشغلة بقضايا كمية أو معرفية، حيث يغيب كليا في هذا الانشغال حضور الفرد/الإنسان وأسئلته المتعلقة ب ‹‹كيف يكون›› و‹‹كيف يصير›› وكيف يواجه المستقبل، أي كيف يبلور وينجز إجابات أصيلة لأسئلة تطرحها الحياة… العملية منها والوجودية …

المراجع:
1- المختار شعالي :التوجيه التربوي – الأسس النظرية و المنهجية ،منشورات صدى التضامن ،دار النشر المغربية ،الدار البيضاء،2012.
2-Charles Bujold : choix professionnel et développement de carrière (théories et recherches),1989,gaétan morin.

التدوينة علاقة الاختيار في التوجيه بالشخصية (نموذجية هولاند) ـ المختار شعالي ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

المدرسة والمجتمع وأزمة القيم ـ محمد أسيداه

$
0
0

يطرح صاحب هذه المقالة من منظور لا يقصد، ارتهانا لموقف عدمي، إلى تسويد الأفق، بل إلى مساءلة-لا تنكر الحماس-راهن واقع تعليمي ثقيل التكلفة بطيء المردودية هزيل الفائدة، في مجتمع سريع التحول كثير المطالب بالغ التذمر، في سياق دولي غير مسبوق ينذر بالابتلاء والابتلاع؛ يعتمد المنظور مدخل القيم بما هي أساسا ما يجعل أي فعل إنساني ذا معنى؛ لأنها مبدأ لتعليله وشرعيته، ولأنها ما يجعل الحياة قابلة أو جديرة بأن تعاش.
يصدر هذا المقال عن طائفة من الافتراضات نعرضها على سبيل المساءلة والمناظرة، وندعو إلى تمحيص وجاهتها وتـأمل استلزاماتها:
• القيم هي ما يمنح التربية والتكوين معنى ؛
• التربية على القيم هي ما يحقق التعايش ويضمنه ؛
• التكوين الحقيقي هو ما يحقق المشاركة في فرص الحياة وإمكانياتها ؛
• لكي يكون الفعل التربوي التكويني(=المدرسة) ذا معنى؛ لا ينبغي أن يكون متناقضا(تناقض القول مع الواقع، القيم مع الممارسة…) ؛
• لكي تنجح المدرسة يجب أن تتطابق قيمها مع قيم المجتمع، أو أن يتناغم خطابهما بحيث يرى خطاب المجتمع المدرسة ضرورية ويقنع خطاب المجتمع نفسه بأنه مفيد ؛
• خطاب المجتمع خطاب مضاد لخطاب المدرسة ؛
• إصلاح المجتمع رهين بإصلاح المدرسة ؛
الانتهاء بالافتراض الأخير الذي هو خلاصة الافتراضات السابقة يعني أن مصدر التنمية البشرية والتنشئة الاجتماعية يعاني خللا مشخصا بأزمة القيم، من دون أن يعني ذلك البتة رد الأزمة إلى ما هو لامادي فقط؛ فالأسباب المادية ربما كانت أكثر قوة ووجاهة.
الحديث عن أزمة التربية والتكوين(=المدرسة اختصارا من الآن فصاعدا)هو حديث لا ينقطع في كل الأمم وعلى مر التاريخ. ومن البدهي أن هذه الأزمة تتلون بوعي المجتمعات وانتظاراتها؛ فأزمة المدرسة في كندا هي غير أزمتها في فرنسا أو في المغرب، ومن ثم تتنوع الحلول تبعا لتصور الأزمة ونوعيتها.
في العصر اليوناني حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، لم يظهر السوفسطائيون إلا لكي يحلوا أزمة التربية والتكوين التي انتهي إليها تعليم الشعراء؛ كان السؤال الخطير، في واقع شهد تنازع الملل والنحل الفلسفية والعقدية وتصارع التعاليم المختلفة التي تزرع الشك واللايقين وقلق المعرفة ولا تستجيب لمطالب الحياة، كان هذا السؤال هو إلى من تكل أولادك إن وجدوا، في مثل هذا السياق؟
إن هذا السؤال يجد راهنيته اليوم ليس من جهة محتوى المقارنة فقط، بل ومن جهة فكرة المقارنة ذاتها؛ كان التعليم الذي قدمه السوفسطائيون تعليما ينسجم مع الجو الديمقراطي الذي أخذ في الاستتباب عهدئذ، ولا سيما مع بركليس”Périclès” (حوالي 495-429 ق.م)، تعليما لم يكن يقدم المعارف المجردة فقط، بل يقدم كيفية الحياة ومهارة العيش في المدينة. ومن ثم كان تعليمهم لا متهافِتا كما يدعي خصومهم، بل متهافَتاً عليه؛ لأنه مرتبط بحاجة المجتمع.
إن واقعا بشريا يعيش تحديات ورهانات على مستوى العقيدة والمعرفة والعلم، وعلى مستوى الاقتصاد وفرص الحياة وأنماطها، لا يمكن تدبيره إلا إذا ساد وخيم جو ديمقراطي يتم فيه تدبير الشأن العام والبحث عن تحقيق الخير الأسمى للجميع بحرية وحوار ومشاركة وبعقلانية تبني البرامج عبر قراءة التاريخ(استخلاص القيم والخصوصيات الضامنة للوحدة والهوية)، وتحليل الواقع(التعامل النقدي مع المطالب الآنية في ظل إكراهات الواقع المحلي والدُّوَلي) واستشراف المستقبل(البحث عن موطئ قدم في خريطة العالم التي أصبحت افتراضية إلى حد لا يتصور).إن الاقتناع بوجود أزمة في المدرسة المغربية سبب كاف لتدشين مسلسل إصلاح المنظومة التربوية التي يقدم عنها البنك الدولي تقريرا أسود، يقدمه بالوصف ويعيشه المجتمع المغربي بالمعاناة، يقول:«وعلى الرغم من الإنفاق العام الكبير على التعليم(6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، إلا أن النوعية ونطاق التغطية على السواء لا يزالان ضعيفين بصورة ملحوظة. وعلى الرغم من أن الأمية تنخفض ببطء، إلا أن معدلاتها لا تزال عالية بصورة تنذر بالخطر، وبوصولها إلى 48 في المائة تمثل أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الأقل دخلا. وبالمثل، فإنه على الرغم من أن الالتحاق بالمدارس قد زاد، إلا أن 2.5 في المائة من الأطفال لا يزالون لا يلتحقون بالمدارس-وأغلبيتهم من بنات الريف. وتمثل النوعية أيضا مشكلة كما تدل عليها المعدلات الرديئة لاستبقاء التلاميذ في المدارس، حيث يترك 25 من تلاميذ المدارس الدراسة قبل السنة الخامسة، ويبقى فقط 10 في المائة حتى السنة الحادية عشرة. أما طلبة الجامعات، الذين يقضون في المتوسط ثماني سنوات لإنهاء برنامج أربع سنوات، فيجدون غالبا أن مهاراتهم لا تناسب سوق العمل»[1].

لذلك فإن الحديث عن الإصلاح هو رهان على الاستجابة لحاجات المجتمع ومتطلباته، فعندما لا تكون المدرسة بمنتـوجها المعرفي والمهاري والقيمي في مستوى المجتمع بانتظاراته وتحولاته ورهاناته؛ أي عندما لا تكون المدرسة في وفاق مع المجتمع، أو تعجز عن التفاعل معه، تكون الأزمة. لذلك يلح الميثاق في اختياراته وتوجهاته التربوية العامة أي في فلسفته التربوية على”العلاقة التفاعلية بين المدرسة والمجتمع باعتبار المدرسة محركا أساساً للتقدم الاجتماعي وعاملا من عوامل الإنماء البشري المندمج”[2]، كما يلح على” اعتبار المدرسة مجالا حقيقيا لترسيــخ القيم الأخلاقية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان وممارسة الحياة الديمقراطية”[3]. وهذه الفلسفة العامة هي التي توجه مراجعة المناهج التربوية استنادا إلى مدخل بيداغوجي يتمثل في”اعتماد التربية على القيم وتنمية وتطوير الكفايات التربوية والتربية على الاختيار”[4]، واستنادا إلى اختيارات وتوجهات في مجال القيم؛ تعد مرتكزات ثابتة في الميثاق وهي”قيم العقيدة الإسلامية، قيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، قيم المواطنة، قيم حقوق الإنسان ومبادئها الكونية”[5].
إذا كانت هذه هي الفلسفة العامة والاختيارات والتوجهات والمرتكزات الأساس، فبأي معنى نتحدث عن أزمة القيم؟
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نبين أولا ما المدرسة؟ وما المجتمع؟ وما العلاقة بينهما وبين القيم؟

أولا:المدرسة مؤسسة اجتماعية وقناة إديولودجية رسمية[6]:
تكون المدرسة مؤسسة اجتماعية لأنها نظام اجتماعي، مهمتها ” تكوين مواطن المستقبل وتربيته”؛ تكوينه عن طريق تعليمه وتأهيله، وتربيته عن طريق تنشئته اجتماعيا، أي عن طريق إكساب المتعلم/التلميذ معارف ومهارات من دونها لا يستطيع فهم العالم والتفاعل معه والتأثير فيه، وعن طريق تنشئته اجتماعيا بإعداده لأن يمارس أدواره الاجتماعية باكتسابه كيف يعيش في الجماعة مع احترام القواعد الاجتماعية المشتركة، وتثمين قيم العدالة والحرية والمسؤولية[7].

أما كونها قناة إيديولوجية رسمية فمعناه أن المدرسة ليست فضاء محايدا اجتماعيا تنقل فيه المعارف العلمية فقط، بل فضاء لإعادة “إنتاج النظام الاجتماعي(عن طريق ممارسة العنف الرمزي الخفي) للطبقة المسيطرة وإضفاء الشرعية عليه، ولفرض تراتبية الطبقات الاجتماعية ولثقافتها[8]، أو”نموذجها الثقافي” كما يقول ألان تورين[9].

ثانيا: المجتمع وحدة عضوية وتوافقية:
المجتمع مفهوم نظري يعني الوحدة البشرية والجغرافية والثقافية والسياسية، التي يقع فيها تنظيم عمليات وقنوات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك(وهو ما يسمى بالمستوى الاقتصادي)، وتوزيع الأدوار ومراتب السلط والنفوذ(المستوى السياسي والاجتماعي)، وأيضا توزيع الرأسمال القيمي والرمزي بحسب لغة بورديو(وهو ما يمثل المستوى الثقافي)[10].
المجتمع بهذا المعنى كلية(Totalité) ذات نسق يمكن أن يعرف من منطقه الخاص ووحدة عضوية وتوافقية (لكنها لا تسلم من التناقضات الاجتماعية الاقتصادية). ويتسم كل مجتمع بنوع من الاستقلالية الثقافية فهو ينظم عالمه بلغته(Langage)، وينتج وضعيته الخاصة به”[11].

ثالثا: القيم معايير وغايات وجود:
ليس من السهل الاتفاق حول مفهوم القيم، وذلك بسبب تعدد الخلفيات والمرجعيات المنطلق منها(فلسفية، دينية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية). ففي الحد الفلسفي، مثلا، تقال القيمة عن كل ما يقبل التقدير. ولها استعمالان: أحدهما معياري نسبي كما في الاقتصاد(حيث ترادف القيمة المنفعة، والمنفعة شيء نسبي يتوقف على الحاجة والعرض والطلب)، وثانيهما معياري مطلق كما في حقل الأخلاق؛ حيث لا تتوقف القيمة على المنفعة أو الحاجة أو الظروف، بل هي مستقلة عن كل اعتبار، إنها قيمة في ذاتها[12]. وفي هذا المعنى الأخير”تضارع القيمة المثال، وتتقابل مع الواقعي (le réel)،أو الموجود(l’étre)، فالقيمة تقابل الموجود كما تقابل الأكسيولوجيا الأنطولوجيا[13].من هنا تصبح القيمة نشاطا ذهنيا متعلقا بسؤال موضوعه”الموجود” وهو موجه توجيها ما(تقدير، تثمين، الجدارة بالثقة). وعموما يمكن القول إن القيمة هي ما يمثل موضوع تفضيل أو تقدير أو رغبة عند جماعة من الذوات، وبذلك فهي ذات بعد اجتماعي.هناك قيم كثيرة استقصاؤها يؤدي إلى الوقوف على تنوع بين قيم اقتصادية(النجاح الاجتماعي، الربح، الانتفاع، المال..) وقيم حيوية(الصحة، الاستقرار..)وقيم أخلاقية ذات بعد سياسي(الحرية، المساواة، الأخوة، التضامن، المواطنة سيادة القانون) وقيم جمالية(الفن، الجمال، البعد الروحي)وقيم فكرية(العقلانية، الحقيقة، الوضوح، الصرامة، التماسك المنطقي، الخصوبة الفكرية، الموضوعية..)وقيم انفعالية عاطفية(التعلق بشيء ما(الأم، الوطن)، الحب، الصداقة، السعادة، الشقاء..)[14].
تحوز هذه القيم ضرورتها ومن ثم صفتها الطبيعية والشرعية في كونها هي ما يمنح الحياة معنى، ومن ثم فإن فقدان القيم هو فقدان للمعنى؛ أي إصابة الحياة بمرض.
أما القيم في الحقل التربوي فهي”مجموعة المعايير الموجهة لسلوك الإنسان ودوافعه في تناسق أو تضارب مع الأهداف والمثل العليا التي تستند إليها علاقات المجتمع وأنشطته، ولذلك فهي تتميز عن غيرها من الدوافع السلوكية، كالعادات والاتجاهات والأعراف، في كونها تتضمن سياقا معقدا من الأحكام المعيارية للتمييز بين الصواب والخطإ، بين الحقيقي والزائف، وتمثل وعيا جماعيا، وتكون أكثر تجريدا ورمزية وثباتا وعمومية، كما تكون أكثر بطءا في التكوين وتهم غاية من غايات الوجود، وامتثالا لأوامر، تنبع من داخل الإنسان وليس بناء على ضغوطات خارجية”[15].
القيم في الحقل التربوي إذن” أنزيمات التعلم المجدد”[16] الهدف منها إعداد التلميذ للإدماج الاجتماعي وإقداره على التعايش ضمن التعدد في مجتمع ديمقراطي منفتح على العالم، وعلى المشاركة في العمل الجماعي لأجل بناء مجتمع عادل ومنصف، استنادا إلى قيمتي المواطنة وحقوق الإنسان؛ ضمان الإدماج الاجتماعي.
وإذا علمنا أن عالمنا اليوم يحتاج إلى أفراد قادرين على فهم التعددية وعلى استثمار غناها، وعلى تخيل حلول جديدة وعلى إخضاع المبتكرات التكنولوجية إلى مبادئ اجتماعية أخلاقية، معنوية(moraux)، قانونية، شرعية، وإذا علمنا أيضا أن هذا العالم يحتاج إلى حيوية أفراد ينخرطون في إنسانية يعرفون ماضيها، ويتحكمون في كفايات ضرورية للمشاركة في الحياة الجماعية الراهنة، ويعرفون كيف يصنعون مستقبلهم ويتحكمون فيه.
إذا علمنا كل ذلك، فإن على التربية أن تهتم على الأقل بثلاث قيم أساس، وأن تعمل على ترسيخها وتشريبها للناشئة:

أ-الضمير: بكل ما يعنيه من صحوة ويقظة ووضوح، بصرف النظر عن كونه وازعا دينيا أو دنيويا وضعيا واجتماعيا.
ب-الشرف والنزاهة: بكل ما يعنيانه من انسجام المرء مع نفسه؛ بحيث يعكس الخارج بأمانة ما بداخله، وذلك لن يتأتى إلا إذا بلغ درجة يتمكن فيها من أن يقول ما يفكر فيه ويفعل ما يقوله ببساطة واستقلالية.
ج-المسؤولية: وهي أن يكون المرء مؤمنا بكونه مسؤولا عما أوكل إليه[17]
إذا تمثلنا كل هذه القيم العامة أو التربوية بوصفها تعبيرا عن الحاجة إلى تكوين شخصية المتعلم المنخرط في شأن الجماعة والوطن، فإلى أي حد يمكن القول إن المدرسة المغربية تتسم بوعي مطابق لهذه الحاجة، وكيف تحضر”صورة” المدرسة في المحكي المجتمعي؟

كأي مدرسة في العالم، للمدرسة المغربية خطاب يتمثل في تلكم المواد المعرفية الرسمية التي تعرض بغرض التلقين في شكل مقررات دراسية يفترض أن تكون إلزامية ومعممة، ويقدم هذا الخطاب(ظاهريا) نفسه كخطاب حول المعرفة والعلم والقيم والأخلاق بشكل تعميمي، رغبة من مرسله في إظهاره بريئا ومحايدا، وفي صورة إنسانية”[18]

لهذا الخطاب وظيفتان:
-وظيفة موضوعية تكوينية تتمثل في تكوين وإعداد الكفاءات في الميادين الفكرية والمهنية المختلفة؛ أي الإسهام في إنتاج وموالاة إنتاج قوة العمل داخل إطار البناء الاجتماعي المعني القائم، وتوزيعها بحسب قنوات وشروط اشتغال هذا البناء.
-ووظيفة إيديولوجية للضبط الاجتماعي والتي تتم عبر التنشئة الاجتماعية، المتمثلة في تثبيت مجمل عناصر الإطار القيمي القائم وعلى تشريبها للأجيال الناشئة حفاظا على توازن المجتمع واستقراره، عبر الإيهام بدور المدرسة، وأهمية المستوى العلمي في توزيع الشغل والدخل، وتحقيق الحراك الاجتماعي عبر رفع شعارات التعميم وتكافؤ الفرص والحظوظ، والمساواة…[19]
غير أن تأمل خطابي المدرسة والمجتمع يقود إلى استنتاج أنهما خطابان غير متناغمين إن لم نقل متناقضين ذاتيا وبينيا، وإن اشتركا في الوظيفة؛ فخطاب المدرسة(النظام التربوي)على مستوى القول(أو النوايا)شيء، وعلى مستوى الفعل(أو الإنجاز والمخرجات)شيء آخر، والأمر ينسحب على المجتمع كذلك. وأما بينيا فإن خطاب المجتمع خطاب مضاد لخطاب المدرسة؛ لأن القيم السائدة في المجتمع قيم مضادة لما يريد خطاب المدرسة أن يكرسه(مع العلم بوجود ممارسات داخلية تنقضه).
إن التضاد القائم بين الخطابين ذاتيا وبينيا هو ما نقصد بأزمة القيم أو غياب المصداقية أو أزمة مصداقية.أو بعبارة أخرى”صدام القيم”[20]؛ قيم المدرسة وقيم المجتمع، وبسبب هذا التضاد أو الصدام تصبح القيم التي تراهن عليها المدرسة بعيدة الصلة بالحياة.

رابعا:خطاب المدرسة:
إذا كانت المدرسة العمومية المغربية قد لعبت بعيد الاستقلال مجالا للتنافس والترقية الاجتماعية، فإنه بالاحتكام إلى الأمر الواقع اليوم، المتمثل في خرجها، يمكن القول إنها قد فشلت في تحقيق وتكريس هذا الترقي الاجتماعي وذلك بعد أن فقدت ما يفترض أن تظل تتمتع به من مصداقية كانت تستمدها من اشتغالها بوصفها وسيطا للاندماج في البناء الاجتماعي ومساهما فيه؛ لقد أضحى النظام التعليمي الآن مثارا للتذمر ومجالا لهدر الطاقات لا لرعايتها.فهو لم يعد قادرا على أن يحقق للمواطن مواطنته وإنسانيته عبر ديمقراطية حقيقية تقوم على ضمان تكافؤ الفرص التعليمية لكافة المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية والانتماءات الثقافية والاقتصادية. كما أصبح عاجزا عن توزيع منصف للرتب الاجتماعية والمهنية وللخيرات والثروات المادية والرمزية وللمهام والمسؤوليات، ولحظوظ الاندماج المهني والثقافي والسياسي والاجتماعي العام بالنسبة إلى منتوجاتها ومخرجاتها من الرأسمال البشري المؤهل.. مما يفترض رفدا نوعيا للتنمية البشرية والسياسية والاجتماعية الشاملة، التي يعتبر المواطن غايتها وضامن تواصلها واستدامتها[21].
في ظل هذه الشروط اهتزت مكانة وقيمة النظام التربوي في المجتمع كما ترتب على ذلك تدهور خطير لــــ”صورة” المدرسة(بل وحتى الجامعة) في الوعي المجتمعي العام. بحيث لم يعد ينظر إليهما على أنهما وسيلة للتكوين النافع والترقي المهني والاجتماعي وللصعود المراتبي، وإنما باعتبارها آلة لتفريح المعطلين من الشباب ولإعادة إنتاج الإحباط والبؤس والأكلاف الاجتماعية الزائدة[22]، ومثل هذا الوضع يجعل المدرسة المغربية تعيش حالة أزمة، ونقصد بذلك أنها تعيش وضعا مضادا لرسالتها ومهمتها ووظيفتها، بدءا من غياب النموذج بسبب فقدان رجل التعليم وضعه الاعتباري ومنزلته القيمية في المجتمع (يعبر عن ذلك مجتمعيا ما يتداول من نكت حول شريحة من رجال التعليم)؛ فبتلازم مع ضعف التقدير المعنوي يقف المجتمع موقف تبخيس فعل المدرس ونزع الثقة منه وتحميله مسؤولية أوضاع شريحة من المتخرجين في مجتمع ينحو نحو الأمية وإن كان يسعى في محوها. زد على ذلك تكريس سلوكيات مضادة لمعنى التربية والتنشئة والتكوين والتقويم، كالنجاح المستسهل، والنسبة المئوية وتدخل الخريطة المدرسية وتفشي ظاهرة الغش واستفحالها، حتى غدت حقا مكتسبا أو مظهرا من مظاهر تكافؤ الفرص.علاوة على هيمنة الكوابح النفسية؛ كغياب الحافز، وغياب الرغبة في التعلم[23]، والإحباط وغياب الأهداف، مما يمكن أن يوصف معه حالات عارمة من التمدرس بالسلوكات اللاعقلانية التي تدفع إلى ممارسة هجرة لا عقلانية كالمخدرات والتطرف والعنف والإرهاب…
بذلك تكون المؤسسة التربوية المغربية قد فقدت تأثيرها وقوتها الإقناعية في شأن ما تنقله أو تعمل على ترسيخه من معارف وقيم ومبادئ؛ فهي لم تعد قادرة لا على التأهيل للإدماج المهني(ولوج سوق الشغل)[24] ولا على التهييء للإدماج الاجتماعي[25].لقد أصبحت المدرسة بمعنى ما مضادة لرسالتها عندما تحولت إلى وسيلة للإقصاء لا الإدماج.وبهذا التحول تكون قد فقدت شرعية وجودها!

خامسا: خطــاب المجتمع:
لقد عجز المجتمع بفعل سيادة سلوكيات متوارثة وتقليدية أو انتهازية وصولية، عن التحول إلى مجتمع مدني ممأسس، قادر على التأثير والفعل والاقتراح والرفض أو الاحتجاج.. مساهما بذلك في تثبيت أسس”ثقافة المواطنة والحق والواجب والتعدد والاختلاف في الفكر والوجدان والممارسة الاجتماعية”[26].
ومثل هذا الوضع يؤثر سلبا في الأداء التربوي والثقافي لمجمل مؤسسات وهيئات وفعاليات هذا المجتمع المدني المذكور، فبدل أن تتحول إلى مؤسسات تربوية موازية للنظام التربوي داعمة لأدواره في مجال التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، رهنت نفسها في حسابات سياسوية أو مصلحية ضيقة، وارتمت في أحضان صراعات على سلط أو مواقع أو أدوار، الأمر الذي ينم عن ضيق أفقها الفكري والسياسي والاجتماعي؛ فالمؤسسة الحزبية فشلت في المساهمة الفعلية لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي، وعجزت عن أن تشكل قوة اقتراحية حقيقية تجاه المؤسسة الملكية قانعة أو مكتفية بسياسة وسلوك رد الفعل فقط، كما أنها أخطأت في تحديد مسار التجربة السياسية وصبغ بصمتها كفاعل أساسي في معادلة الانتقال، كما عجزت عن صياغة مشروع سياسي واضح.
وكما فقد المواطن الثقة في المؤسسة التربوية، فقد الثقة في الأحزاب؛ فحصلت القطيعة بين النـخـب الحزبية والمطالب الحيوية للمواطن المغربي لتكريسها لاستمرارية أشكال وأنماط الاشتغال السابقة للتجربة الديمقراطية، زد على ذلك عدم أهلية المؤسسة الحزبية لقيادة الانتقال الديمقراطي وعجزها عن القيام بوظيفتها التأطيرية، وتكريسها لواقع العزوف السياسي؛ وذلك من خلال مظاهر متعددة أهمها: غياب التقاليد الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها(أزمة تدبير الخلاف، الانشقاقات المتعددة، التحالفات غير الطبيعية، غياب برامج واضحة، وتقارب خطابات هذه الأحزاب رغم اختلافاتها الإيديولوجية)، وغياب المسؤولية الحزبية لدى بعض النخب الحزبية[27]. والخلاصة تعثر الانتقال الديمقراطي بسبب التكوين الداخلي للأحزاب وخطابها، وبسبب تدخلات المخزن، مما يؤدي إلى تكريس ممارسات معاكسة لإرساء الديمقراطية.
فالمجتمع بعيد عن أن يمثل”مجتمع الجدارة والحداثة” بتبنيه وإعماله لقيم ومبادئ المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان؛ فهو لا يزال يشتغل وفق آليات لا عقلانية كالرشوة والمحسوبية والزبونية والفساد والأنانية والانعزالية، وتقديم المصلحة الخاصة، وذلك على حساب المساواة والاستحقاقية والكفاءة والمشاركة وتقدير المصلحة العامة وأخلاق المسؤولية[28].بعبارة أخرى هناك أزمة معنى أو محتوى سوء في المستوى السياسي أو الاجتماعي؛ يتعلق الأمر بالتوليد المفرط للأشكال يوازيه إفقار حاد للمضامين أو المنتوج والمردود، أليس هناك من ألسنة(فاسدة أو صادقة) تتحدث عن حكومتين إحداها للحكم والأخرى للإدارة؟ أليس ثمة كثرة الوزارت يفوق نسبة أكبر البلدان مساحة وساكنة؟ أليس هناك غرفتان في البرلمان كلفة إحداهما المادية قادرة على تشغيل مئات المعطلين من حملة الشواهد العليا؟ أليس هناك أكاديميات ونيابات؟ أليس هناك كليات سيكون إلى جنبها الآن كليات متعددة التخصصات؟ أليس هناك كثرة الأحزاب دون تعددية حقيقية، أليس هناك كثرة النقابات من دون الجرأة على تشكيل قوة اقتراحية أو دفاعية حقيقية، أليس هناك كثرة الجمعيات التي تشتغل في السر لأجل التهيئ للانتخابات بعد أن أفرغت الأحزاب من محتواها وفقدت شرعية مقبوليتها الاجتماعية.باختصار إذا كثرت الأشكال ارتفعت الأكلاف وقل الإنتاج وغاب المعنى، وإذا غاب المعنى غابت العقلانية!
وإن مجتمعا يتنفس في مثل هذه الأجواء، لبعيد كل البعد عن بناء ثقافة سياسية جديدة يتكون في إطارها تربويا واجتماعيا مواطن عضوي منخرط في هموم واهتمامات مجتمعه السياسية والاجتماعية والحضارية، بل تعمل على العكس من ذلك على بروز وتطور”نسق قيمي” مغاير يكرس في العديد من مكوناته ومستجداته ما يمكن تسميته بـ”ثقافة الانحطاط”بكل قيمها ونماذجها السلوكية اللاعقلانية الآنفة[29].
وهكذا يبدو من خلال الخطابين أن المدرسة والمجتمع تمران بحالة مرضية؛ أزمة قيم تعكس حقائق مؤلمة في سياق يقضي بأن”الحياة سباق بين التربية وحلول الكارثة”[30].

لذلك يمكن القول على سبيل التسليم:
سادسا: لا يمكن إصلاح المجتمع إلا بإصلاح المدرسة:

إذا صح هذا الزعم فإنه لا يمكن إصلاح المدرسة إلا بتوافق مع انتظارات المجتمع مع إرفاد التلميذ/مواطن المستقبل بالمعارف العلمية والتكنولوجية الموازية للتنمية الدولية وعولمة الأسواق ومع إعمال قيم إيجابية تضفي الحيوية والضمان على التنمية المجتمعية وترسخ معاني التوافقية وقبول الآخر.بمعنى آخر لا يمكن أن تتطور المدرسة ولا أن يتطور المجتمع إلا إذا كان هناك توافق على قيم معينة تجيب عن أسئلة من قبيل:

-أي فرد وأي إنسان نريد تكوينه للمستقبل؟
-أي مجتمع نريد العيش فيه، وتتحقق فيه فرص الحياة الكريمة؟

الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تقتضي قيام مدرسة ديمقراطية، ولا ديمقراطية إلا بالتشارك والتعددية، وعندما نتكلم على ديمقراطية تشاركية تعددية: العدالة، الحرية، التضامن، فإن كل واحدة من هذه القيم تحيل على قيم أخرى، فالعدالة تفترض الإنصاف، والحرية تستلزم المسؤولية، والتضامن يؤدي إلى الالتزام.

إن التركيز على هذه القيم معناه إعطاء المدرسة معنى[31]، وهذا المعنى لا يوجد حقيقة في المواد المدرسة ذاتها؛ إنه بناء يتم إنتاجه وإسقاطه عليها من خلال استعمالها وفعاليتها؛ أي من خلال إمكان الحياة بها مستقبلا عندما يتحول النجاح الدراسي إلى ضمانة للنجاح الاجتماعي، ولا ضمان لذلك إلا إذا انتقلنا من ديمقراطية صورية؛ ديمقراطية الأشكال إلى ديمقراطية حقيقية اجتماعية، تتجسد في صيغة انتقال من”الشكل الديمقراطي” إلى”الجو الديمقراطي” أو من”الديمقراطية الكمية” إلى”الديمقراطية النوعية”، وهذا معناه أن ديمقراطية التعليم لا ينبغي خلطها كما حدث في كثير من الأحيان بما اصطلح على تسميته بالتعميم[32]، فتعميم التعليم يخلق ديمقراطية كمية عادة ما ترافق بتنامي التمييز الداخلي. يجب إذن، التمييز بين تحقيق التمدرس وبين تكافؤ الفرص. ولقد بينت التجارب أن التفاوتات الاجتماعية تنعكس في المسارات الدراسية، فالتلاميذ ذوو الأصول الشعبية عادة ما يتم تكديسهم في مسالك لا تضمن الترقية الاجتماعية: إن الذهاب إلى المدرسة شيء والنجاح الدراسي شيء آخر[33]، أما النجاح الاجتماعي فشيء آخر غيرهما.

وإذا كان مشكل التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية عاملا رئيسا في الشرخ الاجتماعي الذي يهدد تماسك المجتمع أكثر مما تهدده الانقسامات الثقافية والإثنية، فإن على المدرسة حتى في ظل هذا الشرخ، أن تعمل على إعادة بناء الروابط الاجتماعية على أساس مثل المساواة والحرية والعدالة، أنسب القيم للمجتمعات الديمقراطية.
ومن ثم على المدرسة، بل وعلى المؤسسات الموكول إليها مهمة التربية، أن تعمل على:
إعداد الفرد للمشاركة في المجتمع الذي يعيش فيه ويهتم بشأنه العام وعلى تطوير وعي اجتماعي يحفزه على فعل ذلك.
-مواجهه تحدي التعايش في سياق التعدد الثقافي، فالتعدد هنا يتجاوز البعد الإثني الثقافي، ويحيل على تعدد القيم وتنوع التصورات وأشكال الحياة وحتى الديانات والعلاقات بين النساء والرجال، إن أشكال التمييز والعنف والهيمنة الثقافية تعد تهديدات لمهارة العيش جماعة.
-العمل، والسياق الدولي سياق ارتباطات متبادلة، على صياغة الهوية الثقافية مع إمكان الانفتاح على العالم، وبلورة مفهوم للمواطنة في مجتمع متعدد.
ومن المناسب الإقرار بأن هذه المطامح الكبرى لن تتحقق إلا إذا أدرجت الدولة المشروع التربوي ضمن مشروع مجتمعي وليس استجابة لإيديولوجيا سياسية هدفها إدارة الأزمة لا حلها أو استجابة لإملاءات قوى خارجية معللة بسوء تدبير القطاع داخليا.
جماع القول: إن إصلاح المدرسة شرط كاف لإصلاح المجتمع، ولا يمكن أن تصلح المدرسة إلا إذا توافر الشرطان الآتيان:
– الإمكانات المادية التي لا يمكن إلا أن تكون مكلفة؛ لأنها مستثمرة لأجل الرأسمال البشري بوصفه الهدف والمنطلق.

– الخطط والبرامج التي لا تضمن تعميم التعليم أو التنشئة الاجتماعية للناشئة عبر كفايات وقدرات ومعارف ومهارات واتجاهات ومواقف، أو من خلال النجاح في الامتحانات أو القبول في سلك دراسي معين فقط، بل عليها أن تضمن أن يكون ذلك مستجيبا للوضعية الاجتماعية ومنسجما معها، أي أن يكون كل ذلك قابلا لتصريفه في عالم الشغل والحياة.
من دون هذين الشرطين ستظل المدرسة المغربية تعيش أزمة، وأن تعيشها بمعنى فقدان المعنى أو تحوله أو انزلاقه أو تغير القيم وصدامها؛ فذلك أمر يؤول في نهاية المطاف إلى وجود خلل في العلاقة بين تكلفة الاستثمار المدرسي والعائد الاجتماعي الهزيل، أما إذا فتحنا الزاوية أكثر على السياق الدولي بقيمة السائدة التي يبشر أو ينذر بها، تبين كيف يصدق القول إن”الحياة صراع بين التربية وحلول الكارثة”، وتبين أنه بإزاء تعليم محو الأمية فإن التعليم العمومي هو تعليم يمضي نحو الأمية، ولذلك إذا لم نستطع تحصين مجتمعنا وعالم واقعنا بقوة المعرفة النافعة والقيم الداعمة فإن العالم الآخر حقيقيا كان أو افتراضيا هاهو ذا يبتلينا…وقد يبتلعنا.
عود على بدء:إذا كان خطاب المجتمع خطابا مضادا لخطاب المدرسة فمعنى ذلك أن قيمه غير متطابقة أو متناغمة مع قيمها، وإذا لم تكن لامتطابقة ولا متناغمة فإن المدرسة لامعنى لها؛ لأنها لا تحقق المشاركة في فرص الحياة، ومن ثم فإنها لن تحقق التعايش وتضمنه.
[1]http://www.albankaldawli.org/mna/ArabicWeb.nsf/DocByUnid/
8855A2156B35C70285256D7C005EECA9?Opendocument
[2] – نفسه:ص:05
[3] – نفسه:ص:05
[4] – مراجعة المناهج التربوية المغربية. الكتاب الأبيض. مشروع منقح ومزيد، لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي والتأهيلي. 2202.ص: 05.
[5] – نفسه: ص:06
[6] – مصطفى محسن: المعرفة والمؤسسة (مساهمة في التحليل السوسيولوجي للخطاب الفلسفي المدرسي بالمغرب).دار الطليعة.بيروت.ط1. 1993.ص:25
[7] -Jean Hénaire.valeurs démocratiques et finalités éducatives repères pour une pédagogue
des droits de l’homme. thématique n 4.2001.conflits de valeurs.(page web):
http://www.eip-cifedhop.org/publications/thematique4/thematique4.html
[8] – بيار أنصار: العلوم الاجتماعية المعاصرة.ترجمة نخلة فريفر. المركز الثقافي العربي بيروت/البيضاء.ط1. 1992.ص:38
[9] – نفسه:ص:118.
[10] -مصطفى محسن.المعرفة والسلطة.ص:27 أو في المسألة التربوية (نحو منظور سوسيولوجي منفتح).المركز الثقافي العربي.بيروت/البيضاء.ط2. 2002..ص:51.
[11] – بيار أنصار. مرجع مذكور.ص:184.
[12] – عبد الرحمن بدوي. موسوعة الفلسفة(ماحق موسوعة الفلسفة).المؤسسة العربية للدراسات والنشر.ط1. 1996.ص:216 وما يلي.
[13]-André Lalande.1926.Vocabulaire Téchnique et critique de la philosophie.PUF.15emeéd.1985.(Axiologie)
[14] -Philosophie et spiritualité, 2005, Serge Carfantan
[15] – المصطفى صويلح.مجالات التربية على حقوق الإنسان. مجلة عالم التربية،ع:15 (التربية على المواطنة وحقوق الإنسان). ص:36
[16] – المهدي المنحرة وآخرون.من المهد إلى اللحد(التعلم وتحديات المستقبل)مطبعة النجاح الجديدة.البيضاء.ط3. 2003.ص:97
يتكلم المنجرة وآخرون عن التعلم المجدد في مقابل التعليم للصيانة، الذي”يتجاهل القيم التي لا تكون جزءا لا يتجزأ من البنية الاجتماعية والسياسية المطلوب صيانتها” (ص97) في سياق يرى أن” كل تعلم وسائله اللغة والأدوات والقيم والعلاقات الإنسانية والتصورات”(ص92).
[17] -Philosophie et spiritualité, 2005, Serge Carfantan
[18] – مصطفى محسن، المعرفة والمؤسسة، ص:25
[19] – مصطفى محسن، في المسألة التربوية، ص:161.
[20] – Koichiro Matssure, Directeur général de l’Unesco: Ou vont les valeurs: http://www.lalibre.be
[21] – مصطفى محسن، إشكالية التربية على المواطنة وحقوق الإنسان بين الفضاء المؤسسي والمحيط الاجتماعي. مجلة عالم التربية ع.15.ص250.
[22] – نفسه، ص:252.
[23]- التعلم بحسب فرويد هو استثمار الرغبة في موضوع المعرفة:Michel Develay, 1996.Donner du sens à l’école.
[24] -(حيث المطلوب الكفاءة والخبرة والمردودية والجودة، بينما لا تزال أغلب برامج التكوين ولا سيما في المدرسة العمومية، تشتغل بعقلية رهان مغربة الأطر أكثر مما تشتغل بحسب رهان التنمية الاجتماعية الاقتصادية، كما لا يتلاءم لا مع البعد الجغرافي للوطن الذي فرض أو فرض عليه اختيار اقتصادي هو الفلاحة ولا مع الإمكانيات السياحية…)
[25] -(المواطنة وحقوق الإنسان، إذ كيف يمكن أن تكون هناك مواطنة من الاقتناع بضمان المستقبل لكل مواطن، وكيف سيكون هناك حقوق إنسان في مجتمع معدل نسبة الأمية الألفبائية فيه يكاد يتجاوز النصف؟ كيف سيكون هناك حقوق إنسان مادام كثير من البرامج والنصوص مضاد لقيمها،منها ما يكرس الإقصاء ومنها ما يشرعن العنف المعنوي والمادي، ومنها ما يناقض قيم الحوار والتواصل السليم والتسامح، ناهيك عن انعدام مواد تثمن قيم المواطنة والتضامن والاحترام(والحياء)، كيف سيكون هناك حقوق ما دام هناك عقوق لهذه الحقوق في الواقع(البيت، المدرسة،الشارع، الإدارة))
[26] – مصطفى محسن. التربية على المواطنة.. م،م.س.:ص:253.
[27] -دفاتر سياسية.ع:65. 8/9. 2004. تقرير الجامعة الصيفية لمركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية.الدورة الأولى. بعنوان” إشكالية التنمية الاجتماعية في المغرب، نحو مقاربات جديدة”.
[28] – مصطفى محسن، إشكالية التربية على المواطنة.م.مذكور.ص:253
[29] – نفسه:ص:253
[30] – قولة لـ.هـ.ج.ولز. انطر المنجرة وآخرون. م.م.س.ص27
[31] – انظر في شأن علاقة المدرسة بالمعنى الكتاب الدقيق لمحمد بوبكري. المدرسة وإشكالية المعنى.السلسلة البيداغوجية(6).دار الثقافة.ط1. 1998
[32] – حتى هذا المطمح لا يزال بعيد المنال فقد صرح الوزير الأول السيد إدريس جطو أمام مجلس النواب يوم 25 ماي 2005″ أن المؤشرات الاجتماعية والبشرية للمغرب لا زالت بالفعل لم ترق إلى المستوى المطلوب نتيجة للتراكمات الماضية. وخص في هذا السياق بالذكر نسبة الأمية التي تناهز40 في المائة ونسبة وفيات الأطفال عند الولادة التي تصل إلى 40 في الألف، وعدد الأطفال الموجودين خارج المنظومة التعليمية الذي يقدر بمليوني طفل”

التدوينة المدرسة والمجتمع وأزمة القيم ـ محمد أسيداه ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

المذكرة 022/17 وهاجس التحكم —حسن أحراث مفتش التوجيه التربوي

$
0
0

حسن أحراث

مفتش التوجيه التربوي

المذكرة 022/17 وهاجس التحكم؟

أصدرت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي المذكرة 17/022 في 06 مارس 2017، وموضوعها “تنظيم العمل بالقطاعات المدرسية للتوجيه” بناء على “رؤية جديدة” ابتداء من الموسم الدراسي 2017/2018.
إن أول ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو كون النهوض بمجال التوجيه التربوي مرتبط أشد الارتباط بنهوض شامل للمنظومة التربوية، على اعتبار تداخل كل مكونات هذه الأخيرة مع بعضها البعض. كما أن النهوض بهذه المنظومة مرتبط بدوره بمعالجة جذرية للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأي تناول لموضوع التوجيه التربوي خارج هذا السياق لا يعدو كونه إعادة “رسكلة” الأزمة ومحاولة تدبيرها تقنويا ولحظيا كهروب الى الأمام. وذلك حال كل عمليات “الإصلاح” الفاشلة السابقة، على الأقل من “الميثاق” وعبر “البرنامج الاستعجالي” الى “الرؤية الاستراتيجية”. وبالنسبة لموضوعنا، فإن إقصاء أطر التوجيه التربوي وعدم استشارتهم يعبران عن خلفية غير بريئة، بل عن النية المبيتة في تمرير “آلية” “حديدية” بغاية التحكم في المجال كميا وتقنيا، بهواجس عقابية زائدة على اللزوم، وفي تغييب تام للثقافة الديمقراطية ولشعارات الإشراك والتشارك وثنائية الحق والواجب…

لقد تسللت المذكرة 17/022 في الدقائق الأخيرة أو في الوقت الميت من عمر الوزير السابق رشيد بلمختار.. أو لنقل تسللت في جنح الظلام لتسقط على رؤوس أطر التوجيه التربوي من أجل تنفيذها الحرفي دون الحق في مناقشتها أو إبداء الرأي بشأنها. وكأن الشر/الخطأ “لا يأتيها من بين يديها ولا من خلفها”. ودون عناء ودون جهد لتفسير مكامن القصور أو الخلل، وبجرة قلم طائش، شطبت/نسخت المذكرتين السابقتين 19 و17 لسنة 2010، تماما كما تم بمزاجية مؤطرة بالجمل الإنشائية مع مذكرات سابقة. أما ثقافة “عدم الإفلات من العقاب” بالنسبة للمتورطين في جرائم الاختلاس ونهب المال العام والتلاعبات الإدارية القائمة على المحسوبية والزبونية، و”ربط المسؤولية بالمحاسبة” فلا تشتم رائحتهما في مطبخ مهندسي هذه المذكرة/العصا… 

وأستغرب كيف لمهتم بالشأن التربوي (باحث أو مهتم أو مسؤول…) أن يصدق أن أطر التوجيه التربوي (مستشارين ومفتشين)، وفي ظل الشروط الصعبة الراهنة (غياب وسائل العمل، العدد القليل للأطر وبالمقابل تزايد أعداد التلاميذ والمؤسسات وتزايد الطلب على خدمات التوجيه التربوي…) يمكنها أن تقوم بالتدخلات التعجيزية التالية (حسب المذكرة العجيبة)، علما أن لهذه الأطر من الكفاءة المهنية وحس المسؤولية ما لا يشكك فيه أحد (بكل نسبية طبعا): 
– “تجميع المعلومات والمعطيات ذات الصلة بالدراسات وعروض التكوين المتاحة ومتطلبات سوق الشغل وحاجياته المستجدة، بما يقتضيه ذلك من انفتاح وتواصل وتنسيق على المستوى المحلي مع المؤسسات المعنية بهذه الدراسات والتكوينات ومع المهنيين؛
– تقديم خدمات الإعلام المدرسي والمهني والاستشارة والمواكبة بشكل منتظم للمتعلمين لمساعدتهم على بلورة اختياراتهم الدراسية والتكوينية والمهنية ومشاريعهم الشخصية مع إيلاء الأهمية اللازمة للمكون المهني بمساراته وآفاقه، وذلك بجميع المستويات التعليمية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم؛
– التنسيق مع الإدارات التربوية بالمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لاستثمار المعطيات المتعلقة بتتبع الأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين في تدخلاتهم في نطاق المهام المنوطة بهم؛
– تنسيق جميع أنشطة التوجيه المدرسي والمهني، المنجزة من طرف المؤسسات الثانوية المسندة اليهم، وتنسيق عمل المجالس الخاصة بالتوجيه ولجن إعادة التوجيه ولجن الاختيار الأولي ولجن إرجاع المنقطعين والمفصولين المنعقدة جميعها بهذه المؤسسات وفق المساطر الجاري بها العمل؛
– تقديم الدعم التقني للمؤسسات الثانوية المسندة اليهم لمساعدتها على إدماج بعد التوجيه المدرسي والمهني ضمن برامج عملها ومشاريعها التربوية في إطار المجلس التربوي ومجلس التدبير، وكذا ضمن البرامج الدراسية المقررة وأنشطة الأندية التربوية؛
– المساهمة في تفعيل الشق الخدماتي المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني من برنامج عمل مصلحة تأطير المؤسسات التعليمية والتوجيه وفق جدولة تضعها هذه الأخيرة بتنسيق معهم؛
– تقديم خدمات الدعم التربوي والنفسي والاجتماعي للمتعلمين بطلب من مدير المؤسسة وكذا المساهمة في أنشطة التقويم والدعم التربوي والنفسي والاجتماعي المبرمجة من طرف المؤسسات التعليمية وفق المساطر والآليات الموضوعة لهذا الغرض .

ولتمكين أطر التوجيه التربوي من القيام بالمهام الموكولة لهم، يتم تسهيل ولوجهم الى المعطيات المتعلقة بالأوضاع التربوية والتعليمية والسيكولوجية والاجتماعية والصحية للمتعلمين، خاصة تلك المتوفرة في برنامج مسار”؟؟!!

أين التروي والرؤية العلمية هنا؟ وأين الرؤية “الاستراتيجية” بالنسبة لقطاع حيوي ومصيري في حياة شعب؟ وأين الصدق مع الذات أولا، ومع الآخر ثانيا؟ أم في الأمر المثل السائر “غير زيدوه، ما نايض ما نايض”؟

فيكفي مرة أخرى الحديث عن معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ، بالنسبة لكل إطار التوجيه التربوي، في أغلب المديريات الإقليمية، لتفنيد هذه الروح “المتفائلة جدا” لمهندسي المذكرة 17/022.. وقد يعجز فريق متعدد التخصصات (سوبيرمانات) من القيام بهذه “المهام” في ظل شروط العمل المتردية التي لا تخفى على أحد.. 

ومن بين كذلك ما يثير الاستغراب ما ورد في ديباجة المذكرة:

“وإرساء للتصور الجديد لتطوير منظومة التوجيه المدرسي والمهني القائم على ضمان الحق في المساعدة على التوجيه وبناء الاختيارات الدراسية والمهنية لجميع الفئات الراغبة في ذلك، من متعلمين بالتعليم المدرسي منذ نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه، خصوصا بعد دمج التكوين المهني والتعليم العام في قطاع واحد وذلك في إطار الانسجام والتكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام “.
فعن أي “ضمان للحق في المساعدة على التوجيه…” في ظل معدل التأطير الذي يفوق ثلاثة آلاف (3000) تلميذ (هنا، نتحدث عن المتعلمين بالتعليم المدرسي، الإعدادي والتأهيلي. أما إضافة “نهاية السلك الابتدائي، ومتدربين بالتكوين المهني، ومستفيدين من التربية غير النظامية، وشباب غير ممدرس، وباحثين عن العمل أو عن تغيير مسارهم المهني أو الترقي فيه”، فيصدق عليه المثل: “ما قدو فيل زيدوه فيلة”)؟!! وفي ظل غياب وسائل العمل، وفي ظل غياب أبسط أشكال الاعتراف والتحفيز..؟!! وحتى الحديث عن “الانسجام الكامل بين منظومتي التكوين المهني والتعليم العام” ليس إلا وهما للتسويق. والواقع يفند ذلك، لأن المنظومتين عبارة عن جزيرتين متنافرتين. ويتجلى ذلك بوضوح في عملية إرساء البكالوريا المهنية، وهو موضوع آخر يحتاج الى نقاشات قد لا تنتهي، ونفس الشيء بالنسبة لإرساء المسالك الدولية بالنسبة للسنة الأولى إعدادي والثانوي التأهيلي.. إنها مشاكل بالجملة وأوراش كبيرة، لكن المذكرة تغرد خارج السرب..
والأخطر من ذلك صم الآذان عن المطالب المشروعة لأطر التوجيه التربوي، بل وتكريس الحيف في حقهم رغم كل التضحيات والجهود التي يبذلونها بتفان ونكران للذات..

إن التفسير الوحيد لهذا العبث/الترف الذي يتكرر من مذكرة الى أخرى هو غياب إرادة تحقيق أو تنزيل هذه “التدخلات” على أرض الواقع، إعمالا لمقولة “كم حاجة قضيناها بتركها”..
لا نحاكم النوايا الحسنة.. ولا نبحث عن المستحيل

.. فقط، ندعو الزملاء “الأعداء”، مهندسي المذكرة (خوك في الحرفة عدوك) الى إعمال العقل والحكمة والتبصر وفتح المجال للتداول والتناظر بصوت مرتفع وأمام الملأ لتحديد المسؤولية.. حيث يظهر للقاصي والداني أن المذكرة تستهدف إطار التوجيه التربوي أكثر من حرصها على خدمة مجال التوجيه التربوي كما ورد في الديباجة وفي فقرات متفرقة.

ويمكن تلخيص هذا الاستهداف المتستر في نقطتين:

النقطة الأولى: إثقال كاهل أطر التوجيه التربوي وإغراقهم في متاهة دون أفق، بل تحميلهم مسؤولية لا يد لهم فيها. وذلك بهدف “تبرئة” الذمة من خلال “حل” معضلة العدد الكبير من المؤسسات الثانوية (إعدادي وتأهيلي) غير المغطاة بخدمات التوجيه التربوي، ووضع قائمة من التدخلات (لا يهم أن تنجز أو لا تنجز!!). المهم توزيع المؤسسات بين أطر التوجيه التربوي، كما توزع أكياس البطاطس (بدون معايير تربوية، ولنا نماذج متعددة بهذا الخصوص)؛ 

النقطة الثانية: سجن أطر التوجيه التربوي بالمؤسسات التعليمية حتى دون أن يستدعي الأمر ذلك أو أن يكون هناك طلبات في شأن خدمات التوجيه التربوي (حكاية أنصاف الأيام التي تطعن في مبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة للتلميذات والتلاميذ وحتى أولياء الأمور. فقد يخصص نصف يوم يلائم البعض دون أن يلائم الكل أو على الأقل البعض الآخر). نعلم أن لا أحد قد يسأل عن الحضور أو الغياب (أمر مألوف)، لكن السيف لا يجب أن يفارق رقبة الضحية. وسيبقى مرفوعا لكل غاية مفيدة، وخاصة غاية “تصفية الحسابات” و”مرض” التركيع والإذلال و”حب” التحكم..

باختصار، إن التوجيه التربوي ليس عملية تقنية/تقنوية (حسابية أو كمية). إن التوجيه التربوي فلسفة محكومة ببعد مهني علمي وأخلاقي. ونجاح ورش/مشروع التوجيه التربوي يقوم على توحيد الإرادات التربوية وتعاونها وتكوينها بارتباط مع رؤية شمولية وإرادة حقيقية في التغيير الى جانب توفير أدوات الاشتغال العلمية والحديثة، وليس على المقاربات البائدة، الأمنية منها والعقابية والتحكمية…
وهذه الإشارات المعبرة تعفينا من الخوض في تناول أو مناقشة التفاصيل. وبدون شك، تفسير الواضحات من المفضحات…

مقترح للتفاعل: فتح نقاش عمومي مسؤول (محلي وجهوي ومركزي) من خلال ندوات أو مناظرات أو ملتقيات مع إشراك المعنيين الأساسيين من تلاميذ وأولياء أمورهم (جمعيات الآباء والأمهات…) وأطر التوجيه التربوي والأطر التربوية والإدارية والجهات الوصية وباقي الفاعلين والمهتمين من صحافة ومجتمع مدني ونقابات…

 

التدوينة المذكرة 022/17 وهاجس التحكم — حسن أحراث مفتش التوجيه التربوي ظهرت أولاً على توجيه بريس|.


نقدُ مَناهج وبرامج التربية الحديثة ـ حنافي جواد

$
0
0

وقْفةٌ مع المنهاج:
مُصطَلحُ المَناهجِ الحديثة يُحيل إلى البرامج والتوجيهات البيداغوجية والديدكتيكية الحديثة التي تجعل المتعلم في صلب العملية التعليمية التعلمية.
المتعلم في تلك المناهج نواة وقطب رحى تدور حوله كُلُّ العمليات التربوية (من السياسات التعليمية حتى تصميم الطاولات وشكل الحدائق داخل فضاء المؤسسة).
تأتي المناهج الحديثةُ في مقابلةِ الطُّرق والاستراتيجيات القديمة؛ فِي هندسة المواد وترتيب المناهج؛ التي تعتبر المُعلم مِحورا للعمليةِ التعليميةِ التعلمية، والمتعلم مُجرد متلق للمادة.
يعني نحن أمام منهجين: قديمٌ وحديثٌ. وبناء على هذين التَّصورين اختلفت تصاميم وهندسيات المنظومة التربوية.
ومصطلحُ المناهج أوسع من المُقررات (والبرامج) أو الكتب المدرسية، فهي جزء منه. ويتناغم البرنامج المقرر مع توجهات المنهاج، ولا يختلف عنه، ولا يناقضه.
هناكَ فرق بين المقرر والمنهاج – إذن:
المُقرَّرُ يشملُ الدُّروس المبرمجة في الكتاب وبعض الأنشطة التعليمية التعلمية.
المنهاجُ أوسعُ منْ المُقرر، يشمل المحتوى والوسائل والطرائق والأطر المرجعية الناظمة للمفاهيم والمهارات، وضوابط التخطيط والتقويم (…) يَمتدُّ من المُدْخلات مُرُورًا بالعَمَليَاتِ ثُم المُخْرَجَات.
وتَدخل ضمن البرامج والمناهج كل الوثائق المنظمة للمدرسة إن بيداغوجيا أو ديدكتيكيا أو قانونيا (…)
إن المنهاج الدراسي بهذا المعنى (يَقصد هنا المعنى الجديد للمفهوم) مفهوم واسع يشمل عدة بنيات العملية التعليمية التعلمية (الطرق – البيداغوجيا- الأهداف – التقييم – الموارد التعليمية – الكتب – إعداد المدرسين – الأدوات الديدكتيكية… إلخ)[1]
ونقصدُ بالمَناهج – كذلكم – السِّياساتِ التّعليميةَ الحديثةَ، التي جادَ بها القرن العشرون. لأنَّنَا لا نَعزِلُ السياسة عن التربية والتعليم. وهَذا حاصلٌ في كلُّ دول العالم.

فالسياسةُ هي التي تُحدِّدُ المَلامِحَ والصّوَى والضوابط والمَرَامِي والغايات الكبرَى لحَقْل التربية، وتشكيلة المُواطن المَنْشُود.قدْ يكون الظاهِرُ أنَّ خبراءَ التَّربية هم الذين تُسند لهم عمليات التغيير والبناء والتشكيل، ولكن وراءهم رجال السياسة مَحليًا ودوليًا.
يختلف الأمر من دولة لأخرى، فالتدخلُ حاصلٌ في كليهما، ولكنْ تختلف حدته [2]وحيثياته ونوعياته وتفاصيله. الفَرقُ عندما يترك الهَامش الواسع لخبراء التربية في مكان ما هنالك، ويحجر على الخِبرة هنا ويقزَّم تَدَخُّلها، بل يحاصر، فيكونَ الخَبير أو مُصمم هندسات التعلم والتعليم بمثابة مُوظف، ينفذُ دفتر التحملات المُدقق، ولا ينحصر الأمْر هنا، بل هو ملزمٌ بالدفاع عنه في وسائل الإعلام المحلية والدولية، ولا ينبغي له أن يُصرِّح بخلاف المراد، وعندما تَفشل السّياسة فالخبرة والمنفذون هم المُتّهمون.

لماذا وسَّعْتُ إطار المناهج والبرامج لتشمل السياسات التعليمية وما يتربط بها؟
لأن أي إقصاء لها سيكون بمثابة الحديث عن النتائج، وإهمال الأسباب، في حقل متشابك مُترابط، يعدُّ بحق ردة فعل للسياسات ومقاصدها الاستراتيجية. لأن المذكرة الوزارية – مثلا – التي تحث أو تمنع أو تحذر (…) إنما هي من صميم المنهاج – شئنا أو أبينا.
ونُقِرُ فِي مَطلَع هذا النقد أنّ الدُّول تختلفُ في درجةِ تَنزيلها للمناهج الحديثة، فَمَا زال المغربُ مثلا مُرتبكا، عاقِدًا العزمَ عَلَى تجاوز القديم من طرائق وأدوات وتحيين وتكوين للموارد البشرية حتى تكون حديثة في ممارساتها التربوية.
يمكن القول إن نية التحديث موجودةٌ، تعكسها الوثائق والندوات، ولكنها تكاد تغيب على أرض الواقع، ولا تتوافر وسائل وأدوات تنزيلها.
ولا ننسى أنْ نشير إلى جدلية العلاقة بين المدرسة والمحيط الاجتماعي والثقافي والسياسي والفكري (…) فما يجري في المدراس إنَّما هو انعكاس ورجعُ صدى، كما أن مكانة المدرسة مُهمة في عمليات التنشئة الاجتماعية، ولا أرى إمكانية الاستغناء عنها، كما نادى بذلك (إيفان ايلتش) – وغيره – في كتابه (مجتمع بلا مدرسة)، بداعٍ أيديولوجي. وقد أتفق مع بورديو (في إعادة إنتاج المدرسة للوضع القائم) خصوصا عندما تجد ذوي الإمكانيات يرتقون في سلم المدارس المحلية والدولية لنيل أعلى المناصب، وتظل المناصب المَتدنية لأبناء الفقراء، إلا من شذ منهم.
إن العملية التعليمة التعلمية معقدة، تتفاعل فيها عومل متشعبة وتنصهر فيها متغيرات شديدة التباين، وتعد المتغيرات التي استطاع الباحثون حصرها بالمئات، كما يتفقون على أن الأبحاث لم تتمكن لحد الآن من التعرف على كل مكونات الظاهرة ومختلف جوانبها.[3]

من ملامح المناهج الحديثة:
– المُعلم في المناهج الحديثة مُجرد مُنشط قائد لجماعة القسم.
– المتعلم أصل ورُكن وجوهَر العملية التعليمية التعلمية.
– المُحتوى المدرسي مناسب للمراحل العمرية المختلفة، غَني بالأنشطة.
– الوسائل التعليمية التعلمية ليست مُجدر معينات ديدكتيكية، بل دعائم يرتكز عليها السيناريو البيداغوجي، ومن مقتضيات عصرنة التعليم.
– المَدرسة في خدمة المُتعلم وحريصةٌ على نشاطه داخل الفصل وخارجه، وعبر الأندية التربوية والخرجات (…)
– الديداكتيك مُتشرب بالمَنهج العلمي والبحوث الحديثة، خرج من مُجرد ارتجال؛ في الخطوات والمراحل؛ إلى عملية علمية مُعقلنة.
– المِنهاجُ متمركز حول المتعلم متكامل يُركزُ على الامتدادات والتقاطعات بين الدروس والوحدات؛ داخل المادة وخارجها.
– القوانين ترجح مصلحة المتعلم وتجعلها فوق أيّ اعتبار، ولو على حساب الاستهتار بقيمة المدرسة.
– الاحتفاظ بالمتعلم في المدرسة درء للهدر المدرسي – إجبارية التعليم.

من إيجابيات المناهج والبرامج التعليمية الحديثة:
لكل أمر إيجابيات وسلبيات طبعا، فمن باب الموضوعية أن نشير لبعض إيجابيات المناهج والبرامج الحديثة:
* استطاعتْ تلك المناهج أن تستقطبَ أفواجًا من المُتعلمينَ والمتعلمات، وخففت من نسب الهدر المدرسي الذي يُعد بحق إهدارًا للمال العام، والجدير بالذكر أن الرأسمال البشري أصْلُ كل ثروة.
* استطاعتْ المَناهجُ والبَرامجُ الحديثة أنْ تجعلَ للطِّفل مكانًا فِي المَدرسةِ فأصَّلت حقه في التعليم والتعلم، ومنعتْ كلَّ أشكال استغلاله واستفزازه أو احتقاره أو إهانته، بعدما كان الطفل عبدا من عبيد مؤسسة المدرسة، يخضع لأهواء وشهوات العاملين فيها.
المنظومَةُ التشريعية اليوم واضحة بما فيه الكفاية، تحدّد الحقوق والواجبات، وبدت التَّجاوزات واضحةً منكشفة بعدما كانت مُستأثرا بعلمها قبلُ.
* أصبحَ الطّفلُ في صلب كـل العمليات، فهو قُطْبُ الرَّحى الذي تدُور حوله المناهج والبرامج والتوجيهات، وهذا أكثر جلاء في الدول التي تعرفُ ازدهارًا وتطورًا في حقل التربية والتعليم، بينما ما زالت دولٌ كثيرةٌ تترنح مكانَها، رجلٌ هُنا ورجل هناك.
* تَحسنت وضعيات التعليم والتعلم مقارنة بالمَاضي، وأصبحت المَناهج أكثر حرفية وانسجامًا معَ مناهجِ التفكيرِ العلمي، وما جادت به بحوث علوم التربية وعلم النفس (…).

من سلبيات المناهج والتوجيهات التربية التعليمية الحديثة:
* لمْ تستطعْ تلك المَناهج ضبط الطفل والتحكم فيه (تربويا): فجعلت منه طفلا مُتحررا من كل شيء، قابلا للثوران والفوران على نفسه وغيره. فَعل في جسده وثيابه الأفاعيل، وبات يبخس أغلى ما وهبهُ الله، فإذا هاج فليس لهيجانه حدودٌ.
وتلك الجُرعَة الزَّائدة من الحُرية صاحبتها ودعمتها ثورة تكنولوجية ورقمية وقنوات وفضاءات للتواصل الافتراضي الجماعي، جعلت السيطرة عليه شبه مستحيلة. إذا كان الأب قادرا على تتبع خطواته في الأزقة والشوارع، فإنه غير قادر على مجاراته في العالم الافتراضي.

* أقصَتْ المَنَاهِجُ التَّربويَّة الحديثَةُ كلَّ السلط بمَا فيهَا سُلطة المُعلم والأسْرَة. فتحول الأمر إلى صراع ظاهر ومضمر بين الأسرة والمدرسة. الأسرة تتهم المدرسة بالتَّقصير في التربية. والمدرسة تلقي باللائمة على الأسرة، وكلاهما يوجه سهام الاتهام للإعلام.
هذا التشابك في العلاقات والمسؤوليات في عالم مُعقد (فوضوي) جعل الطِّفل ينعم بالتحرر الزائد.
فإذا كانت التربية التقليدية تمنحُ الصلاحية لكل أفراد المجتمع بالمساهمة في التربية والتوعية والنهي عن المنكر والتدخل، فإنّ المناهج الحديثة تضع الحدود لكل المتدخلين، حدَّت للأفراد والجيران والمدرسين حدودا، لا ينبغي أن يعتدوها.

* جدلية المدرسة والمجتمع: إن فكّ الارتباط بين المدرسة والمجتمع أمرٌ عسيرٌ، والظاهر أن المجتمع أكثر تأثيرًا من المدرسة، فهل هو انفتاحٌ أو تلاشي لدور المدرسة في ظل مجتمع تدعِّمه قنوات التنشئة الاجتماعية الأخرى أو يمكن اعتبار ذلك انفتاحا للمؤسسات على فضاء الشارع المحلي والدولي؟
ولا ينبغي إغفال مكانة المدرسة في صناعة نموذج المواطن المطلوب. فالمدرسة بمناهجها وبرامجها وسياساتها تُدجِّن الإنسان وتُؤلِّفه وتمكنه من رموز وأدوات الانخراط في المجتمع. تنقله من إنسان إلى مواطن، يفعل وينفعل، وتخضعه لقانونه، ويهضم ويتشرب المفاهيم ونسق نظام المجتمع الذي تريده السياسات.
إنَّ مُهندسي السياسات العامة يُسطرون برامج وسياسات لمختلف المجالات، تنشق عنها الأهداف التربوية، وتُكرِّسُ عن طريق الكتب المُقررة ونظام المؤسسات التربوية. فالمدرسة مَدخلٌ لتصريف السياسات بمنظور يكتسي أبعادا تربوية تعليمية مدرسية. أعني إن الوعي الذي تقدمه المدرسة وعيٌ مغلفٌ، ولكنهُ ضروري.

* لم تُمكّن مَناهج التربية الحديثة الطفلَ من منهج نقدي رصين، وجعلته عرضةً لنموذج فكري ثقافي أحادي، يسوقه يمنة ويسرة، يرفعه ويهوي به، هو كالريشة في مهب الرياح. إنه التوجُّه الحداثي وما بعده، يا سادة، هبت به رياح العولمة ورفع الحواجز الجمركية.
إن المَناهج التربوية الحالية الوافدة إلى العالم العربي مثلا، رغم ما يمكن أن يقال: إنها تنمي ملكة كذا وكذا، فإنها جعلت الطفل يغرق في ثقافة الآخر وينصهر فيها بليونة.
ففقد الشخص ملامح هويته وما يميزه عن الأغيار. أصبح همه كلّ همه أن يكون نسخة للاعب الفلاني أو المغني الفلاني أو الصيحة الحالية. إنه الاستلاب في أبشع مظاهره. تلك السموم تمرر عبر البرامج والمناهج التربوية الحديثة.

* تُوهِمُ المناهجُ، المسماةُ بالفعالة والحديثة، باحترام الطفل وتقدير شخصه، ولكنها تشيِّئه وتعامله معاملة الأرقام. إنّ إغفالها للجوانب القيمية وتركز اختياراتها على المنطق النظري، بصرف النظر عن التربية الخلقية، جعلت فصاما واضحا بين ما يلقن في المدرسة والحياة العملية. إننا لا نريدها (أمانة) نظرية نتفلسف فيها، ونقسمها إلى أبواب وفصول ومباحث، إنما نريدها واقعا وممارسة فعلية.
نتفق إن المدرسة لن تقوم مقام الأسرة. ونوقن أن المدرسة والأسرة معًا قطعة من منهاج شمولي وفلسفة واختيار مجتمعي.
* حاربت المناهج والتوجيهات التربية الحديثة التلقين، وهي في أصلها تلقين، ولكنه مقنع. فما نقوله اليوم ونتحدث به أو نناقشه، إنَّمَا هو في الأصل حفظ إما صريح مباشر، أو غير صريح. والعجيب الغريب أن التلقين الذي حاربته المناهج الحديثة – كما هو في المدرسة المغربية – تجده حاضرا في الاختبارات المحلية والجهوية (…) فلا نكادُ نَفهم المقصود من الذم المتكرر للتلقين والتحفيظ. الاختبارات الحالية استرجاعية بطبعها – بضاعتنا تُرَدُّ إلينا.
* غموض بعض المقاربات المعتمدة في التدريس مثل المقاربة بالكفايات – كما في المغرب – تلك المقاربة التي اعتبرت امتدادا للتدريس بالأهداف. والجديرُ بالذكر أنَّ هناك كلاما كثيرا ومدادا غزيرا سال في (حدث) الكفايات، إلى حد التخبط، وأصدقكم القولَ إنَّه ما زال مفهوما غامضا إن ممارسة أو تنظيرا. فلا يغرنك كثرة ما كتب فيها أو ما سطر في الكتب المدرسية. إذا كنت في ريب مما أقول فاسأل من تظنه عليما بها، أن يصوغ لك كفاية من المنهاج، الغالب سيصوغ هدفا أو مجموعة من الأهداف المشتتة.
الكفايات كما لا يخفى عليك مفهوم من مورد اقتصادي، وكذلك كثير من المفاهيم التربوية، تجد طريقها إلى علوم التربية، وتتموضع في سياقات مختلفة. ليس هنا الإشكال، الإشكال في التشويه وسوء الفهم والتنزيل للمفاهيم التربوية في بيئة مختلفة بشروط مختلفة.

* جعلت المناهجُ الحديثة في التربية والتعليم الطفلَ خادما للآلات الاقتصادية، وترسًا من تُروسها.
فالطفل اليوم في ضوء هذه المناهج الحديثة فرد اقتصادي بامتياز، الهدف منه أن ينخرط في المجتمع الاقتصادي، وأن يُربط التعليم بسوق الشغل، ومن تم ظهر الحديث عن مواد تدعو الضرورة لدراستها، كالمواد العلمية والتقنية، ومواد أخرى لا تدعو لها حاجة كالآداب وتخصصات أخرى.

فهل تخلت المدارس عن صناعة الإنسان بالمعنى الفلسفي والقيمي للكلمة إلى صناعة الأجير في السوق الاقتصادية؟

* حرمت المناهج والتوجيهات التربية الحديثة الطفل من اللعب الحر وعكّرت الآلات صفو نشاطه، فهو مُضايق حيثمَا حل وارتحل. انقرضت لعب حرة كثيرة، وبرزت في الساحة لعب حديثة مرتبطة بالتطورات التكنولوجية والتغيرات في البُنَى الاجتماعية، عطلت من حركات الإنسان، وجعلته يُعاني في دوامة الإدمان والتشيئ، وأغرقته في بحر الذاتية والأنانية.
إنَّ تغيرات الواقع وتطور ثقافته كان دافعا رئيسا لإحداث تعديل على ممارسات كثيرة. ليسنا هنا بصدد التنازع مع الحتمية التغييرية، إنما نذكر بأنه لا ينبغي للبشر أن يغرق وينسى إنسانيته أو تُفقده الحداثة هويته وما يليق بإنسانيته.
أعني يجب أن تَعودَ زمام القيادة للعقل لا للحتميات الاجتماعية المختلفة.

* تكلمتْ المناهج الحديثة في التدريس عن المقاربة الفارقية والتطبيقات العملية لنظرية هاورد غاردنر في الذكاءات المتعددة.
وإننا لا نَجد صدًى حقيقيا لهذه المقاربة، وغيرها، على أرض الواقع، وفي مختلف المقررات والمناهج الرسمية على المستوى الممارساتي داخل حجرات الدراسة.
وتعدد المقررات (الكتب المدرسية) لم يحقق الغرض الذي من أجله أنشئ.
يَستحيل أن نتحدثُ عن تنزيل سليم لمقاربات التدريس الحديثة بوسائل وأدوات وعقليات ومعيقات وغياب للصلاحيات وتخبّط واضح في النموذج الوظيفي للمدرسة. إلا إذا كنا نقصد بالتنزيل ما نخْدَع به بعضنا في إطار ممارسات استعراضية ظرفية، نلوك فيها الكلام، نُوهِمُ بعضنا بالإمكانية، من باب التفاؤل اللامنطقي.

* كرّست المناهج والتوجيهات التربية الحديثة التمييز بين أبناء الفُقراء والأغنياء، وزادت في الشرخ والبون بينهما؛ بين من يتلقى تعليما قريبا من منطق السوق، ومن يتلقى تعليما بعيدا عنه، الأمر الذي يجعل الأول مُتحكمًا في مستقبل الثاني، هنا نشير إلى اللاتكافؤ بين الأطفال.
ونشيرُ في السياق نفسه إلى بروز المدارس الخصوصية التي استقطبت أبناء القادرين على دفع ثمن تدريس أبنائهم، بعدما أعطت الدولة الإشارة للقطاع الخصوصي ليدخل غمار سوق مربحة، فاختلط الحابل بالنابل، وتحولت العملية التربوية إلى عملية قراءة كفِّ سُوقِ العمل والمؤسسات ذات الاستقطاب المحدود.
قد يقول القائل إنّ مُؤسسات التدريس العمومية ما زالت تنتج، بفضل كفاءة أطرها وعطائهم. فنقول: إن العدل واجبٌ بين أبناء من يدفع ومن لا يَدفع، ونطالب بإلغاء نقط المراقبة المستمرة في انتقاءات المباريات. ورغم ذلك فما يزال مشكل الحيف والظلم قائما واضحا. فكم فقير هدر المدرسة وغادرها؛ في ريْعان طفولته؛ لأن منطق وظروف المؤسسات العمومية غير الخصوصية.
* مع التربية الحديثة التي طبلنا لنا زاد العُنف والعدوان في مدارسنا ومؤسساتنا. العنف في المدارس تحصيل حاصل – ونخص بالذكر هنا العنف المُسلط على المدارس والمدرسين والتلاميذ – إن اعتماد مُقاربة (المُتعلم مِحور العملية التعليمية التعلمية) بالشكل الساذج الفارغ من المعنى والعُمق العلمي اللازم، جرَّ الويلات على المدارس، فأدرك المتعلم أنه خارج نطاق السيطرة، وبعيد عن أي مساءلة عميقة وفعالة، وأقصى ما يمكن أن يعاقب به – إذا كسر أو أتلف أو شوش على مدرسه في الفصل … – هو أن يكلف بمهام البستنة أو بعض الخدمات داخل المؤسسة، كما في المذكرة الأخير – المذكرة الوزارية عدد 867/14. (وزارة التربية الوطنية والتكوين المِهْني المغرب).

كما فشلت المدارس والمؤسسات التربوية في التأثير في الواقع (الحياة)، وعجزت عن كبح جماح العنف، ولا نكاد نميز متمدرسا عن غيره في ممارسة العنف.
نعني أن القيمة التربوية المضافة للمدرسة غير ظاهرةٍ في الواقع. ولا ننفي أن المدرسة ليست القناة الوحيدة للتنشئة الاجتماعية، ولكن طموحنا – المنتظر – جامحٌ أن يكون لها الأثرُ الفعال، بالنظر لحصة الوقت المُهمة التي يقضيها الطفل فيها. ولكن المدارس انهزمت أمام السيل العَرم من قنوات التنشئة الأخرى.

* إن البرامج والتوجيهات الحديثة برغماتيةٌ نفعيةٌ عمليةٌ في صياغتها وفلسفاتها همشت القيم والوجدانيات بشكل واضح، وجعلت الإنسان غارقًا في مادية تُهدِّد استقرار حياته في كافة المجالات، وجعلت البيئة والجمال في آخر مراقي سلمها.
* يمكن القول إن تضخم المحتوى كان السمة البارزة في المناهج القديمة، تدركها بمجرد أن تتصفح مُقررًا منها، فكانت تلك البرامج قادرة على إنتاج مثقف مُلِم ومحيط. وكانت هناك توجيهات في المغرب للتخفيف من المحتويات، وما زال الطلب قائما لتقليص المحتوى ليتناسب والغلافَ الزمني المخصص للحصص، ولعل ضيق الزمن من أبرز أسباب دعاوى المطالبة بالتقليص.أقصد أن داعي التقليص لم يكن بيداغوجيا صرفا.
وفي هذا السياق قلصت ساعات تدريس بعض المواد كالفرنسية والرياضيات والهدف كما تعلمون هو توفير الموارد البشرية بدل توظيفِ مدرسين جدد.
ويجدر بنا أن نذكر أن محفظة المتعلم مازالت عامرةً ثقيلةً، لا يكادُ المتعلم يطيقُ حملها. هذا في زمن التكنولوجيات والوسائط المختلفة للأسف الشديد.

التعليم والتكنولوجيات
عندما نتكلم عن المناهج والبرامج الحديثة لا ينبغي أن ننسى الحديث عن التكنولوجيات في التعليم، بوصفها مقومات أساسية في المنظومات التدريسية الحديثة.
إدمَاجُ التّكنولوجيا في التَّعليم بما تتيحُه من تقنيات ووسائل ومساعدات على تمرير التَّعلمات ونقلها (النقل الديدكتيكي)، بل إن الوسائل اليوم تجاوزت مفهوم الوسيلة بالمعنى التقليدي للكلمة إلى وسائل (بمثابة) ركائز في العملية التعليمية التعليمية، وكل وزارات التعليم في العالم تنشد هذا الإدماج، بما في ذلك وزارة التربية الوطنية في المغرب، ومن الدول من بلغ مراتب مهمة في هذا الإدماج.
وفي المغرب يأتي برنامج جيني في هذا الإطار 2005، وقبله تفعيل القاعات المتعددة الوسائل 2002. وفي هذا السياق، تم كذلك إطلاق برنامج “نافذة” من قبل مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين لتمكين المدرسات والمدرسين من حواسيب محمولة مع الربط بالأنترنيت، وبأثمنة تفضيلية …

كما تم في إطار البرنامج الاستعجالي تزويد مديرات ومديري المؤسسات التعليمية بمعدات معلوماتية تضم حاسوباً محمولا وطابعة وبرمجيات لتحسين تدبير المؤسسات التعليمية.ولقد ظل ذلك دون المقصودِ، ولم يحقق ما طمح له، وسطر على الورق.
إدماج التكنولوجيات في التعليم ذُو بال ومهم في تقريب المعنى وتيسير التعليم وربح الوقت واختصار المسافات والتوصيل بالصوت والصورة والحركة والتجريب وإمكانيات عديدة تتحيها، كالتغيير والإضافة والتحويل والتوقيف…
تلميذُ اليوم كما أقولها مرارا تلميذ رقمي، يعيش عصر الصورة، وما ينبغي أن نعامله بالأسلوب التواصلي القديم، يوم كان الارتجال والكلام الطويل المستغرق في التفاصيل (موضة).
إنَّ التكنولوجيات ليست غايةً في حد ذاتها، ولا (موضة) جوفاء، بل هي هبة ربانية مفيدةٌ تيسر العملية التعليمية التعليمة، وتجعلُها عملية واضحة منظمة خاضعة لنسق.
ولا نتخيل أن الاستغناء عن المدرسين (البشر)، ممكن رغم ما تتيحه من إمكانيات متعددة، على الأقل، لأنه قائد لتلك التكنولوجيات، فهو كائن قصدي مَرِنٌ يضفي على العملية التعليمية التعلمية رونقها وجمالها.
إن إدماج التكنولوجيا في التعليم مُهِمٌّ أي أَهميَّة – لقد انتقلت هذه التكنولوجيات مِنْ مُجرَّد وسائلَ مساعدة إلى أسس ودعامات بيداغوجية وديدكتيكية لتصريف المِنْهَاج.
ومازال المغرب متعثرًا ومُرتبكًا فِي مَجال الإدْمَاج، لم يوفر لها البنية التحتية والبشرية. والتكوينات التي تلقاها المدرسون والإداريون وغيرهم في هذا الإطار تكوينات غارقة في الشكلية لم تحقق القصد منها غالبا، مادامت المدرسة المغربية لم تنخرط في عالم التكنولوجيات التعليمية التعليمية بالصورة التي نريدها.

كلمة أخيرة:
تناولت في هذه الصفحات نقدا ببيان بعض إيجابيات وسلبيات المناهج والبرامج الدراسية الحديثة. وتركيزي على السلبيات لا يعني أن الإيجابيات قليلة، بل هي كثيرة. وسردي لبعض السلبيات لا ينفي وجود أخرى كثيرة. فالإحاطة بناء على مجهود فردي مستحيلة، والمادة في المجال أحسبها قليلة، والله الموفق للصواب. والجدير بالملاحظة أني أخرجت المناهج والبرامج من مفهومها الضيق لتشمل السياسات التعليمية، منها ما هو ديدكتيكي وبيداغوجي وتربوي وتشريعي (…)

[1] أحمد وزي: المنهاج الدراسي وحاجات الطفل – مجلة علوم التربية – دورية مغربية نصف سنوية – ع 5 السنة 3 أكتوبر 1993 ص: 11
[3] محمد الدريج: تحليل العملية التعليمية التعلمية – مطبعة المعارف الجديدة – منشورة مجلة الدراسات النفسية والتربوية الطبعة الثانية – 1986 ص 16

التدوينة نقدُ مَناهج وبرامج التربية الحديثة ـ حنافي جواد ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

معلم المقهورين ـ حميد بن خيبش

$
0
0

يحكي الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز في مذكراته الشخصية أنه سأل جده في الصغر عن معنى كلمة “بحر”،غير أن هذا الأخير لم يعثر على صورة له في قاموسه المهترئ القديم فحاول أن يشرحها له من خلال عبارة تستحق التسجيل،قال ” هناك كلمات لا يحتويها القاموس،لأن الناس جميعا تعرف معناها “.ويبدو الأمر كذلك حين نتحدث عن الاضطهاد والتحرر كما ترددا في كتابات المفكر و التربوي البرازيلي باولو فريري (1997-1921)، فللمفردتين معا دلالات خلاقة لا يمكن أن تستشفها من التعريفات المبثوثة في القواميس و المعاجم.وحده باولو فريري من خلال رؤيته الإنسانية والتناقضات التي ضج بها واقعه يمكنه أن يضعك أمام ضراوة القهر المطمور تحت ثقافة الصمت,وآلية تفجيره من الداخل لبلوغ التحرر الفعال.
لم تكن “ريسايف”،مسقط رأس باولو فريري،غير تجل آخر لأحزمة البؤس والقهر المنتشرة في البرازيل مطلع الثلاثينات من القرن الماضي.وأسهمت الأزمة الاقتصادية الشهيرة عام 1929 في تضييق الخناق على أسرة فريري ليختبر بنفسه آلام الجوع و المعاناة,وليعزز مقولاته النظرية فيما بعد بميزة الممارسة العملية والخبرة المستقاة من واقع مجرب.فكان اكتشافه لثقافة الصمت التي يلوذ بها المقهورون مدخلا لتصحيح الوضع التعليمي،لا على صعيد تعليم الكبار فحسب,بل أيضا من خلال إبداع فلسفة تربوية تضع حدا للهيمنة والغزو الثقافي،وتحرض المقهورين على الدخول في حوار ناقد مع العالم،يُسائله تمهيدا لتغييره وتجاوز مقولاته الاستعلائية.
إن ثقافة الصمت كما يعرضها فريري في الفصل الأول من كتابه “تعليم المقهورين”وليدة حالة اللا أنسنة،أي اختلال قدرة الإنسان على ممارسة وجوده على نحو متكامل.وهي ليست حتمية مصيرية بل ظاهرة تاريخية يمكن تجاوزها نحو الأنسنة عبر مسعى التحرر والنضال،مما يفرض التعرف على أسباب القهر وظروفه ليتمكن المقهور من تطوير موقف جديد تتحقق فيه إنسانيته،بمعنى أن يؤدي تفكيك القهر إلى تجسيد الحرية و التأسيس لمقومات الكرامة الإنسانية،لا إلى لعبة تبادل أدوار مقيتة:”إن بعض المقهورين،خلال مرحلة النضال،بدلا من أن يناضلوا من أجل تحقيق حريتهم فإنهم يجنحون إلى ممارسة دور القاهرين وأشباههم.وهذا المظهر في واقعه انعكاس للواقع المتناقض الذي ظلوا يعيشون فيه،فقد حلم هؤلاء بأن يصبحوا رجالا ولكن صورة الرجل ظلت في مخيلتهم هي صورة القاهر” (1).غير أن استعادة الحرية و التوازن النفسي،والانتقال من حال الخضوع إلى التمرد و المجابهة يظل رهينا بتبديد عوائق ثاوية في التكوين النفسي والعقلي للمقهور. فالخوف من الحرية و الاستهانة بالذات ينجم عنهما حالة من التلاؤم و التأقلم مع الوضع السائد،وبالتالي الميل إلى التوافق وتفضيل حياة القطيع على التحرر و الإبداع.لذا حرص فريري على التأكيد بأن الأداة الفعالة التي يستهل بها المقهورون مسلسل نضالهم هي تطوير أسلوب تعليمي نقدي يكتشفون من خلاله أنفسهم.
لكن قبل المضي في عرض البدائل التي طرحها فريري لبلوغ أنسنة ممكنة لهذا الواقع غير المتحرر،لابد من الإشارة إلى أن دعوته لم تكن مجتزأة من السياق الاجتماعي والتاريخي لدول أمريكا اللاتينية ككل.فالمنطقة آنذاك كانت مسرحا لتيار لاهوتي جديد،مزج بين معطيات علم اللاهوت ومقولات التحليل الاجتماعي للتبعية و التخلف اللذين تعيشهما أمريكا اللاتينية.إنه لاهوت التحرير الذي أعلن عن ميلاده القس غوستافو غوتييريز في دولة البيرو عام 1968,واضعا بذلك الحجر الأساس للكنيسة الشعبية التي تبنت مفهوم التربية التحررية كما باشره فيما بعد باولو فريري.إذن كان المشهد يعرف نوعا من الحراك الديني والثقافي الذي استوعب آراء فريري وهيأ لها فرص النجاح قبل حدوث الانقلاب العسكري.
ينتج مجتمع القهر نظاما تربويا مكرسا لخدمته والإبقاء عليه،وبالتالي فلا صحة للمقولة السائدة لدى أغلب التربويين حول قدرة التربية على إعادة تشكيل الواقع الاجتماعي وتغيير الأوضاع الراهنة.أما دور المربي أمام وضع كهذا فهو كشف الأساليب التعليمية المعتمدة في التطبيع مع القهر وإبطال مفعولها،ثم استعادة البعد الإنساني للتعليم كمدخل حيوي لاكتساب الحرية.وفي التحليل الموضوعي لعلاقة الأستاذ بالتلميذ يكشف فريري عن خصائص التعليم النابع من فلسفة القهر والعنف.فأسلوب التواصل بين الطرفين داخل فضاء الحجرة الدراسية قائم على شحن العقول بخبرات ميتة تعيد إنتاج الواقع بدل تجاوزه وتغييره،وتحض على الإذعان للهجة المتعالية وادعاء امتلاك الحقيقة و المعرفة من لدن طرف واحد سواء داخل الفصل أو حتى خارجه.إنه أسلوب يكرس الجهل عوض التصدي له،ويؤسس لتعليم قائم على إيداع المعلومات واستردادها وفق دورة لا تنتهي:”هكذا أصبح التعليم ضربا من الإيداع،تحول فيه الطلاب إلى بنوك يقوم الأساتذة فيها بدور المودعين، فلم يعد الأستاذ وسيلة من وسائل المعرفة و الاتصال،بل أصبح مصدر بيانات ومودع معلومات ينتظره الطلاب في صبر ليتذكروا ما يقوله ثم يعيدوه.ذلك هو المفهوم البنكي للتعليم.”(2)
في المقابل يدعو باولو فريري إلى تعليم إنساني “ثوري”يحرر التلميذ من التناقض الذي يفرزه التعليم البنكي بين المحتوى التعليمي الجامد وحركية الواقع المستمرة.
تعليم ينمي الملكة النقدية ويولد قلقا مستمرا يحفز الطلاب على التفكير و الإبداع،وحل التناقضات التي تحول دون الحرية.
تعليم لا يختزل أداء المعلم في ملء الأواني الفارغة وتعويد الطلاب السلبية والتأقلم،بل يرسم إطارا جديدا لعلاقة بين الطرفين قوامها الحوار والتعلم المستمر و المشاركة في اكتشاف حقائق العالم !
إن التعليم برأي فريري لا يمكن أن يكون محايدا مادام ضرورة إنسانية،وكل ادعاء للحياد هنا لا يخلو من زيف.فإما أن يكون عملية تحرر وتجاوز,وإما عملية أقلمة وتطويع و ملاءمة للجيل الناشئ مع الأوضاع القائمة.إننا عندما نخطط ونرسم السياسات التعليمية نكون بصدد أعمال سياسية منطوية على اختيار إيديولوجي سواء كان هذا الاختيار واضحا أو مبهما لا فرق (3).غير أن مجرد الوعي بهذه الحقيقة لن يغير من الأمر شيئا ما لم تتم إعادة الاعتبار لعلاقة الإنسان بالعالم عبر منهج تعليمي محدد وسيلته المثلى:الحوار !
يؤمن فريري بأن الحوار مواجهة سلاحها كلمة صادقة ذات بعدين:الرؤية التي تضفي على الوجود الإنساني قيمة ومعنى،والفعل المحفز على تغيير الواقع.أما الغاية منه فهي التأسيس لعلاقة تضامنية بين الطرفين (المدرس و الطالب) تحقق الأنسنة عبر التفكير المبدع،وهو ما يفرض إعادة النظر في الرؤية المتحكمة في بناء الموقف التعليمي “إن الصفة الحوارية للتعليم كمظهر للحرية لا تبدأ حين يقابل المدرس التلميذ في موقف تعليمي،بل تبدأ حين يسأل المدرس نفسه عن القضية التي سيجعلها موضوعا للحوار مع التلميذ”(4).وهذا المنهج الحواري هو قلب العملية التحررية كما تصورها فريري،والذي يُكسب الطالب وعيا نقديا يتسم بالعمق في طرح المشكلات وكشف التناقضات التي يضج بها العالم من حوله،ثم يعمل على خلق حالة حوارية دائمة تنمي ملكات الفضول المعرفي و التساؤل،و تستنهض إمكانيات التغيير و المراجعة.
ليس المنهج الحواري إذن مجرد نقل وتحويل للمعلومات والبيانات ضمن علاقة تسلطية ورأسية غير قابلة للنقاش,وإنما يتعلق الأمر بوضع تعليمي قائم على السعي المشترك بين الطرفين لمعرفة المزيد، وعلى استجاية واعية لتحقيق الحرية.إن هذا النوع من التعليم،يقول فريري،ينطلق من قناعة فحواها أن البرنامج التعليمي لا يكون تعليميا مالم يتخذ من الحوار مع الناس أساسا له.فهو يقدم أسلوب تعليم المقهورين بالطريقة التي يسهم فيها المقهورون أنفسهم وبصورة إيجابية في العملية التعليمية (5).
طور باولو فريري نظرية لتعليم الكبار وظف من خلالها مقولاته حول التربية النقدية مستلهما كلماته الدلالية وتقنياته و تصوراته من بيئة المقهورين ذاتها.وتتضمن نظريته التي أوردها بتفصيل في كتابه “التربية من أجل إثارة الوعي النقدي” الخطوات الإجرائية الآتية :
– دراسة البيئة و رصد الموضوعات الخاصة بالمنطقة.
– حصر و انتقاء الكلمات التوليدية ” أو المنتجة كما يسميها فريري” ذات البعد الانفعالي و التي تمكن من تحديد مستويات إدراكهم للواقع وللبناء الاجتماعي و السلطوي من حولهم.
– تنظيم محتوى البرنامج التعليمي انطلاقا من الموضوعات التي تثير احتياجات لدى الأفراد ،وإعداد التصنيفات و الرموز المراد استخدامها لتناول مشكلة معيشية على سبيل المثال.
– تدشين حوارات فك الرموز عبر حلقات بحث الموضوعات،والتي يشترط فريري أن تتألف من عشرين شخصا كحد أقصى،وأن تستوعب الحلقات عشرة بالمائة من سكان المنطقة موضع الدرس .
– متابعة مكملة للمستفيدين من هذه الحملة التعليمية كي لا يرتدوا مجددا إلى الأمية .
جرى لاحقا تطوير منهجية فريري لتشمل ليس فقط الكبار بل حتى الأطفال اليافعين المتسربين من المدارس. إذ تم تصميم برامج تثقيف المتسربين وفق منهجيةTCELFER،وهي اختصار ل”الفريرية المتجددة لمحو الأمية من خلال التقنيات المجتمعية”.وفي مقابلة أجرتها كاترين دينيس (6)مع جواد قسوس المشرف على برنامج تعزيز ثقافة المتسربين بالأردن،يقدم هذا الأخير مثالا حيا للنتائج الإيجابية التي حققتها هذه المنهجية مع فئة من أطفال الشوارع:
” لقد استخدمنا أسلوب الحوار لتحديد المواضيع التي تهم الطلاب،فعلى سبيل المثال كان موضوع التعرض للحرارة الخارجية أثناء النهار من المواضيع التي حازت على اهتمامهم. بداية، طلبنا منهم وصف شعورهم إزاء تعرضهم لحرارة الجو ومن ثم ربطنا ملاحظاتهم ببعض المشاكل الصحية مثل الجفاف و الحروق الناجمة عن التعرض للشمس التي يمكن أن تسببها الحرارة. انتقلنا بعدها لتعلم الأجزاء المختلفة من جسم الإنسان وشرح عملية الجفاف وأهمية الماء للجسم وكيفية امتصاصه.فكنا نبدأ، على سبيل المثال، بكلمة “شمس” ومن ثم نكتب كلمات أخرى تبدأ بحرف “ش” وكلمات تبدأ بحرف “م” ثم كلمات تبدأ بحرف “س”.وانطلاقا من الكلمات كنا ننتقل إلى الجمل والنصوص البسيطة.فقد أنتجنا نصا يمكن للطلاب قراءته وإعادة كتابته و التعامل معه.وبناء على ذلك تم تصميم الاختبارات،حيث شعر الطلاب لأول مرة بأن الاختبار أمر يمكن اجتيازه لأن المواضيع كانت مألوفة بالنسبة إليهم “(7).
نجح البرنامج كذلك في إقناع المعلمين المشاركين في هذه الحملة بالتخلي عن أساليب التدريس التقليدية،واعتماد منهجية فريري في فصولهم الدراسية،مما يستدعي تبنيها كأسلوب بيداغوجي في المؤسسات التعليمية.
تطورت تربية المقهورين إلى “تربية الأمل ” كما صاغ فريري مقولاتها في أواخر حياته،ملائما موقفه مرة أخرى مع لاهوت التحرر الذي تطور بدوره إلى “لاهوت الحياة”.وفي الصياغة الأخيرة بدا فريري أكثر تفاؤلا وثقة بالمستقبل.لقد كان كما وصفه التربوي الأمريكي باتريك كلارك “شعلة مضيئة في ظلام الحتمية الإيديولوجية و اليأس والمنظم”.
إن استحضار باولو فريري اليوم ،كرؤية إنسانية تنشد نهجا تعليميا أكثر إنصافا وعدالة،لهو أمر يستمد وجاهته من الضغط الذي تمارسه عولمة لا ترحم،ومن القهر الذي لا يكف عن ملاحقتنا وفق أكثر الصيغ تهذيبا ومراوغة.
فهل تفلح منظوماتنا التعليمية اليوم في التمسك بالتعليم كحق إنساني يتصدى للتمييز والاستبعاد, أم سيكون للمذهب النفعي و الاقتصادي الضيق كلمته الأخيرة ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- باولو فريري: تعليم المقهورين.دار القلم بيروت.د.ت.ص 28
2- نفس المرجع.ص51
3- د.سعيد إسماعيل علي: فلسفات تربوية معاصرة.المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآداب.الكويت1995.ص 181
4- باولو فريري.مرجع سابق.ص 71
5- نفس المرجع.ص 90
6- المديرة الإقليمية للجمعية الألمانية لتعليم الكبار في الشرق الأوسط.
7- كاترين دينيس :تعليم الكبار و التغير الاجتماعي.مؤسسة التعاون الدولي للجمعية الألمانية لتعليم الكبار.الأردن2013.ص76

التدوينة معلم المقهورين ـ حميد بن خيبش ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

متى يعلنون وفاة المدرسة العمومية المغربية ؟ ـ حسن طويل

$
0
0

“التعليم ان لم يكن تحويلا اصبح موتا للعقل و السلوك و الابداع ” ( هكذا تكلم عبد الله القصيمي ، ع اللطيف الصديقي)
لقد تحولت المدرسة العمومية المغربية عبر مسلسل من ” الاصلاحات” الى مؤسسة مسخ تحتوي على جميع العوامل لإنتاج الفشل . فمنذ ” الاستقلال ” ، اعتمد المغرب لمقاربة قضية التعليم على رؤية ترتكز على تضخيم مفاهيمي بدون قوة مادية له و على تصور ليبرالي متوحش بدأ خجولا ثم تطور حتى اصبح في المرحلة الاخيرة منتفخا ووقحا .اما على مستوى المناهج والبرامج و طرق التدريس فقد تم التأسيس المعرفي والسلوكي لفصام ثقافي ووجودي ،عبر مقولة الاصالة والمعاصرة، و الذي برمج المتعلم المغربي وحوله الى كائن بدماغين ؛ احدهما عميق ذو برنام تقليداني ، والآخر سطحي تابع للأول ذو شكل حداثي. فالتعليم المتخلف “يشوه المتعلمين و يحولهم الى عاهات انسانية و تعبيرية شاملة ضاجة بالقبح و العجز و السخف “( القصيمي، المرجع السابق ).
إن الإصلاحات التي عرفتها المدرسة المغربية منذ 1957 والتي كان الهدف منها تأسيس المدرسة الوطنية عبر المبادئ الاربعة المعروفة : التعميم ، التعريب ،المغربة و التوحيد ، مرورا بمختلف الاصلاحات الاخرى خاصة محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين والذي يعد خارطة الطريق بالنسبة للمسؤولين على هذا المجال و مختلف المحطات البعدية الاخرى وو صولا للتدابير ذات الاولية ، تتقاطع جميعها في خيط ناظم لعل حلقاته المهمة هي :
اولا : خضوع هذه الاصلاحات لرؤية سياسية ايديولوجية في محاولة لإرضاء المكونات السياسية المهيمنة لكل مرحلة ، ولو على حساب التصور العلمي للاصلاح ، والذي ينطلق من مقاربة واقعية و شمولية وواضحة و متعددة الابعاد تحدد للحاجيات الحقيقية للبلاد في مجال التربية والتكوين و تسطر اهداف و طرق و ادوات لانجاح هذا الاصلاح ضمن منظور يعتبر المدرسة المغربية ليس مجرد كمية مال تنفق، بل إستثمار في العنصر البشري وبالتالي في التنمية ؛
ثانيا : اعتماد هذه الاصلاحات على جهاز مفاهيمي مضخم خاصة في مراحلها التأسيسية ، في طقوس من تقديم الولاء للمفاهيم وكأنه يعتقد في راي القائمين على الاصلاح انه بترديد المفهوم سيصبح له فعل في الواقع . في تكريس لماركة مسجلة في الخطاب السائد في المغرب سياسيا وثقافيا واجتماعيا يمكن تسميتها ” بشعوذة المفاهيم ” عبر الاعتقاد بوجود قوى خارقة في المفاهيم ، يكفي ترديدها لتصبح واقعا بالفعل ؛
ثالثا : الحب الباتولوجي لإعادة انتاج ظروف افشال مشاريع الاصلاح ، حيث يتم وضع هذه المشاريع و تغييب الادوات الحقيقية لانجاحها ،فيتم بذلك افراغها وتحويلها الى مجموعة نوايا او مشاريع فشل باحتمالية عالية . وهذا ما يفسر كثرة المشاريع وبؤس النتائج ؛
رابعا : حول مرضي في الاصلاح ، وذلك بترك الاولويات والحاجيات الحقيقية والتسويق لأوهام مرتبطة اكثر بحسابات إقتصادوية ضيقة اكثر منها مجالات حقيقية للاصلاح؛
خامسا : مقاربة الاصلاح بتصور نيوليبرالي متوحش اقتصاديا و برؤية متخلفة للبرامج والمناهج وانظمة التقويم وطرق التكوين والتدريس ….
سادسا : السعي المرضي للحصول على درجات في المؤشرات الكمية للتعليم ( هناك فشل ذريع رغم كل الادعاءات ) على حساب النوع والكيف ؛
سابعا : عدم وجود براديغم للاصلاح يكون هدفه تحويل المدرسة الى مشتل لانتاج التنمية و سيادة الثقافة العلمية لمحاربة التخلف و الرداءة الفكرية عبر تعليم يعلمنا كيف نفكر ونتحرك ونتساءل و نتغير و نشك في بداهاتنا لنبدع و نتجدد ، وليس تعليما تنميطيا حشويا يقينيا يكسب المتعلم كفايات السكون و معاداة السؤال والشك والخوف من الجديد والتقدم والتغيير .
إن المتأمل لتاريخ الاصلاح في المغرب و تطور المدرسة المغربية سيلاحظ لامحالة ، تدهور المدرسة العمومية و تكاثر جراحها من بؤس في البنيات التحتية و تخلف على مستوى البرامج والمناهج وتقهقر المخرجات و عدم مسايرتها للتطورات التي فرضتها التحولات العالمية وبالتالي تحويلها شيء فشيء الى مؤسسة مثخنة بالأمراض تنتظر دورها لتحتضر . حيث ستكون الاصلاحات المطروحة اخيرا، بمثابة رصاصات اللعبة الروسية المعروفة، لما تبقى من المدرسة العمومية و ذلك عبر الوقاحة الاستعراضية للتفرس النيوليبرالي الذي تعرفه : الكلام على الغاء المجانية ، مبدا التعاقد في التوظيف في المجال ، الانسحاب من الادوار الاجتماعية للدولة ، بؤس البنيات التحتية والخدماتية للمدرسة ،الاكتظاظ في المدارس، سيادة العنف المدرسي ، غياب الدافعية لدى لمدرسين والمتعلمين ، انسدادا الآفاق …
ان التعليم هو احد المفاتيح الاساسية لتقدم المجتمعات ، وكل تأخر في اصلاحه اصلاحا حقيقيا مبنيا على تصور يعتبره ضرورة وجودية للتنمية و التطور باعتباره احد مصانع إنتاج الثروات البشرية ، بدل التفكير النيوليبرالي المشوه والضيق والذي تعتمده سلطات التربية والتكوين ببلادة لدينا ، سيقامر بالوطن والمواطنين ليربح تجمعا لأغلبية من الرعايا المعوقين نفسيا و معرفيا ووجوديا ، واقلية من المفترسين الذين يجدون متعة باتولوجية للعيش من دماء هذه الاغلبية ماديا ومعرفيا ووجوديا عبر المتاجرة بالبؤس والتخلف والتجهيل .

التدوينة متى يعلنون وفاة المدرسة العمومية المغربية ؟ ـ حسن طويل ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

إلى ما يرمي إصلاح التعليم؟ ـ بوبكر بوعزة

$
0
0

إن المتأمل في السياسة الإصلاحية للمنظومة التعليمية المغربية يستنتج أن الهدف الحقيقي لهذا الإصلاح هو تكريس التفاوت الطبقي في بنية المجتمع المغربي، تفاوت تحافظ بموجبه الطبقات المحظوظة على مصالحها وعلى كل الامتيازات التي راكمتها منذ الاستعمار إلى الآن. وذلك بإعادة توسيع الهوة بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء الطبقة الغنية. هذه السياسة إلاصلاحية تصنع من أبنائهم طبقة مؤهلة ومن أبناء الشعب أيادي عاملة تشتغل في ضيعات ومصانع ومعامل الطبقة الغنية المنتشرة علو طول ربوع الوطن. أليس هذا ما تريد أن تكرسه مدرسة اليوم وفق التصور الجديد للإصلاح؟
إذا تمعنا في المدرسة المغربية لن نجد هناك مدرسة واحدة، بل ثلاث مدارس هي:
-المدارس الفرنسية؛
-المدرسة الخصوصية؛
-المدرسة العمومية

المدرسة الأولى تستقبل أبناء الأعيان، أبناء الطبقة المحظوظة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا والمتحكمة في دواليب الحكم في المغرب والمستغلة لخيراته وثرواته..والثانية هجينة وتتميز بالتفاوت الصارخ بين مدرسة وأخرى، فهي ليست على نفس المقياس، فالمدرسة الخصوصية في المدينة ليست هي المدرسة الخصوصية في البادية…كما أن في المدينة الواحدة تجد تفاوتا كبيرا بين المدارس الخصوصية ليس في الأثمنة فقط، بل في جودة التعلمات كذلك، وهذا ما يؤسس لتفاوت صارخ في مستوى التلاميذ، بين من يلج مدارس خاصة راقية سواء في خدماتها وجودتها، بل حتى في أثمنتها المرتفعة جدا لهذا لا يلجها سوى أبناء الأغنياء، ومن يلج مدارس خصوصية رخيصة في تكلفتها، ومتدنية في جودتها، تنتشر في هوامش المدن وتعرف حالة من الاكتظاظ، وغياب المرافق الرياضية والترفيهية، ومدرسون لا يمتلكون الكفاءات اللازمة للتدريس، وبناية غير صالحة للتدريس لكونها مجرد مرآب أو طابق لبناية مأهولة بالسكان …إلخ.

أما المدارس العمومية التي راكمت من التجارب الفاشلة طيلة عقود من العبث والتدبير العشوائي والإصلاحات التي تهدف إلى محاربتها، ومحاربة المجانية، فهي مدرسة لا تتوفر على شروط التحصيل العلمي، حجرات متهالكة، طاولات وسبورات وكراسي لا تحمل من تلك الصفات سوى الاسم تعود إلى العصر الحجري، تعرف حالة من الاكتظاظ، حيث قد تجد في القسم ما يقارب الخمسين تلميذا وفي بعض الاحيان تصل إلى حدود الستين تلميذا في الحجرة الواحدة…

إن دل هذا على شيء فإنه يدل على ان التعليم في المغرب تعليما طبقيا بالدرجة الأولى، تعليما يرسي أسس اللامساواة والطبقية… فَحينَ تقوم المدارس الفرنسية وبعض المدارس الخصوصية التي تستقر في الحواضر الكبرى كفاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير بإنتاج النخب وتأهيلها لمتابعة دراستها في الخارج لتعود لتدبير الشأن العام في المغرب سياسيا واقتصاديا… تقوم باقي المدارس الأخرى العمومية منها وجل المدارس الخصوصية بإنتاج طبقة هجينة لا تستطيع إكمال دراساتها، وقد ساهمت الاصلاحات المتعاقبة في الهذر المدرسي وحكمت على التمدرس منذ السنوات الأولى بالهذر ومغادرة مقاعد الدراسة مبكرا ولأسباب موضوعية. وفي مقالنا هذا سنركز على نقطة أساسية من بين النقاط الكثيرة الذي تضمنها الإصلاح والتي تؤسس لهذا التفاوت منذ بداية المسار التعليمي التعلمي؛ إنها مسألة التعليم الأولي، كما سنبين أيضا كيف جاء هذا الاصلاح لمحاربة المدرسة العمومية ومجانية التعليم والدفع بعجلة الخوصصة لتدوس على المدرسة المغربية وذلك من خلال ملف الاساتذة المتدربين.

جاء في “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” القسم الثاني “مجالات التجديد ودعامات التغيير” المجال الأول: نشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي، الدعامة الأولى: تعميم تعليم جيد في مدرسة متعددة الأساليب.

24-يشمل نظام التربية والتكوين التعليم الاولي والتعليم الابتدائي والتعليم الإعدادي والتعليم الثانوي والتعليم العالي والتعليم الاصيل. ويقصد بتعميم التعليم، تعميم تربية جيدة على ناشئة المغرب بالأولي من سن 4 إلى 6 سنوات وبالابتدائي والإعدادي من سن 6 إلى 15 سنة”.[1] يتضح من خلال دعامة الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن التعليم الأولي هو التعليم ما قبل الابتدائي، وهو تعليم يحظى بالأهمية القصوى في هذا الإصلاح بحكم كونه اللبنة الأولى في التعليم والأساس الذي سيبنى عليه التعليم برمته؛ وهذا ما تؤكده الدعامة 25 من الميثاق التي تقول:”خلال العشرية الوطنية للتربية والتكوين، المعلنة بمقتضى هذا الميثاق، سيحظى التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي بالأولوية القصوى، وستسهر سلطات التربية والتكوين، بتعاون وثيق مع جميع الفعاليات التربوية والشركاء في إدارات الدولة والجماعات المحلية والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، على رفع تحدي التعميم السريع للتعليم الأولي والابتدائي والإعدادي في جميع أرجاء المملكة، بتحسين جودته وملاءمته لحاجات الأفراد وواقع الحياة ومتطلباتها…”[2] فهل فعلا تم تعميم التعليم الأولى على جميع أرجاء الوطن؟ وهل فعلا تم الحرص على تقديم عرض تربوي في التعليم الأولى يتصف بالجودة؟ وهل فعلا هناك توزيع متساوي وعادل للتعليم الاولي في كل ربوع المملكة؟ أليس التعليم الأولي هو أول نقطة في المنظومة التربية المغربية تخلق اللاتكافؤ واللامساواة في التعليم وتساهم في خلق الهذر المدرسي وإنتاج جيل معطوب والحكم على أبناء الشعب بمغادرة مقاعد الدراسة منذ السنوات الاولى للتعليم؟ كيف ذلك؟

إن التعليم الأولي يشكل اللبنة الأولى في التعليم والتي سيبنى عليها التعليم الابتدائي، فبرامج التعليم الابتدائي بُنيّت بشكل يراعي سنوات التعليم الأولي، وهو ما يؤكد عليه الميثاق:”تتضمن الهيكلة التربوية الجديدة كلا من التعليم الأولي والابتدائي والإعدادي والثانوي والتعليم العالي، على أساس الجذوع المشتركة والتخصص التدريجي والجسور على جميع المستويات”[3] أن هذه الدعامة تؤكد على الجسور الرابطة بين التعليم الأولي والتعليم الابتدائي، فالتعليم الأولي يشكل القنطرة الضرورية للمرور إلى التعليم الابتدائي، لهذا السبب يجب أن يكون تعليما جيدا وموزعا بشكل جيدة على كل التراب الوطني، وألا يكون فيه نوعا من التفاوت واللامساواة، فهو بمثابة أساس كل الواجبات التي ستبنى عليه، أو كما يقول كانط:” إنه الواجب الذي ستبنى عليه كل الواجبات الأخرى”[4]. فهل فعلا جعلت الدولة التعليم الأولي من أولى اهتماماتها وأولته الأهمية التي يجب أن يحظى بها أم أن ذلك ظل حبرا على ورقة وأن التعليم الأولي كان مجرد خطوة مقصودة لخلق هوة لا يمكن ردمها بين أبناء الشعب الفقراء وأبناء المحظوظين الأغنياء؟

إن واقع الحال يبين بالملموس أن الفروق واضحة فيما يتعلق بالتعليم الأولي بين المدن والبوادي من جهة، وداخل نفس المدينة من جهة أخرى. فإذا كانت المدن تمتلك رياضا لاستقبال الأطفال وتعليمهم المبادئ الأولى للقراءة والكتابة، فإن البوادي لا تمتلك رياضا مخصصة لذلك، أقصى ما يمكن أن تتوفر عليه “مسيد” يسهر فيه فقيه المسجد على تحفيظ بعض الآيات القرآنية للناشئة بالاعتماد على السمع، وعندما ينتقلون إلى التعليم الابتدائي يجدون أنفسهم لا يستطيعون تمييز الحروف، لا العربية ولا الفرنسية، في الوقت الذي يكون فيه أبناء المحظوظين يتكلمون باللغة العربية والفرنسية بشكل سلس وجيد. هذه الفروقات تحتم على أبناء القرى مغادرة أقسام الدراسة منذ السنوات الأولى بسبب عدم مجاراتهم ايقاعات التعلم وافتقادهم للمبادئ الأولية للتعلم، خصوصا وكما سبق الذكر -وهنا مربط الفرس- أن مقررات التعليم الابتدائي تبنى على أساس أن التلميذ قد درس من سن 4 إلى سن 6 في روض الأطفال. وهنا نطرح السؤال: كيف يعقل أن ينحج التلميذ في التعليم الابتدائي وهو لم يتلقى تعليمه الأولي؟ هذا الواقع الحالك الذي يتخبط فيه أبناء البوادي وبعض أبناء المدن من الطبقة المسحوقة لا يعاني منه أبناء المحظوظين. ففي المدن التي تنتشر فيها رياض الأطفال تجد التلاميذ قد أتقنوا الحروف الأبجدية العربية والفرنسية، بل منهم من يتكلم باللغة العربية والفرنسية بطريقة جيدة لا يتكلمها حتى تلاميذ التعليم الثانوي في البوادي في الوقت الذي تنعدم فيه هذه رياض الأطفال في بوادي وقرى ومدارس المغرب العميق أليست هذه هي الطريقة المثلى لصناعة التفاوت والطبقية؟ ألا يتناقض هذا مع ما يصرح به الميثاق في هذه الدعامة:”يرمي التعليم الأولي والابتدائي إلى تحقيق الأهداف العامة الآتية:

أ-ضمان أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع الأطفال المغاربة، منذ سن مبكرة، للنجاح في مسيرهم الدراسي وبعد ذلك في الحياة المهنية، بما في ذلك إدماج المرحلة المتقدمة من التعليم الأولي”[5] هل فعلا القول يصاحبه الفعل أم أن واقع الحال يكذب كل ما صرح به الميثاق الذي يحمل هما واحدا هو خوصصة التعليم والقطع مع المجانية حتى يتسنى له التخلص من عبء أبناء الشعب وجعلهم مجرد عمال في مصانع الأثرياء وضيعاتهم؟ أليس هذا ما يصنع الهذر المدرسي الذي يحاولون محاربته بالشعارات الرنانة؟ كيف يمكن لتلميذ لم يتلقى تعليما أوليا أن يصقل مهاراته وأن ينمي قدراته وأن ينجح في مساره الدراسي اللاحق وهو لم يتلقى التعليم السابق؟ ألا يقود هذا إلا حرمان أبناء الشعب من حقهم في تعليم يحفظ كرامتهم ويجعلهم يرتقون اجتماعيا؟ ألا يتنافى هذا مع الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة سنة 1960 والتي ترى أن التمييز في التعليم هو انتهاك لحقوق الإنسان، حيث تصرح الاتفاقية في المادة 1:”لأغراض هذه الاتفاقية، تعني كلمة “التمييز” أي ميز أو استبعاد أو قصر أو تفضيل على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الحالة الاقتصادية أو المولد، يقصد منه أو ينشأ عنه إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم أو الإخلال بها، وخاصة ما يلي:

أ-حرمان أي شخص أو جماعة من الأشخاص من الالتحاق بأي نوع من أنواع التعليم في أي مرحلة؛
ب-قصر فرض أي شخص أو جماعة من الأشخاص على نوع من التعليم أدنى مستوى من سائر الأنواع؛
ج-إنشاء أو إبقاء نظم أو مؤسسات تعليمية منفصلة لأشخاص معينين أو لجماعات معينة من الأشخاص، غير تلك التي تجيزها أحكام المادة 2 من هذه الاتفاقية؛
د-فرض أوضاع لا تتفق وكرامة الانسان على أي شخص أو جماعة أشخاص.

2-لأغراض هذه الاتفاقية، تشير كلمة “التعليم” إلى جميع أنواع التعليم ومراحله، وتشمل فرص الالتحاق بالتعليم، ومستواه ونوعيته، والظروف التي يوفرها فيها”[6] فأين المغرب من هذا رغم نه من المهرولين إلى التوقيع على هذه المعاهدات والاتفاقيات الأممية؟ ألا يتناقض واقع الحال مع هذه الاتفاقية؟ ألا يحمل الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بنوده دعامات نقيضة لهذه الاتفاقية؟ ألا يبشر الميثاق الوطني بالتفاوت والقضاء على كل أشكال المساواة بل حتى على الحق في التعليم بالنسبة للأسر الهشة والمعوزة؟ أليس الاصلاح التربوي المنشود مجرد أكذوبة لخلق هذا التفاوت الطبقي خصوصا وان الدولة قد أخلت بواجباتها اتجاه الطبقات غير المحظوظة والمهمشة والقرى والمداشر وهي التي أكدت على ضرورة اتخاذ جملة من التدابير لتعميم تعليم جيد في المناطق القروية غير المحظوظة كما جاء في الدعامة 29 من الميثاق:”تيسيرا لتعميم تعليم جيد، وسعيا لتقريب المدرسة وإدماجها في محيطها المباشر، خصوصا في الأوساط القروية وشبه الحضرية، ينبغي القيام بما يلي:

أ-إنجاز شراكة مع الجماعات المحلية، كلما أمكن، لتخصيص أمكنة ملائمة للتدريس والقيام بصيانتها، على أن تضطلع الدولة بتوفير التأطير والمعدات الضرورية؛ (فلا هي جهزت هذه الأماكن ولا هي وفرت التأطير والمعدات)

ب-اللجوء عن الحاجة للاستئجار واقتناء المحلات الجاهزة أو القابلة للإصلاح والملائمة لحاجات التدريس، في قلب المداشر والدواوير والأحياء، دون انتظار إنجاز بنايات جديدة في آجال وبتكاليف من شأنها تأخير التمدرس…”[7] ظلت هذه البنود حبرا على ورقة رغم مرور كل هذه السنوات على الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومجيء المخطط ألاستعجالي والدخول في الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم. فلا الدولة جهزت أماكن التمدرس في القرى كما وعدت بذلك، ولا هي وفرت التأطير ولا المعدات. الوضع في البوادي لازال على حاله باستثناء بناء بعض البيوت التي يدرّس فيها معلم واحد جميع المستويات من السنة الأولى حتى السادسة ابتدائي في غياب شروط التحصيل العلمي الصحية والسليمة، أما البنايات الخاصة بالتعليم الأولى فلا وجود لها إطلاقا في العالم القروي.

فهل هذا يعني أن المدينة محظوظة بتواجد رياض الأطفال والمدارس الخصوصية التي يتلقى فيها الأطفال تعليمهم الاولي في شروط جيدة؟ أكيد لا. إن المدينة ذاتها تعاني من التفاوت الصارخ واللامساواة، فأبناء الطبقة الميسورة يلجون إلى المدارس الخصوصية المعروفة بالجودة والخدمات الجيدة وذات التكلفة الباهظة في حين يلج أبناء الفقراء المدارس الخصوصية التي تنتشر في هوامش المدن وفي المآرب وطبقات العمارات والتي لا تتوفر على أبسط شروط التحصيل العلمي والتي تكدس التلاميذ في بيوت وليس أقساما في غياب تام للفضاءات الرياضية و الترفيهية، تستغل الطلبة العاطلين أبشع استغلال وتستنزف قدراتهم في شروط بئيسة بأثمنة رخيصة تستغلهم وتفرض عليهم أن يكونوا أسخياء في النقط الممنوحة للتلاميذ حتى يتم استقطاب المزيد من “المزاليط” الذي يستزفون جيوبهم طمعا في حصول أبنائهم على تعليم يؤهلهم للظفر بمنصب يخرجهم من خانة الفقر والبؤس والهشاشة، لكن للأسف مثل هذه المدارس الخصوصية لا تنجب سوى أشباه التلاميذ وما هم بتلاميذ إلا من رحم ربي، وهذا ما يتبين بمجرد التحاق أحد تلاميذ هذه المدارس الخصوصية بالمدرسة العمومية، فلا يستطيع النجاح حتى في الأقسام المشتركة التي تعتمد على المراقبة المستمرة كمعيار للنجاح، غير قادر على مجارات حتى تلاميذ التعليم العمومي الذي يتابعون تعليمهم في مدارس تفتقر إلى شروط التحصيل العلمي والتي يقاتل فيها الأستاذ من أجل حصول أبناء الشعب على تعليم يليق بهم وحيدا بعدما تخل الكل عنه، فأًصبح وحيدا يجابه الصعاب.. أما أبناء الطبقة المحظوظة فيلجون مدارس خصوصية مصنفة في ملكية مستثمرين كبار، مجهزة بكل ما يحتاجه التلميذ من فضاءات وأقسام ومساحات، تقدم تعليما جيدة وتستقطب أساتذة مؤهلين لممارسة التعليم، وتوزع التلاميذ على الأقسام بما يضمن لهم التحصيل الجيد مع الحرص على أن لا يتجاوز عددهم ما بين 20 و25 تلميذا أو على أقصى تقدير 30، لهذا تجدها غير مفتوحة في وجه العموم، بل غالبا ما تجد أصحاب هذه المدارس يقومون بانتقاء التلاميذ الذين يسمح لهم بمتابعة الدراسة، إنها تقتصر أبناء الميسورين فقط.

إلى ما يرمي كل هذا؟ إنه يرمي إلا خوصصة التعليم وضرب المجانية وبالتالي قطع الطريق على أبناء الشعب من أجل الرقي الاجتماعي وتحويلهم إلى أيادي عاملة فقط. وهذا ما يؤكد عليه الميثاق نفسه وبطريقة صريحة، من خلال الامتيازات التي منحها للقطاع الخاص من أجل الاستثمار في التعليم، حيث نجد في المجال السادس:الشراكة والتمويل، في الدعامة 125 مايلي:

“أ-وضع نظام جبائي ملائم ومشجع للمؤسسات الخاصة لمدة يمكن أن تصل إلى عشرين عاما، شريطة التجديد السنوي للامتيازات الضريبية، في ضوء التقويم المنتظم للنتائج التربوية للمؤسسة المستفيدة ولتدبيرها الإداري والمالي؛
ب-تشجيع إنشاء المؤسسات التعليمية ذات النفع العام التي تستثمر كل فائضها في تطوير التعليم ورفع جودته، وذلك باعفائها كليا من الضرائب. ويمنح هذا التشجيع شريطة خضوع المؤسسات المعنية للمراقبة التربوية والمالية الصارمة، كما يتم التجديد السنوي لهذا الامتياز في ضوء تقويم المؤسسة؛
ج-أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق، على مستوى التعليم الأولي، حسب أعداد الأطفال المتمدرسين بها، وعلى أساس احترام معايير وتحملات محددة بدقة؛
د-تكوين أطر التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة ذات الاستحقاق بشروط تحدد بمقتضى اتفاقية للشراكة ودفتر تحملات مضبوطة؛

ه-استفادة الأطر العاملة بالقطاع الخاص من أسلاك ودورات التكوين الأساسي والمستمر المبرمجة لفائدة أطر القطاع العام، وفق شروط تحدد كذلك ضمن اتفاقيات بين السلطات الوطنية أو الجهوية المشرفة على هذه البرامج وبين المؤسسات الخاصة المستفيدة.”[8] هل هناك دليل أكبر من هذا على خوصصة التعليم وخلق التفاوت الطبقي وتكريس الهوة الشاسعة بين الفقراء والأغنياء من خلال حرمان أبناء الشعب من التعليم المجاني، ومن التسلق الطبقي والرقي الاجتماعي؟ وهل ما يتعرض له الاستاذة المتدربين هذه السنة يخرج عن إطار خوصصة التعليم؟ وهل فصل التكوين عن التوظيف لا يؤكد ما ذهب إلى الميثاق من خلال الدعامة السابقة التي أقر فيها بتكوين الأطر التربوية وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة؟ إن ما أقدمت عليه الحكومة الحالية من خلال المرسومين الصادرين هذه السنة والقاضيين بفصل التكوين عن التوظيف لهو التطبيق المباشر لسياسة الدولة الهادفة إلى التخلص من مجانية التعليم ورفع يدها عنه من خلال خوصصته وتفويته إلى المستثمرين.

-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، سلسلة التشريع التربوي، الطبعة الاولى أكتوبر 2006، دار الحرف للنشر والوزيع، مطبعة دار النجاح الجديدة الدار البيضاء. ص:16.[1]
-الميثاق الوطني، ص-ص:16-17.[2]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:35.[3]
– إيمانويل كانط: أسس ميتافيزيقا الأخلاق”…..ص…[4]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:36.[5]
-الاتفاقية الخاصة بمكافحة التمييز في التعليم التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في 14 كانون الأول-ديسمبر1960,[6]
– الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 20-21.[7]
-الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص-ص: 99-100.[8]

التدوينة إلى ما يرمي إصلاح التعليم؟ ـ بوبكر بوعزة ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

إلى أين تسير قاطرة إصلاح التعليم؟ : تفكيك خطاب الحكومة حول الاصلاحات التعليمية. بوبكر بوعزة

$
0
0

إن المتتبع للشأن التعليمي سيرى أن الإصلاحات المتتالية للمنظومة التعليمية المغربية تستهدف حق أبناء الشعب في مجانية التعليم، وهذا ما أوضحناه في مقال سابق منشور على موقع أنفاس بعنوان”إلى أين يرمي إصلاح التعليم”. أما مقالنا هذا فسيتوقف عند الاصلاحات التي تستهدف الفكر الحر والنقدي، والتي تهدف خلق مجتمع هجين مروض تقني لا يعرف سوى العمل التقني دون أن يكون ملما بالفكر النقدي والحس الاجتماعي والمعرفي والثقافي الواسع.

لقد ذكرنا في مقالنا السابق أن ما يحدث الآن في مراكز التربية والتكوين ليس وليد الصدفة، ولا اليوم، بل هو تصريف لبنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين ومواده. لهذا فالانطلاق من الميثاق يبقى ضرورة ملحة باعتبار ان كل ما جاء بعده سواء تعلق الأمر ب”المخطط الاستعجالي” أو ب”الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية” ليس سوى تصريف له ولبنوده. كما أن الميثاق نفسه هو استمرارية لسياسة الاصلاحات التي بدأت من ستينيات القرن الماضي ك”مشروع بلعباس” سنة 65، و”مشروع إصلاح التعليم” لسنة 75. لكن وتيرة استهداف التعليم ستزيد من حدتها مع ثمانينيات القرن الماضي، حيث طرحت عدة مشاريع إصلاحية، منها “مشروع إصلاح بيداغوجي يعتمد نظام والوحدات والمسالك كطريقة للتدريس” والذي طُبق في الكليات التقنية، في حين ثم التصدي له في باقي الكليات وبعد تعديل طفيف ثم طرحه في موسم 92-93 تحت إسم “من أجل إصلاح جامعي شامل” لكنه باء بالفشل. وفي 94 ثم طرح مشروع “الميثاق الوطني للتعليم العالي” وبعد نقاشات حادة بين جميع الأطراف السياسية منها والنقابية ..انتهت بطرح “الميثاق الوطني للتربية والتكوين.”

لقد حدد الميثاق الوطني بعض الغايات الكبرى التي يجب أن تضطلع بها الجامعة المغربية فيما يلي؛ المادة 10:”ينبغي أن تسير الجامعة أو حري بها أن تكون مؤسسة منفتحة وقاطرة للتنمية على مستوى كل جهة من جهات البلاد وعلى مستوى الوطن كذلك:

أ‌- جامعة منفتحة ومرصدا للتقدم الكوني العلمي والتقني، وقبلة للباحثين الجادين من كل مكان، ومختبرا للاكتشاف والإبداع، وورشة لتعلم المهن، يمكن لكل مواطن من ولوجها أو العودة إليها، كلما حاز الشروط المطلوبة والكفاية اللازمة”[1] إن الغايات الكبرى التي تصرح بها هذه الدعامة تكمن في جعل الجامعة “مختبرا للاكتشاف والإبداع وورشة لتعلم المهن” مما يعني أن الجامعة لم تعد حاضنة للفكر والثقافة، منفتحة على الفنون والعلوم الانسانية والاجتماعية والأدب والقيم الانسانية العليا، وتربية الذوق الرفيع والإحساس المرهف والفكر النقدي….بل أصبحت تكوّن التقنيين والحرفيين والمهنيين. إن دل هذا على شيء فإنه يدل على ضرب الفكر والعقل la raison باعتباره عقلا يعلم الطلبة فن العيش والتعايش، وينمي الحس المرهف وتعليم التفكير، والاهتمام بالعقل ratio العقل التقني الذي يُحوسبُ الطبيعة والفاقد للقدرة على التفكير والنقد. قد يقول قائل ما الغاية من الرجوع إلى الميثاق الوطني الذي انتهت عشريته؟ ونحن نجيبه بأنه مخطئ من يعتقد أن الميثاق الوطني تم تجاوزه، بل هو في طور التصريف مع حكومة تمرير المخططات الخطيرة التي تصيب أبناء الشعب في مقتل، وإلا كيف نفهم كلام وزير التعليم العالي “الحسن الداودي” الذي بخس الشعب الأدبية وأعتبرها مجرد شعب تنتج العاطلين الذين يصبحون عالة على آبائهم لافتقادهم للتكوني التقني المؤهل لسوق الشغل، وكأن التقنية هي العلامة المميزة للتعليم الجيد في نظره؟ إن فهم هذا الكلام لا يتم إلا في سياق بنود الميثاق التي تؤكد أن غاية الجامعة هي أن تصبح ورشة لتعلم المهن. لكن أي مهن علينا تعلمها؟ أهي المهن التقليدية (الصناعة التقليدية) التي أصابها الكساد بحكم تخلي الدولة عن دعمها؟ أم أن الجامعة مطالبة بتكوين الطلبة تكوينا مهنيا وجعلهم أياد رخيصة للعمل في الورشات الصناعية التي تفتحها الشركات الكبرى بأثمنة بخسة وفي شروط لا تحترم أدمية البشر لغياب قانون يلزم الشركات بإعطاء العامل كامل حقوقه؟ لنساير السيد الوزير في كلامه ونتساءل معه: هل حملة الشهادات والدبلومات التقنية ليسوا عالة على آبائهم؟ وهل وفرتم السيد الوزير الوظائف لحملة الشهادات العليا في الفيزياء النووية والرياضيات التطبيقية وخريجي مراكز التكوين المهني…أم تركتهم عرضة للعطالة والضرب أمام باب البرلمان؟ ألا تجعل هذه الشعب الذي يتغنى بها السيد الوزير من الطلبة عالة على آبائهم كما وصفهم بحكم تفكير حكومته في التخلص من التعليم العمومي وعدم تفكيره في حلول لعطالة العقول وهجرتها؟ هذا من جهة، أما من جهة أخرى فقول السيد الوزير أن المغرب في حاجة إلى الشعب العلمية وأن خطأ الدولة في عدم توجيه التلاميذ للمواد العلمية سيعرضها للخطر، هو قول متضمن في الميثاق الوطني؛ ففي الدعامة الأولى المتعلقة بتعميم التعليم نجد في المادة 50 مايلي:”ب-تقوية التوجيه إلى الشعب العلمية والتقنية والمهنية لتستقبل على الأقل الثلثين، من مجموع تلاميذ التعليم الثانوي وطلبة التعليم العالي، في أفق السنوات الخمس القادمة، استنادا إلى التوجهات التي ينص عليها الميثاق.”[2] ما صرح به وزير التعليم العالي يوجد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين. والسيد الوزير وحكومته لا يعملان إلا على تصريف وتمرير المخططات التي ثم اقرارها من قبل، والتي عجزت الحكومات السابقة عن تمريرها بحكم الهبة الطلابية في جميع المواقع الجامعية سابقا. لكن السؤال المطروح هو: هل تتوفر مؤسساتنا الإعدادية والثانوية و الجامعية على بنيات تحتية تؤهلها لاستقبال واستقطاب التلاميذ والطبلة في التخصصات التقنية؟ هل مدارسنا وجامعاتنا مجهزة بالمختبرات والأدوات العلمية التي تجعل طلابنا يجربون ويختبرون ويبحثون ويبتكرون؟ وهل لنا بنايات جامعية مجهزة بالمختبرات العلمية وقادرة على استقطاب عدد وفير من الطلبة العلميين والتقنيين؟ وهل تمتلك الدولة القدرة على توظيف هؤلاء الطلبة الذين سيتخرجون من هذه الكليات أم سيكون مصيرهم كمصير حملت دبلومات التكوين المهني؟

إذن ما هي الوظائف التي تطلع بها الجامعة المغربية؟ نجد في الميثاق الوطني، الدعامة الرابعة، مجال التعليم العالي المادة 77:”يرمي التعليم العالي إلى تحقيق الوظائف الآتية:

– التكوين الأساسي والمستمر؛
– -إعداد الشباب للاندماج في الحياة العملية؛
– -البحث العلمي والتكنولوجي، مع مراعاة ما تنص عليه المادة 126 من هذا الميثاق؛
– -نشر المعرفة.”[3]

لنتوقف عند هذه النقطة قليلا التي تتناول وظائف الجامعة. إن نشر المعرفة هي آخر وظيفة يمكن أن تضطلع بها الجامعة هذا شيء له دلالة خاصة، تفيد تهميش ريادة الجامعة في نشر الفكر والمعرفة. اما جعل التكوين الأساسي والمستمر على رأس الوظائف التي تضطلع بها الجامعة فهو ما لا يخلو من دلالة ويدفعنا إلى التساؤل عن السبب الذي جعل الدولة تعطي كل هذه الأولية للتكون الأساسي والمستمر. فلماذا أُعطيت لهذه الوظيفة الأولوية على حساب باقي الوظائف؟ الجواب تقدمه المادة 56 التي تتحدث عن التكوين المستمر:” يتمفصل نظام التكوين المستمر بناء على منطق السوق الذي يعد وحده القمين بمواكبة حاجات المقاولات من الكفايات بطريقة فعالة. ويشجع هذا النظام مؤسسات التربية والتكوين على اندماج أقوى في مجال الشراكة مع المقاولات والإدارات. كما يحفز على تنمية وحدات للتكوين المستمر والاستشارة على مستوى الجمعيات المهنية، وييسر كذلك الاعتراف بموقع العمل كمجال للتكوين.”[4] إذن لا يمكن فهم تصريحات وزير التعليم العالي السيد الداودي إلا في هذا الاطار وهو إخضاع التعليم لمنطق السوق لا إلى منطق الميولات الفردية والفكرية للطلاب وكذا انفتاحهم على المواد الروحية والإنسانية والاجتماعية التي أصبح الجدال في أهميتها ضربا من العماء والغوغاء لا أقل ولا أكثر. وهذا التمرير لقرارات الميثاق الوطني وللقوانين المنبثقة عنها لا تتجلى في خطابات السيد “الحسين الداودي” فقط، بل حتى في قرارات وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد “رشيد بلمختار”، فقراره المتعلق بتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية ما هو إلا تطبيقا للمادة 114 من الميثاق الوطني التي تصرح بمايلي:”حرصا على إرساء الجسور الصالحة واللائقة من التعليم الثانوي إلى التعليم العالي، واعتمادا على توجيه تربوي قويم وفعال، وضمانا لأفر حظوظ النجاح الأكاديمي والمهني للمتعلمين، يتم تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك البكالوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم العالي.”[5] قد تكون هذه النقطة ايجابية ليس من حيث اختيار اللغة الفرنسية، ولكن من حيث تجاوز الهوة التي يسقط فيها الطالب الذي تلقى تعليمه باللغة العربية في التعليم الثانوي ويجد نفسه ملزما بمتابعة تعليمه الجامعي باللغة الفرنسية، وهو ما كان يعرقل مساره التعليمي ويؤدي به إلى الرسوب والهذر. لكن من ناحية أخرى تُفسر هذه النقطة أن ما تقوم به هذه الحكومة هو تصريف وتمرير لجميع البنود التي تضمنها الميثاق والتي تم التصدي لها في وقت من الأوقات، وهو ما يؤكد على أن هذه الحكومة لا تملك سلطة القرار وإلا كيف نفهم أن من ثوابت الحزب الحاكم الحفاظ على اللغة العربية في التدريس وتقويتها والحفاظ على الثوابت الوطنية والهوية العربية الإسلامية وفي نفس الوقت تعمل على فرنسة التعليم والارتماء في أحضان الرأسمالية والاستعمار الجديد؟ ألا يبرهن هذا التناقض على أن الحكومة الحالية مجرد حكومة تصريف وتمرير لما عجزت عن تصريفه باقي الحكومات؟

يتبين مما سبق أن ربط الجامعة بالمحيط الاقتصادي يعني جعل التعليم في يد المقاولات الرأسمالية الشرسة وجعل الجامعة معهدا للتكوين المهني وليست مؤسسة عليا لتحصيل العلم والمعرفة. فربط الجامعة بالمحيط الاقتصادي سيجعل مهمة تحديد المقررات والبرامج التعليمية في يد المقاولات وهو ما يصرح به الميثاق في المادة 126 :” توطد “الوجائه ” interface” بين الجامعات والمقاولات لترسيخ البحث في عالم الاقتصاد وإفادة المقاولات بخبرات الجامعات، وتيسر إضفاء القيمة المستحقة على نتائج البحث وتعميمها.”[6] بمعنى أن الجامعة حسب هذه المادة ستصبح حاضنة للمقاولات وتابعة لها في برامجها. فلا يجب على الجامعات أن تدرس سوى ما ترغب فيه المقاولات حسب حاجياتها ومتطلباتها. هكذا إذن تصير الجامعة عبارة عن مؤسسة لتكوين اليد العاملة وصقلها، لا مؤسسة لإنتاج المعرفة ونشرها. بل حتى اعتمادات “صندوق دعم البحث والإبداع” لا يمول إلا المشاريع التي تنشئها المقاولات، وهو ما يؤكد عليه الميثاق في المادة 128:”تعطى الأولوية في مجال منح الاعتمادات من لدن هذا الصندوق(صندوق وطني لدعم البحث والإبداع يمول بمعونات الدولة، وإسهامات المقاولات العمومية والخاصة، وهبات الخواص والمنح الواردة من التعاون الدولي)، للمشاريع الداعمة للتعاون بين الجامعات والمقاولات. ومن ذلك، تمويل مشاريع البحث والتنمية التي بادرت إلى إنشائها المقاولات وتشارك فيها مختبرات للبحث العلمي الجامعي، وتمويل أطروحات للدكتوراة تخص المقاولات التي عليها أن تشارك في هذا التمويل.”[7] فالبحوث العلمية وأطروحات الدكتوراه تخضع لمنطق المقاولات.

أما فيما يتعلق باستقلالية الجامعة فإن الميثاق يصرح في المادة 150 ب:”يتم الارتقاء بالجامعة إلى مستوى مؤسسة مندمجة المكونات، ذات استقلال مالي فعلي وشخصية علمية ومتميزة، وتنظم على صعيد الجامعة الجذوع المشتركة والجسور، ومشاريع البحث المتعددة التخصص التي تمكن من جلب موارد إضافية؛ وتستعمل هذه الموارد على الوجه الأمثل ويتم حسن توزيعها على جميع المؤسسات التابعة للجامعة أو المرتبطة بها، أو الفاعلة معها في إطار الشراكة. وتستفيد الجامعة من ميزانية تمنحها الدولة تحدد حسب معايير واضحة وعلنية، وتدبر مواردها البشرية في جميع مكوناتها.”[8] استقلالية الجامعية إداريا وماديا وبيداغوجيا يعني أن الجامعة من الناحية البيداغوجية ستختلف مقرراتها من جامعة إلى أخرى تبعا للمحيط الاقتصادي لكل جامعة. إن استقلال الجامعة ماليا وادرايا وبيداغودجيا يعني فتح المجال للرأسمالية من أجل الاستحواذ عليها وعلى خيرات البلاد والعباد وتحويلها إلى مشتل خصب للأيادي العاملة الرخيصة، من ناحية، ومن ناحية أخرى وإفقاد الجامعة ذلك الطابع الانساني الكوني المتمثل في التكوين الثقافي والفكري المشترك والمنفتح.

رمي الجامعة في أحضان المقاولات دليل قاطع على خوصصتها وبذلك لا يمكن ولوج الجامعة إلا بدفع رسوم التسجيل، وهو ما يؤكد عليه الميثاق في المادة 173 في المبدأ الثالث:”تفعيل التضامن الاجتماعي بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، وفي مرحلة لاحقة في التعليم الثانوي حسب ما تنص عليه المادتان 174 و175.”[9] أي استضعاف الشعب من أجل استعباده. لا أجد أفضل من هذه القول لنيتشه لإنهاء مقالي هذا:”لا تخلطوا إذن، أيها الأصدقاء بين هذه الثقافة، هذه الآلهة الأثرية ذات الأرجل الرشيقة والحس المرهف، وتلك الخادمة الخانعة والتي تدعى هو الأخرى في غالب الأحيان ال”ثقافة” والتي ليست سوى خاضعة وتابعة وناصحة لبؤس الحياة في شكل “ثقافة” إن كل تربية من أجل الوظيفة والمعاش ليست تربية من أجل الثقافة-كما نفهمها- فهي تضع فقط العلامة على الطريق الذي ينقذ الذات ويحميها في صراع البقاء”[10]

[1] -الميثاق الوطني للتربية والتكوين، سلسلة التشريع التربوي، الطبعة الأولى أكتوبر 2007، دار الحرف للنشر والتوزيع، مطبعة النجاح الجديدة- الدار البيضاء، ص:7.
[2] -الميثاق الوطني، ص:20.
[3] -الميثاق الوطني للميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:46.
[4] -الميثاق الوطني، ص33.
[5] -الميثاق الوطني، ص:65.
[6] -الميثاق الوطني، ص:72.
[7] -الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ص:73.
[8] -الميثاق الوطني، ص:90.
[9] -الميثاق الوطني، ص: 105.
[10]-نيتشه:حول مؤسساتنا التعليمية، المحاضرة الرابعة، ترجمة مصطفى كاك وعائشة أنوس:”نيتشه المربي” مجلة الجدل العدد 1 -ص:99.

التدوينة إلى أين تسير قاطرة إصلاح التعليم؟ : تفكيك خطاب الحكومة حول الاصلاحات التعليمية. بوبكر بوعزة ظهرت أولاً على توجيه بريس|.

Viewing all 156 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>